سامي النصف

ألا ليت الاستعمار يعود يوماً

استفتاء مع بداية العام في السودان ينتهي كما هو متوقع بانفصال جنوبه الأخضر الذي تبلغ مساحته 600 ألف كم2 (للمقارنة مساحة فلسطين التاريخية التي بكينا دما عليها لا تزيد على 27 ألف كم2)، ويحتوي الجنوب السوداني على 75% من النفط و90% من مياه الامطار في ظل تناقص حاد في حصص مياه النيل بسبب استخدامات وسدود دول المنبع، ومازالت عملية التقسيم في بدايتها، حيث ينتظر أن تنفصل بقية الأقاليم تباعا عبر مشروع يوغوسلافيا أفريقية دموية جديدة.

وانفجار آخر في العراق وسط مواكب عزاء دينية يذهب ضحيته عشرات الفقراء والبسطاء، مما يهدد مع خروج القوات الاميركية هذا العام بحروب أهلية مستقبلية لا تبقي ولا تذر، ولا يستطيع أحد أن يفهم الفائدة التي يجنيها سنّة العراق ـ الابرياء من تلك التفجيرات الشنيعة ـ مما يقوم به التكفيريون وأزلام مخابرات النظام السابق، حيث تمهد تلك الجرائم النكراء لجعلهم عرضة لمذابح قادمة وبكاء دمعه دماء حين لا ينفع الأسى والندم.

في لبنان أحداث كبرى جسام قادمة جعلت السعودية وتركيا وقطر ترفع أيديها عما سيحدث في ذلك البلد الاخضر، ولم يعد السؤال المطروح هو «من» قتل الشهيد الحريري؟ بل «لماذا» قُتل؟ بعد أن كشفت الاحداث اللاحقة مسار الاخطار الماحقة التي حلت ببلده منذ رحيله.

وفي تونس التي أطيح برئيسها الذي اشتهر بقبضته البوليسية والأمنية لا القمعية أو الابادية، حيث لم يعرف عن نظامه عمليات الابادة أو الاختفاء أو المقابر الجماعية كحال بعض الانظمة التسلطية في المنطقة، بدأت الفوضى تعم والاقتصاد يتوقف والسائحون والمستثمرون يغادرون، والخوف هو من تكرار حكاية السودانيين مع ديكتاتورهم الطيب إبراهيم عبود الذي تظاهروا ضده حتى أسقطوه وعندما ساءت الاوضاع بعده خرجت نفس المظاهرات لبيته رافعة شعار «ضيعناك وضعنا معاك» والأمور بخواتيمها لا ببدايتها.

فلسطين وغيوم حرب مدمرة أخرى على القطاع قد تدفع الشعوب العربية لحافة الانفجار بسبب عجز النظام العربي عن رد الأذى عن نفسه، وهو إخفاق أتاح للدول المحيطة بعالمنا العربي (إسرائيل، إيران، تركيا، اثيوبيا) ان تمد نفوذها ومصالحها الاستراتيجية على حساب مصالح العرب القومية و… أمجاد يا عرب أمجاد!

آخر محطة: اتفاقية سايكس ـ بيكو ومرحلة الاستعمار التي بحت حناجر العرب في لعنها هي التي ضمت الموصل الى العراق وأبقت السودان، جنوبه وشماله، جزءا من مصر، كما جعلت سيناء الآسيوية جزءا من مصر الافريقية رغم تفريط الزعامات الوطنية فيها (أضاعها حكم عبدالناصر الوطني مرتين لا غير) كما غلّب رئيس الحزب الوطني مصطفى كامل حسه الاسلامي على مصريته، فطالب ضمن سلسلة مقالات في جريدة «اللواء» في أعداد 22 أبريل و8 مايو 1906 بضم سيناء الى ولاية فلسطين العثمانية و«ان مصر لا ولاية لها على سيناء» ولولا إصرار اللورد كرومر آنذاك وفيما بعد تحرك الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك، لذهب منجم الذهب المتمثل في سيناء إلى إسرائيل، ويا ليت الاستعمار يعود يوما فنخبره بما فعل الحكم الوطني لبلدانه العربية من قتل وقمع وتهجير وتفتيت وتشطير.

احمد الصراف

كتاب يوم الحشر والصحة المدرسية

قام الملك الإنكليزي وليام الفاتح William the conqueror في عام 1086، بناء على نصيحة مالية تتعلق أساسا بتحصيل الضرائب، بحصر وتدوين كل تفاصيل العقارات الزراعية والسكنية والزرائب في إنكلترا وبيان ملاكها وموقع كل قطعة في سجل سمي Doomsdays book، أو: كتاب يوم الحشر، والمكون من جزأين، والذي تضمن كذلك جردا تفصيليا للأبواب والشبابيك، وللماشية، بما فيها الحيوانات الأليفة والطيور، والعربات، وكل ما يمتلك، من أجل فرض الضرائب عليها. وبعد ألف عام تقريبا لا يزال هذا السجل في حالته الأصلية معروضا في المتحف البريطاني، بالرغم من كل ما مر بانكلترا من حروب وأهوال، ويطّلع عليه سنويا الملايين، ونسبة كبيرة من طلبة المدارس.
وفي الكويت، ناشد «مركز البحوث والدراسات»، في سعيه لطبع مجلات ثقافية واجتماعية تكاد تفقد من المكتبات، وحتى لدى العامة والمهتمين بقضايا الثقافة والتراث، من لديه بعض أعداد مجلة «الصحة المدرسية»، التي صدر العدد الأول منها عام 1959، التقدم بها للمركز لتكملة عملها التوثيقي، والذي يصبح بغيرها العمل ناقصا.
لقد عجزنا عن حفظ تاريخنا ومطبوعاتنا التي تعود لنصف قرن فقط، فكيف الحال بتلك التي تعود لعشرات القرون؟ أليس هذا دليلا دامغا على تخلفنا حضاريا؟ فإنكلترا التي حكمت نصف العالم لقرون، والتي فرضت لغتها وثقافتها على نصفه الآخر، لم تنجح في تحقيق ذلك بالمدفع فقط، كما فعلت سيوفنا وسنابك خيلنا، وما أرقناه من دماء، بل بحرصها على ثقافتها وتاريخها وتدوين وتوثيق وحفظ كل صغيرة وكبيرة بصرف النظر عن أهميته، والاحتفاظ به بشكل سليم يسهل الرجوع له، فسجل أحوال الطقس ودرجات الحرارة مثلا يعود لــ300 سنة تقريبا!
إن الحضارات لا تكتب بدماء الضحايا، ولا تطبع تحت سنابك الخيل، بل بمداد أقلام المفكرين والمثقفين والمؤرخين. فمتى نتعلم من الآخرين شيئا من الحضارة التي لم نمسك يوما بتلابيبها؟
***
ملاحظة: من العبث طبعا توقع قيام «المجلس الوطني للاثقافة والنوم» بعمل شيء في هذا الصدد، فسياسة المسؤولين عنه تتلخص بعدم العمل، وفي ذلك منتهى السلامة…. والراحة!

أحمد الصراف