سامي النصف

أوديسا الماضية وأوديسا الحاضرة

على دفة قيادة سفينة الكويت هذه الأيام نوخذة ماهر أمضى ما يقارب نصف القرن في معترك السياسة الدولية والإقليمية، ويعلم طرقها ومسالكها بشكل لا يعلمه الآخرون من نواب وكُتاب على سبيل المثال، نرجو ألا ندخل إستراتيجيات بلدنا الكبرى في مناكفاتنا الصغرى، ولا يحتاج أحد إلا فرد خارطة المنطقة أمامه ليرى حساسية الموقع وعدم جدوى سياسة حرق الأخضر واليابس أو مبدأ هدم المعبد على رؤوس الجميع، فأمورنا جدها جد وهزلها جد كذلك، ولا تحتمل اللعب الانفعالي بها.

***

البحرين بمثابة العين والسعودية جارة لا نستطيع أن نوفي قيادتها وشعبها حقهم من الثناء والشكر، مستذكرين مقولة الملك فهد، رحمه الله «تعود الكويت او تذهب السعودية معها»، وإيران جارة مسلمة لم نر منها أو من رعاياها إلا كل خير، لذا لا مصلحة لنا على الإطلاق في أن نسيء لعلاقاتنا بأي من تلك الدول المهمة في المنطقة والعالم، والدور الأفضل للإقليم ان تكون الكويت ملتقى للأشقاء والفرقاء ومكانا يخفف الكراهية والبغضاء، فقد شبعت منطقتنا حتى الارتواء من قضايا الاختلاف والاحتراب المتواصلة.

***

ما حدث خلال الأيام الماضية في الكويت، أخطاء تصحح بأخطاء لا تقل عنها شناعة وبشاعة، فتوزيع الاتهامات يمينا وشمالا أمر مرفوض، والإساءة لجيران الكويت لأسباب انتخابية أمر مرفوض، والتدخل في شؤون الدول الأخرى تحريضا وتأجيجا أمر مرفوض، واستغلال المناسبات للعودة للاستجوابات أمر مرفوض، واستقصاد المسؤولين على الهوية لا القضية أمر مرفوض، والقائمة تطول وتطول ليدفع بلدنا ثمن القائمة من استقراره السياسي ونموه الاقتصادي.

***

الكويت ولادة، فوسط الإحباط ومعارك السياسة والهواء الساخن التي لا تنتهي، تسطع إضاءات وإنجازات كويتية باهرة كفوز د.فايزة الخرافي بجائزة لوريال يونسكو للنساء والعلوم لعام 2011 وهي جائزة علمية رفيعة، واختيار د.رولا دشتي من قبل مجلة نيوزويك ضمن افضل 150 شخصية نسائية في العالم، وحصد النائب الفاضل علي الدقباسي لمنصب رئيس البرلمان العربي خلفا للقيادة القذافية السابقة.

***

آخر محطة: (1) تم إطلاق تسمية فجر «أوديسا» على الحملة العسكرية الحالية على ليبيا، وللعلم «أوديسا» هو مسمى عملية مخابراتية ضخمة تمت مع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية وقام الغرب خلالها بتوفير وسائل الهرب والملجأ لقيادات ألمانية كبرى (يقال ان منها هتلر!) عبر الادعاء بموتهم وقتلهم في وقت سهل فيه وصولهم بأسماء مستعارة للعديد من دول أميركا اللاتينية، فهل أوديسا الحالية هي تمهيد لإخراج العقيد؟! نرجو ذلك.

(2) الاعتداء على د.البرادعي أمام وسائل الإعلام يقصد منه القتل السياسي له لصالح أحد منافسيه، فكيف يدافع عن مصر من لا يستطيع الدفاع عن نفسه؟!

في عام 54 تم الاعتداء على د.السنهوري كي لا يرشح نفسه أمام عبدالناصر والأرجح ان الاعتداءين يقف خلفهما فكر غوبلزي ـ هيكلي واحد.

احمد الصراف

لنتعلم من الصين شيئاً

تعتبر الصين من أكثر اقتصادات العالم نموا، وستتجاوز قوتها الاقتصادية أميركا عام 2020، فنموها المستمر منذ ثلاثين عاما بنسبة %10 سنويا أثار انتباه مارتن جاكس Martin Jaques كاتب العمود في «الغارديان»، فوضع كتابWhen China ruled the World حاول فيه تحليل سر قوة الصين واستمرار نموها، وتوصل إلى نتائج مثيرة، حيث يقول انها المرة الأولى التي يتقدم فيها اقتصاد خارج المنظومة الغربية بتلك السرعة والثبات، وان هذا قضى على الاعتقاد الشائع بأن كل تقدم اقتصادي يعني قربا أكثر للحضارة الغربية، فالصين، بنظره، لن تصبح غربية أبدا، كما أنها دولة في أمة أو سلالة، فتسعون في المائة من الصينيين يؤمنون بأن اصولهم تعود لسلالة الهان Han، التي تعود لألفي عام، وهذا ما يوحدهم ويجعلهم يشعرون بأنهم جسد واحد. فالاحساس بالصينية لا يأتي من الانتماء لدولة بل لسلالة تدين بالولاء للأجداد وتعطي أهمية قصوى للعلاقات العائلية ومبادئ كونفشيوس وقيمه، وبالتالي تستمد قوتها من كونها دولة حضارة وليس دولة كيان سياسي، فلا يمكن إدارة كل ذلك الاتساع الضخم وبعدد سكان يتجاوز المليار و300 مليون من «بكين»، بل يتطلب الأمر وجود قيم تساعد السلطة في عملها، فهم لا يعتقدون بأنها جسد دخيل أو مؤقت يتطلب الأمر تغييره بين الفترة والأخرى بحزب أو نظام آخر، كما هو الحال في المجتمعات الغربية المتقدمة، بل هي عضو في العائلة وكبيرها غالبا، وهي المؤتمنة والمكلفة المحافظة على الحضارة الصينية وسلالة الــ«هان»! كما أن السلطة أو الدولة في الصين لم تواجه في تاريخها تحديات كالتي واجهت المجتمعات الغربية كالكنسية أو الارستقراطيين، الذين صودرت ممتلكاتهم أو التجار،، بل بقيت من غير تحد حقيقي للألف عام الأخيرة، وبالتالي فإن الولاء للقيادة أكبر منه في اي ديموقراطية غربية. وشعور الصينيين بأن أصولهم تعود للهان، بخلاف الدول الأخرى ذات الكثافة العالية، كالهند وأميركا والبرازيل واندونيسيا، جعل منهم مجتمعا مترابط الهوية، ولكن لمثل هذا الفهم عيوبه الثقافية لأنه يجعلهم ينظرون للآخر بغير اكتراث أو احترام.

أحمد الصراف