سامي النصف

الملكيات الدستورية والحكومات الشعبية

بعد مطالبات تغيير الدوائر الى خمس التي تسببت في تفشي الطائفية والقبلية والفئوية وشراء الأصوات بشكل غير مسبوق، ومنع النزهاء والأكفاء والأمناء من الترشح بسبب ضخامة الكلفة المالية التي تسببت في دخول الأموال الخارجية لدعم بعض المرشحين، بدأنا نسمع بمطالبات مدمرة أخرى بالتحول الى الملكيات الدستورية والحكومات الشعبية والأحزاب والدائرة الواحدة وجميعها يُقصد منها القفز من معلوم الى مجهول (قمة قلة الحكمة) واستبدال أمننا بالخوف ووحدتنا الوطنية بالتشرذم والتناحر.

والملكيات الدستورية قامت في أوروبا لظروف غير ظروفنا، فأسرهم الحاكمة قدمت من دول أخرى فهم في الأغلب غرباء على الدول التي يحكمونها، وأعدادهم لا تزيد على رقم أحادي لا يضير معه ان حرم من الممارسة السياسية، بينما الوضع مختلف تماما في الخليج، حيث أنشأت الأسر الحاكمة الدول، وأعدادها كبيرة ومن ثم لا يجوز عزلها عبر منعها من الترشح للبرلمان ومن دخول الحكومة التي ستشكلها الأحزاب الفائزة ومن ثم يعلم من يتقدم بهذه المطالب في الخليج انه يتقدم بطلب استحالة يقصد منه البلبلة والفوضى اضافة الى حقيقة ان الملكيات الدستورية الشبيهة بالملكية البريطانية قد جربت في مصر والعراق والأردن وليبيا ولم تنفع حيث تدخّل ملوك تلك الدول في العمل السياسي رغم ملكياتهم الدستورية نظرا لفارق الثقافة السائدة في المنطقة عنها في أوروبا.

أما ما يخص «الحكومات الشعبية» فلم يرتد العرب عن الحكم الديموقراطي في مصر والعراق وغيرهما إلا بسبب تلك الحكومات الشعبية التي كانت تشتهر بـ «الاستباحة» حيث يقوم الحزب الفائز باستباحة الوظائف والأموال العامة لمصلحة منضويه وطاردا منافسيه، وهو أمر شهدنا مثيلاً له بالكويت عندما تسلم بعض الوزراء الشعبيين مقاليد الوزارات، ولنا ان نتصور ما سيحدث عندما تسلم جميع الوزارات ومعها الميزانية العامة للدولة لحزب الأغلبية!

الأكيد سيبيت نصف الكويتيين في الشارع ولن يبقى في الخزينة فلسا أحمر ومن يحزن هذه الأيام على التجاوزات المرفوضة على «بعض» المال العام سيبكي دما في الغد عندما يتم التجاوز جهارا نهارا على «كل» المال العام حتى لا يبقى منه شيء.

أما «الحزبية» فقد ثبت فشلها الذريع في منطقتنا، ولا يجوز ان يجرب المجرب، كما ان نظام الدائرة الواحدة غير معمول به في جميع الديموقراطيات المتقدمة والعاقلة، وقد جرّب نظام القوائم النسبية في العراق الشقيق فلم ينتج عنه القضاء على الفئوية والطائفية بل جذّرها وتسبب في خلق فرق الموت والتفجيرات بعد ان شعر البعض بالاقصاء وان تمثيلهم ليس إلا تمثيلا شكليا يتم من خلاله إلحاق الإمعات بالقوائم التي تشكلها التجمعات والطوائف الكبرى، ان نظام «الدوائر» خلق لضمان تمثيل «جميع» شرائح المجتمع وهو ما لا يحققه نظام الدائرة الواحدة الكفيل بتدمير الكويت تدميرا شاملا.

آخر محطة

(1): المطالبة بجمهورية اسلامية في البحرين او حتى حكومة اسلامية شعبية لا فرق موالية لإحدى دول المنطقة، يعني تحول الوضع الاقتصادي الحالي الى ما هو أسوأ بمئات المرات، فالبحرين جزيرة صحراوية صغيرة لا موارد طبيعية فيها، بل يقوم اقتصادها على وجود الشركات والبنوك الغربية والعالمية، ودعم الدول الخليجية الشقيقة (مشروع مارشال الخليجي) وجميعها أمور ستتوقف فيما لو تم تحقيق المطالب الثورية المقدمة، وحسنا فعل الرئيس جاسم الخرافي برفضه الحديث مع الوفد البحريني الزائر عن بعض المطالب المدمرة، وكم من يوم بكيت منه فلما أصبحت في غيره بكيت عليه..

(2) مما هو مثبت تاريخيا رغبة صدام في اجتياح المنطقة الشرقية للسعودية والبحرين وغيرها من الدول الخليجية وعدم الاكتفاء بابتلاع الكويت، لذا فالامتنان للموقف التاريخي السعودي عام 1990 الذي أوقف زحف الطاغية، يجب ألا يتوقف عند الكويت بل ان يمتد لمواطني الدول الخليجية الأخرى، وعيب ما قيل بحق الجارة والشقيقة الكبرى السعودية وقيادتها.

احمد الصراف

شعب يستحق العيش

قامت مؤسسة استقصاء قبل سنوات بتوجيه سؤال لعدد من المواطنين الأميركيين عن الجهة التي سيقومون بالاتصال بها هاتفيا، في حال حدوث كارثة أمامهم تمنعهم من التحرك، وان ليس في امكانهم اجراء غير مكالمة هاتفية واحدة، وكانت اجاباتهم جميعاً تقريباً انهم سيقومون بالاتصال بأسرهم! وعند توجيه السوال نفسه لعدد مماثل من اليابانيين اجاب الغالبية بانهم سيقومون بالاتصال برئيس عملهم وسؤاله عما يجب القيام به!
وعندما ضرب الزلزال المرعب الأخير السواحل اليابانية، وما رافقه من تسونامي هائل وتسرب نووي مخيف، اضطررت، على غير عادتي، لمشاهدة التلفزيون بكثافة، ومراقبة ورصد ردود فعل هذا الشعب العظيم، والذي كان له الدور الكبير، الذي يجب ألا ينسى في تحريرنا، ولفت نظري عدم رصد وسائل الاعلام لأية حالات نهب وسلب، كالتي شهدتها مدن اميركية وقت اعصار «كاترينا»، كما لاحظت من ردود اليابانيين على أسئلة مراسلي القنوات الفضائية مدى اتسامهم بالهدوء ودقة اتباعهم لتعليمات السلطات وسيطرتهم على مشاعر الذعر والهلع، كما كان لافتاً اهتمامهم الكبير بمن كانوا يعملون معهم أو تحت امرتهم، وما أبدوه من قلق يتسم بوقار شديد، لمصير من فقدوا من أهل، وقلقهم التالي على زملاء العمل وشركائهم، كما شاهدت أكثر من مشهد مؤثر لرجال أعمال التقى أحدهم بعامل يعمل لديه، فاغرورقت أعينهم بالدموع فرحاً، وكيف تعانق آخر مع زميل له في الشركة نفسها وكأنهما اخوين لم يلتقيا منذ سنوات، وكيف ابدى أكثر مر رجل أعمال قلقه على مصير موظفي شركته التي جرفت السيول مصنعه وساوته بالأرض، وما قاله من انه يستطيع العودة لنشاطه السابق بموظفيه وعماله وليس بالمباني والمعدات، وقد بينت لي كل هذه الحوادث الصغيرة، والكبيرة في معانيها، مدى عظمة الياباني وولائه لمكان عمله، مالكا أو عاملاً، وهو الولاء النابع من ولائهم لوطنهم.
ان هذا الشعب الذي عانى الكثير في تاريخه الحديث من الكوارث وابادة شبه جماعية في الحرب العالمية الثانية، عندما القيت على مدنه قنبلتان نوويتان تسببتا في مقتل وتشويه ابدي لمئات الآلاف، والذي أصبح بعدها أكثر ميلا للسلام العالمي، ومحبا للحرية، والذي يمنعه دستوره من المشاركة في اية عمليات حربية خارج ترابه، أصبح في فترة قياسية ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، على الرغم من افتقاره لكل الموارد والثروات الا العنصر البشري، وكما خرج من تحت رماد هيروشيما وناكازاكي شامخاً، سيرتفع من خلال انقاض الزلزال والكارثة النووية والتسونامي اقوى مما كان، ولكن هذا لا يعني انه لا يحتاج لنا، وعلينا جميعاً ان نمد له يد العون من خلال الحملة الوطنية لمساعدة الشعب الياباني.

أحمد الصراف