حسن العيسى

لا نريد هدايا بل نطلب حقاً

سحب طلب التفسير من الحكومة وتنازلها عن الدعاوى، سواء تلك التي رفعها سمو رئيس مجلس الوزراء أو التي حركتها وزارة الإعلام ضد أصحاب الرأي، مسألة تستحق التقدير والشكر للحكومة، وبصرف النظر عما كان يمكن أن تنتهي به الأحكام في تلك الدعاوى لمصلحة المشكو في حقهم أو ربما ضدهم فإن ممارسة الملاحقات السياسية حين تلبس رداء القانون هي بذاتها سياسة تسلطية تتنافى مع أبسط مبادئ حقوق التعبير ونقد الشخصيات العامة. يبقى ما هو أهم من تلك الهدايا الوقتية التي قدمتها الحكومة إلى المشكو في حقهم. فليست هي قضية محمد الجاسم أو عبيد الوسمي وماذا قالا في ندوة أو كتبا في مدونة ما- فتلك مسائل فردية وإن مدت بظلالها على كل صاحب رأي حر- بل يبقى آخر الأمر تلك القوانين الجائرة مثل قانون المطبوعات والنشر وبعض نصوص قانون الجزاء وأمن الدولة وما يتبعها مثل قانون المرئي والمسموع… فتلك القوانين فتحت أبواب جهنم على أصحاب الرأي، وهي  التي شدت من أزر السلطة لتأديب أصحاب الرأي وتدجين الإعلام بشكل عام، فخلقت بذلك الوحش القبيح واسمه «الرقيب الذاتي» في قلب كل كاتب حر، وأضحينا نحسب لكل كلمة حسابها، وما إذا كانت تهز أركان «الدولة وأمنها وطوائفها وثوابتها» أم لا! وما إذا كانت تسيء إلى علاقتنا بدول صديقة أو شقيقة أم لا…! طبعاً في عرفنا الشرقي الدول الشقيقة والصديقة هي «ممشة زفر» لتحصين أنظمتها السلطوية الفاسدة من النقد…! وخير مثال حالة التيه التي أصابت معظم كتابنا أيام ثورة 25 يناير العظيمة بمصر أو قبلها بتونس، فلا يمكن نقد قيادة الرئيس حسني مبارك، ولا يمكن طبعاً أن نفعل أي شيء حتى تستقر الأمور ونعرف من هو الملك القادم، لنهلل له حين تهلل الحكومة أو نصمت بخجل حين تصمت الحكومة. 
«البلوي» القادمة، وكأن سلطتنا لا تعرف شيئاً عن ثورة التويتر والفيس بوك وغوغل، هي مشاريع القوانين التي قدمتها الحكومة لزيادة حجم العقوبات على وسائل الإعلام الخاصة، وأعدت غرامات بأرقام فلكية وعقوبات بالحبس لأي تفكير عقلي حر إذا كان يمس يقينيات طوائف أهل الخير والصلاح…! تلك وصمة عار لبلد يتنطع فيه البعض بحرية الرأي والديمقراطية، متناسين أنها ديمقراطية أعور بين عميان… لا نريد هدايا وتنازلات وقتية… بل نريد حقوقنا الثابتة في التفكير والنقد، ورمي قوانين «دراكو» ومشاريعه في مزبلة التاريخ.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *