تتسم كتابات الزميل عبدالمحسن، خصوصا تلك التي تتعلق برثاء شخص معروف والكتابة عن مناقبه واعماله وخصاله، بقدر كبير من حسن النية والطيبة ودماثة الخلق إلى درجة المبالغة بمآثر الفقيد أو الفقيدة! ولا أتذكر أنني قرأت له أبدا رثاء يتضمن نقدا لصفة سلبية في الفقيد، أو حتى دفاعاً عما أشيع عن مثالبه، وكأننا جميعا لا نشكو من أي خصلة غير حسنة، وأننا نتساوى تقريبا في حسن الخلق والصبر والبشاشة والتسامح والطيبة، وأحيانا الكرم! ولم يكن بإمكاني لفت نظره الى هذه النقطة لعدم معرفتي الدقيقة بمن كان يكتب عنهم، ولكنه عندما قام قبل ايام برثاء المرحوم الأستاذ خميس نجم، ووصفه بأنه كان مثال النظام والمحافظة على المواعيد والتسامح والصبر والبشاشة، هنا رأيت، ومن واقع معرفتي الشخصية بالمرحوم الذي درسني اللغة الإنكليزية لسنوات في مدرسة الصديق في نهاية خمسينات القرن الماضي، والذي لا تزال ملامح وجهه المتجهمة راسخة في ذهني إضافة لخشونة تعامله «الفوقي» معنا ونقده المستمر لكل عاداتنا، وما أكثر السيئ منها، فإنني استطيع الادعاء، بدون تردد وبكل صدق، أنه كان ابعد ما يكون عن التسامح والصبر والبشاشة، مع عدم إنكار صفاته الطيبة الأخرى من النظام والمحافظة على المواعيد والجدية، فقد كان عصبيا شديدا في تعامله بغير معنى، ولم يكن يخفي كرهه للجميع، وسخريته طوال الوقت من قلة فهمنا لمادته، وكان كلامه محبطا، ولو لم ينقذني مدرس فلسطيني آخر مما رسخه في ذهني من كراهية للغة الإنكليزية لبقيت العقدة معي حتى اليوم. كما لم يكن يتصف بالتسامح ابدا وكان دائم الانتقاد لاوضاعنا المعيشية «وكسلنا واهمالنا وقذارتنا وعدم القيام بواجباتنا» وكان يتمنى لنا تغير الحال وان نعود فقراء لكي يرى ما سنقوم بفعله من غير مال.
لا أقصد هنا التهجم على من أصبح في ذمة التاريخ، ولكني اضطررت لكتابة هذا المثال لأبين أننا كشعب كويتي، والمرحوم خميس منا، لنا جميعا نقاط ضعفنا، وأن عملية التوثيق والتدوين لا تتم بالعاطفة والمحبة فحسب بل بسرد الحقيقة كما هي، وإن تعذر ذلك فعلى الأقل سرد شيء مقارب لها، وإن تعذر هذا أيضا فالأفضل عدم المبالغة في المدح.
لا نقصد هنا التدخل في حق الزميل في أن يرثي من يشاء كيفما يشاء، ولكن ما يكتبه يعاد طبعه في كتب توثق هذه المراثي وتصبح بعد فترة مراجع للبعض، وتضمين هذه المراجع مثل هذه المبالغات أمر لا يجوز بحق المؤلف ولا حتى بحق من تم رثاؤه، فالكتابة في مثل هذه المواضيع ليست تطييبا للخواطر، ولكنها توثيق وتأريخ وهي مسؤولية كبيرة، ونتمنى على الزميل الكريم أخذ ملاحظاتنا بسعة صدره، التي اشتهر بها.
أحمد الصراف