سامي النصف

قوى 8 و14 آذار الكويتية!

لا نريد أن نتحول في الكويت إلى قوى 8 و14 آذار كحال لبنان الجريح الذي استبدل حرب السلاح بين الأشقاء بما لا يقل عنها ضررا وإيقافا لتطوره، ونعني التخندق الدائم لأطراف الموالاة والمعارضة وخلق معادلة مدمرة فحواها: ما يرضيك لا يرضيني وما يرضيني لا يرضيك ولا مجال للتفاهم أو الوصول الى حل للقضايا العالقة بيننا، بل لو تم حل البعض منها لوجب استحداث قضايا جديدة يتم التخندق حولها، وهكذا دواليك حتى ينتهي الأمر بمعادلة «بلد متوقف وأزمات متحركة».

وهناك قضية سياسية كويتية فلسفية هامة تستحق أن تناقش من قبل ممثلين عن النواب والمفكرين ومؤسسات المجتمع المدني واتخاذ «توصيات» بشأنها لخلق أعراف تتعلق بصلاحيات النائب، وهل عليه ان يصوت بناء على «قناعاته» ثم يحاسب في الانتخابات اللاحقة عبر انتخابه أو عدم انتخابه، أم عليه ان يصوت بناء على «قناعات ناخبيه» حتى لو تباينت مع قناعاته الخاصة؟! تلك المشكلة تختص بها الكويت لاختلاف ظروف ديموقراطيتنا مع الديموقراطيات الأخرى في العالم.

ففي الديموقراطيات الأخرى يتم الانتخاب على أسس حزبية ومن ثم فمحاسبة المواقف داخل البرلمان تتم لا عبر المحاسبة للنائب بل محاسبة الحزب المعني المنضوي تحته النائب إبان مؤتمراته العامة التي تعقد عادة بشكل دوري، فالنائب ما هو إلا ترس في عجلة الحزب، ومواقفه وتصويته انعكاس لمواقف مفكري الحزب ومستودعات عقوله.

كذلك لا يوجد لدى الديموقراطيات الأخرى إمكانية الاحتكاك المباشر بين النائب وناخبيه، فبعد الانتخابات العامة في كاليفورنيا، على سبيل المثال، يتوجه النائب المنتخب الى واشنطن لممارسة عمله بعيدا عمن انتخبه، والأمر مماثل في بريطانيا وفرنسا ومصر والمغرب.. إلخ، كما لا يتم هناك نشر محاضر برلماناتهم في الصحف اليومية او نقل وقائع الجلسات على محطات تلفزة عامة (يتم النقل في الأغلب على محطات خاصة لا يشترك فيها إلا المختصون) وعليه لا يعلم الناخب مواقف النائب كي يحاسبه.

أما لدينا، فمواقف النواب مكشوفة ومنقولة بشكل «فريد» في الصحف اليومية والتلفزيون الرسمي المجاني للدولة، والنائب يلتقي ناخبيه في الدواوين كل مساء ولا يوجد موقف حزبي يتعذر به، ومن هنا تطرح القضية الهامة حول: هل يمثل النائب رأيه الخاص وقناعاته عند التصويت على القضايا المختلفة أم رأي ناخبيه؟! وهل يجوز الضغط عليه بشكل مباشر عبر التجمعات أمام منزله أو الطرد من دواوين منطقته او حتى كما كُتب في احد المنتديات الشهيرة جدا عبر مقاطعة أبنائه في المدارس وعدم الحديث معهم ودعوتهم للتبرؤ من موقف آبائهم النواب.. إلخ؟!

وأذكر اننا قمنا ذات مرة كناخبين في دائرة الخالدية إبان نظام الـ 25 دائرة برفع عريضة ضمت أسماء آلاف المواطنين لممثل دائرتنا في البرلمان، طالبناه فيها كوكيل عنا بأن يقف ضد استجواب كيدي وجه على الهوية لمسؤول اشتهر بالكفاءة والأمانة، الا ان النائب رفض تلك العريضة بحجة انه حر فيما يبديه من آراء تحت قبة البرلمان، وصوت في النهاية ضد الوزير المستجوب ولا أعلم إن كان هذه الأيام مازال على موقفه ذاك مما يجري ام لا؟

إن الأخذ بمفهوم ان على النائب ان يصوت بناء على قناعات بعض ناخبيه لا على قناعاته الخاصة يشوبه محذوران هما: (1) كونه يخالف نصوص الدستور كالمادة 108 التي تنص على انه بعد انتخابه «يمثل الأمة بأسرها» لا دائرته أو رغبات ناخبيها، وتستطرد المادة الى القول «ولا سلطان لأي هيئة عليه» وعدم التحديد يعني اي هيئة حكومية او شعبية، والمادة 110 التي تنص على «عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار ولا تجوز مؤاخذته على ذلك بحال من الأحوال»، ومرة أخرى لم تقل المادة لا تجوز مؤاخذته «حكوميا» على ذلك، ما يعني ان تمتد حمايته على أفكاره وآرائه الى الشق الشعبي كذلك.

