لا شيء أزعج الحكام العرب أكثر من عربة محمد بوعزيزي، الشاب التونسي الذي أحرق نفسه فتتابعت الأحداث إلى أن سقط الفرعون التونسي. ويبدو أن هذه العربة ماتزال تجوب شوارع الوطن العربي بعد أن أنهت مهمتها في تونس وانتقلت إلى مصر، في الوقت الذي تُعبّد لها بقية الشعوب العربية الطرق، وتستعد الحكومات العربية لمواجهتها بالقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي أحياناً والحيّ أحايين أخرى… وهي عربة تدفعها الشعوب المغلوبة، فإذا استوت على الطريق تشعبط بها قادة أحزاب «المعارضة الوردية»، أو اللصوص غير الرسميين.
والحكومات العربية الغبية هي التي ستتفرغ منذ اللحظة، قبل وصول عربة بوعزيزي، لسحب «مصروف عيالها» لتدعيم ميزانيات الشرطة والجيش و»قوات مكافحة الشغب» أو «قوات مكافحة الشعب» كما تسميها الشعوب العربية، أما الحكومات التي مايزال لديها قليل من «المخ» فستبادر إلى «الطبطبة» على أكتاف الناس وتسريح شعرهم. وقد أمر القذافي (بالإذن من عائلة «القحوص» الكريمة) قبل يومين بتخصيص 24 مليار دولار لتوفير السكن للشباب، و»إذا حلقوا ذقن جارك فبلل ذقنك».
وكنت طوال الأيام الفائتة أجلس «متربعاً» أمام الفضائيات، أتنقل بينها كما يتنقل النحل بين الأزهار قبل أن يستقر على إحداها، فوقعت عيناي على «الفضائية المصرية»، واستمعت إلى ما يقوله المحافظون (قادة المحافظات) وما يقوله ضيوف البرامج، فعادت بي الذاكرة إلى ما كان يقوله المذيع العربي المعروف «أحمد سعيد» إبان حرب 67، الذي أذاع للناس خبر «سقوط الجيش الإسرائيلي» في الوقت الذي تتساقط فيه المدن العربية، الواحدة تلو الأخرى، و»كل واحدة تقول أنا أسقط أولاً». ولم يكن ينقص محللي الفضائية المصرية سوى جملتين: «أسقطنا سبع طائرات للشعب» و»سنقدم قتلاهم طعاماً للنسور والضباع» كما كان يقول سعيد عن الإسرائيليين (أحمد سعيد هزأ بوزير الإعلام العراقي السابق «محمد الصحاف» وكذبه المكشوف. تخيل). ومن شاهد الفضائية المصرية فسيصعقه انتقادها قناة «بي بي سي» واتهامها بعدم المهنية، وهي التي (الفضائية المصرية) يعجز مذيعوها عن تركيب «المبتدأ» قبل «الخبر» من دون خطأ. وهذا درس لكل حكومة تعتمد على مذيعين وسياسيين من فئة «غريضات أم مناحي» التي تلتقط من الأرض كل ما تقع عينها عليه من دون انتقاء، وتظن أنها امتلكت عرش كسرى وتاج قيصر.
وأظن أن الشعوب الثائرة ستقبض، أول ما تقبض، على «راقصات السلطات وطباليها»، كي تعزف على ظهورهم ألحان الانتقام. وعلى الحكام ورؤساء الحكومات العرب أن يردوا على الهاتف بأنفسهم، ويستمعوا من دون وسيط إلى مطالب الناس وتظلماتهم، قبل أن يضطروا إلى التصريح «أنا فهمتكم» بعد غروب الشمس. ويا ويل مخترعي «فيس بوك» و»تويتر» من دعوات حكام العرب عليهم في الثلث الأخير من الليل، ويا ويل الحكومات التي تستفز شعوبها وتستهين بها، خصوصاً إذا كان الشعب معتاداً تناول الحرية مع إفطاره الصباحي.
ورددوا معي: «اللهم ارحم بوعزيزي واحفظ عربته الحرة».
***
النيران المشتعلة في الغابات المجاورة لن تنسينا د. عبيد الوسمي ولا دم محمد غزاي هليل الميموني. وإذا كانت رقابنا التفتت إلى مصر، فسرعان ما ستعاود التفاتها إلى قبر محمد غزاي.