سامي النصف

التاريخ صدفة

نشرت مجلة «التايم» الأميركية في عددها الأخير تحقيقا مثيرا اثبتت خلاله تطابق ما حدث في العالم العربي عام 2011 مع ما حدث في أوروبا عام 1848، ففي تونس بدأت الثورة وهرب الرئيس الى الخارج ثم انتشرت سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة الى ثماني دول عربية وهو ما حدث تماما في باريس 1848 عندما ثارت الجماهير فهرب الملك لويس فيليب الى الخارج وانتقلت الثورة سريعا عبر التكنولوجيا الحديثة (التلغراف) الى ثماني دول أوروبية فثارت شعوبها وتغيرت بعض أنظمتها وحكوماتها، وقد أظهر التحقيق 12 قاسما مشتركا بين الحالتين الأوروبية والعربية، ثم انتهى ما كتبته المجلة بحقيقة تظهر ان الأمور عادت سريعا الى سابق عهدها في الدول الأوروبية خلال أقل من عامين بعد ان لاحظت الشعوب ان الأمور زادت سوءا بدلا من ان تتحسن أحوالها الاقتصادية.

لي ان أضيف لذلك التحقيق المهم، وإيمانا منا بأن التاريخ تحركه الصدف لا المؤامرات، تطابقا آخر بين ما حدث في مصر مبارك 2011 واندونيسيا سوهارتو 1998 وإيران الشاه 1979 فالحكام الثلاثة وصلوا لسدة الرئاسة بعد انقلابات وأعمال دموية قتلت أو عزلت من كان قبلهم، واتهم بها الغرب، واستمر حكمهم ثلاثة عقود ثم تساقطوا ابان تسلم الديموقراطيين مقاليد الحكم في أميركا (كارتر وكلينتون واوباما).

وقد استطاع الثلاثة وبمساعدة من الولايات المتحدة والغرب ان يقوموا في السنوات الأولى لحكمهم بإنجازات ضخمة فيما يخص الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي وتطوير وتمدين دولهم واستقرار عملتهم مما أثار إعجاب شعوبهم بهم، إلا ان طول المدة وفساد الأبناء والأقرباء (أشرف وتومي وجمال) اثار حنق العامة عليهم، وزاد النار اشتعالا الحملات الإعلامية الدولية ضدهم، كما أساء إليهم العنف غير المبرر الذي استخدم ضد المحتجين، فتحول المتظاهرون من آلاف إلى ملايين في الحالات الثلاث.

وقد سقط الشاه 1979 بثورة دينية تقنية (الكاسيت) غير مسبوقة في التاريخ، كما سقط سوهارتو 1998 بثورة بنكية اقتصادية وثورة طلابية غير مسبوقة في التاريخ كذلك، والحال ذاته مع مبارك 2011 الذي أسقطته ثورة سياسية شعبية غير مسبوقة في تاريخ مصر، شاه إيران وسوهارتو أعلن عن مرضهما بعد عزلهما ولم يسجنا حتى موتهما وقد أعلن عن مرض الرئيس مبارك وقد يبقى لأسباب عدة بعيدا عن الاعتقال والمحاكمة حتى رحيله.

وضمن الحملة الإعلامية على الثلاثة انهم اتهموا باختلاس مليارات الدولارات «شاه 25 مليارا»، «سوهارتو 35 مليارا»، «مبارك 70 مليارا» ولم تثبت القرائن والأدلة تلك الدعاوى، ولم يسترد في النهاية شيء من تلك الثروات المدعى اختلاسها، بل ان سوهارتو كسب قضية تعويض في سبتمبر 2007 (عام قبل وفاته) على مجلة «تايم آسيا» بـ 125 مليون دولار بسبب الدعاوى الزائفة المبالغ فيها عن ثروته، وقام على اثرها برفع دعوى بـ 27 مليار دولار على مجلة «التايم» الأميركية بسبب مئات المقالات التي اتهمته باختلاس المليارات، وفي النهاية اتهم الثلاثة حلفاءهم لا أعداءهم بالتسبب في إسقاطهم.. والله أعلم!

