حسن العيسى

حلوها يا شيوخ الديرة

استقالة وزير الداخلية وقبول الاستقالة من رئيس مجلس الوزراء يفترض أن تكون مسألة محسومة وغير قابلة للنقاش لا من مجلس الوزراء ولا من مجلس النواب، ولا يغني عن استقالة وزير الداخلية اشتراطاته بإطلاق يده لإصلاح وزارة الداخلية، كما جاء في مانشيت «القبس» أمس… فتلك مجرد أعذار تتلمسها الحكومة للإبقاء على الوزير، فهو «شيخ» والشيوخ يبدو في عرف سلطة الحكم فوق المساءلة السياسية. ليس الوزير مع كل التقدير لمحاولاته الإصلاحية كما يتشدق بها نواب الحكومة في معرض المساومة على الاستقالة، فهناك ضحية بالأمس اسمه محمد المطيري مات من التعذيب، وهناك قبل محمد عشرات ومئات المتهمين الذين يتم التحقيق معهم عبر الهراوات «والهوزات» وغيرها من وسائل التعذيب التي استقرت عليها أعراف وزارة القهر منذ خلقها، ربما ينقص أبطال الوزارة التعذيب بالكهرباء كي نتساوى مع «جمهورية الرعب» الآفلة لصدام حسين.  
ما معنى أن يطلب الوزير السماح له «بنفض» الوزارة، وكأن شخصاً غيره كان في أعلى قمة الهرم الإداري لوزارته، وإذا كانت هناك جماعات نفوذ ومراكز قوى فاسدة في الوزارة لم يكن باستطاعة الوزير قلعها فلماذا لم يقدم الوزير استقالته إلى رئيسه منذ البداية، ثم يصارح الناس عبر الإعلام والقنوات القانونية «بالخمال» المعتق في وزارة الداخلية، عندها سنؤمن بأن هذا الوزير وغيره من الوزراء جاؤوا للإصلاح، ولكن قوى الفساد كانت أقوى منهم، ولم يكن هناك من خيار سوى تقديم الاستقالات وفضح تلك الجماعات وعوراتها  وتعرية من يتستر عليها مهما علت مراكزهم. الزميل عبداللطيف الدعيج اختصر مأساة هذا الوضع المزري بعبارة «وهذا وزير شيخ»، فإذا كان الوزراء الشيوخ «مربوطة» أيديهم وهم الوزراء «الديلوكس»، وهم «حكومة الحكومة»، كما أسميتهم منذ سنوات، فماذا عن بقية الوزراء العاديين، الذين يتركون الوزارة بعد سنوات من «محاولات» الإصلاح الفاشلة بعد صدهم بحوائط الفساد وقوى النفوذ، ليصبحوا مستشارين عند الحكومة (إذا كانوا من المرضي عنهم) بطبيعة الحال، أو ننساهم مع الزمن حتى يأتي اليوم الذي يتذكرهم فيه أهل الحل والعقد ليضعوهم في مركز ما كنوع من التعويض عن سنوات النسيان.
لم يعد للكويت متسع من الوقت لسياسات «الهون أبرك ما يكون»، وليست الكويت بحاجة إلى المزيد من «المحامين» النواب الذين لا هم ولا عمل لديهم غير «الترقيع» للحكومة والتماس الأعذار لها أو لوزرائها، وتحميل مجلس الأمة كل أسباب التخلف والتأخر وهدر كرامات الناس، فهذه قضية لم تعد تخص شيوخنا الأفاضل، بل قضيتنا وهي قضية هذا الوطن الصغير، فحاضره لا يتسع لمزيد من نزاعات السلطة ولا مكان في مستقبله لطموحات وأحلام التفرد في السلطان.

احمد الصراف

الهويات القاتلة

«.. منذ ان غادرت لبنان عام 1976 لأقيم في فرنسا، كم مرة سئلت، وعن حسن نية، اذا كنت اعتبر نفسي فرنسيا اكثر ام لبنانيا، او العكس، وكنت اجيب على الدوام: الاثنان معا، وغير ذلك كذب، فإن ما يجعلني على ما انا عليه وليس شخصا آخر هو وقوفي على تخوم بلدين ولغتين او ثلاث وعدد من التقاليد، هذا بالضبط ما يحدد هويتي، فهل اكون اكثر اصالة لو اقتطعت جزءا مما انا عليه؟ وهل انا نصف فرنسي ونصف لبناني؟ ابدا، فالهوية لا تتجزأ!».
هذا ما كتبه الاديب الفرنسي أمين المعلوف في كتابه القيم «الهويات القاتلة»، الذي ذكر فيه ان الذي يحمل هوية مركبة يجد نفسه بالتالي مهمشا، فالشاب المولود في فرنسا من أبوين جزائريين يحمل هويتين واضحتين، ويجب ان يكون قادرا على الاضطلاع بهما معا، ولكن مكونات شخصيته اعمق من ذلك بكثير، فسواء تعلق الامر باللغة او المعتقد او نمط الحياة او العلاقات والأذواق فإن المؤثرات الاوروبية الغربية تختلط لديه بالمؤثرات العربية والبربرية والافريقية الاسلامية، وانها مغامرة غنية وخصبة لو تمكن هذا الشاب من خوضها بحرية، ولو وجد من يشجعه على تبني تنوعه كاملا. وعلى العكس قد يكون مساره مليئا بالصدمات اذا ما نظر اليه البعض في كل مرة يعلن فيها انه فرنسي كأنه خائن ومرتد، ويصطدم في كل مرة يشهر فيها روابطه مع الجزائر وتاريخه وثقافته ودينه بعدم التفهم والتشكيك والعدائية، وهناك امثلة عديدة اخرى، ففي كل فرد تجتمع انتماءات متعددة تتعارض احيانا في ما بينها فترغمه على خيارات مؤلمة!. ويتساءل المعلوف: هل تبقى مجتمعاتنا خاضعة ابدا للتوترات وسورات العنف لمجرد ان الناس المتعايشين معا ليسوا من الدين نفسه او اللون او المنبت الثقافي؟ وهل هناك من قانون طبيعي او شرعة تاريخية تلزم الناس التقاتل باسم هويتها؟
لو نظرنا الى المجتمع الكويتي لوجدنا مدى انطباق كلام الاديب الفرنسي على اوضاعه، وكيف ان الخوف من التخوين والولاء للخارج دفع الكثيرين من مزدوجي الثقافة اما الى الانطواء او المزايدة في الانتماء للاكثرية، لكننا في جميع الاحوال قتلنا روح الابداع داخل هؤلاء، التي كان من الممكن ان تكون مصدر ثراء للمجتمع برمته، فمن خلال تجاربي الشخصية اعرف الكثيرين ممن لهم اعمال ابداعية في الادب الفارسي او الغناء العراقي او الفنون الغربية بشكل عام، اما نتيجة الميلاد او اصل الام او مكان الدراسية، الا ان ابداعاتهم طمست بطريقة او باخرى نتيجة الضغوط الاجتماعية التي تميل الى عدم الترحيب بمثل هذه الابداعات وغيرها انها «اجنبية وعدوة»! واتذكر في زمن الصبا والتسامح الجميل ان اصحاب الثقافات المتعددة من الطلبة الهنود والفلسطينيين والايرانيين وغيرهم، وحتى الكويتيين من طلبة «المدرسة الجعفرية» الذين انتقلوا الىالمدارس الحكومية، كانوا اكثر استيعابا للمهارات اللغوية والرياضيات مقارنة بغيرهم، وكانوا بشكل عام اكثر فهما وابداعا، الى ان جاءت موجات التعصب القومية ومن بعدها «الصحوة الدينية» لتجذر الاختلافات بين الجميع، و«تدفن» كل ابداع. فهل سيعود الزمنالجميل؟ لاأعتقد ذلك!

أحمد الصراف