مشكلتنا، بل أزمتنا واضحة، وهي أزمة تطبيق أمور بعيدة عن الدستور واستحداثها فحسب، فكم من قانون انتهك وينتهك يوميا بإشراف الحكومة وبتنفيذ ممثلي الأمة هو العلّة، وكم من مفردة ومصطلح يسعى البعض الحكومي والنيابي إلى ترسيخها هم المعضلة. ثورة عادلة بلا شك تلك التي حدثت في تونس، وتسببت في إقصاء حاكم جمهوري دائم كحال كل الجمهوريات العربية، بدأت بمصادرة عربة خضار كان يسترزق عليها الشاب الجامعي العاطل عن العمل بسبب سوء النظام محمد البوعزيزي، ولم تجدِ أي محاولة لتظلّمه فقام بإحراق نفسه احتجاجا على الظلم مختتما حياته بكلمات أخيرة وجهها لأمة يقول فيها إنه مسافر من دون رجعة. يحدوني الأمل بأن ثورة البوعزيزي ستولّد نظاما عادلا منصفا لتونس يعيش فيه الشعب التونسي بعدالة وحرية وأمان واستقرار، ولا تنتقل السلطة من حاكم ظالم إلى حاكم آخر يتحول إلى حاكم جمهوري على الطريقة العربية مجددا. لكن، هل يمكن أن نُسقط ما حدث في تونس على الكويت؟ هل يجوز أن يدلي بعض النوّاب بتصريحات تلمّح بالاتعاظ من ثورة تونس؟ هل يعقل أن نمنّي النفس بانتقال حالة تونس للكويت؟ ما حدث في تونس حالة فريدة وبعيدة عن نظام دستوري كويتي واضح الملامح والتقاسيم، فأزمتنا ليست كتونس، فالعمل مكفول والعدالة الاجتماعية منصوص عليها دستوريا، والحرية قوام الدولة، كلها نصوص وركائز قامت عليها الكويت قبل الدستور وبعده، وليس من المنطقي أو المقبول أبدا أي غمز أو حتى تلميح أو تشبيه للحالة الكويتية بالتونسية. مشكلتنا، بل أزمتنا واضحة، وهي أزمة تطبيق أمور بعيدة عن الدستور واستحداثها فحسب، فكم من قانون انتهك وينتهك يوميا بإشراف الحكومة وبتنفيذ ممثلي الأمة هو العلّة، وكم من مفردة ومصطلح يسعى البعض الحكومي والنيابي إلى ترسيخها هم المعضلة. فالقانون مستباح من الدولة، والمسطرة مطاطية قابلة للطي عند رؤية «البشت» أو الدينار أو الحنجرة، والخنوع يسعى البعض إلى ترسيخه بدين وفتوى، تلك المشكلة وأي تأويل لها يكون ظلما للكويت وأهلها. إن الدستور رسخ نظام الحكم في الكويت وآلياته وطرقه وسبله، ونظّم العلاقة وطرق التغيير والرقابة والتشريع والتنفيذ، وأي خروج عن النص يعد تعدّياً على الدستور ولن نقبله أبدا، فالدستور هو ما ارتضيناه وليس من المنطقي أبدا أن نقبل بكلام بعيد عنه، خصوصا ممن رفعوا شعار «إلا الدستور» قبل أيام أو من غيرهم، فتعالوا لنبارك ما حدث في تونس دون تلميح بتصدير لثورة أو تغيير خارج نظامنا الدستوري الذي ندافع عنه.
اليوم: 17 يناير، 2011
غيوم الحرب
غادر الوفد الاعلامي الكويتي صباح أمس غزة الصامدة بعد أن التقينا قياداتها السياسية وعلى رأسها رئيس حكومتها المقالة د.إسماعيل هنية في لقاء ودي مطول استمر لثلاث ساعات نقل خلاله تحياته للكويت أميرا وحكومة وشعبا لدعمهم المتواصل للقضية الفلسطينية، وقال هنية إن التهديدات العسكرية للقطاع جدية، خاصة أن حرب الاستنزاف التي تشنها إسرائيل لم تتوقف مع توقف حرب الفرقان عام 2009، وأعلن أنه لا دولة فلسطينية مستقلة في غزة، كما أنه لا دولة فلسطينية مستقلة دون غزة.
وقدّر أبوالعبد كما يكنى الرئيس هنية دور الجمعيات الخيرية الكويتية في دعم صمود الشعب الفلسطيني عبر عشرات المشاريع التي تقوم بها في القطاع، وخص بالشكر الهيئة الاسلامية الخيرية العالمية وجمعية الرحمة العالمية بالكويت وجمعية إحياء التراث وجمعية الاصلاح الاجتماعي وجمعية الكتاب والسنة على المشاريع الاسكانية والتعليمية والصحية والمعيشية الضخمة التي تقوم بها في غزة.
وكان الوفد الاعلامي الكويتي قد شارك في افتتاح ووضع حجر الاساس لمئات الوحدات السكنية وزار مدرسة ابن عثيمين ومسجد موضي السلطان ومخابز الرحمة وجمعية الكتاب والسنة ومصنع مطاحن السلام ومزارع بيروحاء وحدائق ذات بهجة ومشاريع حفر الآبار ومزارع تربية الابقار، وتهدف جميع تلك المشاريع الخيرة للمساعدة في عملية الاكتفاء الذاتي للقطاع وتشغيل الايدي العاملة وتأهيل الصغار تعليميا وتقنيا لمواجهة تحديات المستقبل.
وقد يصعب على المراقب فهم المنطق الاسرائيلي فيما يحدث، فعمليات الحصار وتوالي العمليات العسكرية وإغلاق المعابر وتدمير مقومات العيش الكريم كالمسكن (الذي يبنى في 40 عاما ويدمر في 40 ثانية)، والمصنع وتجريف المزارع والطرق ومنع الصيادين من الصيد، يولد في النفس الحقد بدلا من الحب والحلم بالموت بدلا من عشق الحياة والرغبة في العيش بسلام مع الجيران.
وبعيدا عن السياسة، مساحة القطاع 360 كم2 أي نصف مساحة مملكة البحرين ويسكنه 1.5 مليون نسمة مما يعتبر «احصائيا» الأكثر اكتظاظا بالسكان في العالم، ورغم أن الأخبار الواردة منه تنحصر في الأغلب في العمليات العسكرية، إلا أننا لم نلحظ ذلك الاكتظاظ السكاني في الشوارع والاسواق والاماكن العامة كالحال عند زيارة المدن العالمية المزدحمة، كذلك ففي القطاع أماكن أثرية وفنادق وشوارع وأسواق ومحلات تستحق الزيارة، وقد قمت والصديق العزيز المحب لعمل الخير د.عصام الفليج بزيارة البعض منها كالمسجد العمري الاثري، ولولا الحروب لكان للقطاع شأن كبير كونه يطل على البحر الابيض المتوسط، ويقع جغرافيا على خطوط التماس بين أفريقيا وآسيا.
آخر محطة:
سألت مراسل تلفزيون الكويت في العراق إن كان قد زار الكويت فأجاب بالنفي، وسألت مراسلة تلفزيون الكويت في غزة النشطة سعاد إمام (أم طلال) إن كانت زارت الكويت فأجابت بالنفي كذلك، نرجو مخلصين من قيادات وزارة الإعلام توجيه الدعوة لهذين المراسلين (وغيرهما) لزيارة البلد الذي يمثلونه إعلاميا كل يوم، وقد تكون مناسباتنا الوطنية هذا العام فرصة لتوجيه مثل تلك الدعوة، آملين أن نراهم قريبا في الكويت.
ثورة محمد البوعزيزي
ما إن نجح الخميني في قيادة ثورة الشارع الإيراني من منفاه على حكم الشاه حتى انتابتني مشاعر متضاربة وتوجس وخوف من المصير القاتم الذي ينتظر المنطقة، بعد تولي رجل دين صارم لقيادة واحدة من أكبر واكثر دول المنطقة طموحا، ولكن ما حصل بعد ذلك من أهوال فاق توقعاتي! وبالرغم من ذلك لا يمكن إلا الاعتراف بأن ثورة الشعب الإيراني الأعزل وغالي تضحياته هما اللذان أديا في النهاية الى الإطاحة بواحد من أشرس الأنظمة، وتعتبر الثورة الشعبية الثالثة من نوعها في التاريخ الحديث بعد الثورة الفرنسية والروسية! أحداث تونس الأخيرة التي استطاع فيها الشعب الأعزل، ومن خلال تضحيات الكثيرين من أبنائه بأرواحهم ودمائهم، من اسقاط نظام مخابراتي فاسد، سوف تعتبر بحكم التاريخ مقاربة في مظاهرها الثورة الإيرانية، فالبدايات الاجتماعية لانتفاضة الشعب التونسي هي التي أدت للنهايات السياسية على الساحة، والتي قضت على خرافة الاستقرار السياسي والاقتصادي لتونس! وإن ما حصل ما هو إلا نتيجة لفشل القيادة في قراءة معطيات عصر الاتصالات السريعة والإنترنت الذي نعيشه، الذي جعل من الصعب على اي حاكم الاستمرار في نكران حقوق شعبه في الحرية والكرامة والعمل، أسوة بما تتمتع به غالبية دول العالم! فقيام محمد البوعزيزي، الذي ادت تضحيته الغالية التي تمثلت بإشعال النار في نفسه أمام بلدية منطقته، بعد أن تعرض للإهانة ومصادرة عربة نقل الخضار التي يرتزق منها، وهو الخريج الجامعي العاطل عن العمل، أدت الى اطلاق شرارة ثورة الشارع التونسي، وكشف الواقع البائس الذي يعيشه نصف مليون شاب عاطل ومحروم من كافة حقوقه الإنسانية والسياسية منذ عقود طويلة، فالإنسان لا يحيا بالخبز وحده، وانتحار البوعزيزي ورفاقه حرقا أدى الى هرب زين العابدين بن علي، رجل المخابرات القوي، الى الخارج، بعد أن عاث في وطنه فسادا وكاد ينجح في قتل كرامتهم التي انتفض من أجلها البوعزيزي ورفاقه!
إن ما حصل في تونس، التي كان البعض، وإلى وقت قريب، يعتقد أنها واحة حرية وأمان، يجب ان يكون درسا لكل دكتاتور يعتقد أن وضعه استثنائي وأنه في مأمن من كل خطر، ففي هذا العالم الذي نعيش فيه تسبق الحرية أمور حيوية كثيرة، ولا يمكن استمرار أي نظام قمعي إلى الأبد، فكيف يسمح رئيس لنفسه بالاستمرار في السلطة، وهناك مئات الآلاف الذين لا يجدون ما يسد رمقهم، وكيف يرضى بالبقاء في السلطة من دون انتخاب ولا ديموقراطية ولا خيار شعبي إلى الأبد، خاصة أن اسلوب القتل والضرب أصبح غير مضمون النتائج في عالم اليوم، ونهاية صدام خير مثال، ويفوز فوزا عظيما من اتعظ من أخطاء غيره! لكن الخوف الآن من سيطرة الاحزاب الدينية.
أحمد الصراف