سامي النصف

كي لا نفقد مصر كما فقدنا العراق

مع سقوط نظام صدام عام 2003 كان العراق الجديد في مرحلة التكوين وقد كان بإمكان الدول العربية عبر جامعتها العتيدة او الدول الخليجية عبر مجلسها ان تدخل العراق من بوابته الشرعية لخلق مشروع مارشال عربي ـ خليجي لتنمية العراق دون تمييز بين شماله ووسطه وجنوبه.

مشروع عربي يقوم بكفكفة دمع اليتيم العراقي ومواساة الثكلى والأرملة ويفتح أبواب الرزق والعمل لرجال العراق، فالعراق الآمن المرفه هو اضافة لأمتنا العربية ودعم لدول خليجنا، وبعد ان تأخذ دولنا دور الريادة والقيادة في مشروع انقاذ العراق يمكن لأي دولة أخرى تريد مساعدته كالدول الغربية وايران وغيرها ان تدخل وتساهم، وبمثل هذا فليتنافس المتنافسون.

أمر كهذا لم يحدث لأن البعض منا انشغل بالخوف من «ديموقراطية» العراق، والبعض الآخر من «مذهبية» عرب العراق وثالث بالخلط بين الاستعمار التقليدي الدائم للدول الذي رحل دون عودة من العالم، وبين التواجد العسكري الأميركي المؤقت الذي سيرحل هذا العام ولم يكن احد يحتاج لتدمير العراق للوصول الى هذا الهدف.. السهل!

مصر الكبيرة والعظيمة في حالة مخاض شديد هذه الأيام ويمكن لنا كعرب لو تعلمنا من درس عراق 2003 ان نجعلها تخرج أجمل ما لديها ومن ثم تصبح مصر «الجديدة» ذات دور تاريخي مستقبلي مؤثر ـ افتقدناه لسنوات طويلة ـ فاعل وداعم لقضايا العرب، ويمكن بالمقابل لو أهملنا مصر ان نجعلها تخرج أسوأ ما فيها فتنشغل عن قضايا الأمة بمشاكلها الداخلية وان ينتهي الأمر بتشرذمات سياسية ودينية ومناطقية تعيد تشكيل خرائط المنطقة وحينها سنصيح جميعا بالمقولة الخالدة «انما أُكلنا يوم أُكل الثور الأبيض» او حين سمحنا بابتلاع ارض السواد وتقسيم ارض السودان!

آخر محطة: أمضي اجازة هذه الأيام في مزرعة الصديق العزيز عبدالعزيز البابطين الرائعة في السعودية التي تمتلئ بالأشجار والحيوانات المختلفة ومنها طائر النعام، واول ما تلحظه في ذلك الطائر انه لا يخبئ رأسه في الرمال كما يقال عند الخطر بل ينظم صفوفه لرد الاعتداء برجليه ومنقاره، أرجو الا نجعل كعرب النعام يضحك علينا عندما يرانا نخبئ رؤوسنا في رمال صحارينا عند ظهور الفتن والأخطار.. وما أكثرها هذه الأيام!

سعيد محمد سعيد

يا حبيبي… سوف أحكي لك عن ليل «المنامة»

 

«يا حبيبي…سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حين يخلو، من جموع تنزوي في كل مفرق… تقطع الوقت بأوهام وأحلام وتطرق كل باب للدعابات وأشجان الحديث… سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حينما يخلو من الناي المؤرق… في الليالي المقمرات… يسكب اللحن العراقي الحزين… طارقاً كل الحواري والجهات… ليبكي قلب عذراء سجين… تزرع الآه وأصداء الأنين… في أعالي حصنها الداجي الحصين».

«سوف أحكي لك عن ليل المحرق… حين يغرق… في متاهات الظلام… وطيور الليل حيرى لا تنام… ترصد الساحات قفراً من زحام… من ضجيج… يا أساطير الخليج… لي فيك عبرة عند الختام… عن جزاء الصبر للقلب المحرق».

(ليل المحرق)… قصيدة رائعة للشاعر البحريني الرائع علي عبدالله خليفة ثابتة في جذورها كثبات جذور أهل البحرين في بلادهم، وبصوتها البحريني المليء بالعاطفة والحنين والصدق والحب، صدحت حنجرة الفنانة البحرينية المتألقة هدى عبدالله لتجعل من هذه القصيدة ماثلة في قلوب كل من سمعها أو من يسمعها لأول مرة.

ليتني أمتلك تلك الهالة الشعورية الإبداعية المتوهجة الأخاذة التي أخرجت من صدر (علي عبدالله خليفة)هذا النص الفريد، وأخرجت من حنجرة (هدى عبدالله) هذا الإحساس المتدفق، لتحدثتُ كثيراً عن (ليل المنامة)! ليس لرمزية الليل أو لأنها العاصمة فحسب، بل لأنها قلب البحرين الذي تمتد شرايينه إلى كل شبر من أرض البلاد… يا حبيبي، سوف أحكي لك عن ليل المنامة… ذلك الليل الذي ما عاد فيه القلب نائم… هو ليل الـ (لا ظلام)… هو ليل للكرامة… هكذا ليل عظيم أفرح الأحرار في كل العواصم… بدماء الشهداء… ترتوي البحرين من نهر الشهامة.

ليل المنامة، من أول شفقه إلى مطلع غسقه وغلسه، هو ليل جديد في كل البحرين، والفضل فيه لله سبحانه وتعالى ولدماء الشهداء الأبرار ولهذا الشعب الكريم الوفي الذي سطر أروع صور التلاحم والقوة في مرحلة من أكثر مراحل البلاد حرجاً وصعوبةً… هذا الليل الذي يجتمع الناس فيه بمساجدهم ومآتمهم… بمجالسهم الشعبية… مقاهيهم… ملتقياتهم… ما تيسر من سواحل… في المزارع والاستراحات… في الأسواق… حول القهوة البحرينية… تتجه فيه الأنظار إلى دوار اللؤلؤة، حيث القلوب التي تمتلئ بالأمل، فتلك القلوب، تحمل همّ كل البحرينيين فلهم منا ومنكم كل التحية والتقدير والإجلال والإكبار.

لقد عبَرت البحرين خلال السنوات العشر الماضية بحالة من الاحتقان والتأزم، حتى أصبح من الصعب التنبؤ بما سيكون عليه المستقبل، فجاءت الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني ليقدم أبناء الوطن – في ذكراها – دمهم الطاهر في نهضتهم البحرينية من أجل الإصلاح والصلاح، فظن البعض أن البلد ستدخل نفقاً مظلماً أشد وطأة مما سبق! لكن خلاف ما رُوّج ويروِّج له البعض من عناوين الفتنة والانشطار الطائفي والتآمر والإضرار بالبلد، ظهرت الحقيقة الكبرى التي لا يمكن إنكارها: لقد وحّدت دماء الشهداء أهل البحرين جميعهم فأصبحوا حائط صد ضد المرجفين وصناع الطبخات السرية… لقد فتحت دماء الشهداء الصفحة الجديدة بكل تحدياتها ليشترك السواد الأعظم من المواطنين في الاتفاق على المطالب المشروعة… لقد أنعم الله سبحانه وتعالى، وبفضل تلك الدماء الزكية، أنعم علينا بفتح باب الحوار الذي يقوده ولي العهد نائب القائد الأعلى صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة بتوجيهات، وهو كفؤ كريم ثقة… وأياً كانت الملاحظات والهواجس التي تحيط بالحوار وسقف المطالب والضمانات وآليات التنفيذ، فإن الثقة كبيرة في وعي (شباب التغيير) الذين أذهلوا العالم بسلميّتهم ومنهجهم الحضاري فتحدوا أن يثبت أحدهم أن إطاراً واحداً احترق خلال حركتهم المباركة… وكذلك هي الثقة في العلماء الأفاضل والجمعيات السياسية والوجهاء المخلصين في خدمة البلاد من كل القطاعات، والإعلام البحريني الصادق فقط.

لقد وحّدت هذه المرحلة شمل أهل البحرين جميعهم، ليثبتوا للإعلام الذي يرى بعين واحدة، ويتحدث بلسان واحد، أنهم أكبر وأكبر من الترهات الفاشلة، والأفكار الصغيرة، فتذهب كل محاولات النيل من تماسك الناس وترهيبهم بالفتنة… سدىً!… إنه ليل المنامة… إنه فجر البحرين… إنها شمس البحرين التي تشرق بالآمال، فتكشف زيف الزائفين من جهة، وتتمايل أشعتها الذهبية بسرور على دوار اللؤلؤة