(2) إضافة الى ما سبق يطرح تساؤل محق حول كيفية معرفة رأي «أغلبية» أهل الدائرة التي تتمثل في عشرات ومئات الآلاف من الناخبين كي يتبعها النائب، أي هل تمثل عشرة دواوين او مئات الأفراد المجتمعين الرأي الحقيقي لمئات الألوف من أبناء الدائرة؟!

آخر محطة: التهنئة القلبية للزميل فؤاد الهاشم على عودته للكتابة بعد إصابة يده اليمنى بعين كويتية حارة لم تمهله، والتهنئة موصولة للزملاء والزميلات احمد الصراف وإقبال الأحمد وضحوك البنوان وحنان الهاجري على انتقال مقالاتهم الى الصفحة الأخيرة من جريدة القبس.

احمد الصراف

يمكن معي حق

قال لي صديقي رجل الأعمال اللبناني المعروف: يا أخي لماذا تريدون أن تخربوا بلادكم؟ لماذا الإصرار على هذه الاستجوابات الخطرة، والصياح والشتم في البرلمان وتصادم السياسيين مع السلطة، والتهديد باستجوابات قادمة؟ لماذا الإصرار على تدمير بلدكم واقتصادكم، في وقت تتسابق فيه الدول الخليجية على مشاريع التنمية وخلق آلاف الوظائف، وإيجاد موارد بديلة عن النفط؟ إن ما يطالب به بعض البرلمانيين المتشددين سبق أن حرق دولا، ويجب أن تعتبروا، فالكل يحسدكم على عمران بلدكم وتقدمه تعليما وتجارة وثقافة، وعلى صندوق الأجيال القادمة وسياسات الاستثمار الحكومية الجيدة والضمان الاجتماعي وملكية الثروات القومية، ووفرة اجهزة الرقابة الإدارية والأنظمة القضائية والرخاء الاجتماعي؟ لماذا تريدون ان تخربوا وتهدموا كل ذلك من أجل وهم يسمى بالديموقراطية أو شيء من حرية القول أو ما يدعيه البعض من حرص على الدستور، ونحن جميعا نعلم بأن لا حرية مطلقة هناك في قول الحقيقة ولا ديموقراطية لدينا بالمعنى الغربي، كما أن غالبية نصوص دساتيرنا مبهمة؟ ولمَ الصراع على ما تسمونه «مكتسبات» لا تودون
التخلي عنها لمصلحة السلم المحلي والرخاء الاجتماعي؟
فرددت عليه قائلا: ومن قال لك ان الكويت كانت أصلا ستنعم بكل ما ذكرته من أمور مادية ونفسية واجتماعية ومالية لو لم تكن بها تلك النسبة البسيطة من الديموقراطية وفسحة حرية القول الضيقة تلك وذلك الدستور المبهم بنصوصه؟ وهل كنت ستضمن صلاح كل الأمور، وبقاء الأوضاع العدلية على ما هي عليه، واستمرار الاقتصاد مزدهرا والاستثمار متقدما في ظل سلطة حكومية مطلقة لا يوجد من يراقبها أو يحاسبها أو يسألها أين تذهب عائدات النفط وأين تصرف ما يحصل من الناس، وأين اختفى المواطن «فلان»، وكيف رحل التاجر الفلاني من البلاد خلال ساعتين، وهو الوقت الذي يستغرقه قطع المسافة بين مكتبه وبيته والمطار، فقط لأنه تسبب في «إزعاج» خاطر مسؤول كبير، وهذا ما حدث ويحدث في كثير من دولنا الخليجية! نعم، أتفق معك على أن الأمور وصلت لمرحلة خطرة بين الطرفين، وأن شيئا ما يجب أن يحدث لينتهي الاحتقان، ولكن لا تقل لي ان الحل يكمن في الدكتاتورية والتسلطية وتكميم الأفواه، وإلغاء الدستور، والتهديد بالعنف، فهذا قد يفيدك أنت كتاجر يرغب في تحقيق أقصى الأرباح في أقصر وقت بعيدا عن الضوضاء والتجاذبات السياسية، ولكنه ليس بالوضع المثالي ولا حتى قريب منه، والإنسان لا يعيش بالخبز وحده!!
فرد صديقي اللبناني بلهجته المحببة قائلا: يمكن معك حق!
***
• ملاحظة: بمناسبة السنة الجديدة نبارك لكل عسكريينا موافقة مجلس الأمة على القانون الفريد في تاريخ «الديموقراطيات»، والمتعلق بالسماح لهم بترك لحاهم على عواهنها! ونتمنى صدور قانون مكمل له يمنع بقية المواطنين من حلق ذقونهم!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

استقبال العام الجديد بوجع لم يكن مفاجئاً!

 

كم كان بودِّنا كمواطنين ننتظر المفاجآت السارّة، أن نودّع العام 2010 ونستقبل العام الجديد 2011 بالأمنيات السعيدة والأخبار التي تشيع الفرحة والسرور في نفوس كل المواطنين… بل والمقيمين أيضاً في هذه البلاد الطيبة، لكن الألم (ألمَّ) بنا ونحن نطالع تفاصيل تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية الأخير، وهو وجع لم يكن مفاجئاً لأن التقارير السنوية التي اعتدنا مطالعتها كشفت على مدى السنوات الماضية هذا الوجع دون علاج ناجع يريح الوطن من فيروسات فساد تنخر في جسده.

من حق كل الجهات التي شمل التقرير تجاوزاتها وفضائحها أن تنشط وتعكف وتشمّر عن سواعدها لنفي ما ورد في التقرير، وتصدح بأنشودة الأمانة الوطنية والحفاظ على المال العام وتقديم سيل من الدفوع والتبريرات و…و…، لكن الشجاع منها، والمخلص في حبه لوطنه، هو من سيعترف بأن أخطاءً جسيمةً وقعت، ولابد من تقديم كل من تجاوز حدوده وعبث بالمال العام إلى المساءلة القانونية والعدالة.

ومع أن الوجع ليس خافياً، لكن لا بأس من أن نستقبل العام الجديد بالدعاء إلى الله عز وجل لأن ينعم على بلادنا، ملكاً وحكومةً وشعباً، بالاستقرار والأمان والخير، وأن يكون عاماً مليئاً بالأخبار السعيدة وخصوصاً تلك المتعلقة بتحسين معيشة المواطنين في ظل توجس وقلق ما سيأتي من تحميل أثقال إضافية على عاتق المواطنين، غير أن هناك ما يتوجب قوله في شأن موقف الدولة من التجاوزات والمخالفات الفضائحية التي ضجّ بها تقرير الرقابة المالية والإدارية، فقد كلف سمو رئيس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (اللجنة الوزارية للشئون المالية والاقتصادية بدراسة كل الملاحظات والمخالفات التي أوردها التقرير عن الوزارات والأجهزة الحكومية الخاضعة لرقابته، وأن تقدم إلى مجلس الوزراء مرئياتها وتوصياتها بشأنها تمهيداً لاتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية ودستورية تكفل الحفاظ على المال العام وحمايته من أي هدر وتلاعب)، وأن يكونوا على مستوى المسئولية (التاريخية) لترجمة ما قاله سمو رئيس الوزراء بعدم السماح (بأي تجاوز أو عبث بالأموال العامة، وإن التجاوزات لن تمر دون تحقيق ومساءلة إدارية وقانونية)، وننتظر من اللجنة الموقرة أن تضرب بيد من حديد كل من عبث بالمال العام عبثاً لا يتحمله قلب المواطن الذي ذاب فؤاده وهو يترقب الخدمات الإسكانية وعلاوة الغلاء وتحسين الأجور بلا طائل، في حين أن هناك من لعب بالمال العام دون أدنى مسئولية شرعية أو وطنية.

وبالنسبة للسادة النواب، فإن التقرير يمثل اختباراً حقيقياً لهم في مستهلّ دورتهم الجديدة، ولا يكفي أن تؤكد بعض الكتل على أن التقرير يؤكد (التخبط الحكومي في أغلب الوزارات ويؤشر إلى خلل في أغلب الوزارات وتجاوزات كبيرة في معظم الوزارات)، فهذه النتيجة هي النتيجة الأكبر التي توصّل إليها التقرير ولا تحتاج إلى كشف إضافي، بل والتقارير السابقة أيضاً، إلا أن المنتظر منهم أن يثبتوا للمواطنين أنهم لن يكتفوا بتشكيل لجان التحقيق والأسئلة التي تملأ صفحات الصحف، وأن يُحدثوا هزّة قوية تعيد حقوق الوطن والمواطنين إلى نصابها من خلال فضح الرؤوس الكبيرة التي نامت مستريحة وهي تعبث بالمال العام، أياً كان موقعها، من خلال التواصل مع اللجنة المكلفة وجمع المعلومات والتدقيق فيها وإعداد التقارير، وحتى يرتاح المواطن البحريني، ننتظر كشف كل الرؤوس التي تجاوزت حدودها كثيراً كثيراً… فهل سيشهد العام 2011 موجة حقيقية تجرف اللصوص؟