محمد الوشيحي

صحافيو الكوافير

الله يرحم تلك الأزمنة السحيقة، قبل أربع سنوات أو خمس، عندما كنا نقصف معالي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ جابر المبارك، براً وبحراً وجواً، ونركز على منشآته العسكرية ونتحاشى المدنية، فيتصل بنا مدير مكتبه الفريق صالح الحميضي، وأنعم به من رجل، ليردّ ويشرح ويوضّح، ونلتقي "أبا صباح" مصادفةً في مناسبة احتفالية، فإذا هو شيخ، وإذا هو كبير، وإذا هو يتبسم بثقة ويدردش عن الموضوع ويبيّن وجهة نظره، ويمضي كلّ إلى غايته، والقلوب صحاح.

الله يذكر بالخير تلك الأزمنة السحيقة، عندما كنا نحمّل كل مشاكلنا على بعير الشيخ أحمد الفهد فيحتملها، ونضع أقلامنا في النار قبل كتابة مقال يهجوه، ونستنجد بالشياطين، ونلتهم "تمرة الحرب" ونشرب فنجانها، وننثر الحروف الأبجدية على السجادة أمامنا لننتقي منها أشرسها ونختار أعنفها، فيظهر المقال على صفحة الجريدة شاهراً سيفه، يستعرض على حصانه أمام الجند، محمّلاً بكل مفردات التحدي، فنلتقي أحمد الفهد مساءً في مناسبة اجتماعية، عرس مثلاً، فيبتسم متحدّياً وهو يخفي موقع طعناتنا: "الوعد يوم الاستجواب، هاهاها، ما تقدرون على الوزير". وتنتهي القصة بلا نيابة ولا محكمة ولا هم يحزنون.

الله يمسيها بالخير تلك الأزمنة، عندما كان أحدنا لا يتقدم لخطبة امرأة إلا واشترط أبوها "رأس" قيادي من قادة "حدس"، فتنطلق خيلنا – نحن أعداء التدين السياسي – فنقتل منهم من نقتل، ونأسر من نأسر، فيكرّون علينا – عادة أثناء نومنا – ويخطفون من يخطفون ويلوذون بالفرار، وفي الصباح يسننون افتراءاتهم علينا، لكنها افتراءات داخل حدود الحوش، لا هم نزعوا عنا وطنيتنا ولا نحن نزعنا عنهم وطنيتهم، ولا هم تحدثوا عن أعراقنا ولا نحن تحدثنا عن أعراقهم، ولا هم دخلوا غرف نومنا ولا نحن اقتربنا من صالات بيوتهم الداخلية. كانت حرباً بالأسلحة التقليدية. ثم نتبادل معهم الزيارات والورد المغشوش.

الله يسقي تلك الأزمنة ديمة، عندما كان خصومنا بنقاء أمين سر جمعية الصحافيين الزميل فيصل القناعي… آخ، اشتقت لخصومتك الراقية أبا غازي، خصوصاً بعد أن نشرت صحافة مصر خبراً مضحكاً ذكّرني بجمعية الصحافيين "راقصات وسباكون وسائقو ميكروباص وتاكسي وبائعو كبده من ضمن كشوف النقابة".

قرأت ذلك وتخيّلت أننا فتحنا كشوفات جمعية الصحافيين، عليّ النعمة لنجدن فيها من الكراكيب و"القواطي" وممالك النمل والزيت الناشف ما يشيب له ريش الغراب وهو في ريعان شبابه.

على أن شيئاً لا يهمني بقدر ما يهمني عدد "الكوافيرات" الزميلات. "وهيهات يا بو الزلوف عيني يا موليّا، محلى الوما بالوما ومحلى العزوبيّا".

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *