ينتقد البعض بجهل فاضح الممارسة الديموقراطية الراقية القائمة في البلد دون ان يعرف انها خير ديموقراطية أخرجت للبشرية في تاريخها الطويل، حيث تصدر قوانين وتشريعات ليس لها مثيل قط، ويمكن إثبات تلك الأفضلية عبر حقائق لا يختلف عليها اثنان ولا تتناطح عليها عنزتان، وذلك بمقارنة ديموقراطيتنا الفتية بالديموقراطية الأميركية التي يتفق المراقبون والمحللون على انها أعظم ديموقراطية في التاريخ، فإذا ما أثبتنا اننا أفضل منهم توقف الجدل وحسم النقاش حول أفضلية ديموقراطيتنا.
يتوجه الفائزون في الانتخابات الأميركية الأخيرة وجميعهم ساسة محترفون منهم حكام ولايات ومدعون عامون ومحامون ونواب في برلمانات ولاياتهم المحلية الى الصفوف الدراسية، حيث يدرسون لمدة أسبوعين كيفية العمل في الكونغرس وما يجوز أو لا يجوز عمله او قوله، في المقابل أثبت مشرعونا انهم أكثر حنكة وخبرة وقدرة واحترافا ودهاء من أشقائهم الأميركان حيث يرفضون بشدة حضور مثل تلك الكورسات عديمة الفائدة، فهم يدَرسون ولا يدرُسون بل يمكن للقائمين على كونغرسهم ان يدعو بعض نوابنا المحترمين والمحترفين لإعطاء محاضرات لأشقائهم الأميركان، فنوابنا كما هو معروف أفضل علما واحترافا من نوابهم تماما مثلما ان شوارزكوفاتنا أفضل علما واحترافا من شوارزكوفاتهم، وهذه قضية محسومة لا جدل فيها.
وقد أدانت قبل أيام «لجنة القيم» في الكونغرس الأميركي بمجمل أصواتها الممثلة من ديموقراطيين وجمهوريين النائب الديموقراطي المخضرم شارلز لنغلر ذا الـ 80 عاما الذي بكى كالطفل عند النطق بقرار إدانته، مرة اخرى تثبت ديموقراطيتنا انها أفضل من ديموقراطيتهم، حيث ان ضمائر نوابنا ولله الحمد والمنة مطهرة بالديتول ومعطرة بماء الورد، حيث يحاسبون ويستجوبون ولا يحاسبهم أحد، كما انهم سادة الفزعة والنخوة، فلا يجوز للنائب ان يدين نائبا من جماعته كحال الديموقراطيين الأميركان الذين لا نخوة ولا فزعة لديهم مع صاحبهم لنغلر، ومعلوم ان النائب المبتدئ، ناهيك عن المخضرم لدينا، لا يخطئ قط، مهما أخطأ، فكيف يحاسب ويسأل؟
ورغم إصابة ولاياتهم الشرقية بالعواصف والزوابع والفيضانات المتكررة كل عام من قبل «كاترينا» وأخواتها التي تقتل المئات وتشرد الملايين إلا ان النواب الأميركان وبجهل فاضح مقارنة بنوابنا الأفاضل لم يقترحوا «تثمين» بيوت المواطنين في تلك الولايات وإغداق الأموال عليهم وإسكانهم في الأرض الأميركية الواسعة او حتى ترك المجال لهم حتى يشتروا بيوتا لهم في المكسيك وهو ما يدل بالطبع على جهلهم و.. علمنا!
وما يزيد الطين بلّة ويثبت أن جهلهم مركب وعلم بعض نوابنا محيط، هو ان نوابهم لا يقيمون كحال نوابنا الطبيب في عمله والطيار في قراره والمهندس في حرفته والمحامي في مهنته ولا يكتفي البعض من نوابنا بمعرفة كل علوم الدنيا ـ ما شاء الله عليهم ـ بل يمتد علمهم إلى أمور الآخرة فيقومون بدور خازن النار فيتوعدون من لا ينتخبهم بالنار الموقدة ثم لا يتركون ذلك الناخب الخائف على مصيره في حاله بل يمطرونه دون رحمه برسائلهم النصية كل صباح ومساء وهو أمر لم تسمح بمثله ديموقراطيتهم الأميركية الهزيلة والمبتدئة.
آخر محطة:
(1) وبعكس أشقائهم الصغار الأميركان، تمتد حركة ورقابة مشرعينا ـ ما شاء الله عليهم ـ الى خارج قبة البرلمان فهم المضربون مع النقابات والملغون لصفة تحديث الطائرات، والصافعون بيدهم الكريمة وجنات الشباب المخالفين لقوانين «المروريات» والفاعلون في تجمعات التشاوريات والفرعيات.
(2) رغم ان الرئيس الديموقراطي الأميركي أوباما من أصول أفريقية ومتجنس حديثا ولديه كثير من الخصوم السياسيين من الحزب الآخر إلا اننا لم نسمع منهم من عاب قط في أصله وفصله أو من يهتم بعض زملائه بلون دمائهم ما يدل على ان ديموقراطيتهم خايبة ونايمة وديموقراطيتنا.. ذكية وصاحية.. ما شاء الله عليها!