محمد الوشيحي

اليوم… الحجاب ليس لأسيل

كان يلزمنا مثل ما حدث من ضرب وسحل كي نميز الذهب من النحاس. ولطالما صرخنا: "لا تغركم اللحى ولا العمائم، ولا تضيعوا أوقاتكم في نوع لباس هذه ولون حجاب تلك، ركزوا على البأس والفكر والمواقف والعطاء وحب الوطن، واتركوا ما خلا ذلك"، ولم يصدقنا إلا القلة، إلى أن تبين الرشد من الغي، وأثبتت أسيل، تلك "المهرة الأصيل"، أن شعرة واحدة من رأسها الشامخ المكشوف تعدل شعرات لحى "التيوس" المطأطئة على المرعى… كلها.

وما أكثر حصى النقد الذي رمينا أسيلَ به، لكننا لم نشتمها ولم نفترِ عليها وعلى حياتها الخاصة كذباً، فهي في أعيننا حرة ابنة أحرار، في حين تقيأ أنصار الحكومة في حقها كلمات عفنة، أجلكم الله عن كلماتهم وعنهم! بعضهم من أرباب التدين واللحى والعمائم.

واللحية، أيها الناس، مجرد شعيرات أسفل الذقن، يستعين بها بعض اللصوص ليتسلقوا المنازل، ويتربح من ورائها تجار الشنطة. أطالها النائب الشجاع محمد هايف – وما أكثر اختلافي معه – وثبت في صف الرافضين لضرب الناس وسحلهم، وأطالها آخرون فكانت كبذلة الرقص الخليعة. تكرم لحية هايف عن لحى "الراقصات"، وتكرم لحى الحربش والمسلم والصواغ والطبطبائي وكل من فرد ذراعيه وأبرز صدره ليتلقى الطعنات نيابة عن الناس ودفاعاً عنهم.

اللحية لم يعفها (أو يطِلها) الدكتور أحمد الخطيب، أطال الله عمره، لكنه ما إن ينهض عن كرسيه حتى تصفق قلوب عشاق الوطن، ويتناول اللصوص الحبوب المهدئة. وكم كفّره البعض، هو والطود الشامخ عبدالله النيباري ومشاري العصيمي (هذا الرجل، تحديداً، خُطَبه في الندوات والتجمعات كالطلقات التي لا تخطئ أهدافها) وقلم الدستور، أستاذنا أحمد الديين، وآخرون، وتبين لاحقاً أن هؤلاء كفرة فعلاً، كفرة بمنهج تحويل الشعب إلى قطيع يُقاد بالحبل ويُساق بالعصا. هم كفرة بدينِ الكذب والتربح على حساب الناس. كفرة بتزوير الحقائق على ألسنة قادة وزارة الداخلية.

وستجد في هذه الصفحة الليبرالي المعتق، أستاذنا الجميل حسن العيسى، يبهرك بصدقه ونقائه واحترامه لإنسانية الإنسان، وعلى الضفة الأخرى ستجد الإسلامي المعتق مبارك الدويلة في "القبس" يسير بطريقة تحرج الثعابين، وتجد الإسلامي المخضرم فيصل الزامل في "الأنباء" يتغزل بالحكومة وخصالها بكلمات خاشعة ورعة وألحان صوفية.

لا علاقة للحى والمظاهر بالمواقف والمخابر، فمظهر الرئيسين السعدون والخرافي واحد، وشتّان بين مخبَريهما، الأول يفترش الأرض بين البسطاء، يفكر في مصالحهم، والثاني فوق النخل، يفكر هل يتناول "المانجو" قبل التفاح أم بعده. والمقدام فهد الخنة يتشابه في المنظر مع النائب علي العمير، بل ويشتركان في "تجمّع سياسي واحد"، والناس تعرف الفرق. والكاتب الليبرالي (هنا غمزة العين) رئيس لجنة حقوق الإنسان (هنا غمزة أنكى وأشد) علي البغلي، كان سيشجب ما حدث للدكتور عبيد الوسمي لولا أنه نائم، كما أظن، وليس على النائم حرج.

ولو التفتنا إلى الصحف، لوجدنا هذه الجريدة "الليبرالية" تجاهلت مسرحية "الجاهل"، وكأنها لم تكن، بينما أفردت لها جريدة "الشاب العصامي" – التي يتزاحم فيها الكتّاب الإسلاميون ويتزاحم على قراءتها أبناء القبائل – الصفحة الأولى وعدة صفحات أُخَر، لأيام متتالية، وخصصت للمسرحية برامج في قناتها، تضخّمها وتهوّلها.

على أي حال، سأطرح على الطاولة سؤالين، الأول: "النائب دليهي الهاجري شتم وزير الصحة الدكتور هلال الساير (ألعن أبوك لابو من لبّسك البدلة)، ومع ذا لم "تأمر" الحكومة نوابها برفع الحصانة عن دليهي، كما فعلت وتكتكت وانتفضت على حصانة النائب الدكتور فيصل المسلم، رغم أن المسلم لم يشتم ولم يتجاوز القانون، بل مارس دوره الرقابي… فهل كرامة الساير أقل من أن تهتم بها الحكومة؟" والسؤال الثاني موجّه إلى ناخبي الدائرتين الرابعة والخامسة تحديداً: "مَن الذي يجب أن يرتدي الحجاب ويجلس بين "العجايز"… أسيل العوضي أم النائب بارد الحيل، الذي ليس في رأسه "حماوة" ولا في جسمه مرارة؟".

***

د. عبيد الوسمي، أيها العملاق الأشم… لن ننسى ما حدث لك وللكويت.

حسن العيسى

حزب إلّا الحكومة

رسّينا يا سلطة على بر، فإما أن تُبادِر -السلطة- بحل المجلس التشريعي حلّاً غيرَ دستوري وتقول لنا بصراحة إنها ضاقت ذرعاً بالأقلية المعارضة لها، ولم تعُد تتحمل هؤلاء النواب ولا تتقبّل زوايا الرأي الآخر من كتّاب الرأي، أو تختار أن تبقينا على حالنا المأزوم وعلى هذا "الشكل" المضحك للديمقراطية.

الأمر غير المقبول الآن ما يحدث من تزايد مظاهر الاستبداد للسلطة يوماً بعد يوم، فرغم أن للحكومة أغلبيةً نيابيةً تسير بهدي السلطة وتقبض من خيراتها، فإن الأقلية المعارضة لم يعُد لها مكان ولو كان ضيّقاً في الصدر الحكومي، ولا تريد السلطة لهذه الأقلية المجلسية أن تمارس أبسط حقوقها الدستورية.

ماذا يحدث في البلد؟ فصور البدلات العسكرية الزرقاء للقوات الخاصة في العربات المصفّحة تزيِّن بخطوط الرعب صفحات الجرائد، وتصريحات المسؤولين تهدِّد وتتوعَّد، واقتراحات بقوانين من الحكومة تقول لـ"دراكو": ارقد بسلام فنحن مكانك اليوم، و"دراكو" هو ذلك الشخص (الترزي) الذي كلّفه نبلاء أثينا وضعَ مدوّنة القوانين التي تعاقب بأقسى العقوبات لأتفه الجرائم، إذ رأى هؤلاء النبلاء في قسوة القوانين وسيلةً لزجر الرعاع إذا فكروا يوماً في قلب نظام حكم الأقلية، فلم يجد "دراكو" من وسيلة لتحقيق تلك الرغبة غير خلق ما يُسمَّى بالإرهاب التشريعي، وأضحى فيما بعد مثالاً ونموذجاً يحتذي بهما أعداء الحرية وأعوان الاستبداد على مر العصور، (انظر افتتاحية القبس في يناير الماضي) غرامات خيالية لقوانين النشر والمرئي والمسموع لتصل إلى ثلاثمئة ألف دينار! وكأن قوانين النشر والجزاء التي تخنق حرية التعبير ينقصها المزيد من القسوة والظلم؟ ما هذا وماذا يجري؟ أتحدّى مستشاري الحكومة أن يقدموا لنا تعريفاً واحداً لمفهوم "الوحدة الوطنية" أو"الفتنة"، حتى يضعوا لهما مثل هذه الاقتراحات التشريعية المزرية!

ليخبرنا "ترزية" التشريع عن مفهوم "الإضرار بالعلاقات بين الكويت وغيرها من الدول"؟ هل يعني ذلك أنه من واجب أصحاب الرأي مثلاً، التهليل والتصفيق لنظام عمر البشير في السودان وهو المطلوب للعدالة من المحكمة الجنائية الدولية، حتى يهنأ خاطر الحكومة وتصبح علاقات الدولة الكويتية مع دول القهر والاستبداد سمناً على عسل…! ماذا تريد السلطة في النهاية؟ ولِمَ لا تخلق مع كتّابها حزباً اسمه "إلَّا الحكومة"؟ فهي المعصومة عن الخطأ.

احمد الصراف

الإنكليزي.. البغيض!

على الرغم من التاريخ الاستعماري البغيض الذي اشتهر به الإنكليز، فان من الصعب عدم الاعتراف لهم بقدرات ومعارف لم تتوافر لغيرهم، وهي التي مكنتهم من خلق أكبر إمبراطورية استعمارية عرفتها البشرية، والاحتفاظ بها لأطول فترة. والحقيقة أن الكثير من الدول، حتى المتحمسة دينيا، مارست نوعا أو آخر من الاستعمار المشابه، وإن بصورة اكثر قسوة وبشاعة، وقلة من الزعامات والدول التي لا توجد لديها نوازع استعمارية ورغبة في استغلال قدرات الغير و«نهب» ثرواتهم، وعمليات الفتح الدينية هي نوع من الاستعمار السيئ السمعة.
تسنت لي معرفة الشعب الإنكليزي والعيش بينه قرابة ست سنوات، بخلاف عشرات الزيارات المتقطعة الأخرى، واستطيع القول إنهم، وبعد قطع صلتهم بتاريخهم الاستعماري السابق، من اكثر شعوب الأرض رقيا في التعامل مع الآخر واحتراما له.
في أواخر الستينات، أخبرني شاب كويتي أنه بحاجة الى استشارة طبية غير مكلفة، بسبب ظروفه المالية، فأخبرته بأن العلاج في لندن مجاني! التقيته بعد اسبوع فأعلمني أنه تعالج ووصفوا له خمس ابر، وانه شعر بتحسن كبير بعد الثانية وتوقف عن أخذ الباقي، لكنه يشعر بالخوف لأن بواب مسكنه أخبره أن طبيبا يبحث عنه، وأنه زاره مرتين وانتظره في «اللوبي» مرات، وقد يخبر الشرطة عنه، وأنه يطلب مساعدتي! هدأت من روعه وذهبت معه إلى المستشفى، وتبين هناك أنه مصاب بمرض جنسي مُعدٍ وأن طبيبه خاف من أن يقوم صاحبنا بأي اتصال جنسي، قبل شفائه التام، ونقل المرض الى غيره، وأن إنسانيته وإحساسه بالمسؤولية دفعاه الى زيارة سكن الشاب لأكثر من 5 مرات خلال اسبوع! فكم نسبة من لديه مثل هذا الاحساس بالمسؤولية بيننا؟!
وفي منتصف الثمانينات، تقدمت بطلب الحصول على إجازة قيادة مركبة، وقبل الاختبار سألت من أعرف عن الأمور التي يجب التركيز عليها أثناء الفحص، فقال الأول: احرص على تعديل المرآة العاكسة قبل التحرك بالسيارة، وطلب آخر أن أربط حزام الأمان ونصح ثالث بتشغيل الاشارة قبل السير، لكن الجميع طلب مني عدم تبادل الحديث مع المفتش أو الفاحص أو مجاملته أو رشوته، فهذا كاف لأن اسقط في الاختبار إلى الأبد.. ولا أدري ما أصبح عليه الوضع الآن بعد ان دخل جماعتنا، وأولاد العم الآخرون، في كل مرفق حكومي في بريطانيا! لكن وقتها لم يكن بإمكاني غير الاعجاب الشديد بكل تلك الأمانة والانضباطية في العمل، اللتين نفتقدهما في بلادنا بشكل واضح! وغني عن القول أننا لسنا مجبرين على الاعجاب بمن استعمر بلداننا لعقود طويلة، لكن لماذا نعجز دائما – وبشكل بائس – في أن نتعلم منهم كيفية احترام العمل ومشاعر الغير؟!

أحمد الصراف

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (4)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً… ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين (ع) ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

عبارة رائعة تلك التي كتبها الأديب المصري الراحل عبدالرحمن الشرقاوي رحمه الله، في مقدمة الإهداء لمسرحيته: «الحسين ثائراً وشهيداً»، والتي قال فيها: «إلى ذكرى أمي التي علمتني منذ طفولتي أن أحب الحسين (عليه السلام)، ذلك الحب الحزين الذي يخالطه الإعجاب والإكبار والشجن، ويثير في النفس أسى غامضاً، وحنيناً خارقاً للعدل والحرية والإخاء وأحلام الخلاص».

ولعلني أخالف الذين يقولون أنكم تسعدون بمقولة (هندوسي) وترفعونها كشعار، وهم يقصدون بذلك (غاندي) محرر الهند، فما المانع من أن يكون هندوسياً يستمد أفكاره من الإسلام؟ أليس أفضل من مسلم يحمل معاول الهدم والتفرقة وإثارة النزعات الطائفية؟ هو أفضل بكثير من أولئك الذين يدّعون الإسلام ويكفِّرون غيرهم من الطوائف الإسلام، فخسئوا.

غاندي في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة) لم يدّع ِ كذباً بل قال: «أنا هندوسي بالولادة، ومع ذلك فلستُ أعرف كثيراً عن الهندوسية، وإني أعتزم أن أقوم بدراسة دقيقة لديانتي نفسها وبدراسة سائر الأديان على قدر طاقتي… لقد تناقشت مع بعض الأصدقاء المسلمين وشعرت بأنني كنت أطمع في أن أكون صديقاً صدوقاً للمسلمين…» وبعد دراسة عميقة لسائر الأديان عرف الإسلام من خلال شخصية الإمام الحسين وخاطب الشعب الهندي بالقول المأثور: «على الهند إذا أرادت أن تنتصر أن تقتدي بالإمام الحسين»، وهكذا تأثر محرر الهند بشخصية الإمام الحسين تأثراً حقيقياً وعرف أن الإمام الحسين مدرسة الحياة الكريمة ورمز المسلم القرآني وقدوة الأخلاق الإنسانية وقيمها ومقياس الحق… وقد ركّز غاندي في قوله على مظلومية الإمام الحسين بقوله: «تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوماً فأنتصر».

وواقعاً، كل أبناء الأمة الإسلامية يحتاجون إلى استلهام مبادئ نهضة الإمام الحسين (ع) كونها امتداد لتعاليم الإسلام العظيم الذي جاء به جده المصطفى صلى الله عليه وآله الطاهرين المعصومين وصحبه الكرام المنتجبين، وهذه الحاجة تنطلق من المنابر الدينية المتزنة في إحيائها لسيرة الإمام (ع) ونهضته المباركة، بحيث تجمع هذه المنابر أبناء الوطن وأبناء الأمة في مسار من التجديد الفكري والثقافي والاجتماعي وكذلك السياسي… نعم، الجانب السياسي ركن مهم من أركان نهضة الإمام، ودون شك، كان انطلاق النهضة مؤسس على وضع ديني وسياسي أيضاً في أواخر العام 60 للهجرة، ولهذا، حين يتناول المنبر الحسيني القضايا السياسية المعاصرة، فإن المسئولية تتعاظم هنا لطرح ومعالجة قضايا سياسية تحت عنوان مصلحة الوطن والأمة، وليس من أجل التحريض والإثارة وإشعال الخلافات الطائفية واستحضار النزاعات التاريخية وملء رؤوس الناس بها بحيث يخرجون من مجلسهم وهم في حيرة من أمرهم! فلا الخطاب المحرّض والعدائي والتفتيتي له علاقة بنهضة الإمام بأبي وأمي، ولا الخطاب الطائفي المليء بالاتهامات بالشرك وفساد العقيدة ودعوات القتل وسفك الدماء له علاقة بالدين القويم.

ثم لابد من القول أن (تقزيم النظرة) إلى مبادئ النهضة الحسينية العظيمة وحصرها في (اللطم والبكاء وإسالة الدماء)، واعتماد الخطب والمحاضرات المليئة بالخزعبلات والإضافات المزيفة والكذب والتزوير، ما هو إلا شكل من الأشكال المفزعة لتفريغ إحياء الذكرى من المحتوى الديني الكريم والبناء الفكري والعلمي، فلسنا في حاجة إلى أناس تبكي وتلطم وتسيل الدماء فقط، وهم على مبعدة من الخلق الإسلامي والالتزام العبادي، بل نحتاج إلى من ينتهزون هذه الفرصة السنوية لإعادة تقييم ذواتهم وبناء شخصياتهم من خلال العطاء العلمي والاجتماعي والإنساني، مع الاعتبار للمشاركة من أجل نيل الثواب في المجالس الحسينية ومواكب العزاء، ليصبحوا – انطلاقاً من المبادئ الحسينية ذاتها – قادرين على امتثال التأثير الحقيقي لتعاليم الدين الإسلامي المكونة لنهضة الإمام الحسين (ع)… وللحديث صلة أيضاً.