لا أعتقد أن أحداً سمع أو شاهد بذخاً احتفالياً كالذي أقامه آخر اباطرة إيران. وقلة من زعماء العالم عاشوا بكل ذلك السمو والعز اللذين عاشهما الشاه الراحل، ومع هذا مات مشردا مريضا بعد أن لفظه الجميع، لا يحيط به إلا البؤس والحزن. ولا أعتقد أن طعم مئات كيلوغرامات الكافيار التي تناولها في حياته، إضافة الى أشهى الأطعمة وأغلاها، ومئات القبلات التي تبادلها مع أجمل نساء العالم، قد خففت في ساعاته الأخيرة من طعم المرارة في فمه. الأمر ذاته سرى على شاوشيسكو، دكتاتور رومانيا، الذي أعدم مع زوجته كالمجرمين بعد انقلاب شعبه عليه، وبينوشيه، دكتاتور تشيلي الذي مات مطاردا، ودكتاتور السودان جعفر النميري، وعيدي أمين (أوغندا)، ونوريغا، (بنما)، ودوفاليه، (هايتي)، الذي عاد لوطنه قبل أيام مفلسا ذليلا، وماركوس الفلبين، وضياء الحق (باكستان)، وصدام حسين، وأخيرا زين العابدين وحسني مبارك وغيرهم الكثير، ولا يمكن أن تخفف متع السلطة وهيبة وروعة حكم الناس على مدى عشرات السنين من جحيم حياتهم، أو ما تبقى منها، إن لفظتهم شعوبهم ورمتهم للذل والمطاردة والخوف والمحاكمة وربما السجن أو الإعدام! ولو كان هؤلاء يقرأون التاريخ، أو يرضون بالتعلم منه، لما أصابهم كل هذا الذل ولما تعرضوا لكل هذا العذاب، ولما خسرت شعوبهم كل تلك الأرواح البريئة والخسائر المادية الطائلة. ومن سمع وقارن خطاب حسني مبارك الأخير، الذي امتلأ بالتحدي والإصرار على البقاء في السلطة، والذي يشبه الخطاب الذي ألقاه شاوشيسكو في آخر أيامه في الحكم، لشعر بمدى انقطاع الصلة بين الدكتاتور وشعبه وبما يجري حوله. فهذا الذي حمل على أكتافه خبرات عسكرية وإدارية ورئاسية امتدت لـ 61 عاما، فشل حتى في صياغة خطاب وداع لائق، وكان فشله دليلا على أنه لم يكن يقرأ ليفهم، أو يفهم ليقرأ!
***
ملاحظة: ترك رجل الدين يوسف القرضاوي لرفاهية عيشه في وطنه «قطر» وسفره لتقشف عيشة مصر لم يكن لغير خطف ثورة شبابها لمصلحة حركة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها! يقول المثل «الذيب ما يهرول عبث».
أحمد الصراف