محمد الوشيحي

انسحاب وهجوم

أعشق قراءة التقارير الحيادية والاستفتاءات العالمية، وأتذكر استفتاء قرأته قبل نحو سنتين، قامت به مجموعة من طلبة جامعة أميركية عن «أسعد مدن العالم لعام 2009»، تصدرته مدينة «ريو دي جانيرو» البرازيلية، التي تغسل قدميها في سطل المحيط الأطلسي، تلتها ملبورن الأسترالية، فبرشلونة الإسبانية، فأمستردام الهولندية، فسيدني الأسترالية أيضاً، إن لم تغدر بي الذاكرة، في حين جاءت بغداد من بين المدن الأشد كآبة، وجاءت القاهرة في الثلث الأخير من القائمة.
الاستفتاء يرصد مدى طمأنينة الشعوب وحبها للسعادة والرقص والغناء والسهر في عطلة نهاية الأسبوع، ويقيس ارتفاع صخب الضحكات في المقاهي والمطاعم والحانات ووو.
وأفهم أن يأتي ترتيب القاهرة في الثلث الأخير من التصنيف رغم فكاهة المصريين، فالمصريون ليسوا من الشعوب التي ترتاد الحانات، ولا هم من عشاق الرقص في المطاعم والمراقص (أتحدث عن غالبية الشعب)، لأسباب دينية واجتماعية تنتقد مثل هذه العادات بالنسبة للغالبية المحافظة والمتدينة بالسليقة، وطبعاً لا يمكن إغفال الأسباب المادية أيضاً.
ومن أسباب تفوق شعب هذه المدينة على شعب تلك هو «ثقة الشعب بقيادته وحكومته وبرلمانه واطمئنانه إلى قدرة سياسييه على حسن التصرف حيال الكوارث، وحسن إدارة الأزمات، والتخطيط الاستراتيجي الطموح، واحترام القانون»، وفي هذا المعيار تحديداً تفوق الهولنديون بفارق كبير عن غيرهم (هولندا أخيراً انتزعت المركز الأول عالمياً من أنياب فنلندا، رغم أن الهولنديين من سلالة لا ينظر إليها بقية الأوروبيين باحترام، ولا يزوجونهم، و«ما هم من مواخيذهم»). والغريب أن طوكيو وبقية مدن اليابان، على سبيل المثال، لم تتصدر القائمة رغم إيمان شعب اليابان بإمكانيات سياسييه، إلا أن مشكلة اليابانيين أنهم ليسوا من أهل الضجيج والصرقعة، ولا هم يعشقون الرقص والسهر، فهم جدّيون حتى في طعامهم وشرابهم ومنامهم ورقصهم.
والحمد لله الذي لم يخلقني يابانياً، فأنا أكول مخضرم ونؤوم معجرم وكسول بكفالة المصنع وفوضوي ملخبط من الغلاف إلى الفهرس، لا يهمني نوع الطبق الذي تضعه أمامي ولا مذاقه، وسأوقّع لك وصل أمانة وسأتعهد بأن أحاصر الطبق و«أحرره» بسياسة الأرض المحروقة، وأرفع علمي على بوابته في بضع ثوان. ثم إن هؤلاء الصُّفر (اليابانيين) لا يشجعون الخناقة الحلوة في مراحل الصبا المبكر، وأنا كنت من المواهب الشابة في هذا الحقل، وأتلذذ بطعم الخناقة، ومازلت أتذكر «حرب البسوس» مع أحد أبناء الجيران، عندما كنا نتخانق يومياً إلى أن ينهكنا التعب، ثم نرتاح قليلاً قبل أن نستأنف الخناقة ونحن نبكي لشدة التعب والألم! الله يرحم تلك الأيام التي كانت فيها كلمة «الله يسامحك» ساس العيب وشق الجيب.
وأظن أن أحد أهم أسباب تفوق مدينة ريو دي جانيرو (ترجمتها «نهر يناير») هو وجود أكبر غابة استوائية في المناطق الحضرية المأهولة بالسكان، وكانت البرازيل تحت الاحتلال البرتغالي، عندما أمر الإمبراطور بقطع أشجار الغابات المحيطة بالعاصمة لأسباب أمنية، ومات – في بدايات القرن السابع عشر – قبل أن يتمكن من إنجاز المهمة، فخلفه الإمبراطور «بيدرو»، معشوق البرازيليين، الذي أوقف قطع الأشجار وأمر بزراعة أكبر غابة استوائية في العالم، ما أدى إلى تنقية الجو وتخفيف درجات الحرارة في «ريو» بمعدل تسع درجات مئوية. تخيل.
اللافت هو أن القائمين على الاستفتاء أجمعوا على نقاط عدة اعتقدوا أنها من الأسباب التي تؤثر على السعادة سلباً أو إيجاباً، ومنها، يا للعجب، «مخططات البلدية وكفاءتها» و«نسبة مساحات اللون الأخضر (الحدائق والغابات)» في كل مدينة… وفي الكويت، يتساءل الناس عن أسباب كل هذه الكآبة التي تعم البلد، في الوقت الذي تحقق فيه البلدية أرقاماً أولمبية في الفساد، وينسحب اللون الأخضر أمام هجوم اللون الأشهب.
 ***
قرر مجموعة من المواطنين تدشين حملة شعبية باسم «امتنان»، تُقدّم فيها الورود والدروع إلى الطبيب في مستشفى الأحمدي د. حسني عمر، والمسعفين، وكل من رفض تزوير تقرير وفاة المغدور «الميموني» الذي عُذبَ حتى الموت.
الحملة ستكون غداً الاثنين الساعة السادسة مساء أمام مبنى مستشفى الأحمدي. وكم نحن بحاجة إلى «حركات الجدعنة» التي افتقدناها في الكويت… شكراً يا دكتورنا الشهم، يا من لم يرهبه تهديد القتلة وأعوانهم.
 ***
الكذبة القميئة ذاتها تتكرر… كانوا قد اتهموا حضور ديوان الحربش بأنهم هم من بدأ بالتحرش بالقوات الخاصة قبل أن تعتدي عليهم، فضحك الناس قهراً وحزناً على وفاة الصدق، واليوم يدعون أن «البدون» هم من بدأ بالاعتداء على القوات الخاصة! متى يتوقف الكذب في هذا البلد؟ ومتى يحترم مسؤولوه إنسانية البشر وحقوقهم؟… عيب وحرام يا ناس.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

شيء من السياسة وقليل من الاقتصاد

يتابع العالم أجمع بقلق شديد ما تسبب فيه الزلزال البحري باليابان من توقف عمليات تبريد المفاعل النووي الياباني المطل على المحيط الهادئ مما يهدد بكارثة تشرنوبل أخرى. والجارة الشقيقة ايران مليئة بالزلازل ومفاعل بوشهر ذو التقنية الروسية القديمة لا يبعد عن الكويت ودول الخليج الا مسافة قصيرة ويهدد اي خلل فيه بتلوث المياه التي نشربها والهواء الذي نتنفسه، وقد اقترحنا ونقترح ان يضع مجلس التعاون الجارة ايران امام مسؤوليتها الانسانية عبر عرض تمويل نقل مفاعل بوشهر الواقع في منطقة النفط والغاز الايرانية (اي لا حاجة للمفاعل النووي) الى شواطئ المحيط الهندي في الجنوب الايراني البعيد عن المناطق الحضرية الايرانية والخليجية.

باستقالة السيد عمرو موسى من منصبه نقترح ان نبتعد هذه المرة عن النهج التقليدي في اختيار الأمين العام خاصة مع ثورات التجديد القائمة في وطننا العربي عبر ترشيح الكويت ودول مجلس التعاون شخصية سياسية خليجية كالسيد محمد الصقر او اقتصادية كالسيد عبداللطيف الحمد او ثقافية كالسيد محمد بن عيسى صاحب مهرجان أصيلة المغربي الدولي او علمية كالدكتور أحمد زويل لمنصب الأمين العام للجامعة العربية العتيدة لعل وعسى «يصلح العطار ما أفسده الدهر»، وللمعلومة جميع السابقين منجزون كبار في مجالات تخصصاتهم.

