محمد الوشيحي

بين السامسونايت والشرشف

خلونا نتفق من الآن أن على كل من يقدّم استقالته من النواب أو الوزراء أن يدفع «عربون»، أو «رعبون» كما يقول اللبنانيون، ويتسلم إيصالاً بذلك، يحتفظ هو بالنسخة الصفراء وتبقى البيضاء عندنا. إذ ليس من المعقول أن يحرر الصحافيون الخبر، ويكتب الكتّاب، وتتحدث الفضائيات، ثم بعد ذلك يخرج لنا المستقيل من خلف الجدار «بخ»! خلاص، من اليوم ورايح إيدك على جيبتك وهات عربونك واثنين شهود قبل أن تتقدم باستقالتك.

لكن بعيداً عن هذا، دعني «أنظّر» قليلاً و»أتفلسف» على مخك الكريم، وألتفت إلى الوطن العربي وأقول إن «الديمقراطية مثل حقيبة السامسونايت»، وإذا أعطيت طفلاً هدومك وطلبت منه أن يضعها في الحقيبة، فسيكدسها كيفما اتفق، وسيعجز عن إغلاق الحقيبة وسيتذمر من الحقيبة وصناعتها، في حين سترتّب أنت الملابس وتوزعها بذكاء في مساحات الحقيبة، فتتمكن من إغلاقها بسهولة، وهنا الفرق، فالحكومة البريطانية، مثلاً، استطاعت طيّ الهدوم وترتيب الحقيبة، في حين تشتكي حكومتنا ومستشاروها وكتّابها من الحقيبة، ويطالبون بإلغائها والعودة إلى زمن «شرشف المَهَرَة» (المَهَرة، ومفردهم مهري، هم فئة من الشعب اليمني، معروفون بالأمانة والصدق والبعد عن المشاكل، تخصصوا في بيع الملابس الشعبية التي كانوا يحملونها على ظهورهم في شراشف، ويدورون بها على مناطق ذوي الدخل المحدود).

والشعوب العربية صبرها من الطراز الأيوبي الفاخر، وحكوماتنا ترتدي عباءة الديمقراطية أمام الغرب وأمام عدسات المصورين، وما إن ينفض المصورون وينام الغرب، حتى تُخرج أسلحة الحكم الشمولي من تحت عباءتها وتطلق نيرانها على شعوبها، فتزور الانتخابات وتساعد هذا وتحارب ذاك، وتتلاعب بالقضاء، وتتعسف مع خصومها، وتغسل أيدي اللصوص وأبناء علي بابا، ووو، وإذا سألتها قالت لك: «كله بالقانون»، فتصبر الشعوب، وتحتمل وهي تمسح دموعها، فتتمادى الحكومات وتتجاوز الحدود الدنيا، فيثور الناس لكراماتهم، فتبدأ الحكومات الاستجداء.

والحكم في مصر الآن يتدلى من أعلى البناية، ويتمسك بالجدار بأطراف أصابعه، ويخفي ملامح الألم بابتسامة مزوّرة تظهره بمظهر «الواثق بأمر الله»، وفي كل خمس دقائق يرمي إحدى أوراقه، ويعزل هذا ويقرّب ذاك، إرضاءً للشعب، وهو ما يدل على أنه كان يعرف ما يرضي الشعب وما يغيظه، لكنه كان سادراً في غيّه.

على أن اللافت هو تشكيل الحكومة المصرية الجديدة من البقية الأحياء من «قوم نوح» الذين شاركوه، عليه السلام، في بناء سفينته، واستعان بهم الحكم الحالي ليعالجوا مشاكل الشباب، وليبنوا له سفينة تنقذه من الغرق في طوفانهم الغاضب… لكن معلش الطوفان قادم.

وقد أدرك طبّالو الحكومة هناك وراقصاتها أنها غارقة لا محالة، فأخذوا يتقافزون من المركب، كلٌّ بطريقته، فقد ظهر علينا أمس الأول أحد طبالي السلطة من الصحافيين، يزايد ويشتم العابثين بأراضي الدولة وأملاكها، وينتقد نظام «بي أو تي» ويطالب بإلغائه، وهو الذي كان يردح له قبل أيام! يا للهول، وخمسين يا للهول.

وحكاية نظام «بي أو تي» ذكرتني بالأراضي الممتدة التي استحوذ عليها ملياردير السلطة المعروف «هشام طلعت مصطفى»، المسجون بتهمة قتل الفنانة «سوزان تميم»، وأظنه الآن قد غادر مصر بعد أن تم تهريبه من السجن، كذلك ذكرتني حكاية «بي أو تي» بالعبث الذي يحدث، أو كان يحدث، عندنا في الكويت، قبل أن يتقدم الرئيس أحمد السعدون وكتلة العمل الشعبي بقانون يحلق شوارب اللصوص ويفسح المجال أمام المستثمرين الصادقين.

خلاص، دارت عجلة الشعوب، بعد أن استطعمت نكهة الحرية، وعسى ألا تقوم ثورتان لشعبين عربيين في وقت واحد، كي لا تسحب إحداهما أضواء الإعلام من الأخرى، أو تتعثر إحداهما فتؤثر على شقيقتها. بالدور يا شباب، اسحب «رقم» من الماكينة وانتظر دورك.

***

سنبدأ في الأيام القليلة المقبلة حملة تدعو إلى «استقلال القضاء»… إيدكم معانا. يا معين.

حسن العيسى

ماذا تنتظر أنظمتنا؟

يتساءل اليوت ابرامز في «واشنطن بوست» معلقاً على ثورة الشباب في مصر: «… أي دروس يمكن أن تتعلمها الأنظمة العربية مما يحدث؟ هل ستبدأ تلك الأنظمة مشوار الإصلاح الثابت الذي يعني التغيير السلمي لهذه الأنظمة، أم أنهم سيصلون إلى قناعة بأن زين العابدين بن علي اخطأ حين لم يأمر بضرب المتظاهرين وينهي الثورة؟ وهل ستتعلم حكوماتنا أن الأنظمة الدكتاتورية لا يمكن أن تكون ثابتة؟! فهناك تحت السطح الهادئ لتلك الدول التي تجثم فوقه قوى الأمن غليان ينمو ويتصاعد وقد ينفجر في أي لحظة لأعمال عنف رهيبة متطرفة، وعندها ستوصد الأبواب عن أي نقاش عقلاني يحكم المنافسة السياسية».

صحيح ماذا ستختار الأنظمة العربية اليوم وغداً… فما يجري في مصر اليوم ستكون له نتائجه الخطيرة على هذه الأمة التي كانت ساكنة وصامتة صمت أهل الكهف ولم تعد كذلك… مشهد آلاف المتظاهرين وقد يرتفع العدد للملايين يتجمعون في القاهرة والإسكندرية ومعظم المناطق المصرية يرفعون شعاراً واحداً، يصرخون بنبرة واحدة تهز أركان الدولة بكلمة «كفاية» ليس بالمشهد العادي، فلأول مرة يرد الشعب العربي المصري لدول الغرب وللفقهاء المنظرين بأن للصمت نهاية ولصبرنا حدوداً، وإذا كنتم تقولون في الغرب إن شعوبنا هي آخر الشعوب التي تنتفض ضد الحكام وضد الإدارة الرديئة، فقد أخطأتم، وراهنتم على حصان خاسر. لأول مرة في تاريخنا الحديث ومنذ بداية عصر الاستقلال في خمسينيات القرن الماضي شعوبنا هي التي تتحرك من ذاتها، تنتفض تنشد التغيير والتقدم والإصلاح… شبعت شعوبنا من أنظمة لا تتعدل ولا تتبدل، ولا تعرف قواميسها كلمات مثل «إصلاح وتغيير»! لأول مرة الشعوب هي التي تغير النظام بعد أن ذاقت مرارة الظلم، ولم تنتظر ضابطاً مغامراً فوق دبابة يستولي على الحكم ويصادر الدولة له لتصير مزرعة خاصة به وبجماعته… الشعب العربي اليوم لم يعد «مسطولاً» يهرول خلف لقمة العيش يوماً بعد يوم… اليوم يطالب بحقه بالوجود الإنساني وبالكرامة وبالديمقراطية التي عمت معظم مناطق العالم وتناست منطقتنا… فاليوم… في مصر حيث يقطن ثلث العرب، تبدأ موجة التغيير القادمة… مصر ليست مركز القومية العربية تاريخياً، لكنها مركز الثقل الثقافي والقوة للعرب، وما يحدث في مصر اليوم، سيمتد إلى شقيقاتها الصغيرات مهما حاولت أنظمتنا صد موجة التغيير فمصيرها الأكيد الفشل، فمصر ليست العراق، هنا الحديث يكون عن «الدولة» المتجانسة بتاريخ عريق يمتد إلى آلاف السنين، والبركان المصري مهما حاولت أنظمتنا كتم ذلك البركان بوعود الإصلاح وبالتغيرات الشكلية التي لا تقرب موضع الداء، والداء هو الاستبداد، والفقر، وهدر الكرامات وغياب العدالة الاجتماعية، فلن يجدي ذلك نفعاً.

الطوفان المصري قادم إلى المنطقة دون جدال، وليس على الأنظمة العربية سوى المبادرة بالإصلاح ببناء الدولة الدستورية الديمقراطية الحقيقية… لا وقت للانتظار… فكل لحظة تمر هي خسارة للنظام العربي المهترئ وكسب لروح الحرية والتقدم.

احمد الصراف

توثيقات عبدالمحسن الخرافي

تتسم كتابات الزميل عبدالمحسن، خصوصا تلك التي تتعلق برثاء شخص معروف والكتابة عن مناقبه واعماله وخصاله، بقدر كبير من حسن النية والطيبة ودماثة الخلق إلى درجة المبالغة بمآثر الفقيد أو الفقيدة! ولا أتذكر أنني قرأت له أبدا رثاء يتضمن نقدا لصفة سلبية في الفقيد، أو حتى دفاعاً عما أشيع عن مثالبه، وكأننا جميعا لا نشكو من أي خصلة غير حسنة، وأننا نتساوى تقريبا في حسن الخلق والصبر والبشاشة والتسامح والطيبة، وأحيانا الكرم! ولم يكن بإمكاني لفت نظره الى هذه النقطة لعدم معرفتي الدقيقة بمن كان يكتب عنهم، ولكنه عندما قام قبل ايام برثاء المرحوم الأستاذ خميس نجم، ووصفه بأنه كان مثال النظام والمحافظة على المواعيد والتسامح والصبر والبشاشة، هنا رأيت، ومن واقع معرفتي الشخصية بالمرحوم الذي درسني اللغة الإنكليزية لسنوات في مدرسة الصديق في نهاية خمسينات القرن الماضي، والذي لا تزال ملامح وجهه المتجهمة راسخة في ذهني إضافة لخشونة تعامله «الفوقي» معنا ونقده المستمر لكل عاداتنا، وما أكثر السيئ منها، فإنني استطيع الادعاء، بدون تردد وبكل صدق، أنه كان ابعد ما يكون عن التسامح والصبر والبشاشة، مع عدم إنكار صفاته الطيبة الأخرى من النظام والمحافظة على المواعيد والجدية، فقد كان عصبيا شديدا في تعامله بغير معنى، ولم يكن يخفي كرهه للجميع، وسخريته طوال الوقت من قلة فهمنا لمادته، وكان كلامه محبطا، ولو لم ينقذني مدرس فلسطيني آخر مما رسخه في ذهني من كراهية للغة الإنكليزية لبقيت العقدة معي حتى اليوم. كما لم يكن يتصف بالتسامح ابدا وكان دائم الانتقاد لاوضاعنا المعيشية «وكسلنا واهمالنا وقذارتنا وعدم القيام بواجباتنا» وكان يتمنى لنا تغير الحال وان نعود فقراء لكي يرى ما سنقوم بفعله من غير مال.
لا أقصد هنا التهجم على من أصبح في ذمة التاريخ، ولكني اضطررت لكتابة هذا المثال لأبين أننا كشعب كويتي، والمرحوم خميس منا، لنا جميعا نقاط ضعفنا، وأن عملية التوثيق والتدوين لا تتم بالعاطفة والمحبة فحسب بل بسرد الحقيقة كما هي، وإن تعذر ذلك فعلى الأقل سرد شيء مقارب لها، وإن تعذر هذا أيضا فالأفضل عدم المبالغة في المدح.
لا نقصد هنا التدخل في حق الزميل في أن يرثي من يشاء كيفما يشاء، ولكن ما يكتبه يعاد طبعه في كتب توثق هذه المراثي وتصبح بعد فترة مراجع للبعض، وتضمين هذه المراجع مثل هذه المبالغات أمر لا يجوز بحق المؤلف ولا حتى بحق من تم رثاؤه، فالكتابة في مثل هذه المواضيع ليست تطييبا للخواطر، ولكنها توثيق وتأريخ وهي مسؤولية كبيرة، ونتمنى على الزميل الكريم أخذ ملاحظاتنا بسعة صدره، التي اشتهر بها.

أحمد الصراف