مواقفي الدينية لم تتغير منذ نصف قرن، دون مبالغة، ومن يعرفني يعلم ذلك جيدا، وسبق أن وضحت آرائي السياسية وغيرها من خلال مختلف الوسائل، وأكدت بإصرار وتكرار عدم تعصبي لأي مذهب أو عرق أو حتى طعام أو لباس، وأنني كويتي بكل خلجات نفسي، وثقافتي ولغتي عربية صرف، وهي التي أتقن أكثر من غيرها، ولكني أصبحت أشعر أكثر وأكثر وكأن علي قطع إحدى ذراعي علنا لكي أدلل على صحة أقوالي وصدق مشاعري نحو وطني، وولائي لنظامه السياسي، وليس لإيران وولاية فقيهها!
ما دفعني لهذا القول، ليس التافه من التعليقات المريضة على مقالاتي، بل ما أصبحت أقرأه وألاحظه من ازدياد وتيرة الاتهام بالطائفية والعنصرية من قبل الكثيرين في حقي، وحق غيري، وبالذات من الذين يفترض ترفعهم عن مثل هذه الصغائر. فإذا علمنا أن «المدرسة الجعفرية» لم تنل ما تستحقه من ذكر في المصادر، أو أن قلة سمعت بالشاعر «الملا عابدين الشاعر»، أو أن قلة أقل لم تعلم بأننا وآباءنا وأجدادنا، وحتى جمال عبدالناصر وبرامج «صوت العرب» لم يعرفوا اسما للخليج غير الفارسي، فما العمل؟ إما أن ننتظر قيام من ليس على رأسه ريشة بالكتابة عن هذه المواضيع إنصافا للتاريخ السياسي والثقافي، وهذا ربما لن يحصل أبدا، أو أن يبادر شخص مثلي بالتطرق إليها، وهنا سوف لن يسلم من سيل الاتهامات بالشعوبية والطائفية وغيرها.
ولا أدري لماذا تصبح الكتابة عن مثل هذه الاختلالات أمرا مقبولا إن كتب عنها من ينتمي إلى طائفة معينة من المواطنين، وتصبح غير مقبولة، وحتى مذمومة إن كتب عنها غيره؟ ألا يستحي هؤلاء من احتكار الوطنية لأنفسهم، ووصم غيرهم بالعنصرية والطائفية من دون دليل، وهم برفضهم لكتابات هؤلاء في مثل هذه المواضيع يصبحون عنصريين وطائفيين، بعلم أو بغير ذلك؟
إننا جميعا بحاجة ماسة إلى إعادة التأهيل في ما تعنيه المواطنة، وأن نتوقف عن الحكم على الآخر من خلال مقال أو موقف. فأين الجريمة في أن يقول أي كائن من كان أن الخليج كان يعرف بفارس، أو أن المدرسة الجعفرية لم تنل حقها من التدوين، أو أن هناك محاباة في التوظيف لفئة غير أخرى، إن كانت تلك هي الحقيقة؟ ولماذا يكون لفرد ما حق احتكار «الوطنية» والتحدث بما يشاء فقط لأنه جاء من هذا الجانب، ولا يحق لغيره لأنه جاء من الجانب الآخر؟ وكيف يمكن أن نقيس المواطنة بغير الدم والمال، وإن صح ذلك، فمن الذي ضحى خلال الغزو والاحتلال بماله ودمه، أكثر من غيره؟ ألا تكفي كل تلك التضحيات لتعطي صاحبها الحق في أن يكتب فيما يشاء دون أن يتهم بالولاء لدولة أخرى، في الوقت الذي يحمل فيه الآلاف من مدعي الوطنية أكثر من جنسية؟
لقد ساقتني الظروف خلال الاحتلال لترؤس لجنة الإعاشة في الرياض، وتسلمت من الحكومة 80 مليون دولار لصرفها على اللاجئين الكويتيين، وأعطيت حق التوقيع على حساب اللجنة منفردا مع المرحوم حمد النخيلان، وعند انتهاء مهمتي سلمت سفيرنا وقتها في الرياض كشفا يحتوي على أسماء 36 ألف «كويتي عربي فحل أصيل» من الذين تلاعبوا بمستنداتهم وسرقوا دولتهم وكذبوا في إفاداتهم، فطلب مني السفير الستر على الأمر. وحدث التلاعب نفسه في منحة الـ500 دينار التي وزعت على الذين بقوا في الكويت أثناء الاحتلال، وتكرر السلب والنهب من «الأقحاح»، الذين يحق لهم الحديث في كل أمر وموضوع دون حساسية، في كل مجال، سواء في الجواخير أو الأعلاف أو المتاجرة بمواد الإعاشة، وكانت آخر فضائح «عيال بطنها» وجود 7000 معاق كذاب وسارق للمال العام!
لا أدعي أنني مواطن صالح أكثر من غيري، ولكن بإمكاني الادعاء بأنني، على الأقل، كفيت وطني من شري، وهذا ما لم يفعله الكثير من الأقحاح من أصحاب الأصول والفصول.
فهل وصلت الرسالة؟ لا أعتقد، فنفوس هؤلاء مملوءة بالشكوك، والعقل في سبات!
أحمد الصراف