محمد الوشيحي

عبيد وخالد وخالد

قصة حقيقية…

هنا كان يجلس ثلاثة من الطلبة الكويتيين، هنا كانت تفوح رؤوسهم حماسة وتشتعل قلوبهم وطنية. هنا في عام 1999 كانوا يجتمعون في هذا المقهى الذي يتوسط "جورج تاون"، قلب العاصمة الأميركية "دي سي"، في شارع "ام ستريت"، وعلى مقربة من المكان الذي تم فيه تصوير فيلم الرعب الأميركي الأشهر "ذي اكسورست" عام 1973، الذي يتحدث عن "جنّي" يأتي من صحراء الشرق الأوسط ليسكن جسد فتاة من أهل هذه المنطقة الأميركية، ويقال إنه أثناء التصوير وبعده حدثت مصائب غريبة أطلق عليها الناس وصف "لعنة جورج تاون"… هنا كان الثلاثة يتسامرون ويتناقشون عن الشأن الكويتي، وعن أوضاع أهلهم وديرتهم.

الأول هو الدكتور عبيد الوسمي، الخبير الدستوري، والثاني خالد الطاحوس، عضو مجلس الأمة، والثالث خالد الفضالة، أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي السابق… عبيد، الأكبر سناً، كان يدرس الدكتوراه، وكان حديثه منصبّاً على أهمية تطبيق القوانين واحترام الدساتير، وكان يشدد على أنه لو تم تطبيق مواد الدستور الكويتي لكنّا وكانت الكويت، وخالد الطاحوس كان يتحدث عن حرية الرأي والتعبير وحقوق العمال والبسطاء، وخالد الفضالة، الأصغر سناً، كان يتحدث عن حقوق الإنسان وعن أهمية الوحدة الوطنية وعن وجوب حماية المال العام والدفاع عنه.

الطريف أن كلّاً منهم كان ينتمي إلى قائمة طلابية مختلفة، في انتخابات طلبة الجامعة، فالوسمي كان عضواً في قائمة "المستقلة"، والطاحوس كان عضواً في "المعتدلة"، والفضالة كان عضواً في "الوحدة الطلابية"، إلا أنهم الثلاثة كانوا يحرصون على الخروج سوياً، يسعون في طرقات أميركا ومناكبها.

والطريف أيضاً، أن كلّاً منهم نجح في انتخابات الجامعة، واحداً بعد الآخر، وهو أمر نادر الحدوث، إذ اعتاد الطلبة أن تسيطر قائمة ما على الانتخابات لسنوات، ثم تتفوق عليها قائمة أخرى تستمر لسنوات، لكنّ "الثلاثة" كسروا القاعدة… فعبيد نجح عام 98، ونجح الطاحوس عام 99، ونجح الفضالة عام 2002 في الانتخابات الجامعية. أما الأطرف، فهو أنهم، الثلاثة، بعد تخرجهم، ورغم اختلاف توجهاتهم، لا يؤمنون بهذه الحكومة.

كانت أجسادهم في أميركا، على بعد تسع أمانيّ وسبعة أحلام من الكويت، حيث قلوبهم. كان الواحد منهم، وهو هناك، يتظاهر بحاجته لتعديل قميصه وشدّه إلى الأسفل، كي ينهض من كرسيه ويمد رقبته إلى الكويت فيسرق نظرة يطمئن بها على أوضاعها.

جمع الثلاثة رصيداً من العلم، ليصرفوه في الكويت وعلى الكويت… تخرّجوا وعادوا إلى حيث حطت عصافير أحلامهم، لكنهم نسوا، يا للأسف، أثناء رحلة العودة أن يرموا أمانيّهم وأحلامهم من نوافذ الطائرة، أثناء عبورها فوق المحيطات لتلتهمها الأسماك… لم يدركوا وقتذاك أنهم سيصطدمون بجزاري الأماني وسفّاحي الطموحات… لم يعرفوا أن الشهادات والعلم والوطنية والحماسة والنبوغ وطموح الشباب كلها ستتكسر على حدود "الفاكس الطائفي" الذي كلما استعرت طائفيته انحنت الحكومة له ولصاحبه… لم يتخيلوا أن الجاهل الذي يشتم أعراض الناس ستعتبره الحكومة "شخصية مهمة في الرأي العام"، وستتعامل معه – الحكومة – كما يتعامل الحلّاق مع "المعرس"، فتتكفل بتفريكه وتدليكه… لم يتوقعوا أن قنوات العهر الدرامي التي تحولت إلى قنوات عهر سياسي تخصصت في بث الأكاذيب والافتراءات، ستتعهد الحكومة "بتقشير" الموز قبل أن تمدّه إليها… لم يتصوروا أن "الرِّمّة ذا العِمَّة" سيكون "سيد" الأحداث.

لم يتخيلوا كل ذلك ولم يتوقعوه، فتم سجنهم، هم الثلاثة، تباعاً، الواحد تلو الآخر، كما حدث في انتخاباتهم الجامعية… فهل تلبّسهم "جنّي" الشرق الأوسط وأصابتهم لعنة جورج تاون؟ أم هي لعنة حب الكويت؟

***

أستاذنا محمد عبدالقادر الجاسم لم تغب عنا، وأنت الحاضر الغائب، لكنه الغبار الذي أعمى أعيننا فطلبنا ماءً لتنظيفها فأعطونا مزيداً من الغبار… كم اشتقناك واشتقنا قلمك يا رجل.

أبا عمر، سيصلك فارسنا الدكتور عبيد الوسمي لمؤانستك، تدبّرا أمرَكما إلى أن يصل بقية "الربع"… عن أوضاعنا تسألان؟ نطمئنكما، انقلبت الحياة ملهىً لا يحتمل ضجيجه إلا الراقصات وأزواجهن والطبالون وبقية أعضاء الفرقة، ونهض الجمهور يرقص فامتلأ المسرح بـ"النقوط".

***

رحم الله الإنسان وائل جاسم الصقر، هادئ الطباع خفيض الصوت بطيء الحديث نظيف السريرة، وألهم ناشر هذه الجريدة وآل الصقر الكرام وأصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان.

سامي النصف

التهدئة مطلب ومكسب للجميع

زار الصحافي في جريدة «الرياض» مازن السديري الكويت وكتب انطباعاته الشخصية عنها، ومما ذكره انها من أفضل وأجمل البلدان التي زارها، وقد أعجب ـ كما كتب ـ بالنهضة العمرانية التي لا تقل عن مثيلاتها بالخليج، والخدمات التعليمية والصحية والاسكانية والحريات الممنوحة للناس وتشريعات الحفاظ على كرامة المرأة، وقد كنا وبحق بحاجة لشهادة طرف محايد لتذكيرنا بخطأ الاعتقاد أننا نعيش في خرابة مهضومة حقوق الناس بها.

ان أهم سؤال يجب ان يطرح هذه الأيام هو: ماذا نريد حقا لهذا البلد ومستقبل أبنائه؟ أي هل نريد «صومال» أو «رواندا» أو أي وطن ممزق ومدمر آخر؟ أم نريد وطنا جميلا متفائلا يسعد الناس به حاضرا ومستقبلا؟ أهمية هذا السؤال تنبع من اننا اذا ما حددنا الهدف الذي نريد سهل بعد ذلك ايجاد الوسائل المناسبة للوصول إليه.

فللكويت الهادئة الآمنة الجميلة وسائل ومسالك، وللكويت المشتتة المتأزمة المتمزقة المحترقة وسائل ومسالك كذلك، فطريق اعمار البلد وديمومته وسط الأخطار المحيطة به يتطلب من الجميع الدعوة للهدوء وعدم تصعيد الخلاف الى حدود لم تعتدها الكويت منذ نشأتها الأولى، والحفاظ على هيبة السلطة واحترام رجال الأمن مسؤولية الجميع فلم تضع الهيبة ويفقد الاحترام في بلد من البلدان الا وتلاهما الخراب والدمار واسألوا اخوتنا الأحبة في العراق ولبنان.

ولا نحتاج في هذا السياق للتذكير بما عشناه جميعا دون استثناء إبان الغزو الصدامي الغاشم الذي لم يمض عليه ـ للعلم ـ إلا سنوات قليلة، لقد سَلِمنا آنذاك و«لن تسلم الجرة في كل مرة»، ان الاختلاف والاحتراب والتخندق الداخلي أشد خطرا علينا بمرات عديدة من غزو صدام الذي وحّدنا وانتهى في أشهر قليلة، بينما تظهر التجارب الحية والمعيشة ان خلاف الاخوة أشد ضراوة من غزو الخارج ويستمر الصراع بينهم عادة لعقود بل لقرون فانتبهوا لأنفسكم يا اخوة الوطن من كل الشرائح والفئات.

ان الشعب الكويتي لا يختلف في مكوناته العرقية والدينية والطائفية والاجتماعية، بل حتى في مكونات جيناته وكروموزوماته عن شعوب دولنا الخليجية الشقيقة، فلماذا استفرادنا دونهم بالاشكالات الأمنية والسياسية التي تمهد ـ متى ما تركناها تكبر وتستفحل ـ لتحويلنا الى ملعب آخر من ملاعب الصراعات الأهلية. لقد كشف موقع ويكيليكس عن تقرير خطير أرسلته السفارة الأميركية في الكويت قبل عام فقط نشرته الزميلة «الوطن» يذكر أن الكويت مكان مهدد للغاية أمنيا، ألا يدعونا ذلك التقرير المهم الى تناسي الخلاف ورص الصفوف وتوحيد الكلمة قبل «وقوع الفاس بالراس» والندم حين لا ينفع الندم؟! الاجابة واضحة ولا تحتاج الا الى تفعيل التواد والتواصل بيننا، فالكويت وطننا جميعا.

آخر محطة:

(1) توقف الندوات والندوات المضادة انقذ الكويت من التمزق الطائفي إبان فتنة ياسر الحبيب فما الذي خسرناه حقا من ذلك الايقاف؟ لا شيء على الاطلاق وان كنا قد كسبنا وحدة الوطن.

(2) الشكر للنواب الأفاضل من قادة تجمع «إلا الدستور» على ايقافهم الندوات والمرجو ممن يزايد عليهم من المرشحين ان يتوقفوا كذلك، فقد تستطيع خداع بعض الناس بعض الوقت ولكنك لا تستطيع خداع الجميع طوال الوقت، وكلنا نعلم «البير وغطاه» يا.. مرشحين!

احمد الصراف

صحة الأمة والقراءة

أرسل لي الزميل السابق، والذري الحالي أحمد بشارة، نص بحث بعنوان «إغلاق الكتاب الأميركي»، نشر في «النيويورك تايمز» في شهر يوليو الماضي، بقلم أندرو سولومون الذي يبدو أنه سيكولوجي! وقد قمت بترجمة النص في حينه بتصرف كبير، ولكني نسيته بين أوراقي:
«أظهر مسح ميداني أجري في الولايات المتحدة، ونشر في الثامن من يوليو، أن القراءة لغرض الاستمتاع في انخفاض مستمر بين جميع أفراد المجتمع الأميركي، كبارا وصغارا، أغنياء وفقراء، متعلمين وغير ذلك، نساء ورجالا، بيضا وسودا وغيرهم. وبين التقرير أن الذين يقرأون للمتعة هم الاكثر ارتيادا للمتاحف والحفلات الموسيقية. كما أن نسبة تطوع هؤلاء للعمل من دون مقابل في مختلف المجالات الانسانية اكثر بثلاثة أضعاف من الذين لا يقرأون. كما تبلغ نسبة مرتادي المباريات الرياضية، من قراء الكتب، ضعف غيرهم. وكل هذا يعني ان قراء الكتاب هم أكثر نشاطا من غيرهم، بينما اكتفى الآخرون، الذين تزيد نسبتهم على الضعف، باللامبالاة. وقد أدى هذا الى خلق شق اجتماعي بين أولئك الذين يعتبرون الحياة تجربة معرفية منعشة، وأولئك الذين يعتبرون بلوغ سن الرشد أو الإدراك مجرد عملية ضمور فكري بحت. والتحول الى هذا الأمر الأخير أمر مرعب حقا. فبالرغم من أنه لا يمكن اعتبار القراءة نوعا من التعبير النشط كالكتابة، فإنها في الوقت نفسه ليست نشاطا سلبيا، فالقراءة تتطلب بذل جهد محدد اضافة الى الحاجة الى التركيز والانتباه. وفي المقابل تعمل القراءة على تحفيز الذهن وتنمية الشعور الإيجابي. وقد قال كافكا إن الكتاب فأس نكسر بها ثلوج البحار التي تجمدت في داخلنا. إن ما يمكن التعبير عنه من خلال اعادة ترتيب 26 حرفاً (عدد حروف الانكليزية) أمر يدعو الى الدهشة حقا.
فالاعلام الالكتروني الحديث يميل الى التخدير، بالرغم من وجود برامج تلفزيونية جيدة وكتابات جديرة بالقراءة من خلال الانترنت، ومتابعة برامج الألعاب الالكترونية التي تختبر المنطق، ولكنه يشكو بشكل واضح من قصور ذاتي. فالتلفزيون مثلا يستخدم من غالبية مشاهديه كوسيلة لتحويل اذهانهم عن التفكير بدلا من جعله وسيلة للتفكير. في الوقت الذي لا تشكل فيه مشاهدة التلفزيون خطورة على معتادي القراءة. ولكن بالنسبة لأولئك الذين يكتفون بمشاهدة التلفزيون وعدم المطالعة، فإن تأثير ذلك خطير جدا عليهم.
لقد كان موضوع كتابي الأخير يتعلق بالاكتئاب. وكثيرا ما أسأل عن سبب الزيادة المستمرة في اعداد المكتئبين في العالم. وأنا أتكلم هنا عن الشعور بالوحدة الذي يأتي غالبا عند الجلوس لفترات طويلة أمام التلفزيون، أو الكمبيوتر، أو بالانشغال بألعاب الفيديو.
ان القراءة مدخل للتحدث مع طرف آخر. والكتاب يمكن أن يكون صديقا، ولكنه صديق يتكلم معك ولا يتكلم باتجاهك، وهذا يعني أن نسبة الاصابة بالاكتئاب يجب أن ترتفع عندما تنخفض نسبة القراءة، والعكس صحيح. كما أن هناك اثباتات مقنعة تبين أن التصاعد في معدلات الاصابة بــ«الزهايمر» ما هي الا انعكاسات لنقص النشاط الذهني عند البالغين. وفي الوقت الذي يبدو فيه أن أسباب هذا المرض وراثية بشكل أساسي ويحفز عن طريق الظروف البيئية، فإنه يبدو من الواضح كذلك ان اكتساب المعرفة المستمر الناتج بشكل أساسي عن القراءة لدى هؤلاء قد يساعدهم بشكل رئيسي في تجنب الاصابة بالمرض.
وعندما كنت طالبا، قمت بزيارة لبرلين الشرقية، وهناك رأيت الموقع الذي كان النازيون يحرقون فيه الكتب الجامعية لاعتقادهم بتأثيرها السلبي على معنويات الجنود! وقد كان النازيون محقين في اعتقادهم، فالكتاب هو أمضى سلاح في حرب المبادئ. (ولهذا يحارب ملالوتنا الكتاب).
ويعتقد الكاتب ان الكتاب هو من أمضى أسلحة أميركا في محاربة التبعية والارهاب. وإن الإنسان هو في الحقيقة ما يقرأ، فإن كان لا يقرأ شيئاً، فهو في الغالب لا شيء، وان مشكلة عدم القراءة مشكلة وطنية. فإذا كان هذا ما يقوله الأميركان عن مجتمعهم، فما عسانا أن نقول؟

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

مرحلة تكميم الأفواه

عندما استمعت إلى خطيب الجمعة يتحدث عن حرمة الخروج على الحاكم، وأدركت بعدها أنه ملزم بهذا الموضوع من وزارة الأوقاف التي عممت هذه الخطبة على جميع مساجد الكويت، وعندما سمعت خبر إلغاء كلية الحقوق لندوة نظمتها الجمعية العلمية في الكلية، وعندما قرأت عشرات المقالات الصحفية الموجهة واللقاءات التلفزيونية مع أشخاص محددين لتلميع ما قامت به وزارة الداخلية من اجراءات تعسفية في حق النواب والمواطنين، بعد كل هذا أدركت أننا بدأنا عهدا جديدا من مرحلة تكميم الأفواه وقمع حرية الكلمة!
قد يخطئ المتحدث بكلمة.. قد يزلّ اللسان بعبارة.. قد «يشط» الفكر برأي.. قد وقد وقد.. هذا أمر متوقع ويحدث كل يوم في معظم بقاع العالم.. لكن كيف يتم التعامل مع هكذا فعل؟! هذا هو بيت القصيد! كان من الأوْلى التعامل مع هذه الآراء.. والكلمات الشاذة بأسلوب حضاري قانوني وليس بأسلوب همجي تعسفي!! كان من الأولى إحالة هذه الظواهر الى القضاء لقول كلمته، ثم بعد ذلك يتم العقاب ان وجد القضاء ــ والقضاء فقط ــ انه يستحق العقاب!! ما يحدث اليوم هو اسلوب العاجز عن حل المشاكل.. اسلوب اضرب.. اضرب.. ثم اسجن.. اسجن.. ثم حوله الى القضاء بعد اهانته وبهدلته ولعن «أبوأسلافه»!
ما حدث للدكتور الوسمي هو بالضبط ما ذكرته.. قال كلاما قد نختلف معه في كثير مما قاله، وقد نعتب عليه في اختيار بعض الالفاظ، لكن ان تتم اهانته وسحله امام طلبته وعامة الناس من دون اي اعتبار لانسانيته وكرامته ومنزلته العلمية، فهذا ما لا يمكن قبوله الا بأننا دخلنا مرحلة جديدة في مواجهة الكلمة وحرية التعبير! ما قاله «لفتة» في المقابلات التلفزيونية وصاحبه الجاهل اكثر الف مرة مما قاله الوسمي ومحمد عبدالقادر الجاسم في حديثهما ومقالاتهما! ما يصم به آذاننا النائب المعمم وصاحبه الوكيل من عبارات اثارة الفتنة والتخوين والتهديد والتحريض بضرب الوطنيين أشد ألف مرة مما قاله الوسمي ومحمد الجاسم! فنجد الثناء والمديح لهؤلاء.. والويل والثبور والسجن لأولئك!
بالأمس دخل الشيخ صباح المحمد السجن وسلم نفسه طواعية، ومع اختلافي مع أبي محمد في كثير من الأقوال والافعال، فان خطوته هذه دليل الجرأة واحترام القضاء، وقد تكون هربا من الاحراج اذا ما تردد عن تسليم نفسه اقتداء بما حدث لغيره من ضحايا الكلمة، لكن الشاهد في الموضوع ان احترام كلمة القضاء وتنفيذ اوامره افضل الف مرة من فرض الهيبة بالقوة وبهدلة خلق الله.
اذا كنا فعلا بدأنا مسيرة تكميم الافواه فاشهد ان الذي أشار عليكم بهذا الرأي ما نصح لكم.
***
لفتة كريمة

«المرء على دين خليله.. فلينظر أحدكم من يخالل»!
صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

سعيد محمد سعيد

عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً!

 

هذه هي الحلقة الأخيرة من سلسلة (في رحاب الحسين «ع»)، ألتمس فيها من القراء الكرام – بدايةً – أن أشير إلى عدة نقاط قبل الدخول في صلب الموضوع الذي أثاره الخطيب الحسيني الشيخ زمان الحسناوي النجفي ليلة التاسع من المحرم بمأتم الدارة في البلاد القديم لما له من أهمية، ولما خلفه من نقاش بين الحضور وخصوصاً المنصفين منهم.

من هذه النقاط، توجيه الشكر الجزيل إلى القيادة الرشيدة على ما قدمته من تسهيلات وخدمات طيلة عشرة الذكرى الأليمة، وخصوصاً فيما يتعلق بتغيير مواعيد احتفالات البلاد بالعيد الوطني المجيد وعيد جلوس جلالة الملك التي تزامنت هذا العام مع ذكرى استشهاد الإمام الحسين «ع»، وإن دل ذلك على شيء، إنما يدل على حقيقة الاحترام الكبير لهذه الذكرى بين أهل البحرين، قيادةً وحكومةً وشعباً، ومهما كانت القضايا الخلافية والملفات المؤرقة التي يعاني منها المجتمع البحريني، إلا أن ما قدمته الدولة من خدمات يستحق الشكر، وإن كانت هناك ثمة تجاوزات أو استفزاز أو ممارسة خاطئة حدثت فعلاً، فمن المهم أن نؤكد على ضرورة أن تزال تلك الصور المرفوضة أياً كان الطرف المتسبب فيها ومساءلته بالقانون.

ومن النقاط التي أود الإشارة إليها، توجيه الشكر والتقدير لكل القراء الكرام الذين تفاعلوا مع السلسلة وأفادوني كثيراً بملاحظات ووجهات نظر تصب في جوهر قضية الحسين «ع» كقضية يستمر إسقاطها المؤثر في الضمير الإنساني انطلاقاً من الدين الإسلامي ورسالته العظيمة في كل زمان ومكان، والشكر موصول إلى كل الخطباء والمشايخ واللجان التي أشرفت على الفعاليات الحضارية الرائعة التي تعكس مكانة الذكرى وإلى كل المعزين.

وعودةً إلى العنوان: «عفواً يا شيخ زمان… خطابك كان قاسياً»، فإنني أود التأكيد على أن القسوة المشار إليها ما هي إلا (قسوةً محمودةً)! كيف؟ إن الموضوع الذي طرحه الشيخ زمان الحسناوي من الجرأة بحيث انتقد بكل صراحة الممارسات المنتشرة بين شريحة كبيرة من الشباب الذين يسلمون عقولهم للتبعية دون إعمال للعقل، ودون سعي للتعلم واستخدام منهج البحث العلمي، بحيث يضعون في رؤوسهم تبعية لأشخاص وتيارات وأفكار ليستخدموها في إثارة العداوة والبغضاء والتناحر المخالف للشرع والأخلاق والفطرة السوية بين بعضهم البعض، ولم يكن الشيخ زمان مخطئاً حين أشار إلى ما فعله أحدهم حين اختلف معه في معلومة معينة فراح ذلك الشاب يرسل الرسائل الهاتفية إلى مجموعة من معارفه يؤلب فيها المواقف ضد الشيخ، وتقوم تلك المجموعة دون تفكر، بإرسالها إلى مجموعة أخرى لتكبر مجموعة «الأغبياء»… وللأسف الشديد، هذا السلوك منتشر بدرجة كبيرة في المجتمع البحريني ولا يمكن تجاهله أو إنكاره.

فليكن خطاب الشيخ زمان قاسياً، وكم نحتاج إلى خطابات تتميز (بالقسوة المحمودة) للتصدي للأفكار المنحرفة وخصوصاً تلك المنتشرة بين الشباب، وحريٌ الإشارة إلى أن من أهم ما لفت إليه الشيخ في خطابه هو أن الأصل مناقشة فكرة الشخص، وليس النيل من الشخص! فمناقشة الفكرة شيء، والهجوم على صاحبها والنيل منه والإساءة إليه شيء آخر.

إن ذكرى عاشوراء الحسين «ع» كما أسلفت في الحلقات الماضية، هي ذكرى لبناء شخصية الإنسان المسلم ضمن منظومة التعاليم والقيم والمبادئ الإسلامية الحنيفة، وليس ميداناً لإثارة الأحقاد والعداوات، واليوم، وبعد ختام الموسم، حريٌ بكل واحد منا أن يجلس بينه وبين نفسه ويجيب على سؤال مهم: «هل أنا ممن يحملون مبادئ النهضة الحسينية فكرةً وتطبيقاً وأخلاقاً وعلماً وعملاً ينبض بالضمير الإسلامي الحي؟ أم من الذين (على قلوبهم) أقفالها؟».

نسأل الله أن يعيد علينا هذه الذكرى العظيمة في خير وعافية فنحييها بقلوب ملؤها الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف كأهم هدف من أهداف النهضة الحسينية، ويحفظ بلادنا الغالية من كل مكروه، ويعيد أيامنا الوطنية والبحرين في تطور وسلام وأمن وأمان… اللهم آمين