سامي النصف

الانسداد السياسي

لو أحضرت أنبوبا وسكبت فيه ماء من طرفه الأيمن لخرج الماء سلسا وسهلا من طرفه الأيسر، أما لو سكبت ماء من الطرف الأيمن ومعه ماء من الطرف الايسر لتصادمت المياه ولحدث انسداد قد يتضخم حتى ينفجر الانبوب وتتناثر المياه في كل اتجاه، إلا أن الاشكال يحل في النهاية.

في غرب الخليج وبعد الغزو الصدامي الغاشم للكويت، رأت أغلب دوله ان أمنها القومي يستوجب وجود قواعد عسكرية على أرضها، بينما يرى شرق الخليج ان على تلك الدول ان تخرج الأميركان كي يمكن التفاهم مع ايران، وتقول الدول الخليجية في المقابل ان اخراج الحلفاء يجعلنا مكشوفين أمام الاعداء ومن ثم لا يبقى ما نتفاوض حوله، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في الخليج.

في العراق يرى جنوبه وشماله مشروعية حدوث انتخابات وحراك سياسي بوجود الأميركان بينما يرى وسطه وغربه ان الحراك الوحيد المسموح به هو المقاومة المسلحة، كذلك يرى طرف ان الحكومة هي استحقاق داخلي تشكلها القائمة الفائزة بأكثرية مقاعد البرلمان بينما يرى طرف آخر ان الظروف تستوجب أن تكون الحكومة استحقاقا اقليميا يشكلها من يستطيع أن يرضي ويغري الآخرين للاصطفاف معه، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في العراق.

في فلسطين ترى حركة حماس ان حل القضية الفلسطينية يكمن في المقاومة والكفاح المسلح وأنه لا تفاوض أو اعتراف بإسرائيل، بينما ترى السلطة العكس من ذلك تماما، وان تلك الاجندات الثورية قد جربت في السابق وتسببت في النكسات وفي فقدان الأرض التي تغيرت معالمها من قبل المستوطنات مع كل يوم يمر، وان حالة اللاحرب واللاسلم لا تخدم القضية بينما ترى اسرائيل ان السلطة غير قادرة على السلم كونها لا تقدم الأمن بوجود حماس، وان حماس غير قادرة على الحرب لضعف الامكانيات والقدرات، وبين هذا وذاك يحدث انسداد فلسطيني ـ فلسطيني لأجل غير مسمى.

في لبنان ترى قوى 14 آذار ان المحكمة الدولية هي «الخير» كله كونها السبيل لمعرفة من يقف خلف اغتيال الشهيد رفيق الحريري والاغتيالات اللاحقة، وان الديموقراطية «التوافقية» تجعلهم الطرف الوحيد المستحق لتشكيل الحكومة كونهم من يمثل الاغلبية الساحقة من طائفة السنّة، بينما ترى قوى 8 آذار ان المحكمة الدولية هي «الشر» كله وان قراراتها الظنية مسيسة ومعروفة سلفا، وان من يملك الاغلبية يشكل الحكومة، وبين هذا وذاك يحدث انسداد سياسي في لبنان.

بين المغرب والجزائر عملية انسداد سياسي مزمن حول قضية الصحراء، وفي مصر يصر الشباب المحتشدون في ميدان التحرير على ضرورة أن يتنحى الرئيس في التو واللحظة وبأي ثمن بينما يرى كثير من الدستوريين والسياسيين المخضرمين ضرورة الانتظار كي يمكن الالتزام بمتطلبات الدستور المصري لإجراء تلك التعديلات التي تحتاج الى أشهر وان الغاء الدستور أو السماح بالعمل خارجه هو الذي فتح أبواب الظلم والقهر وزوار الفجر بعد ثورة يوليو 1952، وبين الفهمين والمتطلبين يحدث انسداد سياسي خطير في مصر.

في السودان كان الحكم في الخرطوم تقوده الجبهة القومية (العربية) الاسلامية بينما يرى الجنوبيون أنهم ليسوا عربا وليسوا مسلمين، لذا فمن الضرورة بمكان أن يتحول الحكم في الشمال الى ليبرالي علماني حتى يقبل الجنوب بالبقاء ضمن حدود الدولة الواحدة، وعليه فقد حدث انسداد سياسي لعقود لم يفكه الا انفصال الجنوب، فهل ستطبق الروشتة الانفصالية على الانسدادات الاخرى كي تحل الاشكالات؟!

آخر محطة:

(1) ما بناه الرئيس مبارك في 30 عاما بدأ يمحى سريعا في أيام.. خطاب الرئيس ليلة قبل الأمس زاد الوضع السياسي المصري انسدادا.

(2) الجيش كالتنين قد يلتهم من يوقظه!

احمد الصراف

أنت تطلع .. أنا أروح

هرب صديقي «أبو حازم» من السجن والحكم السياسي الذي صدر بحقه في مصر، وعاش في الكويت وكون أسرة، وحصل على جنسية أخرى، تغير بعدها النظام في بلده وصدر عفو رئاسي عنه من السادات وآخر من مبارك! وبعد نصف قرن عاد لوطنه ليودع أهله للمرة الأخيرة، وكانت المخابرات بانتظاره، حيث غاب عن العالم، ثم أفرج عنه وعاد ليروي لي ذكرياته، وكيف ان رجل المخابرات قال له «الرؤساء يموتون، ولكن سجلات المخابرات تبقى».
وائل غنيم، مدير «غوغل» مصر، اختفى في الأيام الأولى من الثورة الشبابية، ولم يعرف أحد عنه شيئا، تدخلت السفارة الأميركية، ومعها الخارجية وشخصيات وسياسيون ورجال أعمال كنجيب ساويرس، وغيرهم لمعرفة مصيره، وبعد عدة انباء متضاربة ووعود باطلاق سراحه من نائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ووزير الداخلية، والتي ثبت لاحقا عدم صدقية أي منها، أطلق سراحه بعد 11 يوماً، جرى اثناءها تشويه سمعته، واتهامه بالعمالة والخيانة، وان اصله سوري، حدث كل ذلك في الوقت الذي كان فيها النظام احوج ما يكون لتحسين صورته، واظهار حسن نيته، وانه قد تغير للأفضل، وان الاصلاحات قادمة!
حادثة وائل وقبلها «أبو حازم» يجب ان تكونا درسا لكل المطالبين بعدم رحيل النظام فورا، وان يعطى فرصة لاستعادة الأمن وترتيب الأرضية للتعديلات الدستورية، واجراء الاصلاحات الضرورية، فمثل هذه الأنظمة لا يؤتمن جانبها، والأمل في الاصلاح وهم وسراب، وان تنفس النظام الصعداء، فستكون في ذلك نهاية أحلام كل أولئك الشباب وآمالهم، وربما حياتهم!

أحمد الصراف