وهل لنا ان نقترح على القيادة السياسية الجديدة في مصر أن تبادر بإعادة طرح مشروع كوبري و«جسر العرب» الذي يربط الجزء الآسيوي من الوطن العربي بجزئه الأفريقي، ويمكن لمصر والسعودية ان تسلما المشروع عن طريق نظام «B.O.T» ومن دون اي كلفة مالية عليهما لأي شركة كبرى تقوم بتنفيذه وتحصيل الأموال التي تدفع لعبوره وهو اقتراح كفيل بوصول ملايين السائحين السعوديين والخليجيين لمصر وامكانية حج وعمرة ملايين المصريين والأفارقة عن طريق البر، وللعلم المشروع أوقف في السابق خدمة لمشروع العبارات البحرية التي يملكها مدير شؤون الرئاسة زكريا عزمي وشركاؤه ولعدم ازعاج سكن الرئيس المصري السابق حسني مبارك الواقع مقابل مضائق تيران التي يفترض ان يقوم فوقها الجسر.

الدعم الاقتصادي الذي قررته دول مجلس التعاون لمملكة البحرين وسلطنة عمان هو امر مستحق وقليل بحق الأشقاء والأحباء في البلدين، ونرجو ان نتعظ هذه المرة من تجربة الدعم المالي لمصر بعد قمة الخرطوم 1967 الذي قام على معطى اعطاء السمك بدلا من تعليم صيده، وان دول الخليج الست في حاجة ماسة لهيكلة سياسية واقتصادية تحد من الاضطرابات الأمنية وتوقف عمليات الاعتماد الكلي على مورد ناضب هو النفط.

آخر محطة

(1) تقدمت الكويت السخية دائما في عطاياها بحل غير مسبوق في العالم أجمع لمشكلة المقيمين بصورة غير شرعية على أرضها يتم خلاله تجنيس البعض وتأمين حياة كريمة لغير المستحقين للجنسية عبر الخدمات التعليمية والصحية المجانية وعدم دفع ضرائب ورسوم وتوفير فرص العمل.. الخ.

(2) التظاهر وتشويه سمعة الكويت والاعتداء على رجال الأمن بعد كل تلك التشريعات وإبان تطبيقها يعني احد الأمور التالية:

(أ) ان هناك من يريد ليّ ذراع الدولة وسحب احد أهم حقوقها السيادية وهو حق التجنيس.

(ب) كسر هيبة الدولة عبر الاعتداء على رجال أمنها من دون حساب او عقاب تمهيدا للفوضى العارمة.

(ج) تنفيذ أجندات خارجية مشبوهة قادمة من احد القابعين في لندن وغيرها من الدول بقصد تشويه صورة الكويت وإظهارها بشكل الدولة الظالمة بدعم من بعض النواب ممن يعتبرون بلدنا بقرة حلوبا ووطنا ثانيا لهم.. بعد المائة!

(3) الحل الوحيد للإشكال هو ان مَن يخرج على القانون ويعتدي على رجال الأمن يتم اخراجه من مسمى «بدون» ومن ثم لا يمنح العطايا والمزايا الواردة بالقانون ويعتبر وافدا مثله مثل عشرات الآلاف من الوافدين ممن قدموا قبله في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات ولم يعتدوا قط على رجال الأمن او يحاولوا تشويه سمعة الكويت.

(4) لأصحاب الأجندات الخارجية والداعين للفوضى غير الخلاقة والخارجين على القانون ومشوهي سمعة الكويت من نواب ومتظاهرين نقول «LOVE IT OR LEAVE IT»، وخلّ يترجمها لكم الصدامي القابع في لندن!

(5) لا يمكن لأي «بدون» حقيقي حاله حال اي كويتي ان يرضى بالفوضى والاعتداء على رجال الأمن وتشويه سمعة البلد، لذا فهؤلاء وهم الأغلبية غير مقصودين بالفقرات السابقة وسنرحب عما قريب بتجنيس المستحقين منهم اخوة وأشقاء لنا بالمواطنة.

حسن العيسى

سنضرب بيد من حديد!

«سنضرب بيد من حديد» عبارة كما يرددها سلاطين الأمة العربية انتهت صلاحيتها، وليس لها مكان اليوم في «تسونامي» المنطقة العربية، ووزارة الداخلية ضربت بيد من حديد على بؤساء البدون، حين تجمعوا في مظاهرات سلمية في الجهراء والتيماء، ولم تكن وزارة الداخلية في حاجة إلى اليد الحديدية كي تظهر عضلاتها على المتظاهرين، وكانت نية المتظاهرين التعبير عن سخطهم على أوضاعهم المزرية وإحباطهم من الوعود الكلامية للحكومة و»تابعها» المجلس دون أن تظهر أي بادرة أمل على عزم أي من السلطتين على تحقيق تلك الوعود.
البدون «البشر» تظاهروا لأن هناك في الحكومة من «طق الصدر لهم» بأن يتم إقرار حقوقهم المدنية الأحد عشر (ومن بينهم حقهم في شهادات الميلاد والوفاة…! يا سلام على كرم وأريحية السلطة) في جلسة 8 مارس البرلمانية، ولكن تم تطنيشهم من عدد من نواب العرق السامي الكويتي. كان أضعف الإيمان أن تبادر الحكومة إلى إقرار تلك الحقوق بقرارات إدارية وحتى تثبت بقانون في ما بعد كما نأمل، وهي بالمناسبة تمثل الحد الأدنى للمعايير الإنسانية ولا تعني التزاماً بتجنيسهم، إلا أنها أخلفت وعدها وقصرت كلامها على بدون إحصاء 65، وستأتي وعود وبعدها وعود… وانتظر «يا حمار حتى يأتيك الربيع»! 
بعد تلك الممارسة خرج بعض النواب المتقين للأسف  بعبارات تحقر وتحط من كرامة البشر، نعتوا بها البدون مثل كلمة «كواولة»…! مثل تلك الكلمة ما كان يجوز أن تصدر من أصدقاء وإخوان لكاتب هذه السطور فهذا لا يليق بهم، فبدون الكويت ليسوا غجراً امتهنوا الرقص والتنقل من مكان إلى مكان آخر دون هوية بل هم من أعرق القبائل العربية وهم ولدوا بالكويت وعاشوا وضحوا من أجلها، وليس كلهم جاؤوا خفية ثم مزقوا جوازات سفرهم وقالوا «نحن بدون» كما يردد  الكثيرون من رموز العنصريات الكويتية، وحتى هؤلاء الغجر «أهل الدق والرقص» لهم حقوقهم الإنسانية، ولهم دول يحملون جنسيتها وتحترم كرامة البشر.
هل نطلب الكثير من وزارة الداخلية حين نسألها قليلاً من «وساعة الصدر» في معاملة متظاهري البدون، وهل نطلب الكثير من إخواننا النواب غير القليل من الاحترام  يبدى لإخوة لهم في الإنسانية وفي الأرض التي ننتمي إليها جميعاً…!

