خرجوا متظاهرين ومشاغبين لأنهم يشعرون بالظلم وفقدان الأمل، نسميهم في الكويت "بدون" أو المقيمين بصورة "غير قانونية"، فقدوا الأمل رغم أن المجلس والحكومة أقرا المجلس المركزي لحل معضلة "البشر" المحرومين من الهوية الوطنية، لكنهم يرون أن هذا الجهاز لا يختلف عن سابقه مثل اللجنة التنفيذية للمقيمين بصورة غير قانونية! ومن يخلق القانون، ومن يحكم بعدالته أو جوره هو واحد، وهو الخصم وهو الحكم.
سألت أحد هؤلاء البشر (أو كما يعشق أن يسميهم الكثيرون من أمراء النازية الكويتية بالبدون الكذابين، أو المزورين) عن سبب تظاهرهم أمس الأول، ولمَ قذفوا رجال الأمن بالحجارة، كما يقول عدد من الشهود. أخبرني بأنه ربما كان هناك "محرض" أو "محرضون" غير مقدرين لعواقب الأمور، لكن ليس هذا هو المهم، ما يهم أن عدداً منهم أصيب بالإحباط من كثرة الوعود الورقية، من صعود الأمل ثم خفوته، ولا شيء يحدث على أرض الواقع لحل أزمة الهوية… كل الحلول التي قدمت ترقيعية… ومسكنات ألم مؤقتة… تزيد من مرض فقدان الهوية والوجود الإنساني ولا تستأصله… هناك ما يقارب 93 ألف "بدون" نصفهم تقريباً مسجلون في إحصاء 65 الذي وعدت السلطات بمنحهم الجنسية إذا توافر شرط الإقامة الدائمة وغيره من شروط…! لكن هذا لم يحدث… إحصاء 65 لا يختلف عن قانون منع التدخين في الأماكن العامة… جماعة إحصاء 65 لهم وضع أفضل من غيرهم الذين لا يشملهم الإحصاء ما لم يكن الأخيرون لهم واسطة… فيستحقون ميزات الجنسية أو الجنسية بدون تعب…!! الوضع الأفضل لجماعة إحصاء 65 أن لديهم بطاقة مراجعة. جدوى هذه البطاقة التي لا تخول صاحبها غير هوية اللاهوية مراجعة اللجنة كل سنة أو سنتين… حسب مزاج الإدارة الأمنية… هي لا توفر العلاج ولا فرص الدراسة ولا العمل بصورة عامة… فائدة البطاقة أنها بطاقة تحمل رقماً… لواحد غير محسوب.
أخبرني من تجربة شخصية بحجم محنة البدون… أنه، مثلاً، إذا أراد تسجيل ميلاد طفل… يطلب مني في إدارة تسجيل المواليد أن عليه "مراجعتهم" بعد أسبوعين حتى "تراجع" هذه الإدارة لجنة المقيمين بصورة غير قانونية… فإذا حضرت بعد أسبوعين… قالوا لي نعطيك شهادة الميلاد، لكن عليك توقيع شهادة تقر فيها بأنك سعودي، أو عراقي… أو تنتمي إلى دولة ما…!! يقول لي: لا أمانع التوقيع… لكن ما جدوى هذا الإقرار الذي لا تأخذ به السفارة السعودية فهو لم يصدر عنها… ما فائدته غير فرض واقع إنكار هويتي الوطنية بنفيها بإثبات انتماء جذوري قبل عقود من الزمن إلى دولة ما، لم أولد فيها ولم يكن لي غير الكويت وطن.
هكذا تمضي قضية "البدون" وهكذا نسجل للتاريخ كيف نهرب من الواقع إلى المجهول وإلى الوعود بالأحلام الجميلة التي لم تكن سوى كوابيس مرعبة.