في هذه الاوقات الصعبة عربيا وخليجيا، كان هناك تحرك موفق من صاحب السمو الامير للم الشمل الخليجي الذي يمهد تمزقه لسقوط دولنا الواحدة تلو الاخرى، وان يؤكل شمال الخليج في اليوم الذي نسمح فيه بأكل جنوبه او وسطه، دور اطفائي الخلافات المشتعلة والذي يوفر في النهاية الجهد والدم والمال، هو اختصاص متصل لسموه منذ ان تدخل قبل حوالي نصف قرن لاطفاء نار الخلاف الدموي الذي قام بين بعض دولنا الخليجية والعربية على معطى حرب اليمن.
منذ ان ارسلت السيدة هيلاري كلينتون رسالتها الواضحة لبعض الحكام العرب منتصف شهر يناير الماضي بأن يتغيروا قبل ان يتم تغييرهم، والرسالة تصل متأخرة احيانا كما حدث في تونس ومصر، سبب التأخير هو الاختيار الخاطئ للاشخاص والذي يوصل بالتبعية لقراءات خاطئة للمتغيرات مما يؤدي في النهاية لقرارات خاطئة او متأخرة لم تعد اثمانها تنحصر في ازمة سياسية او تقتصر على دفع كلفة مالية.
هل حكم اهل الدماء الحمراء من البسطاء والفقراء، كما يقال، ارحم وافضل من حكم من يسمون بأصحاب الدماء الزرقاء، اي اصحاب الحكم الوراثي؟! الاجابة واضحة وجلية عبر متابعة احداث تاريخنا السياسي المعاصر، فقد تم اسقاط الانظمة الوراثية في مصر والعراق وليبيا على دعاوى مظالم لم تقتل احدا إبان حكم الملكيات، ودعاوى مفاسد ـ لو صدقت ـ لا تتعدى مبالغها الواحد من مليون من ميزانيات تلك الدول والباقي كان يصرف على تنمية شعوبها، وجميعها تعتبر ممارسات ملائكية عندما تقارن بما فعله من يفترض ان يكون رحيما بالبسطاء والفقراء من شعبه كونه اتى منهم.
فقد قتل وأباد الحكام الثوريون الذين اتوا على انقاض الانظمة الوراثية،الصغير قبل الكبير، والفقير قبل الغني، وزجوا بشعوبهم في حروب خارجية خاسرة او داخلية دموية، ونهبوا ميزانيات بلدانهم «كاملة» فأصبحوا من اصحاب المليارات ولم يبقوا لبلدانهم شيئا عدا الفقر والمرض والجهل واليتم والمباني المهدومة الخاوية في وقت لم يعرف فيه شيء قريب من هذا الثراء الفاحش عند من تبقى من اسر الملك فاروق او فيصل الثاني او ادريس السنوسي الذي لم يكن يملك مالا يدفع به ثمن اقامته في فندق باليونان، بينما تتجاوز ثروة الثائر عليه ما يقارب 200 مليار دولار هي نتاج سرقة جُل ميزانية دولة نفطية لمدة 42 عاما دون ان يصرف منها شيئا على شعبه.
آخر محطة:
1 ـ ابان فورة اليسار والثورية ودعاوى القومية في الخمسينيات والستينيات، صمدت الكويت عندما تساقطت الانظمة الاخرى بسبب الذكاء والتعامل الايجابي مع متطلبات تلك المرحلة، وعندما تحول العالم والمنطقة معه للنهج الديني والمحافظ في السبعينيات والثمانينيات تعاملت الكويت بحكمة مع ذلك المتغير وتجاوبت كذلك مع متطلباته واستحقاقاته.
2 ـ يتعرض بلدنا هذه الايام لتحديات لا تخفى على احد ولدينا ثقة تامة بالحكمة الكويتية في التعامل مع تلك المتغيرات الحادة وغير المسبوقة، واننا سنشهد قراءات وقرارات تدل على الفهم العميق لما يجري واستحقاقاته.
3 ـ لدينا قناعة شخصية بأن كرة النار التي «تتنطط» بالمنطقة لن تتوقف عن تحركها او تطفأ نيرانها في المستقبل المنظور، فمازالت بعض دول المنطقة العربية والخليجية مستهدفة وبقوة من تلك الكرة الجهنمية التي يمكن ان تسدد احيانا للدول المقصودة مباشرة او عن طريق تسديدها لدول قريبة منها بقصد الاضرار بها بالتبعية.