سعيد محمد سعيد

لماذا الإصرار على ترويج أكذوبة (الفتنة والانشطار)؟

 

قبل أن أدخل في صلب الموضوع، لعله من المفيد بالنسبة للمصابين بمرض الطائفية البغيضة وأعداء التلاحم الوطني أن يستلهموا ما قالته (أم سلمان)، صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك رئيسة المجلس الأعلى للمرأة، في لقائها الأخير الذي استضافه المجلس مع ممثلي القطاع النسائي، وهي المرة الأولى بالنسبة لي شخصياً، التي أرى فيها (أم سلمان) في هذه الحالة من الحزن والألم والأسى، وليس الأمر بغريب، فما حدث من مأساة كارثية يوم الخميس الدامي، أدمت قلوب كل البحرينيين الشرفاء، لكنها، ونكايةً في الطائفيين وأصحاب الطبخات السرية، لم تزد المجتمع البحريني إلا تلاحماً.

أم سلمان كانت صادقة، رغم صوتها المتهدج بالحزن الشديد، في دعوتها للجميع بأن يطرحوا الأفكار التضامنية التي تجعل الجميع يخرج من هذه المحنة الكبيرة، ذلك أن ما مرت به البلاد هز كبار أهل البحرين، متضامنة ومتعاطفة مع أهالي الشهداء الأبرار، حتى أن سموها استخدمت مفردة (التضحيات)، وبالطبع، لا تنطبق هذه الكلمة إلا على القضايا العادلة المشروعة والعمل الصادق من أجل الوطن والمواطنين، وهذا ما اثبته شهداء الوطن وشباب 14 فبراير والمخلصون المرابطون في دوار اللؤلؤة فلا شك في أنهم جميعاً وضعوا (البحرين) على رؤوسهم.

أم سلمان كانت واثقة من قوة التلاحم بين أبناء البلد، مع أن الأيام الماضية شهدت صوتاً ناشزاً يصر اصراراً شديداً على وصف ما يجري في البلد على أنه (فتنة عظيمة)! فقد بدا واضحاً، أن هناك طرفاً يدعمه الإعلام الرسمي، بتلفزيونه ومنتدياته الإلكترونية وكوادره ووسائطه الإعلامية وأكبرها على الإطلاق (رسائله النصية المكثفة الخبيثة والمكذوبة مجهولة المصدر) يصر على ترويج أكذوبة تعرض المجتمع البحريني للفتنة والانشطار الطائفي، لكن أتدرون لماذا كل هذا الحجم من الترويج الكاذب لعنوان الفتنة والانشطار الطائفي والعداء بين أبناء المجتمع من الطائفتين الكريمتين؟ والجواب هو: لأن أولئك ظنوا أن المجتمع البحريني بلغ مبلغاً كبيراً مما يطمحون إليه من مآرب شيطانية، وأن في مقدورهم أن يشعلوا فتيل الفتنة والصراع باعتبار أن الظرف ملائم جداً، فوجدوا خلاف ما كانوا يظنون ويأملون، وهو أن المجتمع البحريني، لم يشهد تلاحماً وتكاتفاً وتعاضداً أكثر مما يشهده في هذه المرحلة الخطيرة والحاسمة في تاريخ البحرين فسقطت أمانيهم سقوطاً مدوياً، ولم يجدوا وسيلة أفضل من أن يثيروا حالة من الغرس الإعلامي الكاذب لزرع الشقاق والفتنة والتخويف والتخوين وتأليب المواقف، وهذا كله أيضاً اصطدم بحائط صد النسيج المتماسك والمتوحد والمتطلع الى مستقبل أفضل للبلاد والعباد.

أولئك أصبحوا يتباكون بدموع التماسيح في لقاءاتهم التلفزيونية ومقالاتهم ومنتدياتهم الإلكترونية وتصريحاتهم الصحافية الى درجة تصل الى حد الشعور بأن هناك (حرباً أهليةً ضروساً في المجتمع البحريني)، حتى أنني سألت أحد أولئك الإعلاميين سؤالاً بسيطاً: «أنت تخيف المجتمع بمقولة الفتنة والانشطار؟ أليس لك أصدقاء مقربون من الطائفتين؟ فقال: بلى بالتأكيد، فسألته: كم يا ترى فقدت من الأصدقاء الأعزاء عليك بسبب الفتنة والانشطار؟ فأجاب بالقول: ولا واحد ولله الحمد لأن علاقتنا أكبر من أن تتأثر؟ قلت: فعلام تستند في ترويجك لهذه الأكاذيب؟ فأجاب: أنا أسمع… أحدهم قال لي… إحداهن أخبرتني… قرأت في أحد المنتديات قصة جعلتني أبكي… قريب لي قال كذا… قريبة لي قالت كذا»، وبهذا، عليه أن يعيش على براهين (سمعت… يقولون)، ويتناسى نفسه وعلاقاته وهي البرهان الأصدق والأهم.

مسيرة (الوحدة الوطنية) عصر يوم الثلثاء التي انطلقت من إشارات السلمانية الى دوار اللؤلؤة أثبتت أن شعب البحرين تواق الى التقدم وتحديث البلاد ورسم مستقبل أجيالها بما أظهروه للعالم أجمع من صلابة نسيجهم وتلاحمهم بكل طوائفهم وتياراتهم، وتقديمهم لمصلحة الوطن العليا، فما عليكم يا هؤلاء إلا أن تستمروا في التباكي الكريه، وتستمروا في الكذب وتستمروا في خداع أنفسكم وتواصلوا تآمركم الخبيث فمآلكم الفشل وبئس المصير.

احمد الصراف

الإعلان العالمي وعبدالله السالم

يعتبر «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» الذي صدر في 1948 أعظم وثيقة في التاريخ البشري، فقد تضمنت هذه الوثيقة أسسا حيوية عامة بطريقة لم تصل اليها أي مرجعية أخرى. ولو طبقت كل دولة موادها الثلاثين بصورة جيدة لوصل البشر الى الوضع المثالي، والذي لا يمكن تحقيقه بالتطبيق المجتزأ للإعلان بحجة عدم ملاءمة بعض مواده لظروف هذه الدولة أو تلك. فحقوق أعضاء الأسرة البشرية يجب عدم التهاون بها، فما يحصل حاليا، وسيحصل مستقبلا من اضطراب في دولنا، ودول كثيرة أخرى، يعود في الدرجة الأولى إلى عدم إيمان الكثير من حكوماتنا بحقوق الإنسان، وازدرائهم لها بحجة عدم اتفاقها مع «عاداتنا وتقاليدنا»، الأمر الذي جعل من عدم المساواة والتفرقة جزءا من ثقافتنا، وأدى في النهاية لترسيخ الحكم الفردي المطلق. فعالم لا يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة لا يمكن أن يتحرر من الفزع والفاقة، كما ان الكرامة البشرية لا يمكن ان تتحقق بغير تمتع الرجال والنساء بحقوق متساوية، لأنهم يولدون جميعا أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق، فلا يجوز استعباد البشر، أو حتى أن يكونوا رعايا وليس مواطنين، كما يجب ألا يميز بينهم بسبب العنصر، اللون، الجنس، اللغة، الدين، الرأي السياسي وغير ذلك من الحقوق. كما أن لكل فرد حق التمتع بجنسية ما، وللرجل والمرأة، متى بلغا سن الزواج، حق الاقتران وتأسيس أسرة من دون قيد بسبب الجنس أو الدين، ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وعند انحلاله. وألا يبرم عقد الزواج إلا برضا الطرفين الراغبين فيه من دون إكراه، وأن لكل شخص الحق في حرية التفكير والاعتقاد، ويشمل هذا الحق حرية تغيير الديانة وحرية الإعراب عن الرأي وإقامة الشعائر ومراعاة الحكومات لها. كما أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية، كما لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً. وأن لكل شخص الحق نفسه الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد. وإن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجرى على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع، أو وفق أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت. كما أن للآباء الحق الأول في اختيار نوع تربية أولادهم. ولا يجوز بالتالي إجبارهم على قبول تعليم لا يرغبون فيه لأبنائهم.
ولو تمحصنا بتجرد هذه المبادئ العامة لوجدنا أن مدى قربنا، أو بعدنا عنها، يحدد مدى «إنسانيتنا» الضامنة لاستقرار مجتمعاتنا، التي أصبحت اليوم اكثر بعدا عن تلك المبادئ مما كانت عليه قبل عقود قليلة، ولا مفر بالتالي من الاعتراف بكل بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إن اردنا لمجتمعاتنا الاستقرار والازدهار.
***
ملاحظة: لم ينل أي من أمراء الكويت قدرا من عدم رضا «البعض» عنه ما نال الأمير الراحل عبدالله السالم. واليوم اكتشف هؤلاء «البعض»، في خضم كل هذا الاضطراب الذي تعيشه دولنا، أن ما أقدم عليه ذلك القائد الفذ قبل نصف قرن، هو الذي يشكل الآن ضمانة الحكم، وتآلف فئات المجتمع كافة.

أحمد الصراف