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

احمد الصراف

التطرف الإسلامي في البوسنة

قام سعادة سفير البوسنة بالرد على مقالنا المتعلق ببعض انطباعاتنا عن زيارتنا الأخيرة لسراييفو، وما ذكرناه عن دور قوى المغالاة الدينية في نشوب الحرب الأهلية هناك، ونود شكره على التعقيب ولومه على وصفه لمصدرنا بالجهل أو سوء النية، فالمصدر دبلوماسي يعلوه مرتبة وسناً وخبرة، وكان له دور في الأحداث المأساوية التي وقعت في بلاده. كما نود أن نبين له أنه قصره في فهم مغزى مقالنا، فنحن لم ننكر فيه حقيقة ما اقترفه الصرب من جرائم إنسانية بشعة بحق الشعب البوسني، وحتى الكرواتي وما قامت به قواتهم من تصفيات جماعية على أسس عرقية ودينية، كما أنه ليس بإمكان أحد تبرئتهم من دماء مئات آلاف الأبرياء، ولكن ما ذكرناه أن تلك الاعتداءات، ربما ما كانت لتقع بكل تلك الوحشية والبشاعة، لو لم تشحن قوى التطرف السلفية صدور مسلمي البوسنة بمشاعر كراهية الغير المختلف، وتأليب صدورهم على أسلوب حياتهم وسياساتهم التي كانت تسمح للمسيحي، والمنتمي للأقلية الصربية في البوسنة مثلا، بأن يكون رئيسا دوريا عليهم، بالرغم من كونهم الأغلبية! وما ذكرناه في المقال هو أن هذه النداءات وتلك المطالبات هي التي أخافت جمهورية الصرب ودفعتها، وقوى أخرى، الى التدخل في البوسنة لحماية أقلياتها فيها، فاقترفت ما اقترفته من جرائم مهولة!
لست هنا في معرض تبرير جرائم الصرب الوحشية التي أدانها العالم أجمع، ولكني أبني استنتاجاتي من واقع ما سمعته ولمسته في البوسنة وما قرأته عن تجارب مشابهة، فالهنود مثلا عرف عنهم تاريخيا ميلهم الى السلام، وقد تخلوا عن تلك الصفة الرائعة فقط عندما استفزت الأقلية المسلمة، وبدعم من متطرفينا ودولارات بترولنا السلفية، مشاعرهم. والأمر ذاته حدث في اندونيسيا وتايلند والفلبين وعشرات الأماكن الأخرى التي أفسدت دولاراتنا أفكارهم وجنحت بهم نحو التطرف وخربت تعايشهم، وما حدث في البوسنة لم يكن استثناء، فسلامها الداخلي لم يتزعزع إلا بعد أن غزتها أفكارنا المتطرفة.
الأمثلة أكثر من الهم على القلب، وسعادة السفير بحاجة لأن يقرأ أكثر في التاريخ، وأن يعلم بأن وطنه لا يزال غير محصن من الفكر المتطرف، ولا يزال لأصحاب هذا الفكر من «جماعتنا» وجود قوي هناك، ويمكن ملاحظة انتشارهم بوضوح، كما ان احتمال قيامهم بإثارة النفوس والقلاقل مرة ثانية أمر غير مستبعد، وهذا ما يجب أن تنقله لحكومتك، إن رغبت في ذلك.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

«البدون».. والحرمان المستمر

مشكلتنا اننا لا نتحرك لحل مشاكلنا إلا اذا «انقرصنا» وبدأت النار تحرق اطرافنا!!
هذا ما يحدث فعلاً على مستوى الدول والأفراد سواء بسواء.
الحكام ما ينتبهون الى تفاقم مشاكلهم الا لما يثور الناس ويواجهون الدبابات بصدورهم العارية!! عندها فقط تظهر القرارات الحكيمة، والوظائف الشاغرة، والشقق الخالية، وتبدأ حملة مكافحة الفساد، وضمانات الانتخابات النزيهة، وتقليص صلاحيات وزير الداخلية!! ومع الاسف ان هذه الخطوات لا تأتي الا بعد ان يصير الفاس بالراس ويبدأ الناس يرفعون سقف مطالبهم الى «الشعب يريد اسقاط النظام»!! هذه حال عدد غير قليل من الدول العربية مع الاسف.
عندنا في الكويت الامر يختلف بعض الشيء، فالشعب لم ولن يرفع لافتة «اسقاط النظام» لدواعي الاستقرار وضرورياته، لكن خذ مثلا قضية البدون!!
تركنا هالمشكلة تتفاقم حتى صعب حلها!! وبعد الغزو قلنا تقلص العدد، وخرج الناس ورجعوا الى ديارهم، وكان الوقت افضل ما يكون للحل، ولكن شكلنا لجنة ركزت على تغيير اسم «البدون»، وتركت المشكلة تتفاقم الى ان رجعت الى وضع ما قبل الغزو ان لم تكن اكثر تعقيداً!!
اليوم الفرصة مواتية لحل المشكلة.. صحيح اصحاب القضية لم يرحبوا بوجود صالح الفضالة على رأس هذا الجهاز، وزاد تشاؤمهم عندما طرحت اسماء معاونيه، لكن ما يصح الا الصحيح، وها هو ابو يوسف يثبت عكس ما توقعنا منه، ويخطو خطوة جادة قد تكون مدخلاً لحل جذري، لكن الحكومات عودتنا انها تعطل الحلول وتعقدها، لذلك اصبح استحقاقا اليوم، وليس غداً، ان يبدأ تنفيذ الحقوق المدنية المعلن عنها، فهذه ستحل %80 من المشكلة، كما ان هذا الحل الجزئي مقبول عند الجميع ما دام الامر لم يتطرق الى الجنسية، وهو ما يخاف منه الطرف المعارض. إن منح الحقوق المدنية يعني ان «البدون» له معظم الحقوق باستثناء الحق السياسي (وأنا متأكد انه عايفه من الحين)، وحق السكن وهذا مقدور عليه إن سمحت له ان يكسب عيشا بعرق جبينه، لكن الخوف ان «ينط» بعض الملكيين، الذين هم اكثر من الملك، ليعلنوا الويل والثبور وعظائم الامور ان طبقت الحكومة هذه القرارات الانسانية، او يتدخل هؤلاء لتقليص حقيقة هذه الحقوق حتى تصبح ماصخة وعدمها ووجودها سواء!!
اصرار الحكومة على ان تصدر هذه الحقوق بقرارات ادارية يجعل الخوف من التلاعب فيها امرا واردا، خصوصاً ان من سيتولى الاشراف على تنفيذها هم من كان سبب منعها عنهم طوال السنوات العشرين الماضية، وسيكون القيد الأمني الذي افتراه هؤلاء على معظم البدون سببا وعذراً لحرمانهم من هذه الحقوق، وبالتالي سيكون عندنا «بدون» لهم حقوق مدنية وهم قلة قليلة و«بدون» من دون صج بحق وحقيق وهم الاغلبية ونرجع الى مربع «ـــ1» فلا طبنا ولا غدا شرنا.

سعيد محمد سعيد

المجنسون… القسمة الضيزى!

 

لكي أفسح المجال لنفسي وللقراء الكرام للتأمل بعمق فيما قاله سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في خطبة يوم الجمعة (11 مارس/ آذار 2011) بخصوص التفريق بين التجنيس السياسي، وبين حرمة دم المجنس، وهو طرح إسلامي إنساني بحريني راقي المكانة يعزز معنى التعايش الحقيقي، عدت إلى مقال كتبته يوم الخميس (23 يوليو/ تموز 2009)، ولقرائنا الأعزاء البحث عنه تحت عنوان: «حوار مع مجنسين» – إن رغبوا – لتكتمل لديهم الصورة.

وباختصار، كان المقال المذكور ينطلق من دعوة مجموعة من المجنسين للتباحث في موضوع المواقف الناشئة ضد المجنسين في المجتمع، وكان الداعي حينها كما وصفته نصاً: «رجل من أصول شامية، طيب الخلق، لبق الحديث، هادئ الطباع»، وقتها، لم يمض ِوقت طويل، حتى بدأت الجماعة (وكانوا في حدود 11 شخصاً) بالتحدث واحداً تلو الآخر بشأن ما يعانونه من مواقف سيئة وتمييز، وأنهم لم يأتوا إلى البحرين (غصباً)عن أحد من أهلها، وأن الأمر يزداد صعوبة عليهم وعلى أسرهم بسبب الحملات الإعلامية التي تشنها بعض الصحف وبعض الجمعيات وبعض السياسيين، حتى باتوا لا يشعرون بالأمان.

ولن أطيل في استحضار مضمون المقال السابق الذي أتمنى من قرائنا الأفاضل العودة إليه، لكنني، والأحداث في بلادنا حبلى بالكثير من المخاطر، أحببت أن أزيل التباس القسمة الضيزى… أي الناقصة وغير العادلة فيما يتعلق بالموقف من المجنسين، والذي لم يقصر الوالد الكريم سماحة الشيخ قاسم في توضيحه بعبارة واحدة واضحة جزلة، ذلك أنني شعرت في أحد اللقاءات التي ضمت في مدينة حمد مشايخ وشخصيات من الطائفتين الكريمتين لوأد الفتنة، أن هناك إصراراً على ترويج فكرة خاطئة، وهي أن الطائفة الشيعية تعادي المجنسين لأنهم سنة! وأنهم امتداد لهم! وأن المواطنين السنة لا يرضون أن يمسّهم سوء.

ولعل كلام الطرف الشيعي في اللقاء كان واضحاً وصادقاً ومنطقياً حتى لو شاء له البعض أن يغطيه بأسطوانة (التقية) المشروخة… فهناك إجماع على أن المجنس (إنسان) قبل أن يكون مسلماً أو معتنقاً لأية ديانة أخرى، وله الحق في العيش وكسب الرزق والحياة بطمأنينة، وهم إخوة لنا تربطنا بالكثيرين من الطيبين منهم علاقات كريمة، لكن، لابد من استدراك مهم، وهو الموقف الرافض للتجنيس السياسي العشوائي والذي يمكن أن يطرح على طاولة الحوار الوطني كملف مهم، وكذلك، مخالفة قانون البلد أصلاً في منح الجنسية والحكومة ذاتها أعادت النظر فيه، وبالتالي، رفض تجنيس كل من هبّ ودبّ مع الاعتبار لتجنيس العقول والطاقات التي تنفع البلد، والنقطة الأهم، هي الموقف من المجنسين الذين لا يحترمون أنفسهم، ولا يحترمون قوانين البلد ويظهرون بالسلوك العدواني الشرس العنيف، فهؤلاء لم ولن يكونوا موضع ترحيب.

ثم القول بأن موقف طائفة الشيعة يقوم على أساس (النظرة العدوانية للمجنسين على أنهم سنة فقط)، فالحقائق والوقائع على مدى السنوات العشر الماضية، وفي أكثر من منطقة من مناطق البلاد، وبدون داعٍ لاستحضارها، تكشف بوضوح من هو المكون الاجتماعي الذي تعرض لأكبر ضرر من العدوانيين منهم.

إخواني الأحباء، بحرينيين ومجنسين (قانونيين وغير قانونيين)، أود القول إن المجتمع البحريني ما تخلى يوماً عن أخلاقياته وسماته الطيبة في التعامل مع مختلف أصناف البشر المقيمين على هذه الأرض الطيبة، ومن الخطأ… بل هو من الملاحظات التي يمكن القول عنها بأنها (من أكثر الملاحظات غباءً)، أن يقول البعض: «ولماذا لم تعترضوا على مجنسي الخمسينيات؟»، في إشارة إلى البحرينيين من الأصول الإيرانية والقطيفية والإحسائية، والغباء الفاضح في الأمر، أن من يطرح تلك الملاحظة، يعلم بأن قانون الجنسية يمنح الحق لحصول العربي الذي يقيم إقامة مستمرة مستقرة في البلاد لمدة 15 عاماً، والحال ذاته للأجنبي الذي يقيم 25 عاماً… أليس كذلك؟

سيطول الحديث عن عناوين متشعبة من قبيل الضغط على الموارد والخدمات، والتغيير الديموغرافي والأفكار التآمرية والتمييز وغيرها، لكن، وهذه حقيقة، يمكن القول إن كل أهل البحرين يمتازون بالرحمة والطيبة، لكن هذه الرحمة والطيبة لا يمكن أن تستمر في التعامل مع فئة من المجنسين يشحنها مع شديد الأسف، خطباء الفتنة من البحرينيين، فيفتكون بأهل البلد بأخشابهم وسيوفهم وجماعات الرعب البلطجية، والحال ذاته، بكل صراحة ووضوح، مع أي بحريني يتجاوز القوانين والأنظمة ويعرض حياة الناس للخطر، فالقانون يجب أن يطبق على الجميع… دون أن تحصل فئة على التغطية والحماية الغربية المريبة والتستر والتشجيع المدمر.

الخلاصة، المجنس المحترم المسالم الملتزم بقوانين البلد مرحب به… ماذا عن المجنس البلطجي؟