كان السؤال عبر مختلف العصور، والنابع من الشك أحياناً، القوة الدافعة للعقل لكي يتعرف ويستنبط ويكتشف. وإيقاف آلية السؤال أو منعه بنص ديني نتج عنه تجميد العقل والحكم بالتخلف، ولهذا كانت أغلبية الشعوب المتخلفة الأكثر تسليماً بما ورد في نصوص أوليها، والإيمان بما جاء بها من دون نقاش أو سؤال!
في حفل توزيع جائزة «روبرت كنيدي للخدمات العامة»، الأكثر تميزاً في العالم، التي تمنحها جامعة هارفارد سنوياً لشخصية ذات إنجاز عظيم في ميدان الخدمة العامة، ألقى الإعلامي ورجل الأعمال الباكستاني مير إبراهيم رحمن وهو أول مسلم وثاني شخصية من منطقة جنوب آسيا يفوز بهذه الجائزة المرموقة، الكلمة التالية في الحفل. وجدير بالذكر أن مير رحمن يعتبر من القلة التي ما زالت في باكستان، فلا يزال يعمل هناك في أكثر من نشاط تجاري وإعلامي، بعد أن أرهقت الانقلابات والصراعات المذهبية والقبلية بلاده وجعلتها واحدة من أقل الدول بروزاً في جميع ميادين الإبداع البشري، بالرغم من عمق تاريخها السابق على انفصالها من الهند، وشعبها الذي يزيد تعداده على 170 مليوناً.
يقول مير رحمن: عندما كنت صغيراً سألت جدي، وهو مؤسس أكبر صحيفة تصدر بلغة الأوردو في العالم، عن سبب إلحاقي بمدرسة أميركية، وهو ما كان شبه مستهجن، ومحل رفض الكثيرين، فابتسم جدي وقال: لأن المدرسة الأميركية ستزودك بأفضل طرق التعلم التي تحتاجها، ألا وهي كيفية توجيه الأسئلة، أما بعدها فالأمر مناط بك! وأضاف جدي أن أفضل مدرسة في العالم يمكن أن تعلمني كيف توجه الأسئلة هي «هارفارد»!
وأنتم هنا في أميركا سبق أن وجهتم سؤالاً عما إذا كان من حق الملك فرض ضرائب من دون مشاركة في الحكم، وهو السؤال الذي قادكم في النهاية لأن تتحرروا وتصيغوا وثيقة استقلال وطنكم، وقوانين الحقوق اللاحقة! كما أن السؤال الذي طرحته مواطنتكم السوداء روزا باركس عندما تساءلت: لماذا لا يمكنني الجلوس في الجانب الآخر من الحافلة؟ كان بداية حركة حقوق مدنية جبارة نتج عنها في النهاية اختياركم لرجل من أصل أفريقي ليكون رئيساً عليكم. ومثل هذه الأسئلة وغيرها جعلت أميركا عظيمة كما هي الآن، وجعلت الكثيرين من الأفراد والجماعات وحتى الدول تعتمد عليكم في وجودها.
وأنا هنا اليوم لأطرح بعض الاسئلة التي ربما رغب جدي في أن أطرحها عليكم في هذا المكان بالذات.
وإلى مقال الغد وأسئلة مير رحمن.
أحمد الصراف