بكيت بحرقة في يونيو 1967 بسبب سذاجتي وقلة خبرتي، بعد أن عرفت حجم الهزيمة والكارثة اللتين حلتا بنا في حرب الأيام الستة مع إسرائيل! ولم يمر وقت طويل لأكتشف كم كنت مخدوعا لأنني كنت أقرأ لفكر واحد وفي اتجاه واحد، وبالتالي لم يكن مستغربا أن يقع الطلاق بيني وبين محيطي، وهو الطلاق الذي دام 44 عاما، إلى أن أعادتني، إلى حد ما، احداث تونس وثورة مصر، الى المحيط القديم الذي طال رفضي له لسوء كيانه وتخلف تكويناته. أقول ذلك بحذر شديد، فقد علمتني الأيام أن ليس كل ما نراه صحيحاً وليس كل ما نتمناه سنحصل عليه أو سيستمر، فنهاية هذه الثورة تكمن في طهارتها وعفويتها، ولن يطول الوقت قبل أن تجهض أو على الأرجح تختطف من قبل جهة ما وتجيرها لمصلحتها، حدث ذلك في روسيا وقبلها في فرنسا وبعدها في إيران وعشرات الأماكن الأخرى! نقول ذلك من دون أن نبخس الشباب الحق في ما اثبتوه من أن ليس بالإمكان الضحك على الأمم وإنكار حقوقها في الحرية والديموقراطية إلى الأبد، ولكن هذه نادرا ما تأتي مع الجيش أو المخابرات! ولو طالعنا ما أصبح ينشر ويبث على الإنترنت من مستندات وأفلام وتسجيلات قديمة تتعلق بأحداث الأيام الماضية، لشاهدنا كيف انقلبت آراء الكثير من رجال السياسة والإعلام، من امثال عمرو اديب وعمرو خالد وعمرو موسى وغيرهم، من النقيض إلى النقيض، وكيف أن أحلام الشباب يمكن أن تختطف بسهولة من الفئات المنافقة والمتسلقة، ليحلوا محل من سبقهم من الفاسدين. وبالتالي فإن الثورة الشبابية المصرية بحاجة للتحصين، وهذا لا يمكن أن يأتي بغير كشف هؤلاء والتحذير منهم، كما حدث لأحد المطربين الذي حاول الاستفادة من الأحداث والمشاركة في التظاهرات، فكشف هؤلاء سابق مواقفه المشينة من ثورتهم، وناله ما يستحق من عقاب. كما يجب الحذر من أية رغبة يبديها النظام العسكري الحالي للبقاء في السلطة أكثر مما يتطلبه التحضير لنظام مدني عصري جديد، نقول هذا مع تقديرنا الشخصي الكبير للقيادة العسكرية المصرية التي رفضت الانجرار لطلبات القيادة السابقة، وحقنت دماء أبناء الشعب بقدر الإمكان، وكان لها الفضل الكبير في نجاح ثورة الشباب.
أحمد الصراف