لكي أفسح المجال لنفسي وللقراء الكرام للتأمل بعمق فيما قاله سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في خطبة يوم الجمعة (11 مارس/ آذار 2011) بخصوص التفريق بين التجنيس السياسي، وبين حرمة دم المجنس، وهو طرح إسلامي إنساني بحريني راقي المكانة يعزز معنى التعايش الحقيقي، عدت إلى مقال كتبته يوم الخميس (23 يوليو/ تموز 2009)، ولقرائنا الأعزاء البحث عنه تحت عنوان: «حوار مع مجنسين» – إن رغبوا – لتكتمل لديهم الصورة.
وباختصار، كان المقال المذكور ينطلق من دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في موضوع المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع، وكان الداعي حينها كما وصفته نصاً: «رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع»، وقتها، لم يمض ِوقت طويل، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصاً) بالتحدث واحداً تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصباً)عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.
ولن أطيل في استحضار مضمون المقال السابق الذي أتمنى من قرائنا الأفاضل العودة إليه، لكنني، والأحداث في بلادنا حبلى بالكثير من المخاطر، أحببت أن أزيل التباس القسمة الضيزى… أي الناقصة وغير العادلة فيما يتعلق بالموقف من المجنسين، والذي لم يقصر الوالد الكريم سماحة الشيخ قاسم في توضيحه بعبارة واحدة واضحة جزلة، ذلك أنني شعرت في أحد اللقاءات التي ضمت في مدينة حمد مشايخ وشخصيات من الطائفتين الكريمتين لوأد الفتنة، أن هناك إصراراً على ترويج فكرة خاطئة، وهي أن الطائفة الشيعية تعادي المجنسين لأنهم سنة! وأنهم امتداد لهم! وأن المواطنين السنة لا يرضون أن يمسّهم سوء.
ولعل كلام الطرف الشيعي في اللقاء كان واضحاً وصادقاً ومنطقياً حتى لو شاء له البعض أن يغطيه بأسطوانة (التقية) المشروخة… فهناك إجماع على أن المجنس (إنسان) قبل أن يكون مسلماً أو معتنقاً لأية ديانة أخرى، وله الحق في العيش وكسب الرزق والحياة بطمأنينة، وهم إخوة لنا تربطنا بالكثيرين من الطيبين منهم علاقات كريمة، لكن، لابد من استدراك مهم، وهو الموقف الرافض للتجنيس السياسي العشوائي والذي يمكن أن يطرح على طاولة الحوار الوطني كملف مهم، وكذلك، مخالفة قانون البلد أصلاً في منح الجنسية والحكومة ذاتها أعادت النظر فيه، وبالتالي، رفض تجنيس كل من هبّ ودبّ مع الاعتبار لتجنيس العقول والطاقات التي تنفع البلد، والنقطة الأهم، هي الموقف من المجنسين الذين لا يحترمون أنفسهم، ولا يحترمون قوانين البلد ويظهرون بالسلوك العدواني الشرس العنيف، فهؤلاء لم ولن يكونوا موضع ترحيب.
ثم القول بأن موقف طائفة الشيعة يقوم على أساس (النظرة العدوانية للمجنسين على أنهم سنة فقط)، فالحقائق والوقائع على مدى السنوات العشر الماضية، وفي أكثر من منطقة من مناطق البلاد، وبدون داعٍ لاستحضارها، تكشف بوضوح من هو المكون الاجتماعي الذي تعرض لأكبر ضرر من العدوانيين منهم.
إخواني الأحباء، بحرينيين ومجنسين (قانونيين وغير قانونيين)، أود القول إن المجتمع البحريني ما تخلى يوماً عن أخلاقياته وسماته الطيبة في التعامل مع مختلف أصناف البشر المقيمين على هذه الأرض الطيبة، ومن الخطأ… بل هو من الملاحظات التي يمكن القول عنها بأنها (من أكثر الملاحظات غباءً)، أن يقول البعض: «ولماذا لم تعترضوا على مجنسي الخمسينيات؟»، في إشارة إلى البحرينيين من الأصول الإيرانية والقطيفية والإحسائية، والغباء الفاضح في الأمر، أن من يطرح تلك الملاحظة، يعلم بأن قانون الجنسية يمنح الحق لحصول العربي الذي يقيم إقامة مستمرة مستقرة في البلاد لمدة 15 عاماً، والحال ذاته للأجنبي الذي يقيم 25 عاماً… أليس كذلك؟
سيطول الحديث عن عناوين متشعبة من قبيل الضغط على الموارد والخدمات، والتغيير الديموغرافي والأفكار التآمرية والتمييز وغيرها، لكن، وهذه حقيقة، يمكن القول إن كل أهل البحرين يمتازون بالرحمة والطيبة، لكن هذه الرحمة والطيبة لا يمكن أن تستمر في التعامل مع فئة من المجنسين يشحنها مع شديد الأسف، خطباء الفتنة من البحرينيين، فيفتكون بأهل البلد بأخشابهم وسيوفهم وجماعات الرعب البلطجية، والحال ذاته، بكل صراحة ووضوح، مع أي بحريني يتجاوز القوانين والأنظمة ويعرض حياة الناس للخطر، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع… دون أن تحصل فئة على التغطية والحماية الغربية المريبة والتستر والتشجيع المدمر.
الخلاصة، المجنس المحترم المسالم الملتزم بقوانين البلد مرحب به… ماذا عن المجنس البلطجي؟