أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تدوس بقدمك على الدستور بحجة حمايته! وتقفز على القانون وتمنح كباباوات القرون الوسطى صكوك الغفران الوطنية لمن يسبح بحمدك، وتحرمها عمن يكشف خداعك وكذبك..
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني أن تفخر ـ بدلا من ان تخجل ـ من تحويلك ديموقراطية القدوة الحسنة التي أنشأها الآباء الحكماء المؤسسون الى ديموقراطية القدوة السيئة القائمة..
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تفخر ـ بدلا من أن تخجل ـ من تسببك في إلغاء مشاريع الدولة الكبرى كحال الـ B.O.T الذي قامت عليه نهضة الكويت العمرانية الحديثة قبل إلغائه، والداو كيميكال الذي كان حلمنا الكبير ببيع النفط كمشتقات وليس كمادة خام وقد تبنت الشقيقة العاقلة السعودية تلك الشراكة مما يثبت صحتها، والمصفاة الرابعة التي كانت ستؤهلنا لبيع مشتقاتنا النفطية لدول مجاورة كإيران والعراق، وإلغاء مشروع تحديث أسطول «الكويتية» الذي تسبب في قتلها ولم يبق إلا إصدار شهادة الوفاة لها عاجلا أو آجلا.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني اتهام الوطنيين الحقيقيين ومحبي الكويت الصادقين في ذممهم المالية وتشويه سمعتهم على الملأ دون دليل أو قرينة، وكل يرى الناس بعين طبعه..
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني أن تدخل مضمار الوطنية المتباكى عليها وانت لا تملك شروى نقير فتستغل غفلة البسطاء وانفعال الأغبياء لتبيع مشاعرهم الصادقة على من تريد لقاء الملايين من الدنانير.. والعملات الأخرى!
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تستهدف أي مسؤول شريف عفيف على هويته وتمنعه من خدمة وطنه وتصمت صمت الحملان على السراق والمتجاوزين لأن هويتهم تلقى هوى في نفسك..
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تبيع أرضك ووطنك في أسواق النخاسة الدولية كي يصبحا ملعبا آخر لصراعات الدول الأخرى فيتحول أمننا الى خوف ورغد عيشنا الى عوز، وما الغزو عنا ببعيد.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تعمر بلدانهم وتدمر بلدك وتصمت عندهم وترفع صوتك عندنا وتحترم وتجل مسؤوليهم وتقل أدبك أمام مسؤولي بلدك..
أن تكون وطنيا ملتزما بالدستور هذه الأيام يعني ان تقتله باسم حمايته وتمدح مؤسسيه عبر مخالفة ما خطوه وكتبوه وأوصوا عليه ولو عادوا للحياة لسحبوا رداءه الذي تتدثر به كي تخرج العقارب والثعابين والذئاب والضباع المختبئة تحته.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ألا تمانع في تفتيت الوطن عبر تشجيع القبلية والفئوية والطائفية وتجعلها طريقك لحصد الأصوات بأمل الوصول للكراسي الخضراء التي يهون كل شيء في سبيل الوصول اليها.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تكون سيد التحريض والتأجيج والفوضى والخروج على القانون تحت دعاوى الحفاظ على الدستور.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تقسم وتفتت الشعب الكويتي وتخدعه فتصبح ـ لأجل الوصول لأهدافك الشيطانية ـ حضريا مع الحضر وقبليا مع القبائل وسنيا مع السنّة وشيعيا مع الشيعة ومعارضا مع المعارضة (بالعلن) وحكوميا حتى النخاع مع الحكومة (بالسر) وكله باسم الوطنية والرزق كما يقال.. يحب الخفية!
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني ان تطلب منا ومن الآخرين ان نعترض على ما يقوله جويهل ـ وهو ما نفعله ـ إلا انك تشجع بالمقابل مائة جاهل كبير يشتمون شرائح المجتمع الأخرى عبر تسميتهم بـ«الكلاب» ـ أجلّكم الله!
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني أن تقلب آراءك السياسية كتقلب الرياح الأربع فتذمّ من أوصلتهم بنفسك إلى المجلس عبر انتخابات ممنوعة وتمدح من لم يجف حبر قلمك في قدحهم.
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني أن تخلق إعلاما «شديد الفساد» يستسهل الخداع ويحترف التزوير ويمتهن الكذب ويستمرئ شتم الشرفاء عبر الردود المصطنعة ثم تتحدث عن… الإعلام الفاسد!
أن تكون وطنيا هذه الأيام يعني أن تقسم الناس المتساوين أمام الله وأمام الدستور حسب فكرك الفاسد الى دماء حمراء ودماء زرقاء ولا مانع لديك بالطبع ان تكتب في صحف من تسميهم بـ «أصحاب الدماء الزرقاء» وأي كذب ونفاق وخداع اكثر من هذا؟!
آخر محطة:
أن تكون وطنياً هذه الأيام يعني أن تدعي الحب «الزائف» لبعض شرائح المجتمع، ثم تضر بهم عبر التحريض الدائم لهم ومحاولة تصويرهم بأنهم ضد الشرعية والدولة والقانون، مستغلا قلة قليلة تحركهم كما تشاء، لا يعلم أحد إن كانوا كويتيين أم لا، متناسيا أن أبناء تلك الشريحة الكريمة كانوا ومازالوا أحد أهم عوامل الاستقرار في البلد، والأقرب الى النظام الذي ينتمون اليه بصلات القرابة والنسب والمودة التاريخية، وانهم بفطنتهم وحكمتهم وذكائهم كفيلون بـ «إطفاء» النيران التي تحاول إشعالها.. في البلد وفيهم!