الفائز الاول في احداث الفتنة الاخيرة هو الحكومة والقرارات السريعة والحازمة التي اتخذتها في منع اقامة تجمعات وحشود طائفية تزيد النيران اشتعالا، وكانت ستؤدي الى مزيد من الفرقة والتشرذم وبدء متوالية اقوال مؤججة ومدغدغة هنا تقابلها اقوال مؤججة ومدغدغة هناك حتى تنقسم الكويت سريعا الى معسكرين او خندقين متضادين تحكمهما العواطف لا العقول ويختطف القرار فيهما المتشددون لا الحكماء، وينتهي الامر بنا كما انتهى في دول كثيرة بالمنطقة الى تفجير وقتل وخطف على الهوية، فلسنا اكثر ذكاء وحكمة وفطنة من اخوتنا في العراق ولبنان والجزائر وغيرها.
ومثير الفتنة هذه المرة مثله مثل من ذهب من متطرفينا ومتشددينا الى تورابورا والشيشان وكوسوفو وجزيرة فيلكا ومكة فهم جميعا ابناء المدارس والمعاهد والمناهج وتربية المجتمع الكويتي وثقافته العامة التي يفترض ان يكون المسار الديموقراطي القائم بها منذ نصف قرن حتى الآن قد شذب وهذب تصرفات من يعيش فيه وعلّمه أن حل المشكلات لا يتم بالتشدد والتطرف والفزعة الجاهلية والتفجير وحمل السلاح بل بالحوار الهادئ والعقلاني الذي هو اهم سمات المجتمعات الديموقراطية، ومن دونه لا ديموقراطية في مجتمع مهما ادعى حواريوه ومفكروه.
أليس مستغربا اننا لم نسمع بمقاتلين او متطرفين اندونيسيين وماليزيين في تورابورا والشيشان وكوسوفو وغيرها، بينما نسمع في الوقت ذاته بمتشددين ومتطرفين كويتيين من سنة وشيعة في كل إشكال يحدث في العالم رغم ان اعدادنا لا تزيد عن مليون نسمة اي اننا لا نقدم ولا نؤخر في حل الاشكالات السياسية العالمية القائمة، وما يفترض من تشربنا لمفاهيم التسامح والتعقل؟!
في الخلاصة ان ما حدث سيتكرر فأعواد الثقاب كثيرة وستبقى النار تحت الرماد ما لم نبدأ بتحويل الديموقراطية من لباس خارجي لامع لا علاقة له بالجسد الى مفاهيم تستقر في العقول والافئدة وتقبل بها النفوس فتحيلنا من مفهوم دولة البحيرة النفطية القابلة للاشتعال في اي لحظة الى مفهوم بحيرة المياه العذبة التي لا تؤثر فيها اعواد الثقاب المشتعلة مهما كثرت.
آخر محطة:
ان كان لإسقاط الجنسية عمن يثير الفتنة فائدة فهي ردعه لمن ينوي مستقبلا السير في طريق اثارة روح البغض والكراهية وتدمير المجتمع، فليس كل من ينوي القيام بذلك يحمل جنسية اخرى حتى يقيد الاسقاط بذلك الامر، والأحكام في كل مكان وزمان يقصد منها الردع ومنع الضرر قبل اي شيء آخر.