تعني كلمة accountability مسؤولية محاسبة الجهة أو الفرد أثناء أو بعد قيامه بأداء عمل أو مشروع ما، حتى بعد مرور وقت على الانتهاء منه. فمكتب تدقيق الحسابات مثلا مسؤول عن ميزانية الشركات التي يقوم بتدقيق دفاترها، ويبقى «عرضة للمحاسبة»، ان تبين مستقبلا أنه لم يقم بواجبه كاملا! وفي لغتنا وأوطاننا العربية لا نشكو فقط من عدم وجود ترجمة دقيقة لهذه الكلمة المهمة بل وأيضا لا نعرف تطبيقها، ان عرفنا معناها، فــ«عفا الله عما سلف» أكثر اتباعا! ولو حاولنا سرد حالات الفشل المالي والاداري التي وقعت في السنوات العشر الأخيرة، والتي لم يخضع المسؤولون عنها لأي «محاسبة» لتطلب الأمر تخصيص مساحات شاسعة من صفحات الجريدة.
في 9/22 نشرت «الآن» الالكترونية مقالا للمحلل النفطي كامل الحرمي تطرق فيه الى الخبر الذي نشر على الصفحة الأولى من «الجريدة» (9/19)، على لسان مسؤول نفطي عال من أن شركة نفط الكويت أكدت أن الطاقة الانتاجية لحقول الشمال ستصل الى 850 الف برميل في اليوم بنهاية شهر ديسمبر القادم، ومع الوصول الى هذا الانتاج في الحقول الشمالية يكون قد انتفى الغرض من مشروع تطوير حقول تلك المنطقة والمسمى بــ«مشروع الكويت»! وأضاف أن هذا خبر سار جدا، خاصة أنه تم بامكانيات شركة نفط الكويت وبمساعدة شركات خدمات نفطية مثل شلمبورغ وهاليبورتون، وبالتالي لم تعد هناك حاجة لشركات نفطية عالمية! وقال انه يتمنى تأكيد هذه البشارة رسميا من الحكومة وان تحتفل الكويت بها!
وهنا يتساءل السيد الحرمي عن مسؤولية 6 وزراء نفطيين سابقين و3 رؤساء تنفيذيين في مؤسسة البترول الكويتية و3 من رؤساء شركة نفط الكويت ورؤساء شركة التنمية النفطية، التي تأسست خصيصا لتنفيذ مشروع الكويت، وكبار المسؤولين في شركة نفط الكويت – قطاع الاستكشافات النفطية، لعدم مصداقيتهم وسعيهم لخلق أزمة سياسية وعداء مستديم بين الحكومة ومجلس الأمة منذ عام 1991 حتى الآن؟ وكيف أن الأمر تسبب في تشويه سمعة مجلس الأمة في الداخل والخارج، وخلق مشاكل مع الشركات النفطية العالمية التي تأهلت وقدمت أكثر من مليوني دولار فقط لدخول غرفة المعلومات! كما تساءل عن الندوات التي أقيمت محليا وخارجيا لتسويق المشروع، وعن تضييع وقت اللجان المختلفة بمجلس الأمة، وكل ما قيل عن أهمية وضرورة الاستعانة بالشركات النفطية العالمية، ومسؤولية كل هؤلاء عن هدر المال العام والوقت الثمين، وشهادة الوزراء والرؤساء التنفيذيين أمام مجلس الأمة وأعضاء المجلس الأعلى للبترول واعضاء مجلس ادارة مؤسسة البترول والدواوين، وكيف كان الجميع يؤكد الحاجة الماسة للمشروع وضرورة الاستعانة بخبرات عالمية للتعامل مع حقول الشمال النفطية الصعبة، وان خبراتنا النفطية فقط في الحقول والمكامن السهلة، فماذا سيكون رد هؤلاء جميعا الآن، ان ثبتت صحة الخبر؟ وقال انه وغيره كانوا مع مشروع الاستعانة بالشركات العالمية وصرف مليارات الدولارات على تطوير حقول الشمال، والآن تأتي الشركة نفسها وتقول على لسان كبار مسؤوليها انتفاء الغرض من المشروع، وانها استطاعت ان تحقق الهدف نفسه دون ضجة اعلامية ولا تكاليف خرافية!
ويتساءل السيد الحرمي قائلا: هل كانت خدعة من القطاع النفطي ومن العاملين أم جهلا مطلقا أم ضجة اعلامية من أجل المصالح والتربح السريع والحصول على الوكالات التجارية؟ ويقول ان الجواب يبقى عند القطاع النفطي، ولكن ليس هناك شيء مؤكد!
وكمواطن لا يهمني ما كتبه السيد الحرمي أكثر مما يهم أي مواطن آخر حريص على مصلحة وطنه، ولكني أخشى أن تساؤلاته ستبقى من دون توضيح من اي جهة، فلن ترتفع درجة «المحاسبة» لدينا على ما هي عليه الآن، بالرغم من أن المال العام كاد يخسر سبعة مليارات دولار لتطوير حقول نفطية لا تحتاج الى تطوير كبير، ولكني هنا معني بصورة خاصة برد الشيخ سعود الناصر الصباح على هذه التساؤلات، فقد كان وزيرا للنفط في مرحلة حاسمة من تاريخ «مشروع الكويت»، واهتم به وروج له وأيده بقوة، ومن منطق احترامي وتقديري له اتمنى أن اسمع رأيه هنا، لنرتفع بمستوى المحاسبة لدينا، ولكي تبقى صورته في ذهني وذهن الكثيرين جميلة، لتميز مكانته بين بقية أفراد الأسرة.
أحمد الصراف