ليس من اللازم أن نصف التشكيك في انتماء المواطن لبلده وولائه بأنهم شراذم! وأنهم، سواء كانوا جماعات أم أفراداً، إنما هم مجرمون يرتكبون أبشع الجرائم وأفظعها حين يشعلون فتيل الفتنة، ويرفعون شعارات دموية للنيل من انتماء طائفة كبيرة ويدعون عليها بالويل والثبور والإبادة… والحال ذاته، ينطبق على الطرف الآخر، الذي ينال من أبناء الطائفة الأخرى، والنتيجة… أيّاً كان الطرف المصر على ممارسة سلوك تفتيت أبناء المجتمع فهو يرتكب جريمة في حق الوطن والمواطنين حتى وإن استهان بها وشجعه عليها آخرون.
شعار كاذب فاحذروه!
هناك مفارقة عجيبة لدى أنصار همجية التشكيك! فهم كانوا يهاجمون كل تجمع أو مسيرة أو اعتصام أو تظاهرة لا تحمل علم البحرين! وكانوا يرفعون أصواتهم في خطبهم وتصريحاتهم الصحافية المقولبة، وفي مقالاتهم وأعمدتهم الراقصة على «الوحدة ونص» بالاستنكار لعدم وجود علم البحرين فيما هناك أعلام أخرى من هنا وهناك!
حسناً، الحق معهم، لكن، لا يمكن أن يكون الحق مع أي من يتقولب هو الآخر على ظهره وبطنه وفق هواه وطائفيته ونفسه غير الطيبة على طول الخط فالنوايا الخبيثة تنكشف! وإلا، هل من المعقول أن يكون شغلهم الشاغل وغضبهم الظاهر هو «استنكار» حمل المشاركين في الاعتصامات والتظاهرات والفعاليات الوطنية لعلم البحرين بمكانته الكبيرة السامية في قلوب المواطنين، والادعاء بأنها لعبة وعمل غير صالح؟ والأمر ذاته انطبق على شعار: «إخوان سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه»، فقد امتلأت رؤوس الكثير من الناس الذين لديهم قابلية سريعة للإصابة بفيروس الطائفية بأن هذا الشعار ما هو إلا شعار مخادع كاذب فاحذروه!
على أي حال، لا يمكن قبول المشاهد المؤسفة المفجعة التي شاهدناها على مدى الأيام الماضية، وربما، وهذا ما لا يتمناه أي بحريني بل ولا أي مقيم شريف يحب البحرين وأهلها… أن يتعرض للضرب المبرح والإهانات والبصق والركل والطعن أي مواطن لأنه يحمل علم بلاده، أو تنفتح لدى البعض «محاكم التفتيش» المخزية ليحاكم ضمائر الناس وما في قلوبهم، بل ويصدر حكماً على هذا الشاب لأنه يحمل العلم صادقاً مصدقاً وله كل الاحترام، ويصدر حكماً على آخر التعذيب حتى إسالة الدماء لأنه غير صادق وغير مصدق في حمله لعلم البحرين.
لا بأس، سيتوالى القول من البعض، من أصحاب الطرف المشكك في انتماء المواطنين، وبالتالي المشكك في صدق النوايا، وبالتالي… يعقد محاكم تفتيشه ليقول: «نعم هم كذلك… أنتم كذلك، لستم صادقين؟»… لكن، رغماً عن أنفه وأنف أمثاله، فإن كل مواطن رفع علم البحرين عالياً، أو وضعه على صدره، أو رسمه على منزله أو لصقه على سيارته، فهو إنما يعبر عن حب حقيقي لوطن غال ولتراب غال ولجذور ضاربة في التاريخ، لعراقة شعب لا يمكن تفكيكه بالحملات الطائفية وعصابات التشكيك في الولاء والانتماء، وعصابات الرعب والموت الذين يضع البعض لهم المبررات بناءً على الأخطاء التي وقعت هنا وهناك، وكأن القول بأن هناك أخطاء أو ممارسات مخالفة للقانون، تلزم إرسال شراذم الرعب والخسة.
بعد كل ما تقدم، وهو مؤلم مؤسف دون شك، سيتكرر الحديث بيننا جميعاً حول ما ننعم به من تلاحم ومحبة بين الطائفتين الكريمتين اللتين يظللهما هذا العلم، وليس من حق أي طرف، كائن من يكون ومن أي جهة وبقعة جاء، أن يوزع الولاءات ويصدر صكوك البراءة والإساءة، إنما هو سلوك حيواني سيئ يريد صاحبه أن يصب جام غضبه على عنوان كبير اسمه: «النسيج الاجتماعي»… ولعلني من الناس الذين تأثروا كثيراً بكتاب الأديب البحريني الرائع حمد محمد النعيمي: «مصياف أهل البحرين»، وله الشكر الجزيل لأنه ساهم مساهمة كبيرة في أن يزرع في نفوس أهل البحرين تلك الصور الجميلة لرحلات المقيض بين السنة والشيعة، فكم نحتاج إلى هذه الروعة من الخطاب البحريني الأصيل من المؤرخين والفنانين بل ومن الخطباء والمشايخ والمسئولين بدلاً من التلويح بالسيوف والكراهية!
وكم نحن في حاجة إلى أن يتعافى الإعلام الرسمي من مرضه العضال فينهض ليتخلص من وهنه ومرضه فيبدأ في مخاطبة ضميره وضمير كل مواطن بحريني أصيل شريف يحب بلاده… ليس هنالك من شك في صدق سريرة أهل البحرين الكرام، وصدق السريرة هذه هي التي تكشف «غيرنا» ممن يشعر بالسرور والسعادة وهو يرى بحرينياً يطرح أرضاً لتنال منه الأخشاب والأحذية والضربات الدامية… بتهمة حمل علم البحرين