محمد الوشيحي

حشد و التحالف وعضويتي

الزميل بشار الصايغ، رئيس قسم المحليات في هذا الجرنال، كتب يوم أمس تحليلاً سياسياً عن رؤيته المستقبلية لتنظيم الحركة الشعبية الدستورية "حشد". وسأبدأ بالجملة التي ختم بها تحليله "تلك قراءة في مستقبل (حشد) قد يجانبها الصواب أو الخطأ، في بعضها أو مجملها"، وبعيداً عن الإضافة الغريبة لكلمة "أو الخطأ"، التي لا محل لها في الجملة، سأنحر له رأيي باتجاه الشمس فأقول: "بالواسطة وحقوق الزمالة، يمكن اعتبار قراءتك خاطئة في نصفها، وصحيحة في نصفها الآخر". كيف؟ سأجيبك بعد أن أدخلتني عنوة في "المعركة"، فمثلك لا نصم آذاننا عن حديثه، على أنني لن أضع قبضتيّ لتغطية وجهي من ضرباتك، كما يفعل ضعفاء الملاكمين، بل أنت من يجب أن يرفع مدربه الفوطة البيضاء، دليل استغاثة وإعلان استسلام، قبل اعتزال الملاكمة نهائياً…

شوف يا أيها "البشري"، أولاً تحليلك مجروحٌ ينزف دماً، ولا تُقبل صلاته، لأنك عضو في التحالف الوطني الديمقراطي، وبالتبعية أنت من أنصار كتلة العمل الوطني البرلمانية، التي لولا النائبان مرزوق الغانم وصالح الملا، اللذان لا ينتميان إلى تحالفك، لبكينا على قبر "كتلة المستقلين" الحكومية الناصعة البياض، بعد أن ذقنا طعم كتلتكم التي زوّرَت بطاقتها المدنية وارتدت فانيلة المعارضة زوراً وكذباناً. وقد تكون الغيرة السياسية، المنتشرة هذه الأيام، هي دافعك لكتابة هذا التحليل بعد إخفاقات كتلتك الواضحة أمام كتلة الشعبي، إلا إذا أردت أن تقنعني أن علي الراشد وسلوى الجسار – سابقاً – يمكن تسميتهما معارضة. ثم إن حياديتك اليوم لم توقّع على كشف الحضور، يبدو أنها في إجازة طبية. والعجب أن من ينتقد، أو فلنقل – مجازاً – يحلل مواقف "حشد" هو أحد أبناء التحالف الوطني، الذي لم يتبق منه إلا آثاره تذكرنا بحضارات سادت ثم بادت، مثل ثمود وعاد وإرم ذات العماد.

ثانياً، أنا لست عضواً في "حشد"، ولن أكون، فأفكاري تختلف نوعاً ما عن أفكارها، وإن كانت هي أغلى الخيل في عيني وأثمنها، ومثلها اعتاد الفوز في السباقات والتتويج على المنصة، لكنني لست من أهل مربطها لسوء حظي.

ثالثاً، أنت صوّرت الدائرتين الثانية والثالثة وكأنهما "كافور الأخشيدي" على عرشه، وبقية الدوائر هي القوافل التي يتقدمها حادي العيس آتية من "حلب" لتنال بركة مولانا الأخشيدي وتعلن له الولاء. ويحزنني أن اقول لك إن قوافل "الشعبي" التي أعرفها جيداً لا تعرف اسم الأخشيدي أصلاً، ولا مسماه الوظيفي.

رابعاً، أنت تقول إن خصم "حشد" هو الحكومة، وأنـــا أقـــول لك "لا، مـــا حــزرت"، خصم "حشــــد" بـرأيي – وأنا كما ذكرت لك لست من أنصار "حشد" – هو "كُتَل الشحم الزائد" التي تسمي نفسها كتلاً سياسية، والتي تحوّلَ أعضاؤها إلى ناطقين باسم الحكومة، وعلى كفالتها.

خامساً، أنت قلبت تشخيص الأمراض، فالفرعيات كما أراها ويراها الكثير من المنصفين هي "تسوّس أسنان"، والتسوّس مرض، ولي مطالبات، أنت تعرفها، بخلع الضرس، لكنني لم أعتبر التسوس يوماً "سرطاناً"، كما تعتبره أنت. يبدو أن شهادتك في الطب من الفلبين. فالسرطان هو ما تقوم به كتلة الوطني، بدءاً من التصويت في انتخابات اللجان وليس انتهاء بالتصويت على القوانين والاستجوابات.

سادساً، لو كان الأمر في يدي لما سمحت بقيام "حشد"، لأسباب لم تذكرها أنت، ولن أذكرها أنا.

سابعاً، أنت اتهمت "الشعبي"، التي هي نواة "حشد"، بالتطرف في الدور الرقابي على حساب الدور التشريعي، وكأنك لا تعرف أن الدور التشريعي انتهى بعد أن ضمنت الحكومة أغلبية البرلمان، ووضعت الكتل، وأولاها كتلة العمل الوطني، في علبة هدية صغيرة، وغلفتها بالسولوفان، وقدمتها إلى أطفالها الصغار يلهون بها، ولم يبقَ للمعارضة الحقة إلا الرقابة وفضح "البلاوي" أمام الملأ، كي تخجل الحكومة فتتراجع، وهي طريقة ناجعة إلى حد ما.

ثامناً، أنت تعتبر ما توقعه مسلم البراك من أن حضور المؤتمر السياسي الأول لن يقل عن ثلاثة آلاف مؤيد "غروراً سياسياً"، وأنا من أنصار ذلك الغرور، وأتمنى عليك أن تراهنني، والخاسر منا يتكفل باستئجار مخيم لموظفي هذه الجريدة ومحرريها وعائلاتهم يمرحون فيه ويسرحون مدة يومين، شاملاً الوجبات. موافق؟

ويا همّلالي…

حسن العيسى

ثلاثة من أحلام الأمس

الزمن يتدفق إلى الأمام، واللحظات تمر من المستقبل المجهول محمّلة بالاحتمالات لتستقر في يقين الماضي، فلا لحظة حاضر، وإنما مستقبل كله احتمالات، وماضٍ رُسمت بعض صوره على صفحات الذكرى، وهي ذكريات حين كنا نستمع للإذاعة وميكروفون المذيع يتنقل بين الحجاج، وينقل رسالة من عبدالعزيز البلوشي ورسالة أخرى من عبداللطيف بن ناجي ينقلان سلامهما وتحياتهما إلى أهلهما وأقاربهما في الكويت ويقولان إنهما رميا الجمرات بالأمس وإنهما بخير وعافية… كنا نستمع في ذلك العمر إلى رسائل الحجاج بابتسامة بهجة وضحك خافت على رسائلهم بعفويتها وبراءتها، وكنا نهرول في المساء لنلصق الأذن على سماعة الراديو لنفتح في الساعة الثامنة مساء على إذاعة "صوت العرب" وننصت بكل شوق إلى حكايات ألف ليلة وليلة… وكيف أدرك شهرزادَ الصباح فسكتت عن الكلام المباح، وقالت "مولاي" … فقد غلبها النعاس.

هكذا كنا بخدر الأمس الجميل، وهكذا شاهدت البارحة شريط "يوتيوب"، تنقلت الكاميرا فيه إلى قرية إنكليزية في بداية ستينيات القرن الماضي، ويظهر الطالب إبراهيم بورسلي يحدّثنا عن حلمه وحلمنا معه بأنه جاء من لندن إلى هذه القرية وهو يدرس الهندسة في المملكة المتحدة ويعِد بأنه سيعود إلى الكويت ليساهم في بناء الكويت، ثم لقطة أخرى ليظهر لنا الشاب أحمد علي الدعيج ويقول إنه يدرس في لندن العلاقات الدولية ويحمل الحلم ذاته بالعودة للكويت قريباً… ثم لقطة ثالثة لبدر حمد سلطان وهو يجلس في مقهى ثم يضع جانباً الجريدة التي كان يقرأها، متحدثا إلى الكاميرا بأنه قد مضى عليه أربع سنوات في لندن يدرس الطب، مشاركاً رفيقَيه حلم العودة للوطن قريباً ليرى الكويت الجديدة ويساهم في بنائها.

ثم تمضي الكاميرا بلقطات أخرى تعبر بنا مساحة من المكان، والمكان هو الزمان عام 1962 لنرى مَشاهدَ لعمال يبنون عمارات في شارع الجهرا (فهد السالم)، ثم مشاهد أخرى لطرق جديدة تُعبَّد وناس يشتغلون بلا كلل… كانوا ثلاثة شباب بعمر الربيع، واحد يهندس الأمل، والثاني يخطط للغد، والأخير يريد أن يداوي الأمل… ثلاثة نماذج لشباب الأمس تمثلت في المهندس والسياسي الاقتصادي والطبيب المداوي، حملوا في غربتهم أحلام الدولة وأحلامنا الكبيرة… ثم ماذا بعدها؟ لا أعلم شيئاً عن المهندس إبراهيم بورسلي، ولكني أعرف أن أحمد الدعيج تخرّج متفوقاً في جامعة عريقة بلندن ثم عمل في مجلس التخطيط، وبعدها في الاستثمارات على ما أذكر، ومات بحادث سيارة في بداية ثمانينيات القرن الماضي، بعد أزمة المناخ، وكتب كتاباً رائعاً عن الأزمة، كما سطر مقالات ملتهبة قبل رحيله، أما بدر حمد السلطان، فقد تخرج طبيباً متخصصاً في أمراض النساء والولادة، وبرع في عمله، وكان شعلة من النشاط، وعُيِّن مديراً في ما بعد لمستشفى شركة نفط الكويت. كان يخدم القريب والبعيد من غير حساب، إلا أن حظه كان عاثراً في حياته الخاصة… وأصيب بالاكتئاب بعد التحرير، ولم يمضِ وقت طويل حتى مضى إلى عالم الفناء.

هؤلاء الشباب الثلاثة مثلوا أمل الطليعة الكبير في تلك الأيام، حملوا أجمل الأحلام في أجمل الأيام، كانت أيام ولادة الدستور، وولادة التشريعات الحديثة، وبداية العمران، كانت أيام الانفتاح الثقافي، وأيام التسامح الاجتماعي. مات اثنان من الثلاثة، وكان هذا حكم القدر، لكن لم يكن من حكمه أن تموت أحلامنا بالدولة العصرية، لنصحو اليوم على واقع القهر… فما السبب؟ اسألوا أصحاب المقام الرفيع دافني الأحلام… ماذا فعلتم بأحلام الأمس؟!

احمد الصراف

أفكار ومقترحات الشواذ

انتهت قبل ايام مشاكل الكويت كافة، ومعها مشاكل الأمتين العربية والإسلامية، وأصبح بإمكان مشرعينا الاهتمام بالأمور البسيطة والساذجة التي طالما تناسيناها، كمشروع القانون الذي قدمه النائب محمد الهايف المطيري للبرلمان والمتعلق بمنع إجراء عمليات الجراحة التجميلية من غير موافقة لجنة حكومية مختصة! وهذا يعني أن غير الراضي أو الراضية عن شكل أنفها أو حجم صدرها أو تكور أردافها أن تذهب لطبيب في لبنان أو مصر وإيران، وإجراء ما تشاء من عمليات، وفي حال لم يكن لديها مال ولا حلال فما عليها غير تعريض كرامتها وخصوصياتها للبهدلة والسماح للجنة المقترحة من النائب محمد هايف أن تقرر نيابة عنها شكل أنفها ومدى كمية البوتكس التي تحتاجها شفتاها أو أردافها! إضافة إلى ما يعنيه من وجود فرصة لتوسطه، وغيره من النواب الأشاوس، لدى اللجنة «الصحية» للموافقة أو عدمها، على تعديل أنف فلانة أو تحوير ورك أخرى أو تدليك ما يلزم من أعضاء فلان! وأكاد أشتم رائحة تدخل طبي لبناني مصري إيراني في صياغة مواد هذا القانون الأهيف في تاريخنا النيابي!
كما تضمنت مادة أخرى من القانون المقترح حظر إجراء عمليات الوشم وعمليات التحول الجنسي وتغيير الجنس في الأوراق الرسمية، ومن يخالف ذلك، أي غير القادر على السفر والدفع للأطباء خارج الكويت، يعرض نفسه للحبس خمس سنوات! يعني: فقير وجيكر ومحبوس!
لست معنيا بقضايا الأنف وتكبير او تصغير الصدر والأرداف، وهي القضايا التي تشغل عادة بال هؤلاء المشرعين، لكونها قضايا شخصية بحتة ويجب ألا يعطيها المشرع أي اهتمام جدي في خضم كل وحل التخلف الذي نخوض فيه، ولكني معني بأوضاع فئة لم تتردد جهة في المجتمع من توجيه سهام الظلم والنقد لها من دون سبب مقبول! فليس هناك من يقبل او يختار أن يوصف بالشاذ أو بالمتحول جنسيا أو بالمثلي في مجتمع متخلف لا يرحم ولا يتفهم ولا يقدر ظروف الآخرين البيولوجية! فهذه الفئة قد لا تكون أفضل أو أقل من غيرها في المجتمع ولكنها حتما ليست بالغبية لتعرض نفسها، راضية مرضية، لكل هذا التشدد القبيح في المعاملة والتهديد بالسجن والبهدلة في الأماكن العامة ورفض التوظيف وسوء فهم عارم، فقط لأنها «تشتهي» ذلك وتبحث عن البهدلة والاحتقار، فلو كان لديهم أي خيار آخر لما عرضوا انفسهم لكل سوء الفهم والخطر هذا، فهم ليسوا مجاهدين أو اصحاب رسالة، بل بشر مثلنا تعرضوا في فترة من حياتهم، كأجنة أو اطفال وحتى بالغين، لتطورات جنسية جسمانية لا يد لغالبيتهم فيها، ومن الظلم بالتالي معاملتهم بمثل هذا التحيز البشع وغير المبرر، وأن يأتي نائب ليمنعهم، بقانون غير إنساني ولا منطقي، من حق إجراء عملية جراحية تتطلبها ظروفهم الخاصة!
لقد حاولت المجتمعات البشرية عبر التاريخ التخلص من هذه الفئة المظلومة باستخدام التهديد والتشويه الاجتماعي والنفي في الأرض وحتى القتل، في محاولة للقضاء عليهم، ولكنهم بقوا وصمدوا ليس عن بطولة ولا شجاعة، بل لأنه لم يكن لهم عبر التاريخ البشري خيار آخر، فقد كانوا دائما جزءا لا يتجزأ من النسيج والتكاثر البشري، فنسبتهم في أي مجتمع لم تتغير بشكل جذري منذ البدء، ومعاملتهم بأي طريقة غير التفهم والتسامح، والعلاج الطبي الجراحي، لن تجدي، شاء نبيل وغيره أم أبى!! فما نحتاج اليه هو الكثير من التسامح وادراك حقيقة مشاكلهم ومساعدتهم في حلها، فمثلما فشل القتل والسحل والتجاهل والاستنكار والتكفير في القضاء عليهم، فسيفشل هذا القانون وغيره في حل مشكلتهم. ومن يحتقر أو يسئ معاملة هذه الفئة إما أنه لا يعرف حقيقة أوضاعها الصحية والنفسية، واما انه مستفيد ماديا و«دينيا» من التهجم عليها، أو ربما لوجود عقدة في نفوسهم منها، ويودون نسيانها!

أحمد الصراف