محمد الوشيحي

الداخلية… 
بلا ملابس داخلية


وزارة الداخلية تفعل كما يفعل الطفل عندما يخطئ بالكتابة بقلمه الرصاص، فتنبّهه فيمسح خطأه بأصبعه المبللة… لا هو صحح الخطأ ولا هو حافظ على نظافة الصفحة.

ودعونا نغفل مجلس الوزراء كما أغفل «دم المواطن القتيل»، واستخسر فيه ربع سطر مما يكتبون، وتعالوا نركّز أنظارنا على وزارة الداخلية التي باتت تمتلك صواريخ عابرة للقارات، أطلقت مجموعة منها في مؤتمرها الصحافي الشهير الذي سمّاه الناس «المؤتمر الصحّاف» بعد أحداث «ديوانية الحربش»، وأمس أطلق وزيرها صواريخ أخرى… وعن نفسي، وأنا هنا أتحدث بكل رصيدي من الجدية، توقعت أن يصرّح الوزير تصريحاً أحمر فاقعاً لونه، يعتذر في بدايته، ثم يطالب بتشكيل لجنة برلمانية تساعد الداخلية في تحقيقاتها، قبل أن يتقدم باستقالته، ويتوجه إلى بيت «المغدور» لمشاركة أهله العزاء، إذ لا يمكن أن يقبل أي إنسان، مهما انخفض منسوب إنسانيته ما حدث، لكنه خيب ظني وأصدر بياناً ناقصاً: «لا يشرفني أن أقود وزارة تعتدي على المواطنين»، ونسي أن يضيف، ربما لضيق الوقت: «وبناء عليه أتقدم باستقالتي واعتذاري عما حدث». ثم تلاه بيان الوزارة التي دنّست فيه قبر القتيل.

وأظن أن وزارة الداخلية ملّت إعطاءَنا «خوازيق» نظرية فقررت تطبيقها عملياً، وها هي اليوم، بعد جريمتها، تظهر لنا مرتدية معطفاً من الفراء الفاخر، لكن الناس يعلمون أنها ترتديه على الجلد، لا شيء تحته.

ومتابعو صحافتنا من خارج الكويت أرسلوا إيميلات مغلفة بالخيبة ومربوطة بخيوط الدهشة يستفسرون: «هل صحيح أن مواطناً قضى تحت التحقيق؟»، فأجبت: «صحيح، لكن لا تهنوا ولا تحزنوا فالكويتيون سيعيدون ترتيب الحروف المبعثرة، وسينقذون وزارة الداخلية من غياهب الكذب. أمهلونا بعض الوقت وسنبهركم، أمهلونا وتفرجوا كيف يتفوق الكويتيون على أنفسهم قبل أن يتفوقوا على العرب، أمهلونا وتعلموا منا واحرصوا على الاستعانة بالورقة والقلم كي تستفيدوا».

والحكومة تسجل أرقاماً قياسية في الجرائم، الواحدة تلو الأخرى، وتقودنا بنجاح إلى «الدولة البوليسية»، وتتقدم كل يوم خطوة. وخبراء الصحة يقولون: «لا تمد يدك إلى طبق الطعام قبل أن تهضم جيداً لقمتك السابقة، كي لا ترهق المعدة فتصاب بالسمنة»، والحكومة انتفخ بطنها وتعطلت معدتها وهي تتناول الجريمة فوق الجريمة. والكارثة أنها تجهل ما يتناقله الناس في ما بينهم، وتجهل كذلك كيف تتشكّل البراكين، وأظنها في مسيس الحاجة إلى خبراء جيولوجيين ينبهونها أن عليها أن تحمل أغراضها وتهرب بأقصى سرعة.

على أنني بعد أن أشارك ذوي القتيل وأبناء عمومته العزاء، أتفهم فقدانهم أعصابهم، وأعرف أن ما حدث ليس فقط تنكيلاً بمتهم، بل وتعمّد إهانة كرامته حيّاً وتشويه سمعته ميتاً واستهتار بمشاعر ذويه والمواطنين، لكن كل هذا لا يعني أن نلجأ إلى الاقتصاص بأيدينا، فلدينا نواب يمثلوننا، هم المسؤولون أمامنا، لا وزير الداخلية.

أكرر التمني عليكم، أهل القتيل، رغم معرفتي بدرجة حرارة دمائكم، بأن لا تساهموا في إسقاط الدولة كما تفعل الحكومة ووزير داخليتها، على أن التمني هذا يمتد إلى أن يصل إلى النائب عادل الصرعاوي، بأن يتقدم باستجواب وزير الداخلية، كي يضيف إلى لوحة الا الدستور» الجميلة بعض الألوان الناقصة والضرورية. تقدم يا عادل وسنتفرغ نحن للتفكير في الفتوى التي سيستعين بها «الربع» هذه المرة للدفاع عن الحكومة… «من قُتِل في الأحمدي فلا ثائر له»، مثلاً؟

***

لا بأس عليك، معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والحمد لله على نجاح عمليتك.

احمد الصراف

مشاهدات عبدالعزيز

عاد عبدالعزيز لوطنه بعد غربة دراسة وعمل طويلة، ولاحظ، عندما ذهب إلى صلاة الجمعة مدى انتشار التدين بين أهالي منطقته، وأن الأمر كان جديدا بالنسبة إليه. وقال انه فوجئ عند خروجه بكم مخالفات المصلين لأنظمة المرور، وكيف فشلنا في التوفيق بين كسب الأجر واحترام مصالح الغير، وانه تعوذ من الشيطان واعتقد انها ظاهرة مؤقتة، ولكن مع الوقت وجد أن كم المخالفات والسرقات مخيف ضمن شعب صغير ومرفه، وأن الفساد منتشر، كانتشار التدين، ويشمل كل نشاط ومرفق، فكل يوم خبر عن غش تجاري وأطعمة فاسدة وبيع مواد مسرطنة وتهريب مشروبات وبيع مخدرات وضحاياها بالعشرات وحوادث مرور، وانتحار خدم وبشر يقفزون من النوافذ وموت واعتداءات بالجملة على محرري مخالفات المرور وتورط أحداث في جرائم مخيفة، وزيادة الاعتداء على موظفي الدولة والعسكريين، وحوادث هجوم بالسكاكين والعجرات في «المولات» وعلى المخافر، وتوسط نواب لمغتصبي أطفال وغير ذلك الكثير. وقال انه شعر بأنه رجع للوطن الخطأ في الوقت الخطأ، فليس هذا هو المجتمع الذي سبق أن غادره قبل أقل من ربع قرن، فهو لا يستطيع أن يتصور، بتعليمه الغربي وخبرته الاستثمارية، أن حكومة وشعبا يمكن أن يتقاعسا، رغم كل مظاهر التدين، عن دفع وتحصيل مئات ملايين الدنانير من ديون استهلاك الكهرباء، ووجود آلاف الموظفين في كل وزارة بالتكليف، وأن البلدية أزالت 17 ألف ديوانية مخالفة، يرتادها مئات الألوف كل سنة، ويصلون فيها وهم يعلمون بمخالفتها، وأن هناك عشرات آلاف الأحكام غير المنفذة، وأن وأن… وقال انه يفكر جديا في العودة والعيش في المدينة الغربية الكبيرة التي تخرج في جامعتها وعمل فيها لسنوات، فهي بالرغم من كل مشاكلها لم تدع يوما أنها متدينة ولم تفتخر بعدد ابراج كنائسها، ولا بدقات أجراسها، وأن إيمانه الديني، الذي كان قويا في الخارج، قد بدأ بالتضعضع وهو في الداخل، وسألني إن كان هناك أمل، فقلت له: نعم، ولكن ليس قبل ان ينتهي بطرنا الناتج عن ثرائنا النقدي الفاحش!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

«طبائع الاستبداد العربي المزمن»… كأكبر خطر لانعدام الاستقرار!

 

في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي 2010، أثار مركز الدراسات العربي الأوروبي، ومقره في العاصمة الفرنسية باريس، حواراً مفتوحاً حول كيفية تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الخليج، وطرحت آراء متنوعة مهمة، لكن تصدرتها الآراء التي أشارت الى الوجه القبيح لطبائع الاستبداد في الدول العربية كأكبر خطر لانعدام الاستقرار.

ويبدو أن الهم مشترك بالنسبة للمواطن العربي من المحيط الى الخليج! فهذا المواطن يرى أنه لا أمن ولا استقرار من دون ديمقراطية حقيقية وتعددية سياسية واحترام لحرية الرأي والتعبير بما لا يتنافى مع المصلحة العامة، ولهذا طرح عدد من الباحثين العرب مداخلات مهمة بالإشارة الى أن هناك حاجة لعمل جاد من أجل تطوير النظم السياسية بما يتناسب مع كل دولة على حدة، وبما يواكب تطلعات الشعوب وبما يسهم عملياً في توسيع دائرة المشاركة السياسية ويحقق مبدأ المواطنة المتساوية وتعزيز عمل منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

وهناك مسارات أخرى يتوجب وضعها في الاعتبار، فهي على رغم أهميتها، تعتبر مهملة وغير ذات بال بالنسبة للكثير من الأنظمة العربية، وعلى رأسها تطوير اقتصاديات هذه البلدان بما يجعلها تتحول إلى مرحلة الانتاج الحقيقي وبما يضمن تشكيل البدائل الموضوعية للثروة النفطية، وكذلك تجفيف منابع الإرهاب بالنظر إلى أصوله وجذوره والتي منها الفساد والفقر والبطالة وموائل التطرف الديني وتعزيز ثقافة الانفتاح والاعتدال والوسطية ونبذ ثقافة الكراهية والقضاء على كل مايؤدي إلى تعزيزها وتناميها في الأوساط الاجتماعية.

وقد أثار النقاش حالاً من الاتفاق بين المشاركين على أهمية تطوير النظم القضائية بما يحقق العدالة والاحتكام للقانون المنصف ليكون مظلة للناس بدلاً من تراجعهم للنظم القبلية والأسرية والفئوية التي تكرس الانقسام في المجتمع، وتهدد التعايش والسلم الأهلي، ثم تطوير النظم الأمنية وتصحيح مسارها بما يكفل أن تكون حارسة للأوطان والشعوب لا مصدر إقلاق وترويع، وخصوصاً في الدول التي تحولت الى المنهج البوليسي المطلق في التعاطي مع مشاكلها.

أما الخطر المقلق الذي بدأت مؤشراته تظهر في العديد من الدول العربية، وينذر بعواقب وخيمة، فهو تردي الأوضاع المعيشية وارتفاع الأسعار وانخفاض الأجور من جهة، وانتشار البطالة بين الشباب من جهة أخرى، ولهذا، فلا مناص من أن تدرك كل الأنظمة بأن تحقيق الأمن والاستقرار لا يتأتى إلا في ظل إرساء الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية… لكن ما يثير القلق بدرجة أكبر، هو أن غالبية المشاركين الخليجيين والعرب أجمعوا على أن النتيجة الحتمية هي ظهور المزيد من الاضطرابات والصدامات والتوترات خلال السنوات القادمة، لأن الأنظمة العربية لن ولن تسمح بأن تغير طبائع الاستبداد.