سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (4)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً… ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

عبارة رائعة تلك التي كتبها الأديب المصري الراحل عبدالرحمن الشرقاوي رحمه الله، في مقدمة الإهداء لمسرحيته: «الحسين ثائراً وشهيداً»، والتي قال فيها: «إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين (عليه السلام)، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

ولعلني أخالف الذين يقولون أنكم تسعدون بمقولة (هندوسي) وترفعونها كشعار، وهم يقصدون بذلك (غاندي) محرر الهند، فما المانع من أن يكون هندوسياً يستمد أفكاره من الإسلام؟ أليس أفضل من مسلم يحمل معاول الهدم والتفرقة وإثارة النزعات الطائفية؟ هو أفضل بكثير من أولئك الذين يدّعون الإسلام ويكفِّرون غيرهم من الطوائف الإسلام، فخسئوا.

غاندي في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة) لم يدّع ِ كذباً بل قال: «أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلستُ أعرف كثيراً عن الهندوسية، وإني أعتزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي… لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين…» وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام من خلال شخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: «على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين»، وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين تأثراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق… وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».

وواقعاً، كل أبناء الأمة الإسلامية يحتاجون إلى استلهام مبادئ نهضة الإمام الحسين (ع) كونها امتداد لتعاليم الإسلام العظيم الذي جاء به جده المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين المعصومين وصحبه الكرام المنتجبين، وهذه الحاجة تنطلق من المنابر الدينية المتزنة في إحيائها لسيرة الإمام (ع) ونهضته المباركة، بحيث تجمع هذه المنابر أبناء الوطن وأبناء الأمة في مسار من التجديد الفكري والثقافي والاجتماعي وكذلك السياسي… نعم، الجانب السياسي ركن مهم من أركان نهضة الإمام، ودون شك، كان انطلاق النهضة مؤسس على وضع ديني وسياسي أيضاً في أواخر العام 60 للهجرة، ولهذا، حين يتناول المنبر الحسيني القضايا السياسية المعاصرة، فإن المسئولية تتعاظم هنا لطرح ومعالجة قضايا سياسية تحت عنوان مصلحة الوطن والأمة، وليس من أجل التحريض والإثارة وإشعال الخلافات الطائفية واستحضار النزاعات التاريخية وملء رؤوس الناس بها بحيث يخرجون من مجلسهم وهم في حيرة من أمرهم! فلا الخطاب المحرّض والعدائي والتفتيتي له علاقة بنهضة الإمام بأبي وأمي، ولا الخطاب الطائفي المليء بالاتهامات بالشرك وفساد العقيدة ودعوات القتل وسفك الدماء له علاقة بالدين القويم.

ثم لابد من القول أن (تقزيم النظرة) إلى مبادئ النهضة الحسينية العظيمة وحصرها في (اللطم والبكاء وإسالة الدماء)، واعتماد الخطب والمحاضرات المليئة بالخزعبلات والإضافات المزيفة والكذب والتزوير، ما هو إلا شكل من الأشكال المفزعة لتفريغ إحياء الذكرى من المحتوى الديني الكريم والبناء الفكري والعلمي، فلسنا في حاجة إلى أناس تبكي وتلطم وتسيل الدماء فقط، وهم على مبعدة من الخلق الإسلامي والالتزام العبادي، بل نحتاج إلى من ينتهزون هذه الفرصة السنوية لإعادة تقييم ذواتهم وبناء شخصياتهم من خلال العطاء العلمي والاجتماعي والإنساني، مع الاعتبار للمشاركة من أجل نيل الثواب في المجالس الحسينية ومواكب العزاء، ليصبحوا – انطلاقاً من المبادئ الحسينية ذاتها – قادرين على امتثال التأثير الحقيقي لتعاليم الدين الإسلامي المكونة لنهضة الإمام الحسين (ع)… وللحديث صلة أيضاً.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *