محمد الوشيحي

الليبيون معتادون على الفلفل

نحن في فترة أعياد، ووالدنا صاحب السمو الأمير يستقبل اليوم ضيوفه وضيوفنا، ومعه نقول لهم: 'أهلاً وسهلاً'، وسنضع الشرشف على مشاكلنا الداخلية وننقلها إلى السرداب بعيداً عن أعين الضيوف، وسنرتّب ديوانيتنا ونبخّرها، و'لاحقين على خير' و'كل مطرود ملحوق'.

ومن يقول إن ما يفعله مجنون ليبيا بشعبه شيء يفوق الخيال، أقول له أنت كذاب ابن دجال أو أهبل ابن أهطل، أيهما قبل… وهل كان أحد يتوقع أن يوزّع هذا المجنون الآيسكريم على شعبه الرافض له؟ هذا هو وجه سفاك الدماء الحقيقي، لم يغيّره.

لكن ما برّد أكبادنا وسكّن آلامنا هو قرار جامعة الدول العربية تجاه هذا المجنون، الذي لم يكن ينقصه إلا جملة 'يا قذقوذي يا بايخ، ما أحبك ما أحبك ما أحبك'، كما تفعل الزوجة التي تتدلع وتتدلل على زوجها في سنة زواجها الأولى قبل أن تغلق باب غرفة نومها في وجهه ليسترضيها فترضى! قال يعني سيغضب القذافي إذا أعلنت الجامعة مقاطعة الوفود الليبية، ألا يعرف هؤلاء المرهفون أن القذافي قائد أممي، كما يرى نفسه، وأنه إذا كان على استعداد لإبادة شعبه وأهله وإحلال مجاميع إفريقية مكانهم، فما الذي يمنعه من أن يطلّق الأمة العربية ويتزوج أمة أخرى أو أخريات في اليوم نفسه؟

ولن تجد وجهاً أبرد ولا أتفه من وجه الذي تصرخ أمامه مستغيثاً: 'إني أحترق… اجلب ماء لتطفئني بسرعة' فيشرح لك عناصر الماء، وكيف اتحدت ذرتان من الهيدروجين بذرة من الأكسجين وتعاهدن على البقاء معاً، وكيف أن علاقتهن مثل علاقات شبّان هذا الزمن، ما إن تتعرض للحرارة حتى تتفكك.

والليبيون إذا كانوا بحاجة إلى أحد فهم فقط بحاجة إلى من يبعد الطائرات والدبابات عن يد سلطة المجنون، كي تكون المعركة متكافئة ويتدبروا أمرهم بأنفسهم، فالليبيون أشجع الشعوب العربية وأكثرها تضحية بالنفس، أقول ذلك بعد تجربة لصيقة بهم استمرت نحو ستة أشهر أثناء الدراسة في أوكرانيا، بدأت بخناقة دامية تبادلنا فيها دخول المستشفى، وانتهت إلى مشاركة في شقة لم تكن تحفها الملائكة.

والليبيون قساة، لا يلينون لأحد ولا يخضعون لغير الله، ولا أظنهم أذعنوا للقذافي إلا بعد أن أذاقهم الفلفل الحار، رغم علاقتهم الحميمة مع الفلفل وسيطرته على وجباتهم، ولو أن يابانياً صائعاً تناول وجبة ليبية لنطق الشهادتين في الحال وخرج في سبيل الله مجاهداً. وقد دُعيت إلى وليمة ليبية، فمددت يدي إلى لقمتي الأولى، ولم يستغرق الأمر مني إلا مسافة السكة من اليد إلى الفم، حتى توقفتُ فوراً وخنقتني العبرة واختفى صوتي، ورحت أضرب كفاً بكف وأفحّ كما تفح الثعابين وأتمتم بجمل متصلة منفصلة: 'يا حسافة راح فيها المريء، هلا والله بالشباب' وقضيت على كؤوس الماء كلها وجندلتها الواحدة تلو الأخرى، وما هي إلا لحظات حتى ارتفع صوت الطالب اليمني الجالس إلى جواري، وراح يهذي بكلمات لم أتبينها، أظنه كان يشتم المضيف أو يشتم نفسه التي سوّلت له قبول الدعوة أو يشتمني بعد أن قضيت على مصادر المياه.

أعان الله أهل ليبيا على جامعة الدول العربية أولاً، ثم على مجنونهم مصاص الدماء ثانياً.

***

اتصالات هاتفية عديدة من الإخوة القراء المصريين تلقتها 'الجريدة'، وإيميلات على بريدي الإلكتروني، يعلنون فيها عتبهم على ما ورد في مقالتي يوم الثلاثاء الماضي، عندما ذكرت أن 'الشعب المصري خلاص استيقظ من غبائه وألقى حقيبة وزارة الإعلام في سلة القمامة'، مع أن المقالة توضح أن المقصود بـ'الغباء' هو 'وزارة الإعلام'، وللتوضيح سأشرح: 'كل شعب على وجه الأرض يقبل وجود وزارة إعلام في حكومته هو شعب غبي، والشعب المصري، بعد تحرره، تخلص من هذا الغباء، أي تخلص من حقيبة وزارة الإعلام، أما بقية شعوب العربان فماتزال تستمتع بغبائها'.

احمد الصراف

جمعية التكافل والذكاء

طلبت مني «جمعية التكافل» مساعدتها ماديا في الإفراج عن سجناء. وأرفقَت بالطلب مطوية تحتوي على صور فتاوى لبعض رجال الدين، ولكن لم أجد في فتاواها ما له علاقة بنشاط الجمعية! يقول مسؤولو الجمعية إنهم ساعدوا ـ منذ تأسيسها في 2005 ـ في الإفراج عن 3634 سجينا، ودفعت عنهم مبلغ 2445000 دينار. وقد ذكّرني نشاط الجمعية بعمل شركة خاصة في لندن تقوم بمتابعة سيارات الشرطة التي تضع الكوابح، أو الكلبشات، على المركبات المخالفة، فيقومون بدورهم بوضع ملصقات على زجاج تلك المركبات تطلب من أصحابها عدم القلق، فهم على استعداد لتوصيلهم لمنازلهم ودفع المخالفة عنهم وإزالة الكوابح مقابل رسم بسيط! وهذه حال الجمعية، فهي وكأنها تقول للبعض لا تقلقوا، اذهبوا واقترضوا، وسنخرجكم من السجن بعد دفع مديونيتكم! نقول ذلك من باب التفكّه، فلا شك أن هناك حالات إنسانية عديدة في السجون، تتطلب قيام جهة ما الاهتمام بها. ولكن لسبب معروف جدا أشك جدا في طريقة اختيار هذه الجمعية لمن يستحق المساعدة، التي لا يمكن أن تتم بطريقة عشوائية، أو لأكثر المساجين حاجة، بل أستطيع الجزم هنا، أن ليس بين الـ3634 سجيناً واحداً غير مسلم، أو حتى من غير مذهب الجماعة، أو حتى «زكرتي»! وما يسيء أكثر في هذا السياق أن بعض المعايير التي على أساسها يتم تخفيض عقوبة بعض المساجين في المناسبات الخاصة، والتي تضعها جهات في الداخلية، تتضمن التساهل مثلا مع من يحفظ آيات قرآنية! وحيث إن البعض لا قدرة له على الحفظ، فإنه يُعاقب على أمر لا ذنب له فيه، ونكافئ السجين الذكي، الذي قد لا يكون أولى بالمساعدة والإفراج!

أحمد الصراف