سامي النصف

من رأى منكراً.. فليسكت!

يلقي القادة والساسة في كل البلدان خطبهم التي تتضمن أوامر وإرشادات وقرارات شفاهةً ولا يرفض أحد تنفيذها كفتاوى بعض جهابذتنا كونها لم تصدر كقرارات من دواوينهم الملكية أو الأميرية أو الجمهورية، إن حجة الديوان الأميري التي طرحها البعض هي حجة عليه لا له، فلو ان تصريح رئيس مجلس الأمة افتقد الدقة لصححه الديوان الأميري على الفور، لذا فإن صمت الديوان دلالة على دقة النقل ومن ثم يصبح ما صدر أمرا نافذا من «أبو السلطات».

أصبحت مقاعد مجلس الأمة الخضراء وغنائمها الضخمة من جمع رواتب وظيفية ورواتب تقاعدية وحصانة برلمانية ومكاسبها الأخرى مطمحا ومطمعا تتساقط أمامه القيم الأخلاقية والحصافة الإنسانية والشهادات الأكاديمية والحفاظ على الوحدة الوطنية فكل الأمور مقبولة بما في ذلك الشتائم اللفظية لادعاء البطولات الفارغة ودغدغة المشاعر لدى البسطاء للوصول في النهاية للكراسي الخضراء.

وقد سمعت ما طرحه بالعلن بعض الأكاديميين في ندوة «إلا الدستور» الأخيرة وصعقت وخجلت بحقٍ مما قيل، فهل يعقل ان يسمي من يفترض ان يكون أكاديميا محترما مخالفيه في الرأي بـ «الكلاب من أهل الكويت»، وهو للعلم تكرار لما قال به مرشح سابق ونائب لاحق في إحدى ندواته الانتخابية من وصف حضوره بـ «الأسود» وأبناء بعض المناطق الأخرى بـ «الكلاب» أجلّكم الله؟! وهل يجوز لمن يفترض ان يكون مختصا بالقانون أن يحرض العامة على مخالفة القانون حصننا جميعا بدلا من الحرص على التقيد به لمنع المساءلة القضائية؟! أمر يحدث فقط في الكويت دون البلدان..!

وتمتلئ السجون بأصحاب الأفعال الشائنة والخاطئة ولا يحسب من قام بها على عائلاتهم أو قبائلهم أو طوائفهم، فالجريمة فردية ومسؤول عنها من يرتكبها، هذا الأمر المنطقي والبديهي يحاول بعض المحرضين والمؤججين إخفاءه عبر الادعاء الزائف أن محاسبة من يدعو للفوضى والعصيان والفلتان بالبلد ويخطئ بحق الآخرين هي محاسبة لقبيلته الكريمة، فأين دعاوى الحفاظ على الدستور من مثل هذه الأقاويل المسيئة؟ وأين الحفاظ على الدستور من الطعن في النيابة العامة ومرفق القضاء الشامخ؟!

آخر محطة:

(1) بنظرة سريعة على أحد محاور الاستجواب القادم نعجب من لوم الحكومة التي حضرت الجلسات الـ 3 المختصة بمناقشة رفع الحصانة عن احد النواب الأفاضل وعدم لوم زملائهم الآخرين ممن تسبب تخلفهم لأسباب يرونها صائبة في عدم اكتمال النصاب، اي اذا كان غياب تلك الجلسات جريمة ـ وهو غير ذلك ـ فلماذا يحاسب من حضر ولا يحاسب من غاب من زملائهم؟!

(2) سؤال يطرح كل يوم: من يقف خلف الأزمات المتلاحقة التي تسببت في عزلنا وتخلفنا وتدمير مؤسساتنا وهجرة أموالنا؟! الجواب اثنان ـ كما يرى متابعون ومراقبون ـ أولهما أطراف تدعي الوطنية والمعارضة، الا انها تخدم أجندات خارجية مدفوعة الأثمان تهدف الى تحويلنا لساحة صراع أخرى تضرب بها الرقاب وينعدم بها الأمن وتهجر خلالها الناس على الهوية، والثاني: أتباع طيبون يتم دغدغة مشاعرهم وتحريضهم وطلب «فزعتهم» عبر دعاوى حق يراد بها باطل.

(3) يريد البعض في سبيل مخططه التدميري ان يقمع الناس باسم الدستور والديموقراطية وان يفرض عليهم السكوت عند رؤية منكره وألا يتم تخوينه وطنيا، وللحديث بقية.

احمد الصراف

أصحاب الرسالة الخالدة

آمن حزب البعث طوال تاريخه الدموي والمأساوي بشعار «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة»! وشارك الكثيرون الحزب في تأييدهم للشعار والاعجاب به، ولكن لا أحد من هؤلاء عرف يوما، أو يعرف الآن، شيئا عن مضمون أو فحوى، أو حتى الخطوط العريضة لتلك الرسالة الخالدة! فهل يعني ذلك أننا الأمة الوحيدة التي لها رسالة خالدة «سرية» وبقية أمم الأرض «كخه» مثلا، وبلا رسالة؟
أما بخصوص الشق الأول من الشعار والمتعلق بـ «أمة عربية واحدة»، فهذا لا شك حلم يراود مخيلة الكثيرين، ولكن دون تحقيقه الصعاب الكثيرة، وأولها فشلنا، ككويتيين ومصريين وعراقيين وسوريين في أن نكون كويتيين ومصريين وعراقيين وسوريين في المقام الأول. فخلق هوية وطنية واضحة وخلق مواطن صالح منتمٍ لوطن محدد أمر سابق لأي وحدة بين اي كيانين. فالوحدة المصرية السورية وغيرها من محاولات الوحدة الأخرى فشلت، ليس لأن الصهيونية والاستعمار وقوى «الاستكبار» الأخرى كانت ضدها، بل لأن عوامل الفرقة كانت أصلا في أطراف الوحدة نفسها، إضافة إلى أن محاولات الوحدة تلك كانت فوقية وليست نتيجة رغبة شعبية، والهوية هنا لا تعني البطاقة الشخصية، بل ما هو أعمق من ذلك بكثير! فكم هي نسبة العرب من دول شمال افريقيا ومصر والسودان والمشرق الذين يودون الحصول على تصريح أو اذن هجرة لأوروبا والعالم الغربي؟ لا شك أن معرفة النسبة، لو تم إعلانها، سيشكل صدمة لأصحاب الرسالة الخالدة!! ونحن بحاجة لأن نكون مواطنين كويتيين صالحين قبل أن نكون بمراحل كثيرة عربا وحدويين أو طالبي وحدة مع «الأشقاء» الآخرين!
وبهذا الصدد، نشرت «الإيكونومست» البريطانية الرصينة قبل فترة مقالا تحليليا عن «عالم العرب، والعوامل المشتركة بينهم»، ورد فيه أن العالم العربي، وهي تسمية مضللة، يتكون من 22 كيانا، وينتمي لأعراق وطوائف وملل وديانات وأصول متنوعة من مصريين اقباط ولبنانيين موارنة وسوريين أرثوذوكس وبربر مغاربة وجزائريين ومسيحيين أفريقيين ووثنيين سودانيين وعراقيين كرد وسريان واشوريين ويمنيين يهود وبيض وسود وسودانيين مسلمين إضافة لعرب الجزيرة! ويمتد هذا العالم من المحيط الأطلسي وحتى الخليج، ومن الصحراء الأفريقية جنوبا وحتى تخوم هضبة الأناضول شمالا، وبالتالي فإن اي تعميم عمن يسمون بالعرب، وخبراتهم، وغرائزهم وأساليب عيشهم وسياساتهم ومعتقداتهم يجب أن يتم التعامل معه بحذر كبير. فان تقول انك عربي يشبه أن تقول أنك أوروبي، فالهوية هنا غير واضحة! فمن الصعب أن تقنع سودانيا مسيحيا أو وثنيا لا يتكلم العربية أو من بربر جبال المغرب أنه عربي، وأنه عضو في الجامعة، فهو سيسخر من ذلك حتما.
وبالرغم من ان الغالبية تتكلم العربية إلا أن من الصعب على السوري «العادي» أن يفهم ما يقوله المغربي «العادي» مثلا، فالحدود التي تقسم الدول العربية لم تحددها تاريخيا الفروق الاثنية أو الدينية بين الدول العربية، بل هي من صنع الدول الاستعمارية التي كانت تحكم المنطقة. وبالرغم من ان غالبية العرب يدينون بالإسلام فان غالبية المسلمين ليسوا بعرب، وبالرغم من أن الإسلام يعطي العرب شعورا قويا بالانتماء إلا أنه عامل تفريق في الوقت نفسه، إما بسبب الفروق المذهبية بينهم أو بسبب عدم إيمان الكثير من المتشددين دينيا بالقوميات السياسية. كما أن العالم العربي يشكو من قلة محاولات الوحدة بين كياناته، ودور الجامعة العربية لم يزد يوما عن محاولة عقد لقاءات لمناقشة الاختلافات بين الاعضاء والاستمرار في مناقشتها دورة بعد اخرى.
ولو نظرنا لفسيفساء الشعوب العربية لما وجدنا لباسا موحدا أو طعاما مشتركا يجمعهم، أو ملامح قريبة من بعضها. وحتى الدول الخليجية الأقرب من غيرها لبعضها البعض تختلف شعوبها في غالبية مظاهرها الداخلية والخارجية وفي العادات والطعام، وحتى في الأهواء والرغبات. ويقول كاتب المقال ان قناة الجزيرة ربما قامت بدور في تقارب العرب أكثر من اي جهة أخرى.

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

خلط الأوراق

كنت دائما انتقد كثرة تقديم الاستجوابات.. وكنت اقول إن هذه الاداة الرقابية فقدت اهميتها وهيبتها بسبب الاسلوب الذي تمارس فيه!!
ما حدث في ديوان الحربش امر آخر.. فمع اعتراضنا ع‍لى الكثير من الالفاظ والعبارات التي وردت ع‍لى لسان بعض المتحدثين من نواب وغيرهم، الا ان ردة فعل القوات الخاصة كانت غريبة وغير طبيعية!
ذكرت رأيي في ما حدث في ديوان الحربش في المقال الماضي واليوم أسجل رأيي في ردات الفعل البرلمانية والرسمية.
اعتقد أن تقديم استجواب لسمو رئيس الوزراء امر مستحق، فلكل فعل ردة فعل تكافئه في المقدار وتعاكسه في الاتجاه، لكن لا نجعل هدف الاستجواب اسقاط سموه!! فقد اصبح واضحا وجود رغبة سامية للحفاظ عليه، وعلينا احترام هذه الرغبة، لكن يجب ان تصل رسالة برلمانية قوية لهذه الحكومة خلاصتها «لا لهذه الممارسات»، ويجب ان يعاقب من استغل وجود هذه الرغبة السامية فبالغ في الاذى.. واثخن في الجراح من دون مبرر‍‍!!
انا افهم ان الرغبة السامية تريد تطبيق القانون واعادة هيبته له!! ولكن اكاد اجزم ان ما حدث لم يكن هو مراد هذه الرغبة وهدفها. انا افهم ان الرغبة السامية ساءها ما سمعت من تجاوز لفظي في بعض كلمات البعض وخطاباته، لكن افهم ايضا واجزم ان اهانة نواب الشعب واهدار كرامتهم بالطريقة التي تمت لم تكن ضمن هذه الرغبة!!
انا افهم ان سموه اراد ان يحافظ على سموه وذلك حرصا على استقرار الحكم وحفاظا على هيبته لكن ذلك لم يكن تأييدا للتجاوزات واهدارا للكرامات.
الخلاصة.. الرغبة السامية نحترمها ونجلها ونقدرها ونعمل بمقتضاها، لكن لا نخلط الاوراق، فنجعل من احترام هذه الرغبة مدخلا للمزيد من التجاوزات واهدار للكرامات متذرعين بمقولة:‍ سمعاً وطاعة!! فمنذ ان وجدنا على هذه الارض شعب الكويت يحب حاكمه وحاكمه يحترم شعبه ويحافظ عليه. فيا سمو الامير يدنا بيدك ولاء وتأييدا في منع التجاوزات سواء من الحكومة او من النواب. وحفظك الله ذخراً وسنداً لابنائك.
***
(لفتة كريمة)
بعض الزملاء كانوا يصنفون من الليبراليين والوطنيين وحماة الدستور، اليوم كتاباتهم انتقادا لمن يدافع عن الدستور ويحافظ عليه و«صلّعوا» عندما حمت الحديدة!!
اخر تقليعة احد هؤلاء، «صلع» هو الاخر، لكن بشكل اخر عندما كتب بالامس يطالب بالسماح ببيع الخمور والمسكرات في بلادنا!! ولو نعطيه فرصة شوية طالب بالهوايل!!
صج اللي يختشوا ماتوا!!

سعيد محمد سعيد

في رحاب الحسين «ع» (3)

 

بين يوم العاشر من العام 61 للهجرة ويوم العاشر من العام 1432 الجاري فارق زمني قدره 1370 عاماً…ترى، كيف يمكن توظيف نهضة الإمام الحسين عليه السلام ومبادئها الإسلامية والإنسانية الرفيعة لإسقاطها على وقتنا المعاصر؟ وهل من المنطقي القول، كما يحلو للبعض أن يثير، أنه من الخطأ والشرك وفساد العقيدة أن يستمر إحياء ذكرى عاشوراء؟ وهل إحياء عاشوراء هو للطم والبكاء والنحيب فحسب وإثارة العداوات والحزازيات بين أبناء الأمة – كما يؤمن أصحاب النظرة الأحادية ومؤيدي الخط الأموي – أم أنها نهضة متجددة لها بعدها الديني والاجتماعي والوطني والإنساني؟ لعلني أوفق للإجابة على تساؤلات كثيرة من خلال هذه السلسلة.

@@@

من بين علماء المسلمين الذين حملوا مسئولية شرح أهداف النهضة الحسينية والسر في بقائها واستمرارها حية في قلوب بني الإسلام الأحقاء، هو الشيخ جمال الدين الأفغاني رحمه الله، الذي اختزل في عبارة قصيرة كبيرة (السر الكبير) في الجذوة المشتعلة للمبادئ الحسينية، ذلك لأنها استمدت – على الدوام – روحها من روح الإسلام العظيم حين قال: «الإسلام، محمدي النشأة والأصل… حسيني البقاء والاستمرار»، ولو استعرضنا آراء علماء المسلمين المعتدلين ذوي المسئولية الشرعية النقية في (تقديس) النهضة الحسينية، لتطلب منا ذلك فصولاً طويلة.

إن أولئك العلماء، قبل غيرهم من أتباع الديانات الأخرى طبعاً، كانوا ينظرون إلى جوهر النهضة الحسينية وأبعادها التأثيرية في إعادة الحيوية الإيمانية إلى نفوس المسلمين، وليس إلى ما يحاط بها اليوم من ممارسات وآراء مختلفة بعضها من سخافتها، وصل إلى حد اعتبارها خروجاً على ولاة الأمر، وأن الحسين «ع» خرج عن حدّه ليقتل بسيف جدّه، وربما كان ذلك (البعض) يتمايل ظفراً حين تتنامى إلى مسامعه أصوات التكبير التي نقلها التاريخ… فقتلة الحسين «ع» كانوا يكبرون لأنهم قتلوا حفيد النبي محمد «ص» حتى قال الشاعر خالد بن معدان (وقيل الشاعر الكميت بن زيد):

جاؤُوا بِرَأْسِكَ يا بْنَ بِنْتِ مُحَمّدٍ

مُــتَــزَمِّــلاً بِــدِمــائِـه تـزمـيـلا

ويُـكَـبِّـرونَ بِـأَنْ قُـتِـلْـتَ وإنّـمـا

قَـتَـلـوا بـِـكَ الـتّـكْبيـرَ والتّهْليـلا

أخطر ما يخيف المناوئين للمد التأثيري لمبادئ الإمام الحسين (ع) في حياة الأمة، هي تلك الديناميكية التي تعيد بني الإسلام إلى امتثال التعاليم الإسلامية، ولا أدل على ذلك من أن كل الحملات التشويهية التي كانت ولاتزال تستهدف عاشوراء الحسين «ع» تسقط الواحدة تلو الأخرى، وتتبعها رغم ذلك، حملات أخرى يعلم أصحابها أنهم ساقطون لا محالة وفاشلون! فكيف يستطيع أولئك النفر من حجب أساس النهضة الحسينية التي نكرّرها في عبارته عليه السلام: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً، إنما خرجت لطلب (الإصلاح في أمة جدي) أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر»، لهذا، كان المد الإلهي السماوي هو الحافظ والضامن لبقاء مبادئ الحسين (ع) الذي قال عنه جده المصطفى (ص): «حسين مني وأنا من حسين… أحبَّ الله من أحبَّ حسيناً».

ليس مهماً أبداً الاستمرار في توجيه الاتهامات المبرمجة للإحياء العاشورائي بأنه: «شرك أكبر بعبادة الحسين (ع) دون الله والتوجه له بالدعاء، ذلك أن الله سبحانه وتعالى بارك هذه النهضة لأنها قدمت الدماء لرفع راية الإسلام ولتعلو في وجه الطواغيت والمفسدين والمارقين! أو أن هناك من يحج إلى كربلاء عوضاً عن الكعبة المشرفة، أو أن هناك من يرفع اللوحات التي تدّعي أنها صوراً للإمام الحسين (ع) أو لأئمة أهل البيت عليهم السلام (أنا شخصياً ضد تلك الصور وضد من يقدسها وضد من يروّج لها وضد من يرفعها في المآتم ومواكب العزاء)»، المهم يا سادتي الكرام، أن يغوص كل مسلم في التبحث العميق في مضامين وأهداف النهضة الحسينية، وليس فيما يقوم به الناس من إحياء… فالممارسات الدخيلة في الشعائر مآلها الفناء، لكن الذكرى باقية إلى أبد الآبدين.

وسنكمل الحديث معاً أيها الأحبة في رحاب الإمام الحسين (ع).