آخر محطة:

1 ـ زرت مصر قبل مدة، وهي آمنة تماما، وأدعو الناس لزيارتها، وان كان اعلامها غير المحترف يدمرها عبر تكبيره وتضخيمه لأمور أمنية تحدث في العالم أجمع، مما يخيف السائحين والمستثمرين، إضافة الى تحريضه الناس على الانتقام واجتثاث الآخرين، وهو أمر مجرب تسبب في تدمير العراق.

2 ـ نشرت مجلة «اليوم السابع» المصرية على صدر صفحتها الأولى ان نصيب كل فرد مصري من الثروات المسروقة والمتأمل استردادها هو 187 ألف جنيه، أي ان نصيب الأسرة المعتادة المكونة من 10 أشخاص هو 1.8 مليون جنيه، خبير اقتصادي ذكر على احدى الفضائيات ان ذلك المبلغ خطأ وان الرقم الصحيح للثروات التي سيتم استردادها هو 300 ألف جنيه للفرد صغيرا كان أو كبيرا، ولا حول ولا قوة الا بالله.

احمد الصراف

فاطمة توباز.. رائدة تركية

في آخر زيارة لتركيا لفت نظري أن أكبر عملاتها الورقية تحمل صورة امرأة، وهو الأمر غير المعتاد في دولنا النص خربانة.
أثار الأمر فضولي، وبالبحث تبين أنها لأول روائية تركية في التاريخ، وكاتبة العمود والناشطة في مجال حقوق المرأة والقضايا الإنسانية، فاطمه علي توباز.
ولدت فاطمة ضمن أسرة ميسورة ومتعلمة، فوالدها أحمد باشا كان مؤرخا معروفا وواليا على أكثر من مدينة تركية وعربية. كما كانت والدتها من وجيهات اسطنبول. وبسبب ظروف والدها فقد عاشت في أكثر من دولة وتعلمت الكثير ولكن في البيت وليس من خلال التعليم التقليدي، وأتقنت التحدث والكتابة بالعربية والفرنسية إضافة إلى التركية.
تزوجت بطريقة تقليدية وهي في السابعة عشرة وأنجبت 4 بنات، وكان زوجها محافظا وكان يمنعها من قراءة الكتب الأجنبية.
كتبت أول أعمالها الأدبية في 1889، وكان عبارة عن ترجمة متقنة الى التركية لرواية فرنسية للقاص Georges Ohnet، ووجدت انتشارا مقبولا. ومن ثم توالت بعدها أعمالها الأدبية مع آخرين أو بصورة منفردة، كما كتبت لسنوات باسم مستعار، وروايتها «أعمال مفيدة»، 1892 كانت الأولى التي حملت اسمها الصريح، وقد استمرت كتاباتها في التطور هادفة نصرة المرأة وتحررها واعطاءها الحق في اختيار الزوج والاعتماد على نفسها ماديا، وان يكون لها احترامها في المجتمع، وقد بلغت شهرتها عاليا مع كتابها «ميلاد كاتبة عثمانية انثى»، الذي احتوى مجموعة رسائل تتعلق بعشقها الأبدي للتعلم، والذي ترجم للغات عدة ونال اعجاب الكثيرين. كما لم تتوقف في السنوات 1864 حتى ما قبل وفاتها بقليل، عن كتابة عمودها الصحفي، الذي خصصته للدفاع عن حقوق المرأة. كما كان لفاطمة أنشطتها الإنسانية أثناء الحرب التركية اليونانية، واسست جمعيات لتقديم العون للمحتاجين واسر الجنود، ومنحها السلطان عبدالحميد وساما تقديرا لجهودها. كما أصبحت أول امرأة عضو في «الهلال الأحمر» العثماني.
وعندما اسس الزعيم التركي العظيم مصطفى كمال أتاتورك تركيا الحديثة اصدر في عام 1934 قراراً بضرورة أن يكون لكل تركي لقب، وهنا اختارت لقب «توباز» كاسم لعائلتها، وتوفيت فاطمة في 1936 بعد تدهور صحتها. وتقديرا لسيرتها وضعت الحكومة التركية صورتها على أكبر فئات عملتها النقدية.
تعتبر «زافر هانم»، أو السيدة ظافر، أول روائية تركية، إلا أنها لم تدخل التاريخ بتلك الصفة لأنها كتبت رواية واحدة فقط! والسؤال: أين رائدات النهضة بيننا، ولماذا لا نرى تكريما يليق بمكانة أي منهن؟

أحمد الصراف