قبل أن أدخل في صلب الموضوع، لعله من المفيد بالنسبة للمصابين بمرض الطائفية البغيضة وأعداء التلاحم الوطني أن يستلهموا ما قالته (أم سلمان)، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، في لقائها الأخير الذي استضافه المجلس مع ممثلي القطاع النسائي، وهي المرة الأولى بالنسبة لي شخصياً، التي أرى فيها (أم سلمان) في هذه الحالة من الحزن والألم والأسى، وليس الأمر بغريب، فما حدث من مأساة كارثية يوم الخميس الدامي، أدمت قلوب كل البحرينيين الشرفاء، لكنها، ونكايةً في الطائفيين وأصحاب الطبخات السرية، لم تزد المجتمع البحريني إلا تلاحماً.
أم سلمان كانت صادقة، رغم صوتها المتهدج بالحزن الشديد، في دعوتها للجميع بأن يطرحوا الأفكار التضامنية التي تجعل الجميع يخرج من هذه المحنة الكبيرة، ذلك أن ما مرت به البلاد هز كبار أهل البحرين، متضامنة ومتعاطفة مع أهالي الشهداء الأبرار، حتى أن سموها استخدمت مفردة (التضحيات)، وبالطبع، لا تنطبق هذه الكلمة إلا على القضايا العادلة المشروعة والعمل الصادق من أجل الوطن والمواطنين، وهذا ما اثبته شهداء الوطن وشباب 14 فبراير والمخلصون المرابطون في دوار اللؤلؤة فلا شك في أنهم جميعاً وضعوا (البحرين) على رؤوسهم.
أم سلمان كانت واثقة من قوة التلاحم بين أبناء البلد، مع أن الأيام الماضية شهدت صوتاً ناشزاً يصر اصراراً شديداً على وصف ما يجري في البلد على أنه (فتنة عظيمة)! فقد بدا واضحاً، أن هناك طرفاً يدعمه الإعلام الرسمي، بتلفزيونه ومنتدياته الإلكترونية وكوادره ووسائطه الإعلامية وأكبرها على الإطلاق (رسائله النصية المكثفة الخبيثة والمكذوبة مجهولة المصدر) يصر على ترويج أكذوبة تعرض المجتمع البحريني للفتنة والانشطار الطائفي، لكن أتدرون لماذا كل هذا الحجم من الترويج الكاذب لعنوان الفتنة والانشطار الطائفي والعداء بين أبناء المجتمع من الطائفتين الكريمتين؟ والجواب هو: لأن أولئك ظنوا أن المجتمع البحريني بلغ مبلغاً كبيراً مما يطمحون إليه من مآرب شيطانية، وأن في مقدورهم أن يشعلوا فتيل الفتنة والصراع باعتبار أن الظرف ملائم جداً، فوجدوا خلاف ما كانوا يظنون ويأملون، وهو أن المجتمع البحريني، لم يشهد تلاحماً وتكاتفاً وتعاضداً أكثر مما يشهده في هذه المرحلة الخطيرة والحاسمة في تاريخ البحرين فسقطت أمانيهم سقوطاً مدوياً، ولم يجدوا وسيلة أفضل من أن يثيروا حالة من الغرس الإعلامي الكاذب لزرع الشقاق والفتنة والتخويف والتخوين وتأليب المواقف، وهذا كله أيضاً اصطدم بحائط صد النسيج المتماسك والمتوحد والمتطلع الى مستقبل أفضل للبلاد والعباد.
أولئك أصبحوا يتباكون بدموع التماسيح في لقاءاتهم التلفزيونية ومقالاتهم ومنتدياتهم الإلكترونية وتصريحاتهم الصحافية الى درجة تصل الى حد الشعور بأن هناك (حرباً أهليةً ضروساً في المجتمع البحريني)، حتى أنني سألت أحد أولئك الإعلاميين سؤالاً بسيطاً: «أنت تخيف المجتمع بمقولة الفتنة والانشطار؟ أليس لك أصدقاء مقربون من الطائفتين؟ فقال: بلى بالتأكيد، فسألته: كم يا ترى فقدت من الأصدقاء الأعزاء عليك بسبب الفتنة والانشطار؟ فأجاب بالقول: ولا واحد ولله الحمد لأن علاقتنا أكبر من أن تتأثر؟ قلت: فعلام تستند في ترويجك لهذه الأكاذيب؟ فأجاب: أنا أسمع… أحدهم قال لي… إحداهن أخبرتني… قرأت في أحد المنتديات قصة جعلتني أبكي… قريب لي قال كذا… قريبة لي قالت كذا»، وبهذا، عليه أن يعيش على براهين (سمعت… يقولون)، ويتناسى نفسه وعلاقاته وهي البرهان الأصدق والأهم.
مسيرة (الوحدة الوطنية) عصر يوم الثلثاء التي انطلقت من إشارات السلمانية الى دوار اللؤلؤة أثبتت أن شعب البحرين تواق الى التقدم وتحديث البلاد ورسم مستقبل أجيالها بما أظهروه للعالم أجمع من صلابة نسيجهم وتلاحمهم بكل طوائفهم وتياراتهم، وتقديمهم لمصلحة الوطن العليا، فما عليكم يا هؤلاء إلا أن تستمروا في التباكي الكريه، وتستمروا في الكذب وتستمروا في خداع أنفسكم وتواصلوا تآمركم الخبيث فمآلكم الفشل وبئس المصير.