علي محمود خاجه

غلطة منو؟

المشهد الأول-المكان: وزارة المواطن: أرغب في نقل ابني من مدرسته إلى مدرسة أخرى. «يقولها بثقة وطمأنينة» الموظف الحكومي: تحتاج المسألة إلى موافقة ثلاثة أقسام، ومن واقع خبرتي بمثل هذه الحالات فإنك حتما ستحتاج إلى واسطة أو أن ينقضي عام دراسي كامل إن حصلت على الموافقات. «يقول في قرارة نفسه مسكين هذا المواطن». المشهد الثاني- المكان: ديوانية (بوعدنان) المواطن: هذا ما حدث معي اليوم بالوزارة، وأريد حلاً، فابني لا يرغب في مواصلة دراسته بتلك المدرسة. «يقولها بيأس وخيبة». أحد روّاد الديوان: عليك الذهاب إلى نائب منطقتنا «بو إسماعيل»، وإلا فإنك لن تتمكن من إنهاء معاملتك بموعد قريب. المواطن «على وجهه علامات الإحباط»: «بو إسماعيل» لن يقبل التوسط لي، فهو يعلم أنني لم أكن من مؤيديه بالانتخابات. صاحب الديوان «يبتسم واثقا»: لا يستطيع أن يرفض، فهو يعلم جيداً بما نملكه من ثقل وعلاقات ستؤدي قطعاً إلى خسارته في الانتخابات إن رفض لنا طلباً. المشهد الثالث- المكان: مكتب النائب «بو إسماعيل» المواطن: أتيتك يا «بو إسماعيل» لإنهاء إجراءات نقل ابني من مدرسته الحالية إلى مدرسة أخرى، كما أني أنقل لك تحية رواد ديوان «بوعدنان». «يقولها بثقة وطمأنينة». النائب «بو إسماعيل»، يجيب باهتمام وحرص شديدين: أبشر… وطلباتكم إنت وديوان «بوعدنان» أوامر. المشهد الرابع- المكان: استراحة مجلس الأمة النائب «بوإسماعيل»، مخاطبا وزيرا ذا نفوذ بنبرة رجاء: معالي الوزير لي معاملة مهمة لدى الوزير المختص، وقد ذهبت إليه ورفض التوقيع عليها بحجة أنه لا يريد أن يأخذ المواطن حقه من خلال النواب بل من خلال القنوات الروتينية العادية. الوزير صاحب النفوذ: (أفا عليك يا «بو إسماعيل» إحنا نعين ونعاون، إليك توقيعي وعدم ممانعتي على المعاملة، وما عليك سوى تسليمها للوزير المختص، ولكن لا تنسانا يا «بو إسماعيل» في قضيتنا المهمة ونريد تأييدك المطلق لنا، وما يخدم بخيل). النائب «بوإسماعيل»، يقول بنبرة منكسرة ذليلة: سمعاً وطاعة يا معالي الوزير. المشهد الخامس- المكان: زاوية أخرى من استراحة المجلس النائب «بو إسماعيل»، بلهجة المنتصر: «تفضل يا معالي الوزير هذا الكتاب بعد تعديله». الوزير المختص، ينظر إلى توقيع الوزير ذي النفوذ وعدم ممانعته ويتلعثم: دعني أنظر في الأمر. المشهد السادس- المكان: الصف الأمامي في قاعة المجلس الوزير المختص، بلهجة تحدٍّ يشوبها الخوف: لا أرغب في توقيع معاملة «بو إسماعيل». الوزير صاحب النفوذ «بخبث»: هل سمعت بالتغيير الوزاري القريب؟ الوزير المختص يوقع المعاملة بانكسار. أسقطوا تلك المشاهد الستة السابقة على ما تريدون من أمثلة أعمالنا الروتينية اليومية: نقل وظيفي… قرض إسكاني… بيت حكومة… رخصة تجارية… تقاعد طبي… علاج بالخارج، أو أي إجراء روتيني يومي آخر يتطلّب أكثر من يوم لإنهائه، وهي الحال مع أكثر من 90% من إجراءات الدولة، وسترون أن هذا السيناريو لن يتغير بجوهره، وإن تغيرت مفرداته ووسائله. تلك هي كويت اليوم، وهكذا تسير، ولن يكون لدينا مشرّع طالما رقابنا تحت سكين المنفّذ. خارج نطاق التغطية: أبدأ اليوم عاماً جديداً من حياتي بل مرحلة جديدة بعد انضمامي إلى نادي الثلاثين عاما، وكلي أمل أن يكون وطني أفضل وأجمل مما كان عليه في الثلاثين عاماً الماضية، وإن كان التشاؤم يغزوني كل يوم، فإني سأهدي مرحلتي العمرية الجديدة جرعة من التفاؤل علّها تقضي على ظلام وطني… سأتفاءل.

سامي النصف

طريق الحرير وطريق التوابل والنموذج النرويجي

يروي الاقتصادي روبن ميرديث في كتابه «الفيل والتنين» ان الهند والصين كانتا تحوزان اكثر من نصف تجارة العالم حتى نهاية القرن التاسع عشر، وان الحروب العالمية والانظمة الاستعمارية والماركسية والاشتراكية ساهمت في خروجهما من الاقتصاد العالمي اغلب القرن العشرين وانهما بعد عودتهما لاقتصاد السوق مع دخول هذا القرن عادتا لتحتلا 20% من التجارة العالمية.

ويرى المؤلف ان الصين اشبه بالتنين الذي يشق طريقه بشراسة وقوة وان الصينيين عكس الهنود لا يهتمون كثيرا بالتحول للنهج الديموقراطي، بل يضعون في مقدمة اهتماماتهم تحقيق الرفاه الاقتصادي، كما يظهر المؤلف الفروقات الضخمة في توزيع الثروة بين اهل المدن واهل الريف في الصين والهند ممن يعانون من الفقر والبطالة الشديدة.

في المقابل، يرى ميرديث ان الهند تسير بشكل ابطأ من الصين في معدلات التنمية، وانها اشبه بالفيل البطيء او الرجل السكران في طريقه لبيته حيث يمشي خطوة للامام وخطوتين للجنب، الا انه يصل في نهاية المطاف الى مراده، حيث مازالت العقلية الهندية في العمل تعاني من البيروقراطية الشديدة، الا ان التحديات المستقبلية فيما يخص الامن والاستقرار السياسي اقل بالنسبة للهند منها للصين التي يُخشى ان تقع بها اضطرابات داخلية وحروب خارجية.

«النموذج النرويجي» او كيفية ادارة المصادر البترولية هو كتاب للخبير النفطي النرويجي ذي الاصل العراقي فاروق القاسم الذي كان مستشارا نفطيا لحكومة النرويج عام 1968 ثم رئيسا لمديرية النفط النرويجية حتى اوائل التسعينيات، ومما ذكره في كتابه ان النرويج لم تستقبل الاكتشافات النفطية بارتياح (!) خوفا مما يسمى بـ «الداء الهولندي»، اي تكرار ما حدث في هولندا عندما انصرف شعبها عن العمل الجاد للتمتع بالعائدات النفطية المريحة.

ويضيف المؤلف: ان عائدات النفط أُبعدت عن الميزانية العامة للدولة ووضعت في صندوق للاجيال المقبلة تعلما من التجربة الكويتية وكحماية للصناعات الوطنية، كما أُبعدت الشركات النفطية الحكومية في شقها الفني والمالي عن البيروقراطية الحكومية، ثم يتحدث عن كيفية الاستفادة المثلى من اطوار الاستخراج والاستكشاف، واطوار تحويل النفط الى صناعة مشتقات واخيرا طور الاستفادة المثلى من عوائد النفط.

«امبراطورية الثروة» كتاب ملحمي لجون ستيل جوردون يتحدث فيه عن كيفية تحول الولايات المتحدة من مستعمرة عالم ثالث تنتج القطن والمواد الاولية للمصانع البريطانية الى دولة صناعية واقتصادية كبرى عبر رؤى وافكار خلاقة تم تطبيقها، ويتحدث عن المضاربة على الاراضي التي تمت في العام 1837 مما ادى الى انهيار الوول ستريت وافلاس الشركات العقارية والانحدار الى الكساد الرهيب، ويقول ان عمدة نيويورك ذكر آنذاك «ان الثروات الفاحشة التي حلم بها المواطنون قد ذابت كالثلج تحت شمس ابريل» وفي انهيار عام 2008 كان الذوبان تحت شمس اغسطس الاكثر مرارة ودمارا، والاسواق الاميركية «متعودة دايما» على قول الفيلسوف.. عادل امام!

آخر محطة:

الفارق الرئيسي بيننا وبين اليابانيين اقتصاديا انهم يمضون وقتا طويلا في اتخاذ القرار كي يخرج «ما يخرش الميه»، ثم يضربون الرقم القياسي في سرعة التنفيذ، ونحن نضرب الرقم القياسي في سرعة اتخاذ القرار ثم الرقم القياسي ثانية في البطء في تنفيذه.. والله اعلم!

احمد الصراف

الانتحار الجماعي

عرف التاريخ الحديث، وبالذات في السنوات الثلاثين الأخيرة، الكثير من حالات الانتحار الجماعي، وخاصة بين المنتمين إلى الجماعات الدينية، سواء لأسباب خاصة أو سياسية، وربما كانت هناك حالات مماثلة قديما ولكن تفاصيلها غير واضحة، كحركة الحشاشين التابعة لحسن الصباح وغيرها من الفرق الانتحارية. وأول حادثة موثقة من هذا النوع وقعت في أواخر عام 1978، وقد تابعتها في حينها وأنا مشدوه، وكانت محصلتها 909 أميركيين بين رجل وامرأة وطفل، من أتباع شعب المعبد الذين قضوا انتحارا في مدينة جونستاون بغويانا الأميركية الجنوبية، بعد أن أقنعهم جميس جونز بتناول شراب يحتوي على سم السيانايد للتخلص من حياتهم بعد رفض روسيا، التي كان شعب المعبد يتفاوض معها، هجرتهم الجماعية لها، وبعد تورطهم بقتل عضو كونغرس وآخرين قرب معبدهم. وقد أرعبتني وقتها مشاهدة صور الأمهات وهن يقمن، دون وجل، بإطعام السم لصغارهن، ومنهم رضع، ثم تناولنه بعدهم بلا تردد! ولا تزال صورهن، وهن يحملن أطفالهن، ماثلة في ذهني حتى اليوم. وقد أدركت في حينه كم هي مرعبة فكرة الموت لدى الإنسان العادي المسالم، وكيف ينقلب الإنسان نفسه إلى مجرم أو مجنون بمجرد تشربه بمبادئ عقيدة دينية تستسهل الموت لأتفه الأسباب.
وفي الفترة من 1994 وحتى 1997 قام أتباع معبد أخوية أو جماعة الشمس Order of the Solar Temple بسلسلة من محاولات الانتحار الجماعية نتج عنها موت 74 عضوا، ترك بعضهم رسائل وداعية ذكروا فيها أنهم هاربون من كم المراء، والهيبوكرسي والاضطهاد في هذا العالم، وأنهم يشعرون بأن أرواحهم بعد موتهم ستذهب الى نجم في السماء! وبيّنت سجلات الجماعة التي صادرتها شرطة مدينة كويبك في كندا أن بعض أعضائها تبرعوا بمبالغ كبيرة لزعيمهم جوزيف ممبو.
وفي 26 مارس 1997 مات 39 عضوا من أتباع جماعة بوابة السماء Heaven›s Gate في عملية انتحار جماعي في مزرعة رانشو سانتافيه في كاليفورنيا، ونقلت محطات التلفزيون وقتها وقائع اقتحام المزرعة من قبل الشرطة. وكان أتباع هذا المعبد يؤمنون بأن أرواحهم ستغادرهم للحاق بـ«قوارب اجسادهم البشرية» التي ستنقلهم في رحلة على متن سفينة فضاء يعتقدون بأنها ستلحق بالمذنب «هال بوب»! كما قام بعض هؤلاء بالتخلص من اعضائهم التناسلية، قبل الإقدام على الانتحار، استعدادا لحياة تنتظرهم بلا ذكر ولا أنثى!
إن هذه الأمثلة وغيرها الكثير تبيّن أن الموت في سبيل عقيدة أو مبدأ ديني أمر لا يقتصر على شعب أو دين معين، أو حتى على زمن محدد، فالهوس الديني كاف ليس فقط لأن يقدم البعض على قتل نفسه، بل وأيضا السعي لتوقيع أكبر عدد من الضحايا، بصرف النظر عن كونهم أبرياء أو غير ذلك، وكل ذلك نتيجة رؤى أو خيالات معينة.
كما تبيّن أن قتل شخص لنفسه في عملية انتحارية في سبيل عقيدة معينة لا تجعله هو أو ما يؤمن به صحيحا!

أحمد الصراف