احمد الصراف

صحة الأمة والقراءة

أرسل لي الزميل السابق، والذري الحالي أحمد بشارة، نص بحث بعنوان «إغلاق الكتاب الأميركي»، نشر في «النيويورك تايمز» في شهر يوليو الماضي، بقلم أندرو سولومون الذي يبدو أنه سيكولوجي! وقد قمت بترجمة النص في حينه بتصرف كبير، ولكني نسيته بين أوراقي:
«أظهر مسح ميداني أجري في الولايات المتحدة، ونشر في الثامن من يوليو، أن القراءة لغرض الاستمتاع في انخفاض مستمر بين جميع أفراد المجتمع الأميركي، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، متعلمين وغير ذلك، نساء ورجالا، بيضا وسودا وغيرهم. وبين التقرير أن الذين يقرأون للمتعة هم الاكثر ارتيادا للمتاحف والحفلات الموسيقية. كما أن نسبة تطوع هؤلاء للعمل من دون مقابل في مختلف المجالات الانسانية اكثر بثلاثة أضعاف من الذين لا يقرأون. كما تبلغ نسبة مرتادي المباريات الرياضية، من قراء الكتب، ضعف غيرهم. وكل هذا يعني ان قراء الكتاب هم أكثر نشاطا من غيرهم، بينما اكتفى الآخرون، الذين تزيد نسبتهم على الضعف، باللامبالاة. وقد أدى هذا الى خلق شق اجتماعي بين أولئك الذين يعتبرون الحياة تجربة معرفية منعشة، وأولئك الذين يعتبرون بلوغ سن الرشد أو الإدراك مجرد عملية ضمور فكري بحت. والتحول الى هذا الأمر الأخير أمر مرعب حقا. فبالرغم من أنه لا يمكن اعتبار القراءة نوعا من التعبير النشط كالكتابة، فإنها في الوقت نفسه ليست نشاطا سلبيا، فالقراءة تتطلب بذل جهد محدد اضافة الى الحاجة الى التركيز والانتباه. وفي المقابل تعمل القراءة على تحفيز الذهن وتنمية الشعور الإيجابي. وقد قال كافكا إن الكتاب فأس نكسر بها ثلوج البحار التي تجمدت في داخلنا. إن ما يمكن التعبير عنه من خلال اعادة ترتيب 26 حرفاً (عدد حروف الانكليزية) أمر يدعو الى الدهشة حقا.
فالاعلام الالكتروني الحديث يميل الى التخدير، بالرغم من وجود برامج تلفزيونية جيدة وكتابات جديرة بالقراءة من خلال الانترنت، ومتابعة برامج الألعاب الالكترونية التي تختبر المنطق، ولكنه يشكو بشكل واضح من قصور ذاتي. فالتلفزيون مثلا يستخدم من غالبية مشاهديه كوسيلة لتحويل اذهانهم عن التفكير بدلا من جعله وسيلة للتفكير. في الوقت الذي لا تشكل فيه مشاهدة التلفزيون خطورة على معتادي القراءة. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يكتفون بمشاهدة التلفزيون وعدم المطالعة، فإن تأثير ذلك خطير جدا عليهم.
لقد كان موضوع كتابي الأخير يتعلق بالاكتئاب. وكثيرا ما أسأل عن سبب الزيادة المستمرة في اعداد المكتئبين في العالم. وأنا أتكلم هنا عن الشعور بالوحدة الذي يأتي غالبا عند الجلوس لفترات طويلة أمام التلفزيون، أو الكمبيوتر، أو بالانشغال بألعاب الفيديو.
ان القراءة مدخل للتحدث مع طرف آخر. والكتاب يمكن أن يكون صديقا، ولكنه صديق يتكلم معك ولا يتكلم باتجاهك، وهذا يعني أن نسبة الاصابة بالاكتئاب يجب أن ترتفع عندما تنخفض نسبة القراءة، والعكس صحيح. كما أن هناك اثباتات مقنعة تبين أن التصاعد في معدلات الاصابة بــ«الزهايمر» ما هي الا انعكاسات لنقص النشاط الذهني عند البالغين. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن أسباب هذا المرض وراثية بشكل أساسي ويحفز عن طريق الظروف البيئية، فإنه يبدو من الواضح كذلك ان اكتساب المعرفة المستمر الناتج بشكل أساسي عن القراءة لدى هؤلاء قد يساعدهم بشكل رئيسي في تجنب الاصابة بالمرض.
وعندما كنت طالبا، قمت بزيارة لبرلين الشرقية، وهناك رأيت الموقع الذي كان النازيون يحرقون فيه الكتب الجامعية لاعتقادهم بتأثيرها السلبي على معنويات الجنود! وقد كان النازيون محقين في اعتقادهم، فالكتاب هو أمضى سلاح في حرب المبادئ. (ولهذا يحارب ملالوتنا الكتاب).
ويعتقد الكاتب ان الكتاب هو من أمضى أسلحة أميركا في محاربة التبعية والارهاب. وإن الإنسان هو في الحقيقة ما يقرأ، فإن كان لا يقرأ شيئاً، فهو في الغالب لا شيء، وان مشكلة عدم القراءة مشكلة وطنية. فإذا كان هذا ما يقوله الأميركان عن مجتمعهم، فما عسانا أن نقول؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

مرحلة تكميم الأفواه

عندما استمعت إلى خطيب الجمعة يتحدث عن حرمة الخروج على الحاكم، وأدركت بعدها أنه ملزم بهذا الموضوع من وزارة الأوقاف التي عممت هذه الخطبة على جميع مساجد الكويت، وعندما سمعت خبر إلغاء كلية الحقوق لندوة نظمتها الجمعية العلمية في الكلية، وعندما قرأت عشرات المقالات الصحفية الموجهة واللقاءات التلفزيونية مع أشخاص محددين لتلميع ما قامت به وزارة الداخلية من اجراءات تعسفية في حق النواب والمواطنين، بعد كل هذا أدركت أننا بدأنا عهدا جديدا من مرحلة تكميم الأفواه وقمع حرية الكلمة!
قد يخطئ المتحدث بكلمة.. قد يزلّ اللسان بعبارة.. قد «يشط» الفكر برأي.. قد وقد وقد.. هذا أمر متوقع ويحدث كل يوم في معظم بقاع العالم.. لكن كيف يتم التعامل مع هكذا فعل؟! هذا هو بيت القصيد! كان من الأوْلى التعامل مع هذه الآراء.. والكلمات الشاذة بأسلوب حضاري قانوني وليس بأسلوب همجي تعسفي!! كان من الأولى إحالة هذه الظواهر الى القضاء لقول كلمته، ثم بعد ذلك يتم العقاب ان وجد القضاء ــ والقضاء فقط ــ انه يستحق العقاب!! ما يحدث اليوم هو اسلوب العاجز عن حل المشاكل.. اسلوب اضرب.. اضرب.. ثم اسجن.. اسجن.. ثم حوله الى القضاء بعد اهانته وبهدلته ولعن «أبوأسلافه»!
ما حدث للدكتور الوسمي هو بالضبط ما ذكرته.. قال كلاما قد نختلف معه في كثير مما قاله، وقد نعتب عليه في اختيار بعض الالفاظ، لكن ان تتم اهانته وسحله امام طلبته وعامة الناس من دون اي اعتبار لانسانيته وكرامته ومنزلته العلمية، فهذا ما لا يمكن قبوله الا بأننا دخلنا مرحلة جديدة في مواجهة الكلمة وحرية التعبير! ما قاله «لفتة» في المقابلات التلفزيونية وصاحبه الجاهل اكثر الف مرة مما قاله الوسمي ومحمد عبدالقادر الجاسم في حديثهما ومقالاتهما! ما يصم به آذاننا النائب المعمم وصاحبه الوكيل من عبارات اثارة الفتنة والتخوين والتهديد والتحريض بضرب الوطنيين أشد ألف مرة مما قاله الوسمي ومحمد الجاسم! فنجد الثناء والمديح لهؤلاء.. والويل والثبور والسجن لأولئك!
بالأمس دخل الشيخ صباح المحمد السجن وسلم نفسه طواعية، ومع اختلافي مع أبي محمد في كثير من الأقوال والافعال، فان خطوته هذه دليل الجرأة واحترام القضاء، وقد تكون هربا من الاحراج اذا ما تردد عن تسليم نفسه اقتداء بما حدث لغيره من ضحايا الكلمة، لكن الشاهد في الموضوع ان احترام كلمة القضاء وتنفيذ اوامره افضل الف مرة من فرض الهيبة بالقوة وبهدلة خلق الله.
اذا كنا فعلا بدأنا مسيرة تكميم الافواه فاشهد ان الذي أشار عليكم بهذا الرأي ما نصح لكم.
***
لفتة كريمة

«المرء على دين خليله.. فلينظر أحدكم من يخالل»!
صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

سعيد محمد سعيد

عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً!

 

هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة (في رحاب الحسين «ع»)، ألتمس فيها من القراء الكرام – بدايةً – أن أشير إلى عدة نقاط قبل الدخول في صلب الموضوع الذي أثاره الخطيب الحسيني الشيخ زمان الحسناوي النجفي ليلة التاسع من المحرم بمأتم الدارة في البلاد القديم لما له من أهمية، ولما خلفه من نقاش بين الحضور وخصوصاً المنصفين منهم.

من هذه النقاط، توجيه الشكر الجزيل إلى القيادة الرشيدة على ما قدمته من تسهيلات وخدمات طيلة عشرة الذكرى الأليمة، وخصوصاً فيما يتعلق بتغيير مواعيد احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس جلالة الملك التي تزامنت هذا العام مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين «ع»، وإن دل ذلك على شيء، إنما يدل على حقيقة الاحترام الكبير لهذه الذكرى بين أهل البحرين، قيادةً وحكومةً وشعباً، ومهما كانت القضايا الخلافية والملفات المؤرقة التي يعاني منها المجتمع البحريني، إلا أن ما قدمته الدولة من خدمات يستحق الشكر، وإن كانت هناك ثمة تجاوزات أو استفزاز أو ممارسة خاطئة حدثت فعلاً، فمن المهم أن نؤكد على ضرورة أن تزال تلك الصور المرفوضة أياً كان الطرف المتسبب فيها ومساءلته بالقانون.

ومن النقاط التي أود الإشارة إليها، توجيه الشكر والتقدير لكل القراء الكرام الذين تفاعلوا مع السلسلة وأفادوني كثيراً بملاحظات ووجهات نظر تصب في جوهر قضية الحسين «ع» كقضية يستمر إسقاطها المؤثر في الضمير الإنساني انطلاقاً من الدين الإسلامي ورسالته العظيمة في كل زمان ومكان، والشكر موصول إلى كل الخطباء والمشايخ واللجان التي أشرفت على الفعاليات الحضارية الرائعة التي تعكس مكانة الذكرى وإلى كل المعزين.

وعودةً إلى العنوان: «عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً»، فإنني أود التأكيد على أن القسوة المشار إليها ما هي إلا (قسوةً محمودةً)! كيف؟ إن الموضوع الذي طرحه الشيخ زمان الحسناوي من الجرأة بحيث انتقد بكل صراحة الممارسات المنتشرة بين شريحة كبيرة من الشباب الذين يسلمون عقولهم للتبعية دون إعمال للعقل، ودون سعي للتعلم واستخدام منهج البحث العلمي، بحيث يضعون في رؤوسهم تبعية لأشخاص وتيارات وأفكار ليستخدموها في إثارة العداوة والبغضاء والتناحر المخالف للشرع والأخلاق والفطرة السوية بين بعضهم البعض، ولم يكن الشيخ زمان مخطئاً حين أشار إلى ما فعله أحدهم حين اختلف معه في معلومة معينة فراح ذلك الشاب يرسل الرسائل الهاتفية إلى مجموعة من معارفه يؤلب فيها المواقف ضد الشيخ، وتقوم تلك المجموعة دون تفكر، بإرسالها إلى مجموعة أخرى لتكبر مجموعة «الأغبياء»… وللأسف الشديد، هذا السلوك منتشر بدرجة كبيرة في المجتمع البحريني ولا يمكن تجاهله أو إنكاره.

فليكن خطاب الشيخ زمان قاسياً، وكم نحتاج إلى خطابات تتميز (بالقسوة المحمودة) للتصدي للأفكار المنحرفة وخصوصاً تلك المنتشرة بين الشباب، وحريٌ الإشارة إلى أن من أهم ما لفت إليه الشيخ في خطابه هو أن الأصل مناقشة فكرة الشخص، وليس النيل من الشخص! فمناقشة الفكرة شيء، والهجوم على صاحبها والنيل منه والإساءة إليه شيء آخر.

إن ذكرى عاشوراء الحسين «ع» كما أسلفت في الحلقات الماضية، هي ذكرى لبناء شخصية الإنسان المسلم ضمن منظومة التعاليم والقيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وليس ميداناً لإثارة الأحقاد والعداوات، واليوم، وبعد ختام الموسم، حريٌ بكل واحد منا أن يجلس بينه وبين نفسه ويجيب على سؤال مهم: «هل أنا ممن يحملون مبادئ النهضة الحسينية فكرةً وتطبيقاً وأخلاقاً وعلماً وعملاً ينبض بالضمير الإسلامي الحي؟ أم من الذين (على قلوبهم) أقفالها؟».

نسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى العظيمة في خير وعافية فنحييها بقلوب ملؤها الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف كأهم هدف من أهداف النهضة الحسينية، ويحفظ بلادنا الغالية من كل مكروه، ويعيد أيامنا الوطنية والبحرين في تطور وسلام وأمن وأمان… اللهم آمين

سامي النصف

قوانين نيوتن السياسية

حديث القيادة السياسية عن ضرورة الحرص على ان يكمل مجلس الأمة مدته أمر طبيعي ومنطقي، فالدستور ينص على ان مدة المجالس اربع سنوات كاملة خاصة ان هناك كلفة كبيرة على المال العام عند كل حل تتمثل في توقف اعمال الدولة انتظارا لنتائج الانتخابات ودخول وجوه جديدة تحتاج الى الخبرة والتجربة، اضافة الى الرواتب التقاعدية المجزية وغير المسبوقة في العالم أجمع التي تمنح لمن لا ينجح في تلك الانتخابات من النواب دون النظر لسنوات الخدمة! للتذكير.. نصوص الدستور المتباكى عليها أناطت كذلك حل البرلمان بيد سمو الأمير لا بيد من يرغب من أعضائه.

لكل فعل رد فعل، وما نراه هذه الأيام من تأجيج وتحريض وفوضى بهدف حل مجلس الأمة يفتح أمام المؤرخين والشباب الكويتي الغض أبواب إعادة النظر فيما حدث عامي 76 و86 وهل كان الحل الذي تم آنذاك فعلا بذاته ام «رد فعل» لأعمال من ساسة ونواب تمادوا في الخطأ ودفعوا البلاد الى حافة الهاوية فأتى القرار لمنع سقوط البلاد فيها؟

فلو رأيت شخصيا شخصا يدفع شخصا آخر أمامك فحكمك على الظاهر يقتضي ان تخطّئ من قام بالدفع، اما لو تمعنت بالصورة ووجدت ان الشخص المدفوع هو من تعدى وقام بالدوس برجله الثقيلة على قدم الأول مما خلق حالة فعل خاطئ استوجب ردة الفعل تلك لتصحيح ذلك الوضع غير المحتمل، لتغير بالتبعية تقييمك للأوضاع تماما.

ان على المؤرخين الجادين والمتابعين السياسيين غير المؤدلجين ان يعودوا لوقائع وأحداث وصحف تلك الحقب يوما بيوم لمعرفة هل استيقظ المسؤول في الدولة ذات صباح ولم يجد ما يفعله فقرر حل المجالس النيابية وتعليق بعض مواد الدستور ام ان الأمر أتى بعد تكرار ارتكاب الأخطاء الكبرى والتحذير المتكرر بقصد وقفها حتى لا يتم اللجوء «للكي» وما يلحقه من لوم من دفع لا من داس على القدم.

ان التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام ومن قبل نفس الأشخاص الذين قال عنهم الزميل العزيز فيصل الزامل في مقاله قبل أيام ان عدم محاسبتهم على ما فعلوه في عام الغزو وما قبله جعلهم يكررونه بعد الغزو وفي أحداثنا الحاضرة دون ان يسأل احد عن دوافعهم «الحقيقية» لتلك الأفعال التي تهدف لاستجلاب ردود الأفعال.. غير الدستورية!

وقد أصبحنا في الكويت وبحق «بلد شهادات» اي بلد لا يعتمد على الثقافة العامة والاحتراف المهني والتحصيل المعرفي بل يعتمد على الحصول على الشهادات وتطريز الأسماء بها دون مضمون، والا كيف نفسر عدم معرفة من يحمل شهادة المحاماة أن إلقاء التهم جزافا ودون إثبات يعرّض الانسان للمساءلة القانونية والأمر كذلك مع من يحملون الشهادات العليا في القانون وعدم معرفتهم بأبسط مسؤوليات الإنسان فيما يخص تحمله تبعة ما يتلفظ به من أقوال بالعلن، فماذا تركوا للكاتب غير المختص بالقانون والإنسان العادي البسيط؟!

آخر محطة:

عودة الوعي أخيـــرا، للمعلومة العم الفاضل جاسم القطامي لم يولد بالأمس حتى يكتشف اليوم، والنائبة الفاضلة د.أسيل العوضي لم يجف حبر من قال فيها ما لم يقله مالك في الخمر. الحمد لله على السلامة ومبروك الاكتشاف المذهل!

احمد الصراف

فوضى الحواس، فوضى الانتباه

ورد في إيلاف الإلكترونية، 24/11 التالي «في غرائب ذلك الأسبوع نقرأ خبر قتل رجل سوري زوجته يوم عيد الأضحى بطعنها بسكين وضربها بمطرقة وفصل رأسها عن جسدها. كما أنهى آخر حياة زوجته بعدما اكتشف علاقتها غير الشرعية برجل تعرفت إليه عبر الشات». واستدرج قضاة بمصر طالبة حقوق وتناوبوا الاعتداء عليها واغتصابها. وجمعت امرأة في مصر بين خمسة أزواج في وقت واحد. وفي الكويت هتك حارس عرض تلميذ يبلغ من العمر 7 سنوات. وقتلت فتاة تبلغ من العمر 17 سنة والدتها عن طريق دس السم لها في طعامها. وأصدر قاض أردني قراراً بتوقيف متهم بتعذيب فرد من أهله! انتهى.
يحدث كل ذلك في بلاد تنام وتصحو على الصلوات والعبادات وتستشير الشيخ وتطلب فتوى وتستخير في كل أمر، وهنا يقول القمني إن الدول الإسلامية هي الوحيدة التي في إمكانها إصدار فتوى تخالف بها القوانين الدستورية، بل وتعلو عليها، لأن تلك الفتاوى تستمد قوة مشروعيتها من السماء وليس من المواطنين وعقدهم الاجتماعي وبرلماناتهم. والفتوى قد تصدرها هيئة إفتاء تابعة للدولة أو تصدرها جمعية أهلية مثل علماء الأزهر، أو يصدرها تجمع كالاخوان المسلمين أو يصدرها فرد كالقرضاوي أو ابن لادن. وكلهم لا يمثلون الوطن ومواطنيه باختلاف مللهم! والفتوى أقوى من كل النصوص التشريعية والمجالس النيابية، ولا تشغلها مصلحة الوطن، وترفض مفهوم المواطنة من أصله، ولا تشغلها مصالح الناس والبلاد. وأن هؤلاء المفتين لم ينتخبهم أحد لأداء هذه المهمة، وليس في يدهم دليل وثائقي يبرز علاقتهم بالسماء ولا صك يفيد بتعيينها لهم في الأرض ليصدروا التشريعات نيابة عنها، ويوقعوا باسمها تحريم إهداء الزهور وتحريم اللغة الإنكليزية والتصفيق في محاضرة أو حفل أو مباراة، وتحريم أداء التحية العسكرية للشرطة والجيش، وحرمة رياضة كرة القدم والتدخين والولاية العامة للمرأة وفوائد البنوك والتأمين وتحريم فن النحت والغناء، ووجوب قتل الفويسقة ميكي ماوس. كما افتت أم أنس بحرمة جلوس المرأة على الكراسي، لأنه مدعاة للفتنة والتبرج، وهو رذيلة وزنا. وبين سيل التحريمات تجد بعض فتاوى التحليل كشرب بول النياق للعلاج من كل داء، وفتوى بحلالية الزواج من الطفلة الرضيعة (…)، وأفتى آخر بجواز الكذب وشهادة الزور ضد العلمانيين وأصحاب الديانات الأخرى لأن ذلك في مصلحة الإسلام كما أفتوا بحلالية نهب أموال العلمانيين وانتهاك حرماتهم والتلفيق لهم كذباً بحرب الإشاعة، كذلك ضد أصحاب الأفكار المنحرفة لصرف المسلمين عنهم فلا يستمعون إليهم! كما أفتوا برضاع زميل العمل، وأن غير المحجبة تدخل النار، ويعذب من عالج نفسه بالخلايا الجذعية، ويحدث كل ذلك من دون وجود أي نصوص في المقدس الإسلامي حول مثل هذه الشؤون. فإعلان الحرب على العالم من طالبان أو القاعدة أو الجهاد هو إعلان من غير ذي صفة، من أفراد لا علاقة لنا بهم، فلا اخترناهم ولا عرفناهم ولا بايعناهم ولا عينهم أحد لأداء هذه المهمات. هو إعلان حرب على العالم والإنسانية باسمنا من دون رضا منا، وتعود آثاره وعواقبه على كل المسلمين الأبرياء منهم قبل المجرمين. كما أن أوامر كيف وماذا نأكل وأن تشرب قاعداً وأن تنام على أي جنب. وأن تضع كفك تحت خدك، والتقنين لكل شاردة وواردة من دخول المرحاض وكيفية التبول قاعداً أم واقفاً إلى ما يحدث تحت اللحاف بين الزوجين من شروط النكاح حتى لا تشاركنا الشياطين في نكاح زوجاتنا… وغير ذلك كثير!
وبهذه المناسبة أفتي الشيخ عجيل النشمي، القبس 26/11، بأن إهداء الزهور للمرضى عادة إسلامية أخذها الغرب منا! وهو هنا يخالف من سبق وأفتى بحرمة إهدائها! فهل نهدي أم نتوقف، خلصونا؟

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

اليوم… الحجاب ليس لأسيل

كان يلزمنا مثل ما حدث من ضرب وسحل كي نميز الذهب من النحاس. ولطالما صرخنا: "لا تغركم اللحى ولا العمائم، ولا تضيعوا أوقاتكم في نوع لباس هذه ولون حجاب تلك، ركزوا على البأس والفكر والمواقف والعطاء وحب الوطن، واتركوا ما خلا ذلك"، ولم يصدقنا إلا القلة، إلى أن تبين الرشد من الغي، وأثبتت أسيل، تلك "المهرة الأصيل"، أن شعرة واحدة من رأسها الشامخ المكشوف تعدل شعرات لحى "التيوس" المطأطئة على المرعى… كلها.

وما أكثر حصى النقد الذي رمينا أسيلَ به، لكننا لم نشتمها ولم نفترِ عليها وعلى حياتها الخاصة كذباً، فهي في أعيننا حرة ابنة أحرار، في حين تقيأ أنصار الحكومة في حقها كلمات عفنة، أجلكم الله عن كلماتهم وعنهم! بعضهم من أرباب التدين واللحى والعمائم.

واللحية، أيها الناس، مجرد شعيرات أسفل الذقن، يستعين بها بعض اللصوص ليتسلقوا المنازل، ويتربح من ورائها تجار الشنطة. أطالها النائب الشجاع محمد هايف – وما أكثر اختلافي معه – وثبت في صف الرافضين لضرب الناس وسحلهم، وأطالها آخرون فكانت كبذلة الرقص الخليعة. تكرم لحية هايف عن لحى "الراقصات"، وتكرم لحى الحربش والمسلم والصواغ والطبطبائي وكل من فرد ذراعيه وأبرز صدره ليتلقى الطعنات نيابة عن الناس ودفاعاً عنهم.

اللحية لم يعفها (أو يطِلها) الدكتور أحمد الخطيب، أطال الله عمره، لكنه ما إن ينهض عن كرسيه حتى تصفق قلوب عشاق الوطن، ويتناول اللصوص الحبوب المهدئة. وكم كفّره البعض، هو والطود الشامخ عبدالله النيباري ومشاري العصيمي (هذا الرجل، تحديداً، خُطَبه في الندوات والتجمعات كالطلقات التي لا تخطئ أهدافها) وقلم الدستور، أستاذنا أحمد الديين، وآخرون، وتبين لاحقاً أن هؤلاء كفرة فعلاً، كفرة بمنهج تحويل الشعب إلى قطيع يُقاد بالحبل ويُساق بالعصا. هم كفرة بدينِ الكذب والتربح على حساب الناس. كفرة بتزوير الحقائق على ألسنة قادة وزارة الداخلية.

وستجد في هذه الصفحة الليبرالي المعتق، أستاذنا الجميل حسن العيسى، يبهرك بصدقه ونقائه واحترامه لإنسانية الإنسان، وعلى الضفة الأخرى ستجد الإسلامي المعتق مبارك الدويلة في "القبس" يسير بطريقة تحرج الثعابين، وتجد الإسلامي المخضرم فيصل الزامل في "الأنباء" يتغزل بالحكومة وخصالها بكلمات خاشعة ورعة وألحان صوفية.

لا علاقة للحى والمظاهر بالمواقف والمخابر، فمظهر الرئيسين السعدون والخرافي واحد، وشتّان بين مخبَريهما، الأول يفترش الأرض بين البسطاء، يفكر في مصالحهم، والثاني فوق النخل، يفكر هل يتناول "المانجو" قبل التفاح أم بعده. والمقدام فهد الخنة يتشابه في المنظر مع النائب علي العمير، بل ويشتركان في "تجمّع سياسي واحد"، والناس تعرف الفرق. والكاتب الليبرالي (هنا غمزة العين) رئيس لجنة حقوق الإنسان (هنا غمزة أنكى وأشد) علي البغلي، كان سيشجب ما حدث للدكتور عبيد الوسمي لولا أنه نائم، كما أظن، وليس على النائم حرج.

ولو التفتنا إلى الصحف، لوجدنا هذه الجريدة "الليبرالية" تجاهلت مسرحية "الجاهل"، وكأنها لم تكن، بينما أفردت لها جريدة "الشاب العصامي" – التي يتزاحم فيها الكتّاب الإسلاميون ويتزاحم على قراءتها أبناء القبائل – الصفحة الأولى وعدة صفحات أُخَر، لأيام متتالية، وخصصت للمسرحية برامج في قناتها، تضخّمها وتهوّلها.

على أي حال، سأطرح على الطاولة سؤالين، الأول: "النائب دليهي الهاجري شتم وزير الصحة الدكتور هلال الساير (ألعن أبوك لابو من لبّسك البدلة)، ومع ذا لم "تأمر" الحكومة نوابها برفع الحصانة عن دليهي، كما فعلت وتكتكت وانتفضت على حصانة النائب الدكتور فيصل المسلم، رغم أن المسلم لم يشتم ولم يتجاوز القانون، بل مارس دوره الرقابي… فهل كرامة الساير أقل من أن تهتم بها الحكومة؟" والسؤال الثاني موجّه إلى ناخبي الدائرتين الرابعة والخامسة تحديداً: "مَن الذي يجب أن يرتدي الحجاب ويجلس بين "العجايز"… أسيل العوضي أم النائب بارد الحيل، الذي ليس في رأسه "حماوة" ولا في جسمه مرارة؟".

***

د. عبيد الوسمي، أيها العملاق الأشم… لن ننسى ما حدث لك وللكويت.

حسن العيسى

حزب إلّا الحكومة

رسّينا يا سلطة على بر، فإما أن تُبادِر -السلطة- بحل المجلس التشريعي حلّاً غيرَ دستوري وتقول لنا بصراحة إنها ضاقت ذرعاً بالأقلية المعارضة لها، ولم تعُد تتحمل هؤلاء النواب ولا تتقبّل زوايا الرأي الآخر من كتّاب الرأي، أو تختار أن تبقينا على حالنا المأزوم وعلى هذا "الشكل" المضحك للديمقراطية.

الأمر غير المقبول الآن ما يحدث من تزايد مظاهر الاستبداد للسلطة يوماً بعد يوم، فرغم أن للحكومة أغلبيةً نيابيةً تسير بهدي السلطة وتقبض من خيراتها، فإن الأقلية المعارضة لم يعُد لها مكان ولو كان ضيّقاً في الصدر الحكومي، ولا تريد السلطة لهذه الأقلية المجلسية أن تمارس أبسط حقوقها الدستورية.

ماذا يحدث في البلد؟ فصور البدلات العسكرية الزرقاء للقوات الخاصة في العربات المصفّحة تزيِّن بخطوط الرعب صفحات الجرائد، وتصريحات المسؤولين تهدِّد وتتوعَّد، واقتراحات بقوانين من الحكومة تقول لـ"دراكو": ارقد بسلام فنحن مكانك اليوم، و"دراكو" هو ذلك الشخص (الترزي) الذي كلّفه نبلاء أثينا وضعَ مدوّنة القوانين التي تعاقب بأقسى العقوبات لأتفه الجرائم، إذ رأى هؤلاء النبلاء في قسوة القوانين وسيلةً لزجر الرعاع إذا فكروا يوماً في قلب نظام حكم الأقلية، فلم يجد "دراكو" من وسيلة لتحقيق تلك الرغبة غير خلق ما يُسمَّى بالإرهاب التشريعي، وأضحى فيما بعد مثالاً ونموذجاً يحتذي بهما أعداء الحرية وأعوان الاستبداد على مر العصور، (انظر افتتاحية القبس في يناير الماضي) غرامات خيالية لقوانين النشر والمرئي والمسموع لتصل إلى ثلاثمئة ألف دينار! وكأن قوانين النشر والجزاء التي تخنق حرية التعبير ينقصها المزيد من القسوة والظلم؟ ما هذا وماذا يجري؟ أتحدّى مستشاري الحكومة أن يقدموا لنا تعريفاً واحداً لمفهوم "الوحدة الوطنية" أو"الفتنة"، حتى يضعوا لهما مثل هذه الاقتراحات التشريعية المزرية!

ليخبرنا "ترزية" التشريع عن مفهوم "الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول"؟ هل يعني ذلك أنه من واجب أصحاب الرأي مثلاً، التهليل والتصفيق لنظام عمر البشير في السودان وهو المطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية، حتى يهنأ خاطر الحكومة وتصبح علاقات الدولة الكويتية مع دول القهر والاستبداد سمناً على عسل…! ماذا تريد السلطة في النهاية؟ ولِمَ لا تخلق مع كتّابها حزباً اسمه "إلَّا الحكومة"؟ فهي المعصومة عن الخطأ.

احمد الصراف

الإنكليزي.. البغيض!

على الرغم من التاريخ الاستعماري البغيض الذي اشتهر به الإنكليز، فان من الصعب عدم الاعتراف لهم بقدرات ومعارف لم تتوافر لغيرهم، وهي التي مكنتهم من خلق أكبر إمبراطورية استعمارية عرفتها البشرية، والاحتفاظ بها لأطول فترة. والحقيقة أن الكثير من الدول، حتى المتحمسة دينيا، مارست نوعا أو آخر من الاستعمار المشابه، وإن بصورة اكثر قسوة وبشاعة، وقلة من الزعامات والدول التي لا توجد لديها نوازع استعمارية ورغبة في استغلال قدرات الغير و«نهب» ثرواتهم، وعمليات الفتح الدينية هي نوع من الاستعمار السيئ السمعة.
تسنت لي معرفة الشعب الإنكليزي والعيش بينه قرابة ست سنوات، بخلاف عشرات الزيارات المتقطعة الأخرى، واستطيع القول إنهم، وبعد قطع صلتهم بتاريخهم الاستعماري السابق، من اكثر شعوب الأرض رقيا في التعامل مع الآخر واحتراما له.
في أواخر الستينات، أخبرني شاب كويتي أنه بحاجة الى استشارة طبية غير مكلفة، بسبب ظروفه المالية، فأخبرته بأن العلاج في لندن مجاني! التقيته بعد اسبوع فأعلمني أنه تعالج ووصفوا له خمس ابر، وانه شعر بتحسن كبير بعد الثانية وتوقف عن أخذ الباقي، لكنه يشعر بالخوف لأن بواب مسكنه أخبره أن طبيبا يبحث عنه، وأنه زاره مرتين وانتظره في «اللوبي» مرات، وقد يخبر الشرطة عنه، وأنه يطلب مساعدتي! هدأت من روعه وذهبت معه إلى المستشفى، وتبين هناك أنه مصاب بمرض جنسي مُعدٍ وأن طبيبه خاف من أن يقوم صاحبنا بأي اتصال جنسي، قبل شفائه التام، ونقل المرض الى غيره، وأن إنسانيته وإحساسه بالمسؤولية دفعاه الى زيارة سكن الشاب لأكثر من 5 مرات خلال اسبوع! فكم نسبة من لديه مثل هذا الاحساس بالمسؤولية بيننا؟!
وفي منتصف الثمانينات، تقدمت بطلب الحصول على إجازة قيادة مركبة، وقبل الاختبار سألت من أعرف عن الأمور التي يجب التركيز عليها أثناء الفحص، فقال الأول: احرص على تعديل المرآة العاكسة قبل التحرك بالسيارة، وطلب آخر أن أربط حزام الأمان ونصح ثالث بتشغيل الاشارة قبل السير، لكن الجميع طلب مني عدم تبادل الحديث مع المفتش أو الفاحص أو مجاملته أو رشوته، فهذا كاف لأن اسقط في الاختبار إلى الأبد.. ولا أدري ما أصبح عليه الوضع الآن بعد ان دخل جماعتنا، وأولاد العم الآخرون، في كل مرفق حكومي في بريطانيا! لكن وقتها لم يكن بإمكاني غير الاعجاب الشديد بكل تلك الأمانة والانضباطية في العمل، اللتين نفتقدهما في بلادنا بشكل واضح! وغني عن القول أننا لسنا مجبرين على الاعجاب بمن استعمر بلداننا لعقود طويلة، لكن لماذا نعجز دائما – وبشكل بائس – في أن نتعلم منهم كيفية احترام العمل ومشاعر الغير؟!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (4)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً… ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

عبارة رائعة تلك التي كتبها الأديب المصري الراحل عبدالرحمن الشرقاوي رحمه الله، في مقدمة الإهداء لمسرحيته: «الحسين ثائراً وشهيداً»، والتي قال فيها: «إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين (عليه السلام)، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

ولعلني أخالف الذين يقولون أنكم تسعدون بمقولة (هندوسي) وترفعونها كشعار، وهم يقصدون بذلك (غاندي) محرر الهند، فما المانع من أن يكون هندوسياً يستمد أفكاره من الإسلام؟ أليس أفضل من مسلم يحمل معاول الهدم والتفرقة وإثارة النزعات الطائفية؟ هو أفضل بكثير من أولئك الذين يدّعون الإسلام ويكفِّرون غيرهم من الطوائف الإسلام، فخسئوا.

غاندي في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة) لم يدّع ِ كذباً بل قال: «أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلستُ أعرف كثيراً عن الهندوسية، وإني أعتزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي… لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين…» وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام من خلال شخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: «على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين»، وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين تأثراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق… وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».

وواقعاً، كل أبناء الأمة الإسلامية يحتاجون إلى استلهام مبادئ نهضة الإمام الحسين (ع) كونها امتداد لتعاليم الإسلام العظيم الذي جاء به جده المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين المعصومين وصحبه الكرام المنتجبين، وهذه الحاجة تنطلق من المنابر الدينية المتزنة في إحيائها لسيرة الإمام (ع) ونهضته المباركة، بحيث تجمع هذه المنابر أبناء الوطن وأبناء الأمة في مسار من التجديد الفكري والثقافي والاجتماعي وكذلك السياسي… نعم، الجانب السياسي ركن مهم من أركان نهضة الإمام، ودون شك، كان انطلاق النهضة مؤسس على وضع ديني وسياسي أيضاً في أواخر العام 60 للهجرة، ولهذا، حين يتناول المنبر الحسيني القضايا السياسية المعاصرة، فإن المسئولية تتعاظم هنا لطرح ومعالجة قضايا سياسية تحت عنوان مصلحة الوطن والأمة، وليس من أجل التحريض والإثارة وإشعال الخلافات الطائفية واستحضار النزاعات التاريخية وملء رؤوس الناس بها بحيث يخرجون من مجلسهم وهم في حيرة من أمرهم! فلا الخطاب المحرّض والعدائي والتفتيتي له علاقة بنهضة الإمام بأبي وأمي، ولا الخطاب الطائفي المليء بالاتهامات بالشرك وفساد العقيدة ودعوات القتل وسفك الدماء له علاقة بالدين القويم.

ثم لابد من القول أن (تقزيم النظرة) إلى مبادئ النهضة الحسينية العظيمة وحصرها في (اللطم والبكاء وإسالة الدماء)، واعتماد الخطب والمحاضرات المليئة بالخزعبلات والإضافات المزيفة والكذب والتزوير، ما هو إلا شكل من الأشكال المفزعة لتفريغ إحياء الذكرى من المحتوى الديني الكريم والبناء الفكري والعلمي، فلسنا في حاجة إلى أناس تبكي وتلطم وتسيل الدماء فقط، وهم على مبعدة من الخلق الإسلامي والالتزام العبادي، بل نحتاج إلى من ينتهزون هذه الفرصة السنوية لإعادة تقييم ذواتهم وبناء شخصياتهم من خلال العطاء العلمي والاجتماعي والإنساني، مع الاعتبار للمشاركة من أجل نيل الثواب في المجالس الحسينية ومواكب العزاء، ليصبحوا – انطلاقاً من المبادئ الحسينية ذاتها – قادرين على امتثال التأثير الحقيقي لتعاليم الدين الإسلامي المكونة لنهضة الإمام الحسين (ع)… وللحديث صلة أيضاً.

سامي النصف

من رأى منكراً.. فليسكت!

يلقي القادة والساسة في كل البلدان خطبهم التي تتضمن أوامر وإرشادات وقرارات شفاهةً ولا يرفض أحد تنفيذها كفتاوى بعض جهابذتنا كونها لم تصدر كقرارات من دواوينهم الملكية أو الأميرية أو الجمهورية، إن حجة الديوان الأميري التي طرحها البعض هي حجة عليه لا له، فلو ان تصريح رئيس مجلس الأمة افتقد الدقة لصححه الديوان الأميري على الفور، لذا فإن صمت الديوان دلالة على دقة النقل ومن ثم يصبح ما صدر أمرا نافذا من «أبو السلطات».

أصبحت مقاعد مجلس الأمة الخضراء وغنائمها الضخمة من جمع رواتب وظيفية ورواتب تقاعدية وحصانة برلمانية ومكاسبها الأخرى مطمحا ومطمعا تتساقط أمامه القيم الأخلاقية والحصافة الإنسانية والشهادات الأكاديمية والحفاظ على الوحدة الوطنية فكل الأمور مقبولة بما في ذلك الشتائم اللفظية لادعاء البطولات الفارغة ودغدغة المشاعر لدى البسطاء للوصول في النهاية للكراسي الخضراء.

وقد سمعت ما طرحه بالعلن بعض الأكاديميين في ندوة «إلا الدستور» الأخيرة وصعقت وخجلت بحقٍ مما قيل، فهل يعقل ان يسمي من يفترض ان يكون أكاديميا محترما مخالفيه في الرأي بـ «الكلاب من أهل الكويت»، وهو للعلم تكرار لما قال به مرشح سابق ونائب لاحق في إحدى ندواته الانتخابية من وصف حضوره بـ «الأسود» وأبناء بعض المناطق الأخرى بـ «الكلاب» أجلّكم الله؟! وهل يجوز لمن يفترض ان يكون مختصا بالقانون أن يحرض العامة على مخالفة القانون حصننا جميعا بدلا من الحرص على التقيد به لمنع المساءلة القضائية؟! أمر يحدث فقط في الكويت دون البلدان..!

وتمتلئ السجون بأصحاب الأفعال الشائنة والخاطئة ولا يحسب من قام بها على عائلاتهم أو قبائلهم أو طوائفهم، فالجريمة فردية ومسؤول عنها من يرتكبها، هذا الأمر المنطقي والبديهي يحاول بعض المحرضين والمؤججين إخفاءه عبر الادعاء الزائف أن محاسبة من يدعو للفوضى والعصيان والفلتان بالبلد ويخطئ بحق الآخرين هي محاسبة لقبيلته الكريمة، فأين دعاوى الحفاظ على الدستور من مثل هذه الأقاويل المسيئة؟ وأين الحفاظ على الدستور من الطعن في النيابة العامة ومرفق القضاء الشامخ؟!

آخر محطة:

(1) بنظرة سريعة على أحد محاور الاستجواب القادم نعجب من لوم الحكومة التي حضرت الجلسات الـ 3 المختصة بمناقشة رفع الحصانة عن احد النواب الأفاضل وعدم لوم زملائهم الآخرين ممن تسبب تخلفهم لأسباب يرونها صائبة في عدم اكتمال النصاب، اي اذا كان غياب تلك الجلسات جريمة ـ وهو غير ذلك ـ فلماذا يحاسب من حضر ولا يحاسب من غاب من زملائهم؟!

(2) سؤال يطرح كل يوم: من يقف خلف الأزمات المتلاحقة التي تسببت في عزلنا وتخلفنا وتدمير مؤسساتنا وهجرة أموالنا؟! الجواب اثنان ـ كما يرى متابعون ومراقبون ـ أولهما أطراف تدعي الوطنية والمعارضة، الا انها تخدم أجندات خارجية مدفوعة الأثمان تهدف الى تحويلنا لساحة صراع أخرى تضرب بها الرقاب وينعدم بها الأمن وتهجر خلالها الناس على الهوية، والثاني: أتباع طيبون يتم دغدغة مشاعرهم وتحريضهم وطلب «فزعتهم» عبر دعاوى حق يراد بها باطل.

(3) يريد البعض في سبيل مخططه التدميري ان يقمع الناس باسم الدستور والديموقراطية وان يفرض عليهم السكوت عند رؤية منكره وألا يتم تخوينه وطنيا، وللحديث بقية.