محمد الوشيحي

السابع عشر 
من يناير

إحدى قناعاتي القديمة الجديدة التي بحّ قلمي وهو يرددها تقول إنني «لو امتلكت رصاصة واحدة فلن أطلقها على إسرائيل بل على جامعة الدول العربية، فإسرائيل عدو ظاهر، تسهل معرفة عنوانه واسمه من بطاقته الشخصية، أما «الجامعة» فعدو يحمل أسماءنا وعناوين بيوتنا، وضررها علينا أشد من ضرر إسرائيل».

واليوم أقول إنني لو امتلكت رأساً نووياً شامخاً لما أطلقته على وزير الإعلام، الذي ترك قوانين فنلندا والنرويج واستعان بقوانين «دولة الغساسنة» وقوانين أخرى كان معمولاً بها قبل اختراع الماء، بل سأطلقه على الصحف التي ساهمت في تزوير الحقائق. ولو امتلكت سلاح «طرح الثقة» فلن أطلقه على الوزراء بل على «نواب الحكومة» الذين تكفلوا بتنظيف الصالة كلما لخبطتها «عمّتهم» الحكومة، وتطوعوا للجري أمامها وفتح باب السيارة لها، وتحولوا من محاسبين لها إلى مرافقين وحشم وسكرتارية، يدعمهم من الجهة الغربية النائب السابق الرائع ناصر الدويلة الذي يستحق البيت الشعري الذي قالته الخنساء في رثاء أخيها صخر: «حمّالُ ألويةٍ هبّاطُ أوديةٍ… شهّادُ أنديةٍ للجيش جرارُ»، والدويلة يحمل الألوية ويهبط الأودية ويتناول الأدوية ويحل الأحجية، ويقتل الصدق ولا يدفع الدية. الدويلة هو الكائن البشري الوحيد الذي يحلم قبل أن ينام بنصف ساعة، ثم يذيع أحلامه. ولَكم تمنيت أن أكرهه لكن «ما كل ما يتمنى المرء يدركه».

عموماً… يقابل تطوع هؤلاء النواب لخدمة العَمة، تطوع مجموعة من الشبّان نذروا أنفسهم لخدمة هذه الديرة وحماية حريات أهلها. وآه ما أجمل أيام «نبيها خمس» وما أجمل شبّانها الذين تعملقوا حتى سقط «عقال» الحكومة وهي تنظر مذهولة إلى طول قاماتهم. واليوم تكرر مجموعة أخرى من الكويتيين هذه التضحيات والتطوعات عبر إنشاء «قناة كاظمة»، وهي قناة «شغل بيت»، قامت على اقتطاع أجزاء من رواتب شبّان في عمر الحماسة والوطنية! هذا اقتطع من راتبه مئتي دينار، وذاك اقتطع ثلاثمئة، والثالث تبرع بألف، والرابع بتسعمئة، والخامس بمئة، ووو، فخرجت لنا تلك القناة، التي تبرعت بدورها بنظارات طبية للشعب الكويتي كي تمكّنه من رؤية الأحداث بوضوح. شكراً أطباء العيون والبصائر.

***

تم تأجيل قضية الشامخ د. عبيد الوسمي مع استمرار حجزه إلى يوم السابع عشر من يناير المقبل، وهو يوم له في أذهان الكويتيين ذكرى لا تنسى، إذ انطلقت فيه «عاصفة الصحراء» لتحرر رقبة الكويت من قبضة صدام حسين وجيشه الأهوج… فيا سبحان الله، بعد عشرين سنة بالتمام يحبس الكويتيون أنفاسهم ويعيشون بأنفاس مستعارة إلى ذلك الحين.

احمد الصراف

الإباحية المقدسة

نشر وليم كراولي William Crawley في موقعه الإلكتروني تعليقا على فيلم وثائقي سبق أن قامت الـ «بي بي سي» بإنتاجه تعلق بالأرباح التي تجنيها كثير من الشركات من تجارة وصناعة المواد الإباحية، إن بصورة مباشرة أو غير ذلك. وتضمن الفيلم الوثائقي مقابلة مع thomas Strobhar، وهو منظم حملات وكاثوليكي محافظ، سبق أن أخذ على عاتقه كشف الاستثمارات التي كانت تقوم بها المؤسسة الاستثمارية التي تدير أموال الكنائس الكاثوليكية، ومنها مؤسسة «الإخوان المسيحيين» المالية، وهي واحدة من أكبر المؤسسات التي تتعامل معها الكنائس الكاثوليكية في أميركا (وهي هنا تشبه «الأذرع» الاستثمارية العديدة لحركة الإخوان المسلمين في بلداننا)! حيث ذكر أن «الإخوان المسيحيين» يقومون باستثمار مليارات الدولارات لمئات الجهات الكنسية والمعاهد الدينية والهيئات التعليمية الدينية ومنظمات التأمين الصحية الدينية وغيرها، وأنها قامت في السنوات الأخيرة، بتغيير استراتيجياتها، بعد أن أقر أساقفة الكنائس الكاثوليكية الأميركية في عام 2003 تعديلات جوهرية تتعلق بأخلاقيات سياساتها الاستثمارية وسبل وطرق استثمار اموال الكنائس، حيث سمحت لمؤسسات مثل «الإخوان المسيحيين» وغيرها باستثمار الملايين في شركات تحقق أرباحا مجزية من تجارة المواد الجنسية، شريطة أن تكون الأرباح الناتجة عنها غير كبيرة مقارنة ببقية الإيرادات!
ويقصد ب‍‍‍ـ «الأنشطة الإباحية» شركات إنتاج الأفلام الجنسية والمنشورات الفاضحة والمطبوعات الإباحية وبرامج الكمبيوتر الجنسية وخدمات الهاتف والإنترنت الجنسية.
وبالرغم من هذا التساهل الذي تبديه الكنائس الكاثوليكية مع الشركات في ما يتعلق باستثماراتها، فانها لا تبدي المرونة نفسها في أمور جنسية أخرى، مثل اسهم شركات انتاج وترويج مواد تخالف تعليمات الكنيسة كصناعات الكوندوم، أو الواقي الذكري، والعيادات، والمنتجات المتعلقة بخدمات الاجهاض، أو مختبرات تجارب استخدام النخاع الشوكي!
وقال متحدث باسم «الإخوان المسيحيين» في البرنامج الوثائقي انهم يهدفون للتأثير في الاتجاهات الأخلاقية للشركات التي يقومون بالاستثمار فيها، وأن سياساتهم الاستثمارية منسجمة مع منطق العصر الذي نعيش فيه، وأن أية جهة مسيحية لا تتفق معها في استثماراتها وتشكك في أخلاقية ما تقوم به، يجب عليها بالتالي عدم استخدام الإنترنت، وتجنب السكن في اي من فنادق العالم، والتوقف عن مشاهدة التلفزيون!
وهكذا نرى بوضوح تام أن المسألة، لدى الجهات الدينية او غيرها، تخضع للربح والخسارة! وفي هذا السياق أتذكر أننا في اوائل الثمانينات كنا في أحد المصارف نتنافس مع مؤسسة مالية دينية على وديعة بعشرات الملايين تخص جهة علمية متخمة بالأموال النقدية. وكنا في وضع اقوى، حيث إن مدير أموال الجهة العلمية كان يصر على ان يعرف ما سيحصل عليه من عائد في نهاية سنة، وهذا ما لم يكن بإمكان الجهة المالية الدينية التعهد به، والتي كانت دائمة التشدق بانها تعمل بنظام المرابحة، وليست بالتالي في وارد التقيد بفوائد محددة مسبقا. وعندما أصر المدير على موقفه، وتبين للجهة «الإسلامية» أن الوديعة الكبيرة ستطير منها، قامت بالايعاز لـ «الهيئة الشرعية» لإيجاد مخرج، وكان لها ما أرادت، وفازت بالوديعة!
وقديما قيل: كرمال ملايين الدنانير تكرم ملايين النصوص!

أحمد الصراف