رسالة غاضبة صادقة معبرة وصلتني من مجموعة من "الكويتيين الحفّاي"(1)، كما عبروا عن أنفسهم، أنقل خلاصتها دون أن أسرّح شعرها أو أهندم ثيابها: "الطماط ين وقعد، نبي نقاطع الخضرة، اكتب للناس خلتحركون، الأسعار كلتنا". ولغير المتحدثين باللهجة الخليجية أترجم: "الطماطم أصيبت بالجنون (إشارة إلى الارتفاع الجنوني لأسعارها)، وسنقاطع الخضراوات، اكتب للناس كي يتحركوا، فالتجار التهمونا".
والطماطم "ين وطار" ليته "ين وقعد"، لكن ليش نكبّر القصة وهي صغيرة؟ على بركة الله، سنقاطع الخضراوات بدءاً من الغد، الجمعة. ومن يعتقد أن الطماطم، حتى لو ساندَتها بقية الخضراوات، لا يمكن الاستغناء عنها فهو واهم. الخبز والأجبان تنادي، والعيش (الرز) المسلوق عبقري وجميل، والبيض المسلوق "ماشبوشي"(2) على رأي اللبنانيين، ولن نموت.
ورحم الله جنون البقر أمام جنون الطماطم. وكان الله في عون البسطاء، من المواطنين والمقيمين، المدهوسين تحت عجلات جنون الأسعار، لكنهم يستحقون الدهس إذا لم يتحركوا ويرسموا خريطة الأسعار بأنفسهم.
ستستمر المقاطعة إلى يوم الخميس المقبل، وما لم تخفض الأسعار، فيتراجع سعر كرتون الطماطم الكبير إلى أقل من نصف دينار (سعره الآن أربعة دنانير) فسنعلن بدءَ التظاهرات أمام مبنى البرلمان تحت عنوان "تظاهرات الطماط"، وسنرفع – حينذاك – مطالبنا لتشمل محاسبة وزير التجارة برلمانياً، ومقاطعة تجار الخضراوات بعد أن ننشر أسماءهم وأسماء شركاتهم وعقودها في كل المجالات… وقد تهتز كراسي بعض المسؤولين بسبب "الطماط" وتظاهراته، وقد تتطور الأمور وتنتفخ فتهتز كراسي الحكومة كاملة، وقد تكتب الصحف المحلية والأجنبية بعد فترة: "الشعب الكويتي يسقط الحكومة بالطماطم"، وقد ترسخ نتيجة ذلك في ذهن الحكومة التالية فتشكّل لها كابوساً مرعباً، فتعقد اجتماعاتها، لو تكرر الأمر، في "شبرة الخضرة"، ما بين البقدونس والخيار، لتراقب بنفسها الأسعار عن قرب، وقد تصبح الطماطم سبباً لإعادة تلاحم هذا الشعب المفتت، الذي أيقن اللصوص و"اللهيبية" أن الوقت لدهسه وهرسه قد حان وآن.
وإذا كانت قوة شمشون الجبار في شعره، فلتكن قوتنا في بطوننا لتعرف الحكومة أن الاقتراب من أساسيات المطبخ يجلب الريح العاتية والعواصف الكاسحة، ويسبب تساقط الشعر والمناصب.
وستتحمل الصحف والفضائيات مسؤولياتها وستضع أيديها بأيدينا، فإن خذلتنا فلدينا من كتّاب الأعمدة من يضربون على زنودهم، و"يدقّون" صدورهم… وقبل هذا وذاك، ستشتعل المدونات، وستنتفض المنتديات والمواقع الإلكترونية، وستقرع الديوانيات الطبول.
وكنت، وماأزال، على تواصل مع إحدى الأسر البسيطة المتعففة، التي لا تعرف خطة التنمية، ولا تتابع معرض الكتاب، ولا تهتم بمن يرأس اتحاد كرة القدم… وما إن وصلتني رسالة "الحفّاي" حتى اتصلت بالأسرة تلك، وسألت: "شخباركم مع الطماط؟"، فأجابتني السيدة المتعففة ببساطتها المعهودة: "هذا غضب يا ولدي عسى الله يحمينا. الكويتيون بالتأكيد عملوا ما يغضب الله فانتقم منهم فرفع أسعار الخضراوات التي هي أحد جنوده". تفسير نقي مسالم لكنه يؤكد فداحة الأمر.
عوداً على بدء، سنقاطع الطماطم وبقية الخضراوات بدءاً من الغد، كما طلبتم، وسيتولى البسطاء هذه المرة القيادة، وسنتبعهم… على بركة الله.
***
الحفاي: أي حفاة الأقدام، والمقصود منها البسطاء أو الفقراء.
ماشبوشي: لا يعيبه شيء.
اليوم: 30 سبتمبر، 2010
متى يصمت الجهلة المتعصبون؟
لا يهمني أمر ابراء ساحتي من اتهامات الشعوبية والطائفية والعمالة لايران، واحيانا لاميركا وبريطانيا، فأنا أعرف من اكون ولمن يخضع انتمائي، وهذا يكفيني! أقول ذلك على الرغم من كل ما يربطني بالشعب الايراني من وشائج ومشاعر نفسية وعائلية، والتي لم تكن سببا لان ازور ايران اكثر من مرة واحدة خلال 40 عاماً! ولكن ما يقلقني حقا هو مصير ومشاعر كل جموع المواطنين الذين تعود اصول «اجداد اجدادهم» إلى إيران، والذين تدفعهم آلة التخلف والتعصب إلى الارتماء في احضانها هرباً من سيل الاتهامات والعمالة التي تكال إليهم يومياً، وما تتبعه «السلطة» من سياسة متعمدة في التعامل معهم بتفرقة واضحة، ومنعهم من العمل في جهات حكومية محددة!
وفي هذا الصدد يقول عبدالرحمن الراشد، رئيس تحرير جريدة الشرق الاوسط السعودية سابقاً، والكاتب فيها حالياً: «والحقيقة ان افضل كتيبة تعمل في خدمة ايران اليوم، ليست الجماعات الشيعية الموالية لايران في المنطقة العربية، بل الجماعات السنية المتطرفة التي تساعد ايران بشكل منهجي، بدفع مواطنيها الشيعة في مربع الشك والرفض، هذه الجماعات المتطرفة هي التي تخدم ايران باشاعة الخوف بين الشيعة في الخليج، ورمي شبابهم في احضان ايران». (انتهى).
وهذا الكلام دقيق وصحيح الى درجة كبيرة، فدفع المواطن الشيعي، بمصادفة تاريخية بحتة، إلى التطرف من خلال الشك في مواقفه، وتضييق سبل العيش امامه، وممارسة التمييز ضده، سوف يدفعه بالفعل إلى منح ولائه لاي طرف خارجي، وليس بالضرورة لايران، وبالتالي هناك خطر امني داخلي اكبر في اتباع هذه السياسة، من خطر تواجد «هؤلاء» في مؤسسات حساسة محددة، فمجرد وجودهم تحت المجهر كاف لمراقبتهم والتأكد من سلامة مواقفهم، كما هي الحال مع العاملين في وكالة الاستخبارات في اي دولة مثلا، والذين تخضع تصرفاتهم للمراقبة المستمرة. اما عدم تشغيلهم وتركهم قنابل متنقلة من غير معرفة او رقابة فهو الخطر بعينه، وهنا نحن لا نفترض ان كل شيعي مشكوك في تصرفه وولائه، بل قد يكون العكس هو الاقرب كثيراً للصحة، فنسبة وليس عدد من قاوم وقتل من الشيعة، وبالذات من الذين تتحدر اصول اجداد اجدادهم من ايران، تفوق نسبة اي مجموعة اخرى!
ويقول الزميل عبدالرحمن الراشد في مكان آخر من مقاله: «ومن المتوقع ان تعمد السلطات الايرانية الى وضع كل خططها للايقاع بأكبر عدد من المتعاطفين معها من الشيعة الخليجيين، واستخدامهم لاغراضها داخل دولهم، وايران في محنتها الحالية تعتقد انها لا تملك قوة تواجه بها اي هجوم اميركي الا قوة الفوضى والارهاب، وليس من المستغرب ابدا ان توقظ خلاياها في الخليج عندما تحين ساعة الصفر، وهنا سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن خلاياها هم شيعة فقط، بل بينهم سنة وعرب من جنسيات متعددة».
أحمد الصراف