صباح الخير أبا عمر، أستاذ محمد عبدالقادر الجاسم… صباح الخير دكتور عبيد الوسمي… هي غمّة ستجرفها سحابة تلقي بها هناك.
***
شيخ الدين المصري محمود عامر تحمّس قليلاً فأفتى: «يجب أن تُقطع رقبة المعارض المصري محمد البرادعي – الذي ينوي الترشح لمنصب الرئيس – لأنه دعا إلى العصيان المدني»، فانتشرت فتواه كالنار في المخازن قبل الجرد، كحال كل الفتاوى الشاذة، وتداول الناس اسمه وفتواه، وخرج من ظلمات الصفوف الخلفية إلى واجهات الإعلام، فتحمّس أكثر فأفتى: «والشيخ القرضاوي أيضاً يجب أن تُحصَد رقبته لأنه يدعو إلى العصيان المدني».
ولو تُرك أخونا محمود عامر يسير في طريقه دون أن يعترضه أحد فلن أستبعد أن يطلق فتوى نووية: «أعضاء حزب الوفد يجب أن تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأعضاء الحزب الناصري يجب أن يُرجموا رجم الزانية…»، وستتوالد فتاواه كالقطط، وبالتأكيد ستدور كلها حول القطْع و»الحصْد» والتنكيل والتعزير والرجم، ولن تجد فيها فتوى عن وجوب رعاية النشء أو الأيتام ولا تشجيع البحوث الطبية والعلمية ولا مساعدة الشباب على الزواج، ولن يحض على توفير فرص عمل للشبان الخريجين، ولا ولم ولن، فكل هذا لا يجذب الأضواء، ولا حتى «لمبة مئة شمعة».
ولو رزق الله أميركا بـ»محمود عامر أميركي» لكانت رقبة أخينا باراك أوباما ملقاة في سلة قمامة البيت الأبيض، ولو رُزقت فرنسا بمثله لكان رأس ساركوزي معلقاً على قوس النصر في شارع الشانزليزيه، وستمتلئ أوروبا بالرؤوس المعلقة، فالمعارضة هناك لا تدعو إلى العصيان المدني فقط، بل إلى محاسبة الرئيس وجرجرته في المحاكم، كما هي حال جاك شيراك وتوني بلير… ولسوء حظهم أنهم يعيشون في دول علمانية عليهم لعنات الله.
والقطع والتنكيل والتعزير وبقية «الشلة»، تزاحم كريات الدم الحمراء في عروق العرب، لا علاقة لها بالدين إطلاقاً، إلا أن بعض المشايخ ألبس هذه الغرائز الرومانسية عمامة ووضع في يدها «مسباح».
وقد ذُهلَ الضباط المصريون الذين شاركوا في حرب اليمن – واليمن منبع العرب كما تعلمون – في ستينيات القرن الماضي، من طريقة تفاهم اليمنيين بعضهم مع بعض، إذ كان القتل هو الخيار الأول، ثم يأتي التفاهم بعد ذلك. وفي إحدى الليالي، ضاق المكان بمجموعة من السياسيين اليمنيين، كلهم من فريق واحد، فطلب رئيس الاجتماع من ثلاثة من المجتمعين أن يخرجوا كي يتمكن من بدء الاجتماع، فشعر أحد المطرودين بالإهانة فأطلق شتيمة أثناء خروجه، فصرخ رئيس المجموعة: «حزّوا رقبة أمه»، وبالفعل أمسكوا به وحزّوا رقبته، فثار شقيقه، فتوجّه إلى بيت «رئيس المجموعة» في منتصف الليل، وسحبه من فراشه، وحز رقبته، وترك رأسه مرمياً في «الحوش» أمام الزوجة والأطفال، فقامت قيامتهم، وراحوا يتبادلون الحز، كما يتبادل اللاعبون أعلام منتخباتهم، وكلهم أعضاء فريق واحد، والسبب ضيق المكان، أو عدم توافر كراسي بالعدد الكافي.
وفي الكويت، ظهر علينا الشيخ – المصري أيضاً – عبدالرحمن عبدالخالق يطالب بعدم استجواب سمو رئيس الوزراء، بحسب ما تأمر به الشريعة، كما يرى هو! ومعنى هذا أن دستور الكويت مخالف للشريعة الإسلامية لأنه يسمح بمساءلة الرئيس، وكان الأولى أن يطالب «عالمنا» المفضال بإلغاء الدستور من الأساس، وحز رقبة كل من يدعو إلى المحافظة عليه. ولو كانت الظروف تسمح لكانت فتواه «أجمل» من هذه وأكثر رومانسية، لكن الجود من الموجود، واسمحوا لنا على القصور… ما يجي منك قصور يا بو عبدالخالق.