حسن العيسى

بلدية الكويت ويالله تزيد النعمة

القاعدة تنمو وتتكاثر فيروساتها في رؤوسنا وفي اللاوعي بعقلنا الباطن، وليست هي فقط المجاميع المسلحة الإرهابية التي تنشط في العراق وفي اليمن وفي كل بلاد "لا إله إلا الله"، القاعدة عقدة نفسية مركبة نمت بذورها في تربة تاريخ طويل من الجهل والانغلاق، وليست هذه الزاوية مكان استعراضه.

القاعدة في آخر عملياتها الإرهابية احتجزت رهائن في كنيسة "سيدة النجاة" وبعملية تحرير هوجاء للجيش العراقي قتل معظم الرهائن المسيحيين… واخرجوا من العراق أو من اليمن، التي تصدر قاعدتها آلات التصوير المفخخة لأوروبا، وتعالوا للكويت "المتسامحة" لنر صورة "حضارية" ثانية تم تحميضها مسبقاً في استديو القاعدة للإنتاج وتصوير الأشلاء الآدمية، فالمجلس البلدي رفض طلب وزارة الخارجية تخصيص قطعة أرض لإقامة كنيسة للروم الكاثوليك في منطقة المهبولة، وطبعاً الأصوات الخيرة المتسامحة من بعض أعضاء المجلس البلدي تم تجاهلها من الأغلبية "الظواهرية والبن لادنية"… عيب عليكم وأكبر عيب أن يرفض طلب "الخارجية" الكويتية يا أعضاء البلدي، ألا ترون أن أكبر المساجد وأفخمها تنمو وتتكاثر في قلب أوروبا، في روما وفي باريس بلدان "ايف سان لوران" وعروض أزياء "غوتشي" والليالي الملاح، وليست ليالينا "الجلحة الملحة"! ولماذا أوروبا، فقبل أسابيع كانت هناك في نيويورك عاصفة اعتراض يمينية أميركية مثل جماعة "تي بارتي"، وهم على شاكلة جماعاتنا، اعترضوا على إقامة مسجد لا يبعد كثيراً عن موقع بركات "غزوة منهاتن" بتعبير د. عبدالله النفيسي مع فارق الدرجة في التعصب القومي-الديني بيننا وبينهم، لكن الرئاسة الأميركية وقفت مع الدستور الأميركي وأكدت حق أي جماعة في إقامة شعائرها الدينية، فماذا كتب وقال ملالي الكويت عن العنصرية وكراهية الإسلام في أميركا وأوروبا؟… راجعوا مربعات "كت اند بيست" في صحافتنا اليومية وستجدون الكثير من أدبيات الردح والتشمت على الغرب العنصري الكاره للإسلام والمسلمين.

أصبحت الأقليات الدينية في زمن صحوة القبليات العربية والنعرات الدينية، بعد تهاوي القومية العربية بعد هزيمة حزيران في الإقليم وسقوط حائط برلين والدولة السوفياتية على النطاق الدولي، أضاحي البؤس لأغلبيات التعصب ورفض الآخر، صار كل عربي مسيحي دماً مستباحاً نفرغ فيه شحنات القتل واللعنة، فهذا المسيحي هو وكيل الاستعمار وعميل للكفار، وصار أقباط مصر أهل ذمة عند العصابات الدينية الأصولية، وجب عليهم دفع الجزية ومن الجائز نهب ممتلكاتهم… مسيحيو العراق يهاجرون من العراق بآلاف الهاربين الباحثين عن الأمان في سورية بعد الغزو الأميركي الذي كان أفضل مناسبة لتفقس بيض القاعدة المرعب في بلاد الرافدين وفي معظم بلادنا العربية… أعود وأكرر أن القاعدة ليست تنظيم بن لادن فقط ولا غيره… بل هي نتاج ثقافة الدولة الدينية القبلية التي تترسخ جذورها يوماً بعد يوم في بيوتنا وفي مدارسنا وفي مجالسنا… وحتى تأتي ساعة الوعي والإدراك بالعلمانية الإنسانية بدولنا سنظل نجتر ونعيد تاريخ حرب المئة والثلاثين عاماً في أوروبا العصور الوسطى إلى ما شاء الله.

احمد الصراف

إنقاذ ما يمكن من أرواح وممتلكات

في قمة صراع شعب جنوب أفريقيا مع مستعمريه البيض، قال القس ديزموند توتو إنه يحزن لكل هذا القتل والتشريد والتدمير الذي يحدث في وطنه، فالحرية قادمة لا محالة، فلماذا لا يتوقف هذا القتال وننقذ كل هذه الأرواح والأموال؟
* * *
انتشرت في سنوات ما بعد التحرير فتاوى صادرة عن جهات سعودية متشددة تحرم استخدام الأطباق اللاقطة للقنوات الفضائية! وأيد الكثيرون في الكويت الفكرة، واصبح وجود «دش» أو طبق لاقط على بيت يشكل منكرا تجب إزالته، وقام الحرس الديني في أكثر من دولة «متقدمة» من دولنا بأخذ زمام المبادرة وتحطيم الأطباق في الأماكن العامة، وكانت حفلة زار لم يستفد منها غير «الكفرة» من مصنعي تلك الأطباق، حيث لم تمر غير سنوات حتى أصبح ينافس كل مكتب وبيت وجاخور وشاليه الآخر في حجم وغلاء طبقه اللاقط. ولم تنته الألفية الثانية إلا ورأينا أولئك أنفسهم، الذين سبق ان حرموا الأطباق، يتسابقون على اقتناء أعقدها وأغلاها مع أحدث «الرسيفرات»! ثم أصبحوا يشاركون في الظهور على القنوات نفسها التي سبق ان حرموا مشاهدتها، وفي مرحلة تالية اصبحوا من أكثر المستفيدين من الظهور عليها!
ولو طبقنا مثال الأطباق اللاقطة، وكيف حرمت بنص واضح، تم التغاضي عنه بعدها، وقبول وجودها في حياتنا في مرحلة تالية، والترحيب بها، ومن ثم التكالب على الظهور في محطاتها، لوجدنا أمامنا مثالا كلاسيكيا يتكرر المرة تلو الأخرى بملل واضح، فنحن نرفض ونحرم ونحارب ثم نسكت ونتغاضى ونقبل ونرحب بما سبق ان حرمناه قبل فترة قصيرة! فالديموقراطية قادمة والتحضر قادم لا محالة، وحقوق الإنسان المستباحة عندنا ستنتهي، والحرية ستسود في نهاية المطاف، وسيكون للمرأة ما تستحق من مكانة عالية، كأم وزوجة وابنة وأخت وصديقة وزميلة، وبالتالي لم كل هذا العنف وكل هذا القتل والتدمير؟ من الواضح أننا نعيش تناقضا واضحا في حياتنا من خلال محاولة المواءمة بين النص الديني والحاضر المعاش المخالف له تماما، ولن تكون هناك غلبة لطرف على الآخر، وبالتالي علينا جميعا قبول مبدأ التعايش مع الجميع، والاتفاق على أننا لسنا بالضرورة أكثر صوابا من غيرنا أو أرفع مكانة منه! نكتب هذا المقال ردا على المجزرة البشعة التي تعرضت لها مجموعة من المصلين المسيحيين الأبرياء، والتي راح ضحيتها العشرات، في احدى كنائس العراق صباح يوم الأحد الماضي.

أحمد الصراف