فككت وزارة الداخلية خيمة في الجهراء لأحد الناشطين في ملهاة "توسنامي" ياسر حبيب، فهرول نائب "الثوابت" إلى مسجد قريب كي يقول ما لم يتمكن من قوله في الخيمة المفككة، وكتبت صحيفة بالخط العريض معلقة على الخبر "القانون يكشر عن أنيابه"… وهكذا تسير الأمور بحفظ الله ورعايته بدولتنا الفتية المتسامحة! خيم مفككة وقوانين لها "أنياب" كالأسود تقطع اللحم وتكسر عظام الطائفية… الحمد لله "غدا الشر" وانتهينا من زلزال ياسر وموعظته الكبيرة التي لم يكن أحد يدري عنها ولا عنه لولا بركة دعوات أصحاب الخيام وندوات الثأر وأنياب القانون، ولم يتبق لنا من القضية سوى "إزالة آثار العدوان" بسحب الجنسية من ياسر ليس بحكم القانون والمحاكم بل بحكم طلاب الحق ودعاة "الوحدة الوطنية"… ولم لا تسحب الجنسية من ياسر من غير حكم القانون… فقد سحبت من سليمان بوغيث في السابق من غير حكم القانون وإنما بحكم "الأنياب" القاطعة… وكانت سابقة في بلد لا يعرف نظامه القانوني مبدأ السوابق القضائية، لكنه يعلم ويعمل السوابق السياسية.
هل انتهينا اليوم بتفكيك الخيام وبتكشير أنياب القانون… أم ماذا؟ الطائفية والقبلية ليستا نتاج اللحظة، وإنما هما وليدتا ممارسة ممتدة في تاريخ هذه الدولة وبقية دول القبليات والهويات الدينية التي تحرص دساتيرها على تأكيد مثل هذه الهوية للدولة في مقدمة كل دستور منها، مع أن الدول لا دين لها، فالدولة بتعبير السيد "إياد جمال الدين" على ما أذكر لا تصلي ولا تصوم… وإنما البشر هم الذين يؤمنون ويصلون ويصومون… وكل حسب دينه أو معتقده الشخصي.
قضية ياسر لن تنتهي بالتفكيك ولا بالأنياب، فهي قضية ثقافة مجتمع تم تكريسها عبر عقود ممتدة من الزمن، وتأصلت في وجدان الناس بعد أن أفل نجم القومية العربية في هزيمة 67، وسقطت وتفككت الدولة السوفياتية معلنة نهاية الحلم الاشتراكي، وهلت بركات "نهاية التاريخ" عند فوكوياما لينهض مع هذه النهاية صراع الحضارات عند صموئيل هنتغتون، وليس في هذا "صراع الحضارات" كما يتشبث به يمينيو الغرب وتتعذر فيه الأصوليات الإسلامية لإعلان الحرب على دول الكفار، وإنما هو صراع القبليات والطوائف… قضيتنا يفترض أن تمضي في محاربة الفكر الديني، كما يجتره شيوخ فتاوى التحريم ورضاعة الكبير وحل الدماء… ولن يكون هناك سلام ولن يكون هناك تقدم ولا حداثة بغير قيام دول علمانية ديمقراطية تنهض على وعي إنساني وتؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية من غير أن تفرض جماعة معينة فكرها وعقيدتها على الآخرين، ولو كان "الآخرون" أقليات والأولون هم الأكثرية.
لا تبحثوا عن الأنياب المكشرة لفك القانون المرتخي ولا عن بقايا الخيام المفككة، ابحثوا عن الثقافة الإنسانية الغائبة، ابحثوا في معارض الكتاب التي تقيمها الدولة، وشاهدوا نوعية الكتب التي يروج لها والكتب الممنوعة والمحرمة في دولة الرقباء والأوصياء، فتشوا عن الرياء الديني في خطابات الرسميين واستغلالهم للفكر الديني بكل مناسبة وطنية، فالدين هو الرافعة للنظام حين تغيب الشرعية الديمقراطية الصحيحة… ابحثوا في مناهج التعليم وماذا يتعلم الأطفال في المدارس… وماذا يتلقنون في المنازل ودور العبادة… