سامي النصف

الليلة الكبيرة

في التراث والموروث المصري هناك ما يسمى باحتفالية المولد أو «الليلة الكبيرة» وهي ليلة تحتشد فيها الجموع وتمتلئ بالحركة والأنوار والأصوات وتسعد بها الجموع، إشكالية تلك الليلة تأتي عادة في صباح اليوم الذي يليها عندما يكتشف بعض المشاركين فيها انه صرف كل ما يملك ولم يعد لديه ما يكفيه لنهاية الشهر، ويكتشف آخر انه سُرق أو نُشل إبان نشوته أو فرحته وتذهب حقائق وأرقام اليوم التالي بسعادة وفرحة تلك الليلة.. الكبيرة!

في عام 1882 فرح الشعب المصري بالليلة الكبيرة التي أقامها أحمد عرابي وفي اليوم التالي اكتشفت الجموع ضمن كشف حساب الصباح ان الاسكندرية قد احرقت ونهبت وان الجيش المصري قد دمر في معركة التل الكبير أمام الجيش البريطاني بقيادة «ولسلي» الذي أسرى بجنده ليلا من الغرب إلى الشرق بتعاون وتخاذل من القائد «خنفس» في جيش عرابي وبدأ هجومه فجرا من حيث لا يحتسبون وبدأ مع الانتصار الاحتلال الانجليزي الذي دام سبعين عاما، لذا ما ان عاد عرابي لمصر عام 1901 حتى سمع قصائد الهجاء من شوقي والتخوين من الزعيم مصطفى كامل فدخل بيته ولم يخرج حتى مماته.

في 28 مارس 1954 وبعد «الليلة الكبيرة» التي حدثت في يوليو 1952 انقسم مجلس قيادة الثورة الى من يدعو لعودة الجيش للثكنات وعودة الديموقراطية والعمل بدستور 1923 الذي أوقفه وزير الداخلية سليمان حافظ بمعاونة محسن حافظ رئيس الفتوى والتشريع لاحقا بالكويت، ومن يدعو الى إيقاف الديموقراطية، وخرجت أغرب مظاهرات ملايينية في التاريخ تدعو لسقوط الديموقراطية وإيقاف الحرية وإبقاء الجيش الذي لم يعد لثكناته بعد ذلك وتعرضت مصر في حساب اليوم التالي الى القمع وزوار الفجر وفتح المعتقلات وتتالي الهزائم العسكرية والنكبات.

في 15 مايو 1971 أطلق الرئيس محمد أنور السادات ليلته الكبيرة أو ما أسماه بثورة مايو التصحيحية استبدل خلالها الأنظمة والقوانين القمعية بقوانين أكثر قمعا منها ابتدأها بإصدار أحكام بالإعدام والحبس المؤبد على من أسماهم حليفه هيكل بـ «مراكز القوى» كونهم فقط تقدموا باستقالاتهم من مناصبهم (!) وكرت السبحة بقوانين العيب وقمع مظاهرات الخبز وانتهت بسجنه لقيادات التوجهات السياسية المختلفة والمخالفة لنهجه، ما أدى الى اغتياله في 6 أكتوبر 1981 وتولي الرئيس «السابق» حسني مبارك لمقاليد الحكم وتعهده بأن يترك الحكم بعد دورة رئاسية واحدة (استمرت 31 عاما!).

آخر محطة:

(1) تسبب تعليق الدساتير والقوانين في سجن سليمان حافظ وهيكل من قبل نفس الأنظمة التي طبلا وهللا لها عند استباحتها للتشريعات.

(2) طالب هيكل في لقائه مع الإعلامية الجميلة منى الشاذلي بأن يكون رئيس الجمهورية كملكة بريطانيا لا يتدخل في شؤون البلاد ولا يرسم سياستها بل يتم الرجوع له عند الخلاف.. لماذا يطبل هيكل لعبدالناصر الذي قام بعكس ذلك تماما؟! ولماذا لا يعتذر عن ذلك الخطأ الفادح من قبله؟! وما أكثر تنظيرات هيكل الخاطئة التي لا يعتذر عنها قط!

احمد الصراف

ما الذي حدث؟

تاريخيا، عارض رجال الدين التعليم، وخاصة للإناث. وواجهت خطط توفير التعليم للبنات في السعودية مثلا، في سبعينات القرن الماضي، معارضة شديدة منهم بحجة أنهن سيتعرضن للمضايقة في الطريق، فتعهدت الدولة بتوفير الحافلات، سكتوا، ثم اعترضوا بحجة امكان تلفظ المارة عليهن بما يسيء وهن في الحافلات، فظللوا زجاجها بما يمنع الرؤية، فسكتوا ثم اعترضوا أيضا بحجة عدم معرفة ما يجري في داخلها، وخطورة اختلاء السائق بهن، فتم توظيف زوجات السائقين كمرافقات لمنع الاعتداء! هذا ليس خيالا، بل هذا ما رواه لي «أبوعطيش» الذي كان والده يعمل سائق حافلة في ذلك الوقت، وكانت أمه مراقبة له على الحافلة نفسها!
هلع رجال الدين، ورفضهم تعليم الفتيات لم يكن من منطلق الخوف عليهن، بل الخوف منهن! فقد سبقه خوفهم واعتراضهم على تعليم الذكور، وعندما توفر التعليم لهؤلاء ركزوا جهودهم على منع تدريس مواد كالكيمياء والفيزياء والمنطق والفلسفة، ولا يزال الكثير منهم يحرم تعلم الإنكليزية، لما يؤدي إليه تعلمها من انكشاف على «الكفار»! كما أن اعتراضاتهم هذه تنبع أيضا من رغبتهم في الاحتفاظ بمكانتهم كـ«علماء»، وأن يبقوا مصدر العلم والمعرفة الوحيد. وأتذكر، عندما عملت لدينا خادمة، أن البعض حذرنا من السماح لها بعطلة الأحد، لأنها ستتعلم وتطالب بحقوقها! وهذا يعني أنه كلما زاد جهل العامل، أو حتى الابن أو الابنة، والمواطن بشكل عام، سهلت قيادته، ومن هذه الزاوية يمكن تفهم سبب اعتراض «الملالوة» على تلقي العامة للعلم من على يد غيرهم!!
ما حدث في تونس ومصر أكد ويؤكد صحة مخاوف رجال الدين، فبغير العلم والانفتاح على العالم وتعلم لغاته والاحتكاك بثقافاته ما كان لهؤلاء الشباب أن ينهضوا ويطالبوا بحقوقهم المدنية والإنسانية، فهؤلاء لم يكونوا في غالبيتهم مجموعة من الغوغاء الجوعى العاطلين عن العمل، بل عكس ذلك تماما، فما تلقوه من تعليم وما اكتسبوه من ثقافة ومعارف جعلهم يعقدون المقارنة تلو الأخرى ويطرحون السؤال بعد الآخر عن سبب كل هذا الظلم الذي يحيط بهم، وكل هذا الفساد المالي والإداري الذي لا يسمع به في الغرب مثلا، ولماذا تتداول السلطة في دول العالم وليس في بلدانهم؟ ولماذا تتمتع شعوب متواضعة، تاريخا وإمكانات، بكل هذه الحريات، ولا يوجد ما يقترب منها لدى أحفاد هنيبعل والفراعنة؟ ولماذا يعيش الناس كالبشر هناك ولا يوجد ما يماثل ذلك هنا؟ وغير ذلك العشرات من الأسئلة التي فجرها التعليم في أذهان هؤلاء ومكنهم من رؤية ما يجري في العالم وتحليله والاستفادة من تقنيات الاتصال الحديثة التي جعلت العالم قرية صغيرة.

أحمد الصراف
[email protected]

مبارك الدويلة

غرائب وعبر انهيار النظام

لماذا هذا الفرح الذي عم كل مصر بسقوط نظام مبارك؟ ولماذا كل هذه المسيرات التي عمت عدداً من عواصم العالم، فرحاً برحيل مبارك؟ كيف تحول المواطن المصري المعروف بهدوئه وطيبته وحبه للخير والفرفشة إلى هذا العنيد الصامد الصابر في ميدان التحرير لمدة 18 يوماً من دون أن يكل أو يمل؟
الإجابة على هذه الأسئلة هي الرسالة التي يجب أن تصل إلى كل حكام العرب والعالم، الصالح منهم والطالح! العادل فيهم والظالم! «يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير» .
بعض المواطنين في الكويت، ولوفائهم لنظام مبارك وتذكرهم لمواقفه الإيجابية معهم، كانوا يتمنون حفظ كرامته واستمراره بعد تعهداته بالإصلاح! حتى الحكومة الكويتية لم تخف تعاطفها مع ذلك النظام من باب الوفاء له، حتى منعت المسيرات والتظاهرات المناوئة لمبارك ونظامه، لكن ما يصح إلا الصحيح، والصحيح أن نظامه كان ظالماً مع شعبه فما ينفعه عدله مع غيره! والنظام كان شراً على مصر فما يفيده خيره لغيرها! لذلك نقدر لنظام مبارك مواقفه معنا، لكن مصر للمصريين وهم أصحاب الكلمة الأخيرة في بلادهم.
من غرائب الأمور في حادثة السقوط الكبير للنظام المصري هو الانقلاب في الموقف الأميركي بهذه السرعة وتخليه عن أهم وأكبر حلفائه، وكشف ظهره لأعدائه، وصدق من قال لا مبادئ دائمة في السياسة بل مصالح دائمة!
من غرائب هذا الحدث تصريح ميركل، حاكمة ألمانيا، في أول تعليق لها على رحيل مبارك: يجب على الحكومة القادمة أن تراعي التزامها باتفاقية السلام مع إسرائيل! يعني ايدها على قلبها من أجل إسرائيل! ما تنلام إذا كانت ألمانيا تعاقب بالسجن كل من لا يؤمن بأن هتلر حرق اليهود! خوش حرية اعتقاد!
ومن الغرائب، التي صاحبت هذا السقوط، تصريحات لبعض مفكرينا ونصائحهم للحكم الجديد بألا يهتم خارج حدود مصر وأن يحافظ على اتفاقية السلام، وكأنه يريد من مصر أن تنزع نفسها من عباءة العالم العربي والإسلامي وفي هذا إضعاف للأمة، لأن مصر ركن أساسي في المنظومة العربية الإسلامية.
* * *
«لفتة كريمة»
شكراً سمو الأمير على توجيهاتك الأبوية السامية لإطلاق سراح د. عبيد الوسمي، شكراً سمو رئيس مجلس الوزراء على إلغائك لقضاياك ومطالباتك تجاه خصومك السياسيين، مطلوب الآن أن نبدأ صفحة جديدة من العمل والتعاون في أجواء خالية من التأزيم.
مطلوب الآن أن نشاهد مبدأ التعاون بين السلطتين واقعاً ملموساً لا حبراً على ورق.
مطلوب أن نوقف التصريحات التي تثير غبار التأزيم والتوتر من دون أن نغفل عن محاسبة المقصرين، وألا يكون تعاوننا تهاوناً عن رقابة المفسدين الذين لا تخلو منهم وزارة.

سعيد محمد سعيد

أحضان البحرين المفتوحة بالخير

 

لا شيء يصبو إليه المواطن البحريني أكثر من أن يرى بلاده تعلو وتنهض وتتطور، ويعيش فيها معززاً مكرماً مطمئناً على رزقه ورزق عياله، ومطمئناً على حقوقه تماماً كما اطمئنانه على واجباته تجاه بلده… لذلك، فإن أحضان البحرين مفتوحة دائماً بالخير، لأن شعبها شعب خير وسلام وود قلّ نظيره.

تلك الأحضان الملأى بالخير، لا تقبل – بأي حال من الأحوال – التشكيك في نوايا أي فرد من أفراد الأسرة البحرينية، حتى وإن كانت هناك من الأصوات النشاز ومن النفوس المليئة بالشر تنفث سمومها بين حين وآخر، لكن أهل البحرين كانوا ولايزالون، على قدر كبير من المسئولية الوطنية في الحفاظ على تماسكهم ونسيجهم الوطني.

ولعلنا ونحن نعيش الذكرى العاشرة لميثاق العمل الوطني، قادرون على أن نبرهن بأننا شعب لا يفرّط في وطنه بأي شكل من الأشكال، وإن كان من حقنا أن

نوصل إلى قيادتنا الرشيدة مطالبنا وتطلعاتنا بالصيغة التي تقدم مصلحة الوطن والمواطنين على أي مصالح فتنوية أو فئوية من قبيل المتاجرة بالولاءات الكاذبة

والدعوات المزيفة والممارسات الطائفية والتمييزية التي تلحق الضرر بالوطن أكثر من أن تنفع البلاد والعباد.

كل السبل متاحة أمام الدولة ومؤسساتها ومنظمات المجتمع المدني والرموز الدينية والسياسية اليوم لمواصلة العمل المشترك والاستمرار في طريق الإصلاح.

وفتح قنوات الحوار المخلص، وهذه الرغبة لا يوجد ما يمنع من ترجمتها على أرض الواقع، فأجواء العام 2001 الجميلة… أجواء الميثاق الانفراجية التاريخية، قابلة للتحقق من جديد، من خلال إنهاء مسببات الاحتقان تماماً كما كان مسارها في ذلك العام… فغالبية شعب البحرين يتطلعون إلى كرم وعفو وشيم القيادة الرشيدة في منح الجميع فرصة المشاركة في بناء البلد، واحترام وجهات النظر المختلفة ودعم حرية التعبير ووضع المطالب المشروعة على

بساط البحث بإخلاص ونوايا صادقة، والتوافق على تطوير التجربة الديمقراطية ومكافحة الفساد والطائفية والتمييز وإنهاء الملفات التي ترهق الوطن، ووضع توجهات جديدة لتحسين المستوى المعيشي ورفع الأجور وتنمية الاقتصاد الوطني.

ستبقى أحضان البحرين مفتوحة بالخير للجميع… ولا شك أبداً في أن كل أهل البحرين، وخصوصاً فئة الشباب منهم، يتطلعون لأن يكون لهم دور محوري نشط في خدمة بلادهم، ولله الحمد، فإن الالتفاف الوطني بين القيادة الرشيدة وشعب البحرين الكريم، ودور الرموز الدينية والسياسية التي تحمل هم الوطن،

تمنحنا دائماً القدرة على تجاوز الأزمات… وهذا ما يأمله الجميع