احمد الصراف

محامي الشيطان

كانت الكنيسة الكاثوليكية تعيّن من يقوم بالبحث في سيرة من تود تطويبه ورفعه لمرتبة القداسة، والتأكد من صحة ما نسب له من معجزات، وكان من يقوم بهذا يسمى محامي الشيطان Devil’s Advocate. ولو اعتبرنا اسرائيل عدوة لنا، مع العلم أننا أشد عداء بعضنا لبعض، وعلى ضوء أحداث الثورة التونسية والمصرية، واحتمالات وقوع ما يماثلها في دول أخرى، وما يعنيه ذلك من احتمال اعادة النظر أو حتى الغاء الاتفاقيات والمعاهدات السابقة، فان رفض اسرائيل المسبق للسلام معنا على طريقتنا يبدو أمرا مبررا، وشكها في مكانه من أنظمتنا، فاصرارها على مناقشة أدق التفاصيل في أية اتفاقية يمكن قبوله! ولو كان الفلسطينيون مكان الاسرائيليين لما فعلوا غير ما تفعل! فكيف يمكن لدولة بمثل وضعها الاستراتيجي الهش الوثوق بمن لا يثقون بأنفسهم وأنظمة حكمهم، خاصة بعد أن ربطت غالبية الدول العربية نفسها بالقضية الفلسطينية، أو العكس؟ وكان الأمر يهون لو تُرك الفلسطينيون لتدبير أوضاعهم مع اليهود منذ البداية، لانتهت مشاكل الطرفين منذ زمن، ولكن هذا الربط العربي بفلسطين جعل اسرائيل تخاف السلام مع أنظمة غير مستقرة متعددة المصالح والأهواء، وبالتالي فان الصلح بيننا وبينها لن يتم حتى نتصالح نحن مع أنظمتنا، وتصبح شعوبنا حرة، وقتها ستزول اسرائيل أو تذوب في المحيط الأكبر، ان رفضت السلام، وحتى ذلك اليوم دعونا «نغني» مع أحمد مطر:
أنا السببْ، في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ. سلبتكم أنهاركم والتين والزيتون والعنبْ. أنا الذي اغتصبت أرضكم، وعرضكم، وكل غال عندكم، أنا الذي طردتكم من هضبة الجولان والجليل والنقبْ. والقدس، في ضياعها كنت أنا السببْ. نعم أنا.. أنا السببْ. أنا الذي لما أتيت المسجد الأقصى ذهبْ، أنا الذي أمرت جيشي في الحروب كلها بالانسحاب فانسحبْ. أنا الذي هزمتكم، أنا الذي شردتكم وبعتكم في السوق مثل عيدان القصبْ، أنا الذي كنت أقول للذي يفتح منكم فمه Shut up. نعم أنا .. أنا السببْ. في كل ما جرى لكم يا أيها العربْ وكل من قال لكم، غير الذي أقوله، فقد كذبْ، فمن لأرضكم سلبْ؟ ومن لمالكم نهبْ؟ ومن سواي مثلما اغتصبتكم قد اغتصبْ؟ أقولها صريحةً بكل ما أوتيت من وقاحة وجرأة وقلة في الذوق والأدبْ، أنا الذي أخذت منكم كل ما هب ودبْ، ولا أخاف أحدا، ألست رغم أنفكم، أنا الزعيم المنتخبْ؟ لم ينتخبني أحد لكنني اذا طلبت منكم في ذات يوم طلباً هل يستطيع واحد منكم أن يرفض لي الطلبْ؟ أشنقه، أقتله، أجعله يغوص في دمائه حتى الركبْ، فلتقبلوني، هكذا كما أنا أو فاشربوا «من بحر العربْ»، ما دام لم يعجبكم العجبْ ولا الصيام في رجبْ، فلتغضبوا اذا استطعتم بعدما قتلت في نفوسكم روح التحدي والغضبْ، وبعدما شجعتكم على الفسوق والمجون والطربْ، وبعدما أقنعتكم، أن المظاهرات فوضى ليس إلا وشغبْ، وبعدما علمتكم أن السكوت من ذهبْ، وبعدما حولتكم الى جليد وحديد وخشبْ، وبعدما أرهقتكم، وبعدما أتعبتكم، حتى قضى عليكم الارهاق والتعبْ، يا من غدوتم في يدي كالدمى وكاللعبْ، نعم أنا.. أنا السببْ، في كل ما جرى لكم فلتشتموني في الفضائيات ان أردتم والخطبْ، وادعوا عليّ في صلاتكم ورددوا: تبت يداه مثلما تبت يدا أبي لهبْ!!
**
ملاحظة: نشكر الحكومة على تعيين امين عام جديد للمجلس الوطني ونتمنى ان يكون احسن من سلفه، ونشكر الشيخة امثال على ازالة لوحة «انا كويتي وافتخر» المعيبة من زينة الطريق السادس.

أحمد الصراف

علي محمود خاجه

في ذكرى الفالنتاين

لا أحد ينكر أنه أجمل شيء في الوجود على الإطلاق، فهو بكل أشكاله جميل، وهو بكل حالاته رائع، لعل ما يميزه هو أنك تتذوق من خلاله طعم الحياة فتذوق الفرح والحزن والمرارة والشوق والحنان والزعل وغيرها من أطباق الحياة الشهية.

نعم هو الحب، الذي لا يوجد مخلوق في الدنيا إلا يبحث ويناضل من أجل الحصول عليه والوصول إليه.

إن ما يميز الحب عن غيره من أمور أنه لا يخضع للوائح أو قوانين بل إن لذته هي أن يكون بلا قانون، حراً طليقاً لا يعرف قيداً أو أسراً، هي أن تجده يأتي فجاة ولا يرحل وإن رحل جسدك، هي أن تبتسم لا إرادياً متى ما مرّت كلمة حب أو صورة جميلة تذكرك بمن تحب، هي أن تغمرك الفرحة حينما ترى من تهواه في مكان دون أن تتوقع أنك ستراه، هي أن تكتشف طعماً فريداً لا تشبعه.

ولكي تكتمل صورة الحب بأبهى صورها فهي تستوجب أن يجد الإنسان أن من يهواه بجنون يبادله الإحساس نفسه، فمن منا لم يحب؟ ومن منا لم يتمنَّ أن يكون شخصاً ما هو نصفه الآخر؟! وكم منكم يتخيل شخصاً ما بعينه وهو يقرأ هذي الكلمات، أعتقد أن مسألة الحب غير مقتصرة على مدى حبنا للطرف الآخر أو مدى استعدادنا لمنحه كل ما تزخر به أفئدتنا من عاطفة، بل هو مقدار ما هو ممكن من أن نتبادل العطاء معا لا أن يكون هناك مانح، وهناك متلق فحسب، وهنا تكمن المعادلة الصعبة جدا، قد يعتقد البعض أن حبه للطرف الآخر من الممكن أن يجبر ذلك الطرف على أن يبادله نفس الحب، ولكننا سنعود بذلك إلى نقطة البداية وهي الإجبار على الحب، وهو أمر غير صحيح، فكما قلنا إن الحب لا يخضع لقانون أو معادلة رياضية.

«اعشق بجنون+ قدم كل ما تستطيع لمن تحب= أن يعاملك من تحب بنفس الطريقة».

هذه المعادلة غير صحيحة أبداً في الحب، وكذلك هي الحال مع «لكل فعل ردة فعل» لنيوتن، فهو أمر لا ينطبق على الحب، فلا يكابر أحدكم ويعتقد أنه سيجبر من يحب على أن يحبه، اصرفوا النظر عن هذه الحالة التي إن نجحت فسوف تكون زائفة وغير واقعية أبداً.

الحل إذن أن تجد من يستهويك قلبه بقدر ما يستهويه قلبك، وهو بحث قد يكون شاقاً للبعض، وقد يكون سهلاً للبعض الآخر، ولكنه الحل الوحيد وتبعاته تفوق الوصف في الروعة.

آخر الكلام:

(الحب إنسان… وعنده لسان… ويتكلّم… ويعرف يفرح ويتألم… بس يختلف عن بقية البشر… ما يعرف يخون… ولا عمره غدر… وعنده إحساس.. . قدر «وايد» يحطم ناس… كان الخوف عنوانهم… وكلمة ياس نيشانهم… «بس اهوا» ما يعرف الياس… ولا يعرف له أي عنوان.

الحب إنسان… فيه بركان… من الشوق ومن الذوق… وحرية ما لها أي طوق… الحب «غريبة أطباعه»… ولا يهمّه «منو باعه»… و«إهو زعلان… يظل فرحان».

الحب إنسان… ما يعرفك لمصلحة… ولا بفلوسك تربحه… و»محّد قدر» يلغيه أو يمسحه… وما يسلاك لمّا تموت… ولا يعتبرك من الماضي تمر وتفوت… ولا يعرف أبد نسيان.

الحب إنسان… الحب حلم وواقع… ومهما صار يظل عن نفسه يدافع… هذا الحب يا السامع… ياليت منّه تتعلم… «كيف الواحد يكون إنسان»).

ملاحظة: الأسطر السابقة مقال قديم لي في مجلة «أبواب» العزيزة مع بعض التعديلات رأيت أن يوم 14-2 موعداً مناسبا لنشرها… وكل عام ومن نحب بخير.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

سامي النصف

لماذا حدث ما حدث في مصر؟!

الجماهير الملايينية التي خرجت تطالب مبارك بالرحيل تعادل في عددها الجماهير الملايينية التي خرجت إما لتطالب عبد الناصر بالعدول عن استقالته (يونيو 1967)، او لتودعه عند رحيله (سبتمبر 1970)، الغريب ان المعادلة الصحيحة والمنطقية كانت تقتضي العكس، فقد خسر ناصر السودان وبعدها سورية وسيناء وغزة مرتين، وأدخل مصر في سلسلة حروب وهزائم عسكرية وقمع وزوار فجر، وكان مستوى العيش لـ 20 مليون مصري يقل كثيرا عن مستوى عيش 84 مليون مصري إبان حكم مبارك الذي حرر الأرض وأوقف الحروب وأدار عجلة التنمية والاستثمار بأقصى سرعتها وزاد عدد السائحين من عشرات الألوف إبان عهد ناصر الى عشرات الملايين في عهده.فما سبب نجاح الأول وفشل الثاني؟! (واضح ان الانجاز ومنح الحريات لا يكسب بذاته قلوب شعوبنا التي تحركها العاطفة لا العقل).

أول أسباب ما حدث مؤخرا هو «متوازية الفساد وحرية الإعلام» ففي عهد عبدالناصر كان فساد المشير عامر وصلاح نصر وزمرة ضباطه أكثر استشراء واتساعا دون مردود على الدولة، الا ان الشعب لم يغضب او يثر، كونه لا يعلم عنه شيئا لسيطرة النظام على الإعلام، بينما سمح عهد مبارك بالحريات الإعلامية من صحف وفضائيات التي تابعت كشف ـ بحق او باطل ـ قضايا الفساد دون رد من النظام بتصحيح المسار او بتفنيد الادعاءات، حتى تكونت صورة شديدة القتامة والسواد عن العهد، اختفت داخلها انجازاته ولم يسمع احد صوت وزير الإعلام أنس الفقي قط حتى سقوط النظام إلا عندما اتصل بالأمس ليرد على د.مصطفى الفقي.

(تجارب الشاه وبن علي ومبارك تدل على ان دعاوى الفساد هي الأكثر اثارة لمشاعر وغضب العامة حتى مع وفرة الانجاز حيث يصدق الناس أحيانا ما يسمعون ويكذبون ما يرون).

سبب آخر هو عدم استخدام العقلاء والحكماء والأذكياء للقراءة الصحيحة للأحداث وخلق ما هو أشبه برادارات الانذار المبكر، مما نتج عنه قراءات خاطئة تماما لأحداث تونس التي لو بدأ الاصلاح مبكرا ومتوازيا معها لتغيرت الأوضاع بشكل جذري، ومثل تلك القراءات الخاطئة لتداعيات تزوير نتائج الانتخابات الأخيرة والحصول على 100% من الكراسي النيابية مما أثار ضيق وغضب الشارع وقواه السياسية، وفي مرحلة لاحقة خطأ ارسال البلطجية والخيول والجمال الى ساحة التحرير، وسحب رجال الأمن من الشوارع، وخطب الرئيس الخاطئة في المضمون والتوقيت وأفضل منها لو انه تنحى ـ كما كتبنا في مقال سابق ـ في وقت مبكر وخرج محافظا على سمعته وكرامته وانجازاته.

ومن الأمثلة الصارخة على نجاح عمليات تسويد الصورة بشكل غير معقول، تصديق الشعب المصري لاكذوبة جريدة «الغارديان» الغوبلزية التي يقصد منها زيادة النار اشتعالا بأن الرئيس مبارك اختلس 70 مليار دولار (420 مليار جنيه مصري) علما بأن الميزانية المصرية تدقق من قبل 6 جهات رقابية يرأسها الشريف جودت الملط، بينما لم تثر للمعلومة الشعوب على حكومات «ثورية» في المنطقة يستولي بعضها على دخل النفط بأكمله وبعضها الآخر على ميزانية الدولة بأكملها، كما ان مشاريع الوزراء أحمد المغربي وزهير جرانة هي في الأعم اقامة مدن اسكانية خاسرة في الأغلب فكيف لهم ان يكوّنوا المليارات المدعاة؟ (ان الأنظمة لا تنهار فجأة بل تتآكل تدريجيا مع كل دعوى فساد او اخفاق لا تحارب او ترد او تصحح).

وقد استطاع عبدالناصر بالأمس وإيران اليوم تعويض اخفاقات الداخل بنجاحات السياسة الخارجية، لذا كان ناصر والثورة الايرانية مؤثرين بشكل مباشر في أوضاع العراق وسورية ولبنان وفلسطين واليمن وباقي دول المنطقة، في وقت اختفى فيه دور مصر الخارجي في أفريقيا والمنطقة العربية في السنوات الأخيرة حتى أصبح لا يزيد عن دور دول عربية صغيرة كجيبوتي وغيرها (الشعوب لا تمانع أحيانا ان تبيت جائعة لو وعدتها الأنظمة بالكرامة والأحلام الوردية المستقبلية).

آخر محطة

(1): أظهر مؤشر عدم الاستقرار لدول المنطقة في عدد مجلة الايكونومست الانجليزية الرصينة ان اليمن (88%) وليبيا (72%) يأتيان في مقدمة البلدان المرشحة لعدم الاستقرار القادم وقطر والكويت في آخرها بنسب تقارب (20%) (طبق الأصل).

(2) مع سقوط دولة الوزير حبيب العادلي نرجو ان يماط اللثام عن مصير زميلنا في «الأنباء» والأهرام الصحافي الميت الحي رضا هلال فلم يعد هناك سر في مصر.

(3) صدر عن الاخوان المسلمين بيان رائع أكدوا فيه دعوتهم للدولة المدنية وان الدولة الدينية ضد الإسلام فكيف يقفون معها؟ أفلحوا ان صدقوا.

(4) من الدروس المستفادة حاجة الدول المنجزة المستقرة الى عمل اعلامي مدروس ومنظم لتحسين الصورة، فالانجاز وحده لا يكفي.. والحديث ذو شجون!

احمد الصراف

دورك يا وزير الداخلية

معالي وزير الداخلية، لا شك لدي في اخلاصك واخلاص من سبقك. وأعتقد، من سابق خبرتك، أنك تعرف أن الداخلية مخترقة من محترفي دفع الرشوة ومن العناصر الفاسدة، وما نقرأه يوميا عن مخالفات رجال الأمن، ومنها قضية الميموني، إلا مثال صارخ على مدى تردي وضع الوزارة وضرورة تدخلك لوضع حد لكل هذا التشدد المفرط في جهات، ولين مفرط في جهات أخرى. فقرارات الوزارة مثلا تمنع دخول جنسيات معينة للبلاد إلا ضمن أضيق الحدود. كما تتشدد في منح استمارة أو إجازة قيادة مركبات لفئات من المقيمين، وتمنع التعليمات تعذيب المتهمين، وأخرى تمنع دخول المتسولين، وغير ذلك الكثير. ولكننا نرى أن كل هذه غير معمول بها بصورة سليمة، فالمركبات غير الصالحة تملأ الطرقات، ومنح الاستمارات وإجازات القيادة لغير مستحقيها مستمر، و«غير المرحب» بهم من جنسيات محددة يملأون البلاد، كما يسرح المتسولون من اصحاب «المشاريع الخيرية» في كل مكان ومناسبة دينية، ويحدث كل ذلك بلا شك، أكرر بلا شك، لأن هناك من يدفع وهناك من يقبض، أو لوجود واسطة، ولوجود من لا يتردد في مخالفة التعليمات وتعذيب المعتقلين في المخافر وجهات التحقيق وضمن جدران المباحث وسجون أمن الدولة!
نحن لا ننادي هنا بفتح أبواب الزيارة أمام المتسولين ومواطني الدول «المزعول عليها»، وإعطاء إجازة القيادة لكل طالب لها، والتراخي في التعامل مع المتهمين، ولكن نطالبكم من موقعكم الحساس بالعمل على القضاء، أو البدء في القضاء على الفساد المستشري في وزارة الداخلية، من خلال تخفيف إجراءات الزيارة وتطوير عملية مراقبة الزوار من خلال أحدث التقنيات، فلا يعقل أن يرفض طلب زيارة ابناء لوالديهم من دون دفع المقسوم أو التعرض لمذلة الواسطة! والقصص المماثلة كثيرة، وما عليك سوى تشكيل لجنة للنظر في الموافقات الحالية لتعرف من الذي يقبض ويسهل ما ستتشدد أنت، أو من سبقك في المنصب، فيه!
أما اللين فيكمن في طريقة التعامل مع تجاوزات العاملين في وزارة الداخلية، سواء ما تعلق بتجاوزاتهم الأمنية التي تملأ صفحات الحوادث يوميا، أو ما يتعلق بانتهاكات حقوق المتهمين الإنسانية، وطريق الإصلاح واضح ومعروف ولا يحتاج الأمر غير السير فيه، عدم الرد على اعتراضات أصحاب المصلحة في بقاء الأوضاع على ما هي عليه.

أحمد الصراف

سامي النصف

الليلة الكبيرة

في التراث والموروث المصري هناك ما يسمى باحتفالية المولد أو «الليلة الكبيرة» وهي ليلة تحتشد فيها الجموع وتمتلئ بالحركة والأنوار والأصوات وتسعد بها الجموع، إشكالية تلك الليلة تأتي عادة في صباح اليوم الذي يليها عندما يكتشف بعض المشاركين فيها انه صرف كل ما يملك ولم يعد لديه ما يكفيه لنهاية الشهر، ويكتشف آخر انه سُرق أو نُشل إبان نشوته أو فرحته وتذهب حقائق وأرقام اليوم التالي بسعادة وفرحة تلك الليلة.. الكبيرة!

في عام 1882 فرح الشعب المصري بالليلة الكبيرة التي أقامها أحمد عرابي وفي اليوم التالي اكتشفت الجموع ضمن كشف حساب الصباح ان الاسكندرية قد احرقت ونهبت وان الجيش المصري قد دمر في معركة التل الكبير أمام الجيش البريطاني بقيادة «ولسلي» الذي أسرى بجنده ليلا من الغرب إلى الشرق بتعاون وتخاذل من القائد «خنفس» في جيش عرابي وبدأ هجومه فجرا من حيث لا يحتسبون وبدأ مع الانتصار الاحتلال الانجليزي الذي دام سبعين عاما، لذا ما ان عاد عرابي لمصر عام 1901 حتى سمع قصائد الهجاء من شوقي والتخوين من الزعيم مصطفى كامل فدخل بيته ولم يخرج حتى مماته.

في 28 مارس 1954 وبعد «الليلة الكبيرة» التي حدثت في يوليو 1952 انقسم مجلس قيادة الثورة الى من يدعو لعودة الجيش للثكنات وعودة الديموقراطية والعمل بدستور 1923 الذي أوقفه وزير الداخلية سليمان حافظ بمعاونة محسن حافظ رئيس الفتوى والتشريع لاحقا بالكويت، ومن يدعو الى إيقاف الديموقراطية، وخرجت أغرب مظاهرات ملايينية في التاريخ تدعو لسقوط الديموقراطية وإيقاف الحرية وإبقاء الجيش الذي لم يعد لثكناته بعد ذلك وتعرضت مصر في حساب اليوم التالي الى القمع وزوار الفجر وفتح المعتقلات وتتالي الهزائم العسكرية والنكبات.

في 15 مايو 1971 أطلق الرئيس محمد أنور السادات ليلته الكبيرة أو ما أسماه بثورة مايو التصحيحية استبدل خلالها الأنظمة والقوانين القمعية بقوانين أكثر قمعا منها ابتدأها بإصدار أحكام بالإعدام والحبس المؤبد على من أسماهم حليفه هيكل بـ «مراكز القوى» كونهم فقط تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم (!) وكرت السبحة بقوانين العيب وقمع مظاهرات الخبز وانتهت بسجنه لقيادات التوجهات السياسية المختلفة والمخالفة لنهجه، ما أدى الى اغتياله في 6 أكتوبر 1981 وتولي الرئيس «السابق» حسني مبارك لمقاليد الحكم وتعهده بأن يترك الحكم بعد دورة رئاسية واحدة (استمرت 31 عاما!).

آخر محطة:

(1) تسبب تعليق الدساتير والقوانين في سجن سليمان حافظ وهيكل من قبل نفس الأنظمة التي طبلا وهللا لها عند استباحتها للتشريعات.

(2) طالب هيكل في لقائه مع الإعلامية الجميلة منى الشاذلي بأن يكون رئيس الجمهورية كملكة بريطانيا لا يتدخل في شؤون البلاد ولا يرسم سياستها بل يتم الرجوع له عند الخلاف.. لماذا يطبل هيكل لعبدالناصر الذي قام بعكس ذلك تماما؟! ولماذا لا يعتذر عن ذلك الخطأ الفادح من قبله؟! وما أكثر تنظيرات هيكل الخاطئة التي لا يعتذر عنها قط!

احمد الصراف

ما الذي حدث؟

تاريخيا، عارض رجال الدين التعليم، وخاصة للإناث. وواجهت خطط توفير التعليم للبنات في السعودية مثلا، في سبعينات القرن الماضي، معارضة شديدة منهم بحجة أنهن سيتعرضن للمضايقة في الطريق، فتعهدت الدولة بتوفير الحافلات، سكتوا، ثم اعترضوا بحجة امكان تلفظ المارة عليهن بما يسيء وهن في الحافلات، فظللوا زجاجها بما يمنع الرؤية، فسكتوا ثم اعترضوا أيضا بحجة عدم معرفة ما يجري في داخلها، وخطورة اختلاء السائق بهن، فتم توظيف زوجات السائقين كمرافقات لمنع الاعتداء! هذا ليس خيالا، بل هذا ما رواه لي «أبوعطيش» الذي كان والده يعمل سائق حافلة في ذلك الوقت، وكانت أمه مراقبة له على الحافلة نفسها!
هلع رجال الدين، ورفضهم تعليم الفتيات لم يكن من منطلق الخوف عليهن، بل الخوف منهن! فقد سبقه خوفهم واعتراضهم على تعليم الذكور، وعندما توفر التعليم لهؤلاء ركزوا جهودهم على منع تدريس مواد كالكيمياء والفيزياء والمنطق والفلسفة، ولا يزال الكثير منهم يحرم تعلم الإنكليزية، لما يؤدي إليه تعلمها من انكشاف على «الكفار»! كما أن اعتراضاتهم هذه تنبع أيضا من رغبتهم في الاحتفاظ بمكانتهم كـ«علماء»، وأن يبقوا مصدر العلم والمعرفة الوحيد. وأتذكر، عندما عملت لدينا خادمة، أن البعض حذرنا من السماح لها بعطلة الأحد، لأنها ستتعلم وتطالب بحقوقها! وهذا يعني أنه كلما زاد جهل العامل، أو حتى الابن أو الابنة، والمواطن بشكل عام، سهلت قيادته، ومن هذه الزاوية يمكن تفهم سبب اعتراض «الملالوة» على تلقي العامة للعلم من على يد غيرهم!!
ما حدث في تونس ومصر أكد ويؤكد صحة مخاوف رجال الدين، فبغير العلم والانفتاح على العالم وتعلم لغاته والاحتكاك بثقافاته ما كان لهؤلاء الشباب أن ينهضوا ويطالبوا بحقوقهم المدنية والإنسانية، فهؤلاء لم يكونوا في غالبيتهم مجموعة من الغوغاء الجوعى العاطلين عن العمل، بل عكس ذلك تماما، فما تلقوه من تعليم وما اكتسبوه من ثقافة ومعارف جعلهم يعقدون المقارنة تلو الأخرى ويطرحون السؤال بعد الآخر عن سبب كل هذا الظلم الذي يحيط بهم، وكل هذا الفساد المالي والإداري الذي لا يسمع به في الغرب مثلا، ولماذا تتداول السلطة في دول العالم وليس في بلدانهم؟ ولماذا تتمتع شعوب متواضعة، تاريخا وإمكانات، بكل هذه الحريات، ولا يوجد ما يقترب منها لدى أحفاد هنيبعل والفراعنة؟ ولماذا يعيش الناس كالبشر هناك ولا يوجد ما يماثل ذلك هنا؟ وغير ذلك العشرات من الأسئلة التي فجرها التعليم في أذهان هؤلاء ومكنهم من رؤية ما يجري في العالم وتحليله والاستفادة من تقنيات الاتصال الحديثة التي جعلت العالم قرية صغيرة.

أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

غرائب وعبر انهيار النظام

لماذا هذا الفرح الذي عم كل مصر بسقوط نظام مبارك؟ ولماذا كل هذه المسيرات التي عمت عدداً من عواصم العالم، فرحاً برحيل مبارك؟ كيف تحول المواطن المصري المعروف بهدوئه وطيبته وحبه للخير والفرفشة إلى هذا العنيد الصامد الصابر في ميدان التحرير لمدة 18 يوماً من دون أن يكل أو يمل؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل حكام العرب والعالم، الصالح منهم والطالح! العادل فيهم والظالم! «يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير» .
بعض المواطنين في الكويت، ولوفائهم لنظام مبارك وتذكرهم لمواقفه الإيجابية معهم، كانوا يتمنون حفظ كرامته واستمراره بعد تعهداته بالإصلاح! حتى الحكومة الكويتية لم تخف تعاطفها مع ذلك النظام من باب الوفاء له، حتى منعت المسيرات والتظاهرات المناوئة لمبارك ونظامه، لكن ما يصح إلا الصحيح، والصحيح أن نظامه كان ظالماً مع شعبه فما ينفعه عدله مع غيره! والنظام كان شراً على مصر فما يفيده خيره لغيرها! لذلك نقدر لنظام مبارك مواقفه معنا، لكن مصر للمصريين وهم أصحاب الكلمة الأخيرة في بلادهم.
من غرائب الأمور في حادثة السقوط الكبير للنظام المصري هو الانقلاب في الموقف الأميركي بهذه السرعة وتخليه عن أهم وأكبر حلفائه، وكشف ظهره لأعدائه، وصدق من قال لا مبادئ دائمة في السياسة بل مصالح دائمة!
من غرائب هذا الحدث تصريح ميركل، حاكمة ألمانيا، في أول تعليق لها على رحيل مبارك: يجب على الحكومة القادمة أن تراعي التزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل! يعني ايدها على قلبها من أجل إسرائيل! ما تنلام إذا كانت ألمانيا تعاقب بالسجن كل من لا يؤمن بأن هتلر حرق اليهود! خوش حرية اعتقاد!
ومن الغرائب، التي صاحبت هذا السقوط، تصريحات لبعض مفكرينا ونصائحهم للحكم الجديد بألا يهتم خارج حدود مصر وأن يحافظ على اتفاقية السلام، وكأنه يريد من مصر أن تنزع نفسها من عباءة العالم العربي والإسلامي وفي هذا إضعاف للأمة، لأن مصر ركن أساسي في المنظومة العربية الإسلامية.
* * *
«لفتة كريمة»
شكراً سمو الأمير على توجيهاتك الأبوية السامية لإطلاق سراح د. عبيد الوسمي، شكراً سمو رئيس مجلس الوزراء على إلغائك لقضاياك ومطالباتك تجاه خصومك السياسيين، مطلوب الآن أن نبدأ صفحة جديدة من العمل والتعاون في أجواء خالية من التأزيم.
مطلوب الآن أن نشاهد مبدأ التعاون بين السلطتين واقعاً ملموساً لا حبراً على ورق.
مطلوب أن نوقف التصريحات التي تثير غبار التأزيم والتوتر من دون أن نغفل عن محاسبة المقصرين، وألا يكون تعاوننا تهاوناً عن رقابة المفسدين الذين لا تخلو منهم وزارة.

سعيد محمد سعيد

أحضان البحرين المفتوحة بالخير

 

لا شيء يصبو إليه المواطن البحريني أكثر من أن يرى بلاده تعلو وتنهض وتتطور، ويعيش فيها معززاً مكرماً مطمئناً على رزقه ورزق عياله، ومطمئناً على حقوقه تماماً كما اطمئنانه على واجباته تجاه بلده… لذلك، فإن أحضان البحرين مفتوحة دائماً بالخير، لأن شعبها شعب خير وسلام وود قلّ نظيره.

تلك الأحضان الملأى بالخير، لا تقبل – بأي حال من الأحوال – التشكيك في نوايا أي فرد من أفراد الأسرة البحرينية، حتى وإن كانت هناك من الأصوات النشاز ومن النفوس المليئة بالشر تنفث سمومها بين حين وآخر، لكن أهل البحرين كانوا ولايزالون، على قدر كبير من المسئولية الوطنية في الحفاظ على تماسكهم ونسيجهم الوطني.

ولعلنا ونحن نعيش الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، قادرون على أن نبرهن بأننا شعب لا يفرّط في وطنه بأي شكل من الأشكال، وإن كان من حقنا أن

نوصل إلى قيادتنا الرشيدة مطالبنا وتطلعاتنا بالصيغة التي تقدم مصلحة الوطن والمواطنين على أي مصالح فتنوية أو فئوية من قبيل المتاجرة بالولاءات الكاذبة

والدعوات المزيفة والممارسات الطائفية والتمييزية التي تلحق الضرر بالوطن أكثر من أن تنفع البلاد والعباد.

كل السبل متاحة أمام الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والرموز الدينية والسياسية اليوم لمواصلة العمل المشترك والاستمرار في طريق الإصلاح.

وفتح قنوات الحوار المخلص، وهذه الرغبة لا يوجد ما يمنع من ترجمتها على أرض الواقع، فأجواء العام 2001 الجميلة… أجواء الميثاق الانفراجية التاريخية، قابلة للتحقق من جديد، من خلال إنهاء مسببات الاحتقان تماماً كما كان مسارها في ذلك العام… فغالبية شعب البحرين يتطلعون إلى كرم وعفو وشيم القيادة الرشيدة في منح الجميع فرصة المشاركة في بناء البلد، واحترام وجهات النظر المختلفة ودعم حرية التعبير ووضع المطالب المشروعة على

بساط البحث بإخلاص ونوايا صادقة، والتوافق على تطوير التجربة الديمقراطية ومكافحة الفساد والطائفية والتمييز وإنهاء الملفات التي ترهق الوطن، ووضع توجهات جديدة لتحسين المستوى المعيشي ورفع الأجور وتنمية الاقتصاد الوطني.

ستبقى أحضان البحرين مفتوحة بالخير للجميع… ولا شك أبداً في أن كل أهل البحرين، وخصوصاً فئة الشباب منهم، يتطلعون لأن يكون لهم دور محوري نشط في خدمة بلادهم، ولله الحمد، فإن الالتفاف الوطني بين القيادة الرشيدة وشعب البحرين الكريم، ودور الرموز الدينية والسياسية التي تحمل هم الوطن،

تمنحنا دائماً القدرة على تجاوز الأزمات… وهذا ما يأمله الجميع

سامي النصف

الانسداد السياسي

لو أحضرت أنبوبا وسكبت فيه ماء من طرفه الأيمن لخرج الماء سلسا وسهلا من طرفه الأيسر، أما لو سكبت ماء من الطرف الأيمن ومعه ماء من الطرف الايسر لتصادمت المياه ولحدث انسداد قد يتضخم حتى ينفجر الانبوب وتتناثر المياه في كل اتجاه، إلا أن الاشكال يحل في النهاية.

في غرب الخليج وبعد الغزو الصدامي الغاشم للكويت، رأت أغلب دوله ان أمنها القومي يستوجب وجود قواعد عسكرية على أرضها، بينما يرى شرق الخليج ان على تلك الدول ان تخرج الأميركان كي يمكن التفاهم مع ايران، وتقول الدول الخليجية في المقابل ان اخراج الحلفاء يجعلنا مكشوفين أمام الاعداء ومن ثم لا يبقى ما نتفاوض حوله، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في الخليج.

في العراق يرى جنوبه وشماله مشروعية حدوث انتخابات وحراك سياسي بوجود الأميركان بينما يرى وسطه وغربه ان الحراك الوحيد المسموح به هو المقاومة المسلحة، كذلك يرى طرف ان الحكومة هي استحقاق داخلي تشكلها القائمة الفائزة بأكثرية مقاعد البرلمان بينما يرى طرف آخر ان الظروف تستوجب أن تكون الحكومة استحقاقا اقليميا يشكلها من يستطيع أن يرضي ويغري الآخرين للاصطفاف معه، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في العراق.

في فلسطين ترى حركة حماس ان حل القضية الفلسطينية يكمن في المقاومة والكفاح المسلح وأنه لا تفاوض أو اعتراف بإسرائيل، بينما ترى السلطة العكس من ذلك تماما، وان تلك الاجندات الثورية قد جربت في السابق وتسببت في النكسات وفي فقدان الأرض التي تغيرت معالمها من قبل المستوطنات مع كل يوم يمر، وان حالة اللاحرب واللاسلم لا تخدم القضية بينما ترى اسرائيل ان السلطة غير قادرة على السلم كونها لا تقدم الأمن بوجود حماس، وان حماس غير قادرة على الحرب لضعف الامكانيات والقدرات، وبين هذا وذاك يحدث انسداد فلسطيني ـ فلسطيني لأجل غير مسمى.

في لبنان ترى قوى 14 آذار ان المحكمة الدولية هي «الخير» كله كونها السبيل لمعرفة من يقف خلف اغتيال الشهيد رفيق الحريري والاغتيالات اللاحقة، وان الديموقراطية «التوافقية» تجعلهم الطرف الوحيد المستحق لتشكيل الحكومة كونهم من يمثل الاغلبية الساحقة من طائفة السنّة، بينما ترى قوى 8 آذار ان المحكمة الدولية هي «الشر» كله وان قراراتها الظنية مسيسة ومعروفة سلفا، وان من يملك الاغلبية يشكل الحكومة، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في لبنان.

بين المغرب والجزائر عملية انسداد سياسي مزمن حول قضية الصحراء، وفي مصر يصر الشباب المحتشدون في ميدان التحرير على ضرورة أن يتنحى الرئيس في التو واللحظة وبأي ثمن بينما يرى كثير من الدستوريين والسياسيين المخضرمين ضرورة الانتظار كي يمكن الالتزام بمتطلبات الدستور المصري لإجراء تلك التعديلات التي تحتاج الى أشهر وان الغاء الدستور أو السماح بالعمل خارجه هو الذي فتح أبواب الظلم والقهر وزوار الفجر بعد ثورة يوليو 1952، وبين الفهمين والمتطلبين يحدث انسداد سياسي خطير في مصر.

في السودان كان الحكم في الخرطوم تقوده الجبهة القومية (العربية) الاسلامية بينما يرى الجنوبيون أنهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين، لذا فمن الضرورة بمكان أن يتحول الحكم في الشمال الى ليبرالي علماني حتى يقبل الجنوب بالبقاء ضمن حدود الدولة الواحدة، وعليه فقد حدث انسداد سياسي لعقود لم يفكه الا انفصال الجنوب، فهل ستطبق الروشتة الانفصالية على الانسدادات الاخرى كي تحل الاشكالات؟!

آخر محطة:

(1) ما بناه الرئيس مبارك في 30 عاما بدأ يمحى سريعا في أيام.. خطاب الرئيس ليلة قبل الأمس زاد الوضع السياسي المصري انسدادا.

(2) الجيش كالتنين قد يلتهم من يوقظه!

احمد الصراف

أنت تطلع .. أنا أروح

هرب صديقي «أبو حازم» من السجن والحكم السياسي الذي صدر بحقه في مصر، وعاش في الكويت وكون أسرة، وحصل على جنسية أخرى، تغير بعدها النظام في بلده وصدر عفو رئاسي عنه من السادات وآخر من مبارك! وبعد نصف قرن عاد لوطنه ليودع أهله للمرة الأخيرة، وكانت المخابرات بانتظاره، حيث غاب عن العالم، ثم أفرج عنه وعاد ليروي لي ذكرياته، وكيف ان رجل المخابرات قال له «الرؤساء يموتون، ولكن سجلات المخابرات تبقى».
وائل غنيم، مدير «غوغل» مصر، اختفى في الأيام الأولى من الثورة الشبابية، ولم يعرف أحد عنه شيئا، تدخلت السفارة الأميركية، ومعها الخارجية وشخصيات وسياسيون ورجال أعمال كنجيب ساويرس، وغيرهم لمعرفة مصيره، وبعد عدة انباء متضاربة ووعود باطلاق سراحه من نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، والتي ثبت لاحقا عدم صدقية أي منها، أطلق سراحه بعد 11 يوماً، جرى اثناءها تشويه سمعته، واتهامه بالعمالة والخيانة، وان اصله سوري، حدث كل ذلك في الوقت الذي كان فيها النظام احوج ما يكون لتحسين صورته، واظهار حسن نيته، وانه قد تغير للأفضل، وان الاصلاحات قادمة!
حادثة وائل وقبلها «أبو حازم» يجب ان تكونا درسا لكل المطالبين بعدم رحيل النظام فورا، وان يعطى فرصة لاستعادة الأمن وترتيب الأرضية للتعديلات الدستورية، واجراء الاصلاحات الضرورية، فمثل هذه الأنظمة لا يؤتمن جانبها، والأمل في الاصلاح وهم وسراب، وان تنفس النظام الصعداء، فستكون في ذلك نهاية أحلام كل أولئك الشباب وآمالهم، وربما حياتهم!

أحمد الصراف