محمد الوشيحي

دا

رحماك يا الله، ما كل هذا الذي تتعرض له اليابان أو «منبع الشمس» كما هي ترجمتها؟ يا رعى الله اليابان واليابانيين، ويا سقى الله الشعب الذي يرتدي الصدق لباساً ويتناول الوفاء طعاماً… اليابانيون شعب «هات من الآخر»، واليابان لا تمزح ولا تتغشمر، وسبق لها وهي الصغيرة المساحة (أصغر من مساحة مصر) أن احتلت الصين المترامية الأطراف.
واليابانيون عشاق الاختصار والاقتصاد، وقد شاهدنا في نشرات الأخبار لقطات لياباني يصرخ أثناء الزلزال «كا تو زي» أي «يالله الخيرة رحنا ملح… تكفون يا عيال»، ويستعد اليابانيون للكوارث فيحتفظ كل منهم بحقيبة تحوي ماء وقليلاً من الطعام وضمادات ووو…
واليابانيون مسالمون، بعكس العربان المتوحشين حتى في تسمية أبنائهم «قذاف الدم، القعقاع (أحد الخليجيين أطلق على ابنه اسم القعقاع وأدخله مدرسة فرنسية فتحوّل اسمه إلى كاكا)، جراح، ضاري، مهاوش، نمر، سيف، مناطح، جاسم، بطّاح»، ليش كل هذا القصف الجوي؟ حرب عالمية؟ في حين تسأل الياباني عن اسمه فيجيبك «سو» وكان الله غفوراً رحيماً، وتستفسر منه عن معنى الاسم فيشرح لك: «ورقة عباد الشمس»، شوف الأناقة والهدوء، وتسأل المصرية عن اسمها فتجيبك بفخر وهي تفرم الملوخية وتنثر الزيت على الحلة ببذخ: «كايداهم»، ويناديها زوجها «الوليّة»، وتسأل اليابانية فتجيبك وهي تمسك بأعواد الأكل وتراقب الساعة: «تي»، ويدلّعها زوجها: «با» أي فديت الزول، وفي أسواق الصرف تعادل «تي» خمساً وثمانين واحدة من «كايداهم»، وتعطس كايداهم «عااااطسو» فترتجّ الأرض ويبكي أطفالها هلعاً، قبل أن تتحلطم «يا لهوي يمة»، وتعطس تي عطسة مختصرة «تس» مع إغماضة العين المغمضة أصلاً، وفي اليابان يولد الطفل فتشتري له أمه جهاز روبوت (الرجل الآلي) يعبث به ويفككه، وفي الجزائر يُهدى المولود قنبلة يدوية، وعند زواجه يهديه أصحابه دانة مدفع (155 ملم)، وفي اليمن يُهدى المولود «جنبية» أي خنجر، فإذا بلغ الفطام أهداه أبوه قذيفة «آر بي جي» يتسلى بها (الكلاشينكوف للبنات فقط، لا يجوز إهداؤه للرجال، عيب). واليمني الأمي يفكك الآر بي جي وهو مغمض العينين، قطعة قطعة، والياباني يقيس أشعة الشمس وهو في تالي الليل، شعاعاً شعاعاً، ويتباهى شعراؤنا بالمعلقات، ويكتب شعراء اليابان سبع كلمات لا تفاخر فيها ولا فشخرة.
ويتقدم الكويتي لخطبة الكويتية فيكون المهر مجوهرات مبالغاً فيها «كرسي جابر وضحكة زايد ولحية فهد»، وقليلاً من التراكي (أقراط الأذن) من ماركة «غمزة سميرة»، (أي والله هذه أسماء بعض ماركات الذهب البلجيكي بعد تغييرها)، ولو أنني خطبت صبية وطلبت أمها مني هذه المجوهرات لاستأجرت قناصاً على سطح منزلي، وبسم الله والله أكبر، طلقة على أذن خطيبتي اليسرى، والأخرى على كراع أمها، كي تولول العجوز وهي تعرج وتحجل كما يحجل الكلب المدهوس جرياً إلى المستشفى (بمناسبة المستشفى، انتشرت نكتة تقول: سيُعيد اليابانيون إعمار اليابان بعد الزلزال قبل أن تبني الكويت مستشفى جابر الذي تم توقيع عقده في 2004)، في حين يذهب الشاب الياباني وأمه لخطبة فتاة يابانية فتشترط عليه أم العروس «اختراع معادلة فيزيائية ومختبر». ولولا بعض المعوقات لتزوجتُ (أنا) يابانية، لكن الخشية أن تطبخ لي عقارب ونملاً، ملعونة الخير.
واليابان فقيرة الموارد، صعبة التضاريس، أرضها جبلية، محاطة بحزام زلزالي هو الأشرس على هذا الكوكب، ومع ذا ها هي تحتل المركز الثاني في اقتصاديات العالم بعد أميركا الغنية الموارد والمتنوعة التضاريس. وعندما أدرك اليابانيون أن أرضهم لا تصلح للزراعة، أقاموا المزارع تحت الأرض! اهبوا هبيتوا (أي لله درهم). ولا يحقد أحد على اليابان أكثر من رئيس تحرير هذه الجريدة، الزميل خالد هلال المطيري، سليل تجار اللؤلؤ، الذي كان سينافس «بيل غيتس» في الثراء لو لم تخترع اليابان اللؤلؤ الصناعي الذي أكسد تجارة أسلافه وجاب عاليها واطيها.
ولو قرر نائب رئيس الوزراء الياباني لشؤون التنمية الاقتصادية، ابن عم رئيس وزراء اليابان، رعاية مهرجانات «مزاين الإبل» و«تطيير الحمام القلابي» قبل أن يعلن طريقة تمويل خطة التنمية، لتمتم اليابانيون بصوت واحد «دا»، (أي يا خرطي يا مالون)، ولعلّقوه على برج اليابان وبجانبه ناقة وحمامة.
عزاؤنا لليابانيين ورحم الله أحوالنا نحن العربان… شعب «دا». 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

حسن العيسى

لتذهب الثوابت إلى الحجيم

عسى أن تكون كلمة حق ولا يراد بها باطل، إلا أن عنوان المطالبة مثير للريبة، كما جاء في صحيفة الدار قبل أيام، فالعبارة كما جاءت بالمانشيت "ثوابت الشيعة: كيف سنعامل إذا قمنا بتجمهر مماثل". بداية لنقل إنه من حق رافعي هذا الشعار أن يقوموا بتجمعاتهم وتظاهراتهم وبناء مساجدهم وحسينياتهم، وإن كان هناك تمييز في التعيين ببعض الوظائف العامة والقيادية من قبل السلطة نحو أهلنا الشيعة فهذا مرفوض، فالتفرقة بناء على الانتماء الطائفي أو القبلي أو العائلي، وكلها عاهات تصب في خانة التعصب "القبائلي"، أمور لا يصح أن يكون لها مكان في دولة سيادة حكم القانون، فحكم القانون لا يعني غير حياد الدولة وسموها فوق اختلافات العقيدة أو الطائفة أو الهوية العرقية… والقول بغير هذا لا يعني غير تكريس الدولة الطائفية، وتغليب المصالح الفئوية على حساب الدولة ووحدة الهوية الوطنية، ولنا في لبنان والعراق وأكاد أقول في جل دولنا العربية أكثر من عبرة… لكن من يعتبر هنا…؟  
في مثل دولنا وهي دول "الموزاييك" البشع يغيب مفهوم الدولة الأمة، وترتفع أعلام القبليات والطوائف، وتكرس السلطات الحاكمة التفرقة بينها لأنها ترى فيها ضرورة بقائها واستمرارها وبها تفتح أبواب المحسوبيات والشللية والتزلف للسلطان على مصاريعها، وعندها يغيب حكم العدل والمساواة ليحل مكانه حكم الفساد والمحاباة. أعود وأسأل رافعي شعار "ثوابت الشيعة": أين سيكون الوطن إن قبلنا بثوابت الأمة.
(والمقصود ثوابت السلفية المتعصبة) ثم ثوابتكم وبعدها ثوابت القبلية وثوابت أهل الثراء وثوابت الأقدمية في التجنيس وأصحاب الأصول والحمولة وغيرها من ثوابت التخلف والجمود من غير بداية ولا نهاية… أين ستكون "الأمة" هنا، وأين مكانها على خارطة المستقبل؟ التزمّت لا ينتج لنا إلا التزمّت المعاكس والتطرف لا يحمل غير تطرف مقابل، والحلول لا تكون بالتهديد والوعيد من منطلق طائفي أو عرقي منغلق على نفسه، وإنما بتبني مبدأ المساواة المطلقة القائمة على حكم القانون العادل، والتميز والارتقاء يكونان على الكفاءة والإنتاج، فلا يمنع أن يكون كل الوزراء وكل القيادات من الشيعة أو بالعكس كلهم من السنة، لأنه بمجرد أن ننظر إلى زيد أو عبيد على أنه محسوب على الشيعة فهنا نفصح عن هويتنا "الطائفية" أو العرقية وننسى الوطن الأم والرحم الحاضن لنا جميعا.
  ليس لنا غير قبول حريات الضمير وحق ممارسة حرية العقيدة والمساواة في المعاملة، كما تمليها الليبرالية الإنسانية المؤمنة بالعدالة الاجتماعية، ولنرم التقوقع الطائفي والعرقي جانباً ولتقتلع كلمة "ثوابت" من أساسها، فالثوابت لا تعني غير الجمود وصب الناس في قالب واحد يعتقد أصحابه أنهم وحدهم أصحاب الحقيقة المطلقة وغيرهم في الجحيم… فلا ثوابت بل تغيير وتطور نحو الروح الإنسانية وكفى.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

من يحارب النهامة؟

تتنوع أغاني البحر في الكويت كثيرا وتتشعب ومنها «النهمة»، ومن يؤديها يسمى بـ«النهام». وتنقسم النهمة الى اليامال، وهو غناء سردي يؤدى على ظهر السفينة وخارجها. ثم الخطفة وتختص بالغناء عند دفع أشرعة السفينة وقت الابحار، ثم «الحدادي» وهذا ما يطلب البحارة سماعه من النهام في وقت راحتهم. وينقسم كل نوع منها لأقسام أصغر تؤدى في مختلف المناسبات. وقد ورد ذلك في كتاب «الثقافة في الكويت» للأستاذ خليفة الوقيان، نقلا عن كتاب للفنان يوسف الدوخي، حيث يستطرد الكاتب ان هذا العرض الموجز لبعض مسميات فنون البحر كاف لبيان مقدار الثراء والتنوع في الفنون البحرية الكويتية، ويزداد الثراء حين نضيف لها فنون المدينة والبادية وفنون «القروية»، أو سكان القرى الزراعية القريبة.
ويعد «الصوت» أهم الفنون المحلية ذات الجذور العربية التي يقال انها تعود للعصر العباسي. وقال الأستاذ الوقيان في كتابه الموسوعي ان الغناء الكويتي كان له تأثيره في بعض الموانئ والمناطق التي كانت تصلها قديما السفن الكويتية، وأن تأثيره في اليمن يتعدى فن الصوت الى بعض الرقصات الشعبية كرقصة «الكاسر» المكلاوية، و«الزربادي الكويتي» في حضرموت. كما اكتسبت الفنون الموسيقية والغنائية الكويتية شهرة في عدن والحجاز والاحساء والبحرين. والمحزن أن نلاحظ كل هذا الهجوم، أو على الأقل التجهيل، الذي يتعرض هذا التراث الغنائي الثري بمادته والذي يبين كم كانت الكويت وكان الكويتيون أهل فن وطرب ومحبة وتسامح، وكيف أن كل هذا التراث الغني أصبح مرفوضا ليس فقط من قبل المغالين في تدينهم، بل وحتى من اولئك الذين سبق أن أنيط بهم أمر رعاية هذه الفنون والاهتمام بها.
***
• ملاحظة (1): ورد في الكتاب نفسه أن مدرسة المطوعة لولوة، والدة المرحوم محمد البراك، كانت، في ثلاثينات أو أربعينات القرن الماضي، تتبع نظام التدريس المختلط للصبية والبنات!
***
• ملاحظة (2): اخترنا عدم التعليق على رد الأستاذ الوقيان على مقالنا السابق عن «المدرسة الجعفرية»، حفاظا على علاقتنا الودية، بعد أن أقحم موضوع «خليج فارس» في رده، علما بأن المؤرخ بلليني الذي استشهد به ذكر في موسوعته المكونة من 27 مجلدا. مجلد 11، الصفحة 137، الجزء 24، ان خليج العرب يقع في الغرب ويعني هنا البحر الاحمر، اما في الشرق فيقع خليج فارس (!) وبإمكاننا ارسال نسخة من كتاب بلليني على الانترنت لمن يرغب.

أحمد الصراف