قامت القبس – من منطلق إحساسها الكبير بالمسؤولية الاجتماعية – بحملة إعلانية على صفحاتها ضد التدخين، وقد دفعتني مبادرتها للبحث أكثر في موضوع التدخين، فهالني ما وجدته، سواء من ناحية المضار الصحية او التكلفة المالية على الاقتصاد. والحقيقة ان من الصعب تفهم موقف الحكومة من هذه الآفة التي تأكل في أرواح الكثيرين منا من دون أن يفكر مسؤول في فعل شيء إزاء التقليل من خطرها، ولا نقول القضاء عليها، وقد يكون لشركات السجائر دخل في تقاعس الحكومة، ولكن السبب الاول يعود لتخلفنا وجهلنا بخطورة التدخين، فما الذي يمنع الحكومة بكل أجهزتها من تفعيل قانون منع التدخين في الأماكن العامة؟ وكيف تسبقنا دبي وسوريا والأردن في مكافحته ونحن لا نزال ننتظر دورنا؟ ولماذا لا يمنع عندنا حتى في مكاتب كل الشركات والمقاهي والمطاعم والنوادي الرياضية وغيرها؟ فهذه «الأوامر» لا تحتاج لا لمجلس ولا لأمة لوضعها موضع التنفيذ، مع العمل على زيادة الرسوم الجمركية على استيراد كل أنواع التبغ!
تتضمن شهادات الوفاة في كثير من دول العالم فقرة تتعلق بسبب الوفاة، فلو كان المتوفى مدخنا شرها، فما السبب الذي سيذكره ذووه: الموت انتحارا، قتلا، اهمالا ام نتيجة الحمق؟! اقول ذلك بمناسبة ما اكتشفته عن مدى مضار هذه العادة السخيفة، التي كنت عبداً لها في وقت من الأوقات، فعدد الوفيات الناتجة عن التدخين أمر لا يصدق، فطبقا للإحصائيات الأميركية، التي ربما تنطبق على الكثير من دول العالم، فإن رقم الوفيات الناتجة عن التدخين تزيد عن عدد وفيات الايدز والانتحار وتناول الكحول وحوادث السيارات والقتل مجتمعة في السنة الواحدة، ومع هذا لا احد يود ان يفعل شيئا في الكويت لمحاربة التدخين. كما تتكلف أميركا -وحدها- 92 مليار دولار نتيجة أمراض التدخين، وعلى الرغم من أنها وبريطانيا تعتبران من أكبر منتجي السجائر في العالم، لكنهما أصبحتا في الفترة الاخيرة على قائمة الدول التي يقل فيها عدد المدخنين شهرا بعد آخر، ولكن التدخين في جانب آخر في ازدياد مستمر، خاصة في الدول الفقيرة والمتخلفة، كأوطاننا. فشركات التبغ تنتج سنويا 5 تريليونات سيجارة تكفي لتوزيع 750 سيجارة لكل نفس على كوكب الأرض، أي بمعدل سيجارتين يوميا. ويبلغ عدد المدخنين في الصين 300 مليون، وهذا يزيد على عدد سكان الولايات المتحدة.
كما يدمن 195 مليونا في الهند على التبغ، ويموت منهم مليون مدخن سنويا.
وعلى الرغم من تعدد طرق التدخين من سيجار وبايب وأرجيلة، لكن السيجارة اكثرها انتشارا، وهي تصنع بإضافة آلاف المواد المُحسّ.نة والملونة والنكهات المنشطة لها، التي ينتج عن استنشاقها رد فعل كيميائي يغشى الاعصاب ويتسبب في ارتفاع دقات القلب وتنشيط الذاكرة وزيادة الوعي، وكل هذه تشعر المدخن بالمتعة، وحيث ان غالبية المدخنين يبدأون التدخين في سن مبكرة فإن هذا الشعور بالمتعة المؤقتة يصبح إدمانا في الكبر يصعب التخلص منه بسهولة!
البحث طويل ويغطي عشرات آلاف الصفحات، وقد شاركني فيه محمد، أصغر أبنائنا، وكانت النتيجة انه قرر اهدائي في عيد ميلادي الــ66، الذي تصادف قبل أيام، هدية تمثلت في قراره التوقف عن التدخين، بعد عشر سنوات إدمان! وكان ذلك اجمل هدية تلقيتها في حياتي، والفضل يعود في جزء كبير لحملة القبس!
***
ملاحظة: ولم يثلج خبرٌ صدرَ جمعيات مكافحة السرطان والإدمان على النيكوتين مثل ذلك الذي تعلق بوفاة اثنين من أشهر من ظهروا في إعلانات سجائر «المارلبورو» بصورة «الكاوبوي»، حيث مات ديفيد ماكليرن بسرطان الرئة، وتبعه واين ماكلارن للسبب نفسه وعمره 51 عاما. ويقال على سبيل التفكه، ان حصانيهما نفقا بعدهما بفترة نتيجة التدخين السلبي Passive smoking.
أحمد الصراف