سامي النصف

خير ديموقراطية أخرجت للناس

ينتقد البعض بجهل فاضح الممارسة الديموقراطية الراقية القائمة في البلد دون ان يعرف انها خير ديموقراطية أخرجت للبشرية في تاريخها الطويل، حيث تصدر قوانين وتشريعات ليس لها مثيل قط، ويمكن إثبات تلك الأفضلية عبر حقائق لا يختلف عليها اثنان ولا تتناطح عليها عنزتان، وذلك بمقارنة ديموقراطيتنا الفتية بالديموقراطية الأميركية التي يتفق المراقبون والمحللون على انها أعظم ديموقراطية في التاريخ، فإذا ما أثبتنا اننا أفضل منهم توقف الجدل وحسم النقاش حول أفضلية ديموقراطيتنا.

يتوجه الفائزون في الانتخابات الأميركية الأخيرة وجميعهم ساسة محترفون منهم حكام ولايات ومدعون عامون ومحامون ونواب في برلمانات ولاياتهم المحلية الى الصفوف الدراسية، حيث يدرسون لمدة أسبوعين كيفية العمل في الكونغرس وما يجوز أو لا يجوز عمله او قوله، في المقابل أثبت مشرعونا انهم أكثر حنكة وخبرة وقدرة واحترافا ودهاء من أشقائهم الأميركان حيث يرفضون بشدة حضور مثل تلك الكورسات عديمة الفائدة، فهم يدَرسون ولا يدرُسون بل يمكن للقائمين على كونغرسهم ان يدعو بعض نوابنا المحترمين والمحترفين لإعطاء محاضرات لأشقائهم الأميركان، فنوابنا كما هو معروف أفضل علما واحترافا من نوابهم تماما مثلما ان شوارزكوفاتنا أفضل علما واحترافا من شوارزكوفاتهم، وهذه قضية محسومة لا جدل فيها.

وقد أدانت قبل أيام «لجنة القيم» في الكونغرس الأميركي بمجمل أصواتها الممثلة من ديموقراطيين وجمهوريين النائب الديموقراطي المخضرم شارلز لنغلر ذا الـ 80 عاما الذي بكى كالطفل عند النطق بقرار إدانته، مرة اخرى تثبت ديموقراطيتنا انها أفضل من ديموقراطيتهم، حيث ان ضمائر نوابنا ولله الحمد والمنة مطهرة بالديتول ومعطرة بماء الورد، حيث يحاسبون ويستجوبون ولا يحاسبهم أحد، كما انهم سادة الفزعة والنخوة، فلا يجوز للنائب ان يدين نائبا من جماعته كحال الديموقراطيين الأميركان الذين لا نخوة ولا فزعة لديهم مع صاحبهم لنغلر، ومعلوم ان النائب المبتدئ، ناهيك عن المخضرم لدينا، لا يخطئ قط، مهما أخطأ، فكيف يحاسب ويسأل؟

ورغم إصابة ولاياتهم الشرقية بالعواصف والزوابع والفيضانات المتكررة كل عام من قبل «كاترينا» وأخواتها التي تقتل المئات وتشرد الملايين إلا ان النواب الأميركان وبجهل فاضح مقارنة بنوابنا الأفاضل لم يقترحوا «تثمين» بيوت المواطنين في تلك الولايات وإغداق الأموال عليهم وإسكانهم في الأرض الأميركية الواسعة او حتى ترك المجال لهم حتى يشتروا بيوتا لهم في المكسيك وهو ما يدل بالطبع على جهلهم و.. علمنا!

وما يزيد الطين بلّة ويثبت أن جهلهم مركب وعلم بعض نوابنا محيط، هو ان نوابهم لا يقيمون كحال نوابنا الطبيب في عمله والطيار في قراره والمهندس في حرفته والمحامي في مهنته ولا يكتفي البعض من نوابنا بمعرفة كل علوم الدنيا ـ ما شاء الله عليهم ـ بل يمتد علمهم إلى أمور الآخرة فيقومون بدور خازن النار فيتوعدون من لا ينتخبهم بالنار الموقدة ثم لا يتركون ذلك الناخب الخائف على مصيره في حاله بل يمطرونه دون رحمه برسائلهم النصية كل صباح ومساء وهو أمر لم تسمح بمثله ديموقراطيتهم الأميركية الهزيلة والمبتدئة.

آخر محطة:

(1) وبعكس أشقائهم الصغار الأميركان، تمتد حركة ورقابة مشرعينا ـ ما شاء الله عليهم ـ الى خارج قبة البرلمان فهم المضربون مع النقابات والملغون لصفة تحديث الطائرات، والصافعون بيدهم الكريمة وجنات الشباب المخالفين لقوانين «المروريات» والفاعلون في تجمعات التشاوريات والفرعيات.

(2) رغم ان الرئيس الديموقراطي الأميركي أوباما من أصول أفريقية ومتجنس حديثا ولديه كثير من الخصوم السياسيين من الحزب الآخر إلا اننا لم نسمع منهم من عاب قط في أصله وفصله أو من يهتم بعض زملائه بلون دمائهم ما يدل على ان ديموقراطيتهم خايبة ونايمة وديموقراطيتنا.. ذكية وصاحية.. ما شاء الله عليها!

احمد الصراف

سنوات موضي العشر

في كل حكومات العالم، هناك حقائب وزارية مهمة وأخرى ثانوية. وكلما زادت دكتاتورية الدولة زادت أهمية وزارتي الأمن والإعلام، ويكون لوزرائهما النصيب الأكبر من الاستقرار الإداري والسياسي مع نصيب ضخم من موازنة الدولة. ونجد الأمر ذاته، ولو بنسبة أقل، في الدول نصف الديموقراطية، أو الدكتاتوريات الغنية، حيث تعطى أهمية قصوى للوزارات المعنية بحفظ الأمن والإعلام والخارجية، وهي الجهات التي يطلق عليها، في الكويت مثلا، وزارات السيادة! ولو أعطيت وزارة مثل التعليم نصف ما أعطي من أهمية للدفاع أو الحرس والداخلية، لكان الوضع الأمني في الكويت – وغيرها من الدول الخليجية – أفضل بكثير! فالذي حدث أننا أهملنا التربية والتعليم، لكونها في نظر البعض وزارة ثانوية، ورأينا التغير المستمر في وزرائها وضعف غالبيتهم، وهذا سهل تسلل قوى الأحزاب الدينية المتخلفة والمتعصبة لمفاصلها والتحكم في مناهجها، فخرجت لنا مدارسها كمّا من المخرجات المتواضعة، إضافة الى كمّ آخر من مغسولي الدماغ والإرهابيين، الأمر الذي اضطرنا بعدها الى صرف الملايين على تأهيلهم وعلاج تخريبهم وملاحقتهم والاقتصاص منهم! ففي خضم «هوسنا» في الكويت بقضايا الأمن نسينا، أو تناسينا التربية والتعليم، فسيطر الظلام عليها، ونتج عن ذلك ما نراه من مخرجات أقلقت أجهزة الأمن، ليس لدينا فقط، بل وشملت بركاتهم روابي البوسنة وجحور افغانستان وسجون طهران وتلال اليمن وسهول العراق، وساهموا في نشر اسم الكويت «عاليا» في أكثر من سماء!
إننا بحاجة الى استراتيجية ورؤية تعليمية عصرية، تهدف الى فك سيطرة التيار الديني على مفاصل الدولة المدنية، وهذا يتطلب ثباتا وزاريا في مرفق التعليم بدعم كامل من السلطة، التي إن كان بإمكانها التجديد لحقائب وزارات السيادة دورة بعد أخرى، فإن بإمكانها في الوقت ذاته التمسك بوزير مستقر للتربية لسنوات تكفي لتطبيق خطة واضحة المعالم يتم من خلالها عصرنة المناهج وتخليصها من خرافات وخزعبلات «الإخوان» و«السلف» التي لا تمت للحاضر بصلة. وبالتالي، لا يوجد من في مثل كفاءة السيدة موضي الحمود وخبرتها لتبقى في منصبها لعشر سنوات مقبلة، لكي تتمكن من الخروج بنتيجة مشرفة، وسيقل بعدها الضغط على أجهزة الأمن.

أحمد الصراف

محمد الوشيحي

صبايانا وصباياهم

الله على الطقس هذه الأيام، رائع، مثير، لذيذ، يقدّر الحياة الزوجية. شكراً للحكومة، ولا يهون مجلس الأمة.

ووالله لو كانت هذه النسمة التي تداعبني الآن امرأة لكانت الأجمل بين النساء، والأبسق قواماً، والأكثر فتنة. ولو كانت صبية لأجلستها على حجري، وللثمت شفاهها، ولأشعلت لها الشموع، ولنقّلت خدها بين صدري وزندي ومواضع أخرى، ولغنّيت لها وهي تتفقد شفاهها بعد هدوء الزلزال ونقل المصابين: "أحرَقَت جمرة شفاهك شفّتي".

والحديث عن جمال الطقس يجرني بيدي إلى الحديث عن جمال النساء، وسأترك قلمي يتحدث نيابة عني، ويلقي أمتعة قلبي أمامكم على الأرض، فإن أغاظكم فاشتموه، تبّاً له، وإن راقكم فادعوا لصاحبه يرحمني ويرحمكم الله…

الجمال لملمَ أوراقه، ولوّح بيده مودعاً نساء الكويت وصباياها، إلا من رحم ربي. وشبّان الكويت أجمل بكثير من شاباتها. لذلك نشاهد هذه المبالغة في ماكياج صبايانا، وترعبنا رؤوسهن الممطوطة، ولا الصواريخ البالستية، في حين تتسابق صبايا الخليج "الهواويات" على شبان الكويت… كما ينقل لي الرواة الثقات، الذين أثق بهم كما أثق بنفسي.

والصبية الكويتية لا تفتقد الذوق في الماكياج فقط، بل في الغزل أيضاً… ويتغزل أحدنا بالصبية الكويتية: "كم التاريخ اليوم؟ ورودك تفتحت. هل داهمنا الربيع على غفلة منا؟"، فتقمعه وهي تطرقع علكتها وتغمز بعينها وتهز رأسها كالهنود: "يا سلام. كم واحدة غيري قلت لها هذا الكلام؟ أجبني بصراحة، فأنا أعلم أنك محاطٌ بالنساء"، فينقلب مزاجه، فإن قال لها "كثيرات"، أصبحت كلماته "ساكند هاند" مستعملة تفتقد لذة الجديد والخصوصية، وإن قال "لا أحد" لم تصدقه، لكنه على أي حال يرد عليها وهو يتلفت بحثاً عن كأس ماء تنقذه من حالة القرف: "حتى لو كنتُ محاطاً بالنساء… أنت واحدة منهن، أنت أجملهن… إلا إذا كنتِ (معلّم كاشي) دون أن أعرف"، ويواصل قصفه الانتقامي: "الصينيون كسروا سوقكم، يومية معلم الكاشي منهم أربعة دنانير. يا بلاش"… يقول لها ذلك ويغادر ويتركها تحك رأسها وتحسب تكلفة الأسمنت الذي ملأه.

والوضع في البحرين يُبكي، إن على مستوى الشابات أو الشبّان، والجمال عندما مر على صحراء العرب، سلك الطريق الآخر، فلم يمر على البحرين. والوضع في قطر كارثي، وماكياج بناتنا يُعتبر في الحد الأدنى مقارنة بماكياج بنات قطر، وأجزم أن شركات الماكياج تحسب لقطر ألف حساب، وشبان قطر يُرعبون الثعابين فتصرخ "يمّه"، وترفع التماسيح يديها: "الحمد لله الذي فضّلنا على كثير من خلقه". أما صبايا الإمارات وفتيانها فيسمعون عن الذوق لكن لم يسبق لهم مصافحته ولا السلام عليه، خذ مصاريف وماركات باذخة وسيارات فارهة، وخذ مقابلها "كندورة" صفراء ولا بقرة اليهود، منفوخة كالخيمة، وفساتين تلمع في عز الظهر، ورولز رايس.

وحدها السعودية، تحديداً منطقة "نجد"، سبقت الجميع وغرفَت من بئر الجمال ما يكفيها ويزيد. ووصلَ أهل شمال المملكة متأخرين فإذا البئر جافة، وتاه أهل الجنوب عن موقع البئر فكادوا يموتون لشدة الدمامة والقبح، أما أهل الغربية فشربوا من آبار مختلفة، فأثمرت بساتينهم يوماً "خوخ" ويوماً "حنظل"، في حين شرب أهل الشرقية من بئر البحرين وقطر والكويت، مياهاً ملوثة.

وإن خرجنا من صحراء العرب، وضربنا في عرض الوطن العربي، فلا جمال يفوق صبايا أهل سورية، سقاها الغيم، لولا فظاظة لهجتهن وغلظة تصرفاتهن.

حسن العيسى

الفساد في عقولكم

الفساد ليس في اللحوم ولا في الأغذية التي لم يراع تجارها أصول التخزين فقط، الفساد يطوق الدولة كلها من ألفها إلى يائها! البلدية "التي ما يشيل فسادها البعارين"، على حد تعبير سمو الأمير حين كان رئيساً للوزراء، هي التي ضبطت بعض اللحوم والأغذية الفاسدة، وبالتأكيد الكمية المضبوطة هي مجرد الجزء الظاهر من جبل الجليد العائم، لكن المجلس البلدي بأعضائه المنتخبين والمهيمن على بلدية البعارين يقدم لنا نوعاً آخر من الفساد وفصيلة منقحة منه، هو فساد الفكر والثقافة، وهو فساد التزمت الديني والتعصب الأصولي والمتاجرة بالشعارات الدينية، فأغلبية الأعضاء وبفارق صوت واحد صوتت على رفض طلب وزارة الخارجية إنشاء كنيسة في منطقة المهبولة للمرة الثانية، في المرة الأولى كانت حجة أولياء الله الصالحين في المجلس أسباباً فنية تذرع بها الولاة لرفض طلب الخارجية، كانت هذه "علثتهم" التي أخفوا خلفها أصوليتهم، فماذا سيقولون الآن، وماذا سيقول محاموهم من جماعة الفرقة الناجية في زوايا البؤس بجرائد "القرقيعان" الكويتية…؟

"ياليت" الدول الغربية والولايات المتحدة، التي بسطت أراضيها لبناء مساجد للمسلمين هناك من غير حساب، تمنع دخول أعضاء البلدي الذين صوتوا على رفض إنشاء الكنيسة، وتقول لهم العين بالعين والسن بالسن، من دون شرط المعاملة بالمثل، وذلك بمنع بناء المساجد في تلك الدول، فليس ذنب المسلمين المعتدلين في تلك الدول أن يدفعوا جزية وضريبة وكلاء تنظيم القاعدة في الكويت وبقية الدول العربية والإسلامية المتنطعة بدين الدولة، طبعاً كلمة "ياليت" لن تقدم أو تؤخر، بل هي مجرد أمنية من خيال يائس، فهو يئس من حال الدولة بنظامها ومجتمعها. نظام سياسي حاكم متعقل بدرجة محدودة حين يصير الحديث عن بعض حريات الضمير، لكن هذا النظام ينسى نفسه حين يرتفع سقف النقد ليمسه، وإذا تركنا هذا النظام الحاكم نصعق من ناحية أخرى بمجتمع يتأصل فيه يوماً بعد يوم الجهل، وتقنن في وجدانه ثقافة التزمت الديني ورفض الآخر، والتباعد عن الجوهر الإنساني، فأين نذهب وقد تمت محاصرة حرياتنا من كل الجهات؟

سامي النصف

الرجوع عن الخطأ فضيلة!

لأسباب يصعب حصرها كثر الخطأ وندر الصح في كثير من التشريعات الصادرة من تحت قبة البرلمان والتي تمتاز بشكل متكرر بعدم مشاورة أهل الاختصاص وقصر النظر وطغيان قضايا العاطفة والدغدغة دون النظر لمصلحة الوطن والمواطنين، إضافة الى إصدار تشريعات فريدة لا مثيل لها في تاريخ الدول الأخرى الأكثر منا ذكاء وحصافة وحكمة، لذا فالأفضل لنا هذه الأيام ولأجل الكويت العودة عن تلك التشريعات المدمرة.

ثروة الكويت وبعكس دول العالم الأخرى قائمة على مورد وحيد ناضب، فكل قطرة بترول نبيعها ونحصد ثمنها لا يمكن تعويضها، لذا يفترض ان يرتكز الصرف في أعوامنا المقبلة لا على عمليات الإرضاء السياسي واستخدام ثروتنا الناضبة لحل اشكالات الإسكان والصحة والتعليم.. الخ، بدلا من صرفها على إيجاد موارد للنفط عبر إنشاء المصانع والمزارع وتنمية الثروة السمكية والتحول للمركز المالي والتجاري المستقطب للمستثمرين والسائحين قولا وعملا.

.. وأرض الكويت ليست خضراء ذات أنهر ومياه كي نبخل بها على المطورين والمستثمرين الذين لا يمكن ان يقيموا مشاريعهم في الهواء بل هي صحراء قاحلة فائدتها الوحيدة في تطويرها وجعلها مدنا خضراء دون كلفة إضافية على الدولة عبر تسليمها ـ بعد تعديل التشريعات المقيدة الخاطئة ـ للشركات المساهمة العقارية وللمطورين ودون ذلك ستستنزف ثروتنا الناضبة على بنى ومبان ومدارس ومستشفيات نصرف عليها بدلا من ان تصرف علينا، كما اننا سنورث لمن بعدنا وبسبب تشريعات مجلس الأمة رمالا متحركة يصعب على غير الزواحف العيش فيها.

كما أن على مجلس الأمة العودة عن التشريعات التي أوقفت مشاريع B.O.T منذ صدورها وهجرت الأموال الكويتية لتعمر بلدان الآخرين ومعها إعطاء الشركات العقارية والاستثمارية حق تطوير الأراضي وإنشاء المساكن وبيعها بالأقساط طويلة الأمد على الشباب وهو ما يحتاج الى إلغاء شرط تحديد مدة القروض بـ 15 عاما وهو ما ألغى نظام «المورغج» المعمول به في جميع الدول الأخرى، إن تجربة المدن الجديدة في مصر الواقعة شرق القاهرة وفي محافظة 6 أكتوبر جديرة بزيارتها ودراستها وتقليدها وإلغاء أي تشريعات تقيد وتكبل مساهمة القطاع الخاص في حل مشاكل الإسكان والتعليم والصحة.. الخ.

كررنا في أكثر من مقال ومنذ عام 2007 حقيقة الخطأ الفادح والجسيم لخطأ مسار خصخصة «الكويتية» الذي رسمه وزير المواصلات الأسبق بدعم من بعض أعضاء مجلس الأمة وقلنا ان الخصخصة في العالم أجمع المقصود منها تخفيف العبء المالي عن الدولة لا زيادة الأعباء عليها، كما ان طريق الخصخصة في جميع التطبيقات الناجحة يمر بتحديث الأساطيل والتحول الى الربحية لا بإلغاء صفقة الطائرات ومضاعفة الخسائر كما جرت العادة ان تكون شركة الطيران هي آخر ما يتم خصخصته، هذا إذا خصص أصلا في وقت دفع بـ «الكويتية» لأن تكون أولى المؤسسات التي تجرى خصخصتها رغم حاجة مشروع كويت المركز المالي لشركة طيران وطنية تحقق أهدافه الإستراتيجية كحال جميع المراكز المالية في العالم عدانا (السنغافورية، الإماراتية، القطرية، الاتحاد، العربية، الميدل إيست، المصرية، الأردنية.. الخ).

آخر محطة:

بعد إسقاط لجنة القيم في الكونغرس الأميركي عضوية النائب الديموقراطي جيمس ترافكنت بتهمة التكسب غير المشروع، بدأت هذه الأيام اللجنة التحقيق على الهواء مع نائب ولاية نيويورك الشهير شارلز رانجلر الذي يبلغ من العمر 80 عاما والذي يكمل هذه الأيام 50 عاما من العمل النيابي المتصل ومع ذلك لم يشفع له ذلك التاريخ الطويل من المحاسبة على مخالفات تتصل باستخدام الأموال العامة لخدمة حملته الانتخابية ولا تتجاوز المبالغ المتجاوز عليها أو المستفاد منها الـ 50 ألف دولار أي 14 ألف دينار، وهو مبلغ فكه أو فراطة في جيب بعض المشرعين. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

احمد الصراف

في مرض الهوية الجنسية!

في عام 2007 اصدر البرلمان الكويتي قانونا يعاقب فيه بالحبس سنة وبغرامة مالية لكل من يتشبه بالجنس الآخر! ويقصد بهذا القانون أن كل من تبدو عليه مظاهر الأنوثة وهو ذكر يحبس ويغرم ماليا، والعكس يسري على الجنس الآخر! ولو افترضنا أن القانون طبق مرات عدة على شخص محدد حاول التشبه بغير جنسه فهل غيرت سنوات السجن أو الغرامة المالية من ملامحه الجسدية أو تصرفاته؟ لا طبعا! وبالتالي، وكما ورد في واحدة من اهم مطبوعات مجموعة «صوت الكويت» الوطنية، فإن هذا القانون يفتقد للدستورية، ويفتقد لأبسط حقوق الإنسان، فهؤلاء في غالبيتهم العظمى لا ذنب لهم في ما أصابهم، فكيف نعاقب بالسجن والغرامة شخصاً غير مذنب؟
يتطلب الإيمان بالعقيدة الإسلامية التستر على المعاصي. لكن، هل فعلا ساعد ذلك في اختفاء تلك المعاصي أو حتى التقليل منها في حياة المسلمين؟ وهل فعلا أن الغرب المسيحي، أو اي مجتمع آخر غير مجتمعاتنا، غارق في شذوذه الجنسي لنقص إيمانه، أم أن للأمر جانباً آخر؟
تقول وفاء سلطان، عالمة النفس السورية الأميركية، ان نسبة «اللواطيين» في مدينة سان فرنسيسكو لا تزيد مثلا على نسبتهم في دول الخليج العربي! فالدراسات دلت على أن نسبة اللواط هي واحدة في كل زمان ومكان، وهناك استثناء واحد لتلك الحقيقة عندما تزداد النسبة بشكل كبير تحت بعض الظروف التي يتم فيها الفصل بين الجنسين (بشكل حاد). وقد رأينا تطبيقات ذلك في افغانستان، حيث زادت النسبة بشكل واضح تحت حكم «طالبان» القمعي عما كانت عليه الحال قبلها! وتزيد وفاء سلطان على قولها أن تقارب نسبة اللواط في كل الأزمنة يعني أن سبب الظاهرة بيولوجي أكثر منه بيئي، بالقول ان العلماء والأطباء في الغرب «الإباحي» انكبوا على البحث عن الأسباب البيولوجية التي تلعب دورا في تحديد ميول الإنسان المثلي، ودفعتهم النتائج الى وقف اعتبار الظاهرة شذوذا جنسيا، وبالتالي حذفوها من الكتب الطبية كظاهرة مرضية.
وهنا يتطلب الأمر قيام الحكومة الكويتية أو أي برلماني واع، رجلا كان أو امرأة، بالطعن في مدى دستورية المادة رقم 198 من القانون رقم 1960/16، وإلغاء عقوبة السجن والغرامة المالية من القانون لمخالفته مواد الدستور ذات العلاقة، وتوفير العلاج المجاني المناسب لهؤلاء، فليس من المعقول أن نعامل من يقوم بإطالة شعر رأسه ووضع الكحل في عينيه وصبغ لحيته بالحناء.. بطريقة عادية، ونتقبل وضعه، ويكون تصرفه عند الكثيرين مستحبا، لكن ما ان نجد أن شخصا آخر يمتلك ثديين كبيرين فإننا نقفز لوصفه بالمتشبه بغير جنسه ونهدده بالسجن والغرامة المالية!

أحمد الصراف

مبارك الدويلة

الكويت دولة إسلامية

«دين الدولة الإسلام».
هذا نص المادة الثانية من دستور دولة الكويت، بمعنى ان الدولة وهي الكويت لها دين وهو الاسلام، وهذا النص الدستوري يغلق الباب على من يحاول اضفاء صفة العلمانية على الكويت، فقد اكد هذا النص اكثر من معنى: الاول ان للدولة ديناً، اي انها ليست دولة لادينية (علمانية)، والثاني ان هذا الدين هو الاسلام وليس غيره!! بل ان النص الدستوري ذهب الى ابعد من ذلك عندما حدد المنهل الذي يؤخذ منه التشريع لهذه الامة، فقال تصريحا لا تلميحا: «… والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع»، فحدد الشريعة الاسلامية (الكتاب والسنة والاجماع والاجتهاد) بأنها المصادر التي يؤخذ منها التشريع، وقال «مصدر رئيسي»، بمعنى ان لا تذهب الى غيره الا اذا لم تجد فيه ما تريد!! وما محاولات التعديل على هذا النص الا لقطع الطريق لمن يحاول التلاعب بالالفاظ والتحريف للمعنى.
واليوم نجد الرفاق من بني علمان يطالبون باحترام الدستور والمحافظة عليه والتزام نصوصه، وفي الوقت نفسه يطالبون باعلان الكويت دولة علمانية!! تناقض عجيب. والاعجب ان احد دعاة العلمانية كتب بالامس يطالب ببناء مساجد اكثر لطائفته وهو في كتاباته ما فتئ ينتقد الظاهرة الدينية بكل اشكالها!!
اقول لهؤلاء الرفاق.. ان الكويت كانت ونشأت واستمرت وستظل دولة دينية اسلامية شئتم ام ابيتم.. ان استندتم على الدستور والقانون فهي دولة دينية اسلامية، وان استندتم على الشعب والتاريخ فهو شعب مسلم يعتز بانتمائه الديني وتاريخ يؤكد هذه الحقيقة. اميرها يبدأ خطاباته بالتأكيد على ذلك.. ويلقي خطابا سنويا في العشر الاواخر.. مناهجها اسلامية في مدارسها مع محاولات يائسة لتغييرها.. برلمانها يحترم هذه الحقيقة ويحافظ عليها.. عضو في منظمة المؤتمر الاسلامي.. مآذن مساجدها تنتشر في كل زاوية.. دعاتها يعملون ليل نهار لكبح جماح من تسول له نفسه الدعوة الى الكفر او الزندقة. لذلك نقول لهؤلاء: ان لم تعجبكم هذه الدولة الدينية فلكم في شيبانكم اسوة حسنة، هاجروا الى اي دولة علمانية وعيشوا فيها كما تشاؤون ومارسوا حياتكم ومجونكم كما يحلو لكم واعتبوا علينا ان شرهنا عليكم.

***
• لفتة كريمة
نهنئ الاخوة في جمعية الاصلاح الاجتماعي ع‍لى حصولهم على جائزة الريادة في العمل الخيري وهذا دليل على نقاء مسيرة هذه الجمعية الرائدة رغم محاولات التشويه من قبل خصومها. ويا جبل ما يهزك ريح.

مبارك فهد الدويلة

محمد الوشيحي

حشد و التحالف وعضويتي

الزميل بشار الصايغ، رئيس قسم المحليات في هذا الجرنال، كتب يوم أمس تحليلاً سياسياً عن رؤيته المستقبلية لتنظيم الحركة الشعبية الدستورية "حشد". وسأبدأ بالجملة التي ختم بها تحليله "تلك قراءة في مستقبل (حشد) قد يجانبها الصواب أو الخطأ، في بعضها أو مجملها"، وبعيداً عن الإضافة الغريبة لكلمة "أو الخطأ"، التي لا محل لها في الجملة، سأنحر له رأيي باتجاه الشمس فأقول: "بالواسطة وحقوق الزمالة، يمكن اعتبار قراءتك خاطئة في نصفها، وصحيحة في نصفها الآخر". كيف؟ سأجيبك بعد أن أدخلتني عنوة في "المعركة"، فمثلك لا نصم آذاننا عن حديثه، على أنني لن أضع قبضتيّ لتغطية وجهي من ضرباتك، كما يفعل ضعفاء الملاكمين، بل أنت من يجب أن يرفع مدربه الفوطة البيضاء، دليل استغاثة وإعلان استسلام، قبل اعتزال الملاكمة نهائياً…

شوف يا أيها "البشري"، أولاً تحليلك مجروحٌ ينزف دماً، ولا تُقبل صلاته، لأنك عضو في التحالف الوطني الديمقراطي، وبالتبعية أنت من أنصار كتلة العمل الوطني البرلمانية، التي لولا النائبان مرزوق الغانم وصالح الملا، اللذان لا ينتميان إلى تحالفك، لبكينا على قبر "كتلة المستقلين" الحكومية الناصعة البياض، بعد أن ذقنا طعم كتلتكم التي زوّرَت بطاقتها المدنية وارتدت فانيلة المعارضة زوراً وكذباناً. وقد تكون الغيرة السياسية، المنتشرة هذه الأيام، هي دافعك لكتابة هذا التحليل بعد إخفاقات كتلتك الواضحة أمام كتلة الشعبي، إلا إذا أردت أن تقنعني أن علي الراشد وسلوى الجسار – سابقاً – يمكن تسميتهما معارضة. ثم إن حياديتك اليوم لم توقّع على كشف الحضور، يبدو أنها في إجازة طبية. والعجب أن من ينتقد، أو فلنقل – مجازاً – يحلل مواقف "حشد" هو أحد أبناء التحالف الوطني، الذي لم يتبق منه إلا آثاره تذكرنا بحضارات سادت ثم بادت، مثل ثمود وعاد وإرم ذات العماد.

ثانياً، أنا لست عضواً في "حشد"، ولن أكون، فأفكاري تختلف نوعاً ما عن أفكارها، وإن كانت هي أغلى الخيل في عيني وأثمنها، ومثلها اعتاد الفوز في السباقات والتتويج على المنصة، لكنني لست من أهل مربطها لسوء حظي.

ثالثاً، أنت صوّرت الدائرتين الثانية والثالثة وكأنهما "كافور الأخشيدي" على عرشه، وبقية الدوائر هي القوافل التي يتقدمها حادي العيس آتية من "حلب" لتنال بركة مولانا الأخشيدي وتعلن له الولاء. ويحزنني أن اقول لك إن قوافل "الشعبي" التي أعرفها جيداً لا تعرف اسم الأخشيدي أصلاً، ولا مسماه الوظيفي.

رابعاً، أنت تقول إن خصم "حشد" هو الحكومة، وأنـــا أقـــول لك "لا، مـــا حــزرت"، خصم "حشــــد" بـرأيي – وأنا كما ذكرت لك لست من أنصار "حشد" – هو "كُتَل الشحم الزائد" التي تسمي نفسها كتلاً سياسية، والتي تحوّلَ أعضاؤها إلى ناطقين باسم الحكومة، وعلى كفالتها.

خامساً، أنت قلبت تشخيص الأمراض، فالفرعيات كما أراها ويراها الكثير من المنصفين هي "تسوّس أسنان"، والتسوّس مرض، ولي مطالبات، أنت تعرفها، بخلع الضرس، لكنني لم أعتبر التسوس يوماً "سرطاناً"، كما تعتبره أنت. يبدو أن شهادتك في الطب من الفلبين. فالسرطان هو ما تقوم به كتلة الوطني، بدءاً من التصويت في انتخابات اللجان وليس انتهاء بالتصويت على القوانين والاستجوابات.

سادساً، لو كان الأمر في يدي لما سمحت بقيام "حشد"، لأسباب لم تذكرها أنت، ولن أذكرها أنا.

سابعاً، أنت اتهمت "الشعبي"، التي هي نواة "حشد"، بالتطرف في الدور الرقابي على حساب الدور التشريعي، وكأنك لا تعرف أن الدور التشريعي انتهى بعد أن ضمنت الحكومة أغلبية البرلمان، ووضعت الكتل، وأولاها كتلة العمل الوطني، في علبة هدية صغيرة، وغلفتها بالسولوفان، وقدمتها إلى أطفالها الصغار يلهون بها، ولم يبقَ للمعارضة الحقة إلا الرقابة وفضح "البلاوي" أمام الملأ، كي تخجل الحكومة فتتراجع، وهي طريقة ناجعة إلى حد ما.

ثامناً، أنت تعتبر ما توقعه مسلم البراك من أن حضور المؤتمر السياسي الأول لن يقل عن ثلاثة آلاف مؤيد "غروراً سياسياً"، وأنا من أنصار ذلك الغرور، وأتمنى عليك أن تراهنني، والخاسر منا يتكفل باستئجار مخيم لموظفي هذه الجريدة ومحرريها وعائلاتهم يمرحون فيه ويسرحون مدة يومين، شاملاً الوجبات. موافق؟

ويا همّلالي…

حسن العيسى

ثلاثة من أحلام الأمس

الزمن يتدفق إلى الأمام، واللحظات تمر من المستقبل المجهول محمّلة بالاحتمالات لتستقر في يقين الماضي، فلا لحظة حاضر، وإنما مستقبل كله احتمالات، وماضٍ رُسمت بعض صوره على صفحات الذكرى، وهي ذكريات حين كنا نستمع للإذاعة وميكروفون المذيع يتنقل بين الحجاج، وينقل رسالة من عبدالعزيز البلوشي ورسالة أخرى من عبداللطيف بن ناجي ينقلان سلامهما وتحياتهما إلى أهلهما وأقاربهما في الكويت ويقولان إنهما رميا الجمرات بالأمس وإنهما بخير وعافية… كنا نستمع في ذلك العمر إلى رسائل الحجاج بابتسامة بهجة وضحك خافت على رسائلهم بعفويتها وبراءتها، وكنا نهرول في المساء لنلصق الأذن على سماعة الراديو لنفتح في الساعة الثامنة مساء على إذاعة "صوت العرب" وننصت بكل شوق إلى حكايات ألف ليلة وليلة… وكيف أدرك شهرزادَ الصباح فسكتت عن الكلام المباح، وقالت "مولاي" … فقد غلبها النعاس.

هكذا كنا بخدر الأمس الجميل، وهكذا شاهدت البارحة شريط "يوتيوب"، تنقلت الكاميرا فيه إلى قرية إنكليزية في بداية ستينيات القرن الماضي، ويظهر الطالب إبراهيم بورسلي يحدّثنا عن حلمه وحلمنا معه بأنه جاء من لندن إلى هذه القرية وهو يدرس الهندسة في المملكة المتحدة ويعِد بأنه سيعود إلى الكويت ليساهم في بناء الكويت، ثم لقطة أخرى ليظهر لنا الشاب أحمد علي الدعيج ويقول إنه يدرس في لندن العلاقات الدولية ويحمل الحلم ذاته بالعودة للكويت قريباً… ثم لقطة ثالثة لبدر حمد سلطان وهو يجلس في مقهى ثم يضع جانباً الجريدة التي كان يقرأها، متحدثا إلى الكاميرا بأنه قد مضى عليه أربع سنوات في لندن يدرس الطب، مشاركاً رفيقَيه حلم العودة للوطن قريباً ليرى الكويت الجديدة ويساهم في بنائها.

ثم تمضي الكاميرا بلقطات أخرى تعبر بنا مساحة من المكان، والمكان هو الزمان عام 1962 لنرى مَشاهدَ لعمال يبنون عمارات في شارع الجهرا (فهد السالم)، ثم مشاهد أخرى لطرق جديدة تُعبَّد وناس يشتغلون بلا كلل… كانوا ثلاثة شباب بعمر الربيع، واحد يهندس الأمل، والثاني يخطط للغد، والأخير يريد أن يداوي الأمل… ثلاثة نماذج لشباب الأمس تمثلت في المهندس والسياسي الاقتصادي والطبيب المداوي، حملوا في غربتهم أحلام الدولة وأحلامنا الكبيرة… ثم ماذا بعدها؟ لا أعلم شيئاً عن المهندس إبراهيم بورسلي، ولكني أعرف أن أحمد الدعيج تخرّج متفوقاً في جامعة عريقة بلندن ثم عمل في مجلس التخطيط، وبعدها في الاستثمارات على ما أذكر، ومات بحادث سيارة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بعد أزمة المناخ، وكتب كتاباً رائعاً عن الأزمة، كما سطر مقالات ملتهبة قبل رحيله، أما بدر حمد السلطان، فقد تخرج طبيباً متخصصاً في أمراض النساء والولادة، وبرع في عمله، وكان شعلة من النشاط، وعُيِّن مديراً في ما بعد لمستشفى شركة نفط الكويت. كان يخدم القريب والبعيد من غير حساب، إلا أن حظه كان عاثراً في حياته الخاصة… وأصيب بالاكتئاب بعد التحرير، ولم يمضِ وقت طويل حتى مضى إلى عالم الفناء.

هؤلاء الشباب الثلاثة مثلوا أمل الطليعة الكبير في تلك الأيام، حملوا أجمل الأحلام في أجمل الأيام، كانت أيام ولادة الدستور، وولادة التشريعات الحديثة، وبداية العمران، كانت أيام الانفتاح الثقافي، وأيام التسامح الاجتماعي. مات اثنان من الثلاثة، وكان هذا حكم القدر، لكن لم يكن من حكمه أن تموت أحلامنا بالدولة العصرية، لنصحو اليوم على واقع القهر… فما السبب؟ اسألوا أصحاب المقام الرفيع دافني الأحلام… ماذا فعلتم بأحلام الأمس؟!

احمد الصراف

أفكار ومقترحات الشواذ

انتهت قبل ايام مشاكل الكويت كافة، ومعها مشاكل الأمتين العربية والإسلامية، وأصبح بإمكان مشرعينا الاهتمام بالأمور البسيطة والساذجة التي طالما تناسيناها، كمشروع القانون الذي قدمه النائب محمد الهايف المطيري للبرلمان والمتعلق بمنع إجراء عمليات الجراحة التجميلية من غير موافقة لجنة حكومية مختصة! وهذا يعني أن غير الراضي أو الراضية عن شكل أنفها أو حجم صدرها أو تكور أردافها أن تذهب لطبيب في لبنان أو مصر وإيران، وإجراء ما تشاء من عمليات، وفي حال لم يكن لديها مال ولا حلال فما عليها غير تعريض كرامتها وخصوصياتها للبهدلة والسماح للجنة المقترحة من النائب محمد هايف أن تقرر نيابة عنها شكل أنفها ومدى كمية البوتكس التي تحتاجها شفتاها أو أردافها! إضافة إلى ما يعنيه من وجود فرصة لتوسطه، وغيره من النواب الأشاوس، لدى اللجنة «الصحية» للموافقة أو عدمها، على تعديل أنف فلانة أو تحوير ورك أخرى أو تدليك ما يلزم من أعضاء فلان! وأكاد أشتم رائحة تدخل طبي لبناني مصري إيراني في صياغة مواد هذا القانون الأهيف في تاريخنا النيابي!
كما تضمنت مادة أخرى من القانون المقترح حظر إجراء عمليات الوشم وعمليات التحول الجنسي وتغيير الجنس في الأوراق الرسمية، ومن يخالف ذلك، أي غير القادر على السفر والدفع للأطباء خارج الكويت، يعرض نفسه للحبس خمس سنوات! يعني: فقير وجيكر ومحبوس!
لست معنيا بقضايا الأنف وتكبير او تصغير الصدر والأرداف، وهي القضايا التي تشغل عادة بال هؤلاء المشرعين، لكونها قضايا شخصية بحتة ويجب ألا يعطيها المشرع أي اهتمام جدي في خضم كل وحل التخلف الذي نخوض فيه، ولكني معني بأوضاع فئة لم تتردد جهة في المجتمع من توجيه سهام الظلم والنقد لها من دون سبب مقبول! فليس هناك من يقبل او يختار أن يوصف بالشاذ أو بالمتحول جنسيا أو بالمثلي في مجتمع متخلف لا يرحم ولا يتفهم ولا يقدر ظروف الآخرين البيولوجية! فهذه الفئة قد لا تكون أفضل أو أقل من غيرها في المجتمع ولكنها حتما ليست بالغبية لتعرض نفسها، راضية مرضية، لكل هذا التشدد القبيح في المعاملة والتهديد بالسجن والبهدلة في الأماكن العامة ورفض التوظيف وسوء فهم عارم، فقط لأنها «تشتهي» ذلك وتبحث عن البهدلة والاحتقار، فلو كان لديهم أي خيار آخر لما عرضوا انفسهم لكل سوء الفهم والخطر هذا، فهم ليسوا مجاهدين أو اصحاب رسالة، بل بشر مثلنا تعرضوا في فترة من حياتهم، كأجنة أو اطفال وحتى بالغين، لتطورات جنسية جسمانية لا يد لغالبيتهم فيها، ومن الظلم بالتالي معاملتهم بمثل هذا التحيز البشع وغير المبرر، وأن يأتي نائب ليمنعهم، بقانون غير إنساني ولا منطقي، من حق إجراء عملية جراحية تتطلبها ظروفهم الخاصة!
لقد حاولت المجتمعات البشرية عبر التاريخ التخلص من هذه الفئة المظلومة باستخدام التهديد والتشويه الاجتماعي والنفي في الأرض وحتى القتل، في محاولة للقضاء عليهم، ولكنهم بقوا وصمدوا ليس عن بطولة ولا شجاعة، بل لأنه لم يكن لهم عبر التاريخ البشري خيار آخر، فقد كانوا دائما جزءا لا يتجزأ من النسيج والتكاثر البشري، فنسبتهم في أي مجتمع لم تتغير بشكل جذري منذ البدء، ومعاملتهم بأي طريقة غير التفهم والتسامح، والعلاج الطبي الجراحي، لن تجدي، شاء نبيل وغيره أم أبى!! فما نحتاج اليه هو الكثير من التسامح وادراك حقيقة مشاكلهم ومساعدتهم في حلها، فمثلما فشل القتل والسحل والتجاهل والاستنكار والتكفير في القضاء عليهم، فسيفشل هذا القانون وغيره في حل مشكلتهم. ومن يحتقر أو يسئ معاملة هذه الفئة إما أنه لا يعرف حقيقة أوضاعها الصحية والنفسية، واما انه مستفيد ماديا و«دينيا» من التهجم عليها، أو ربما لوجود عقدة في نفوسهم منها، ويودون نسيانها!

أحمد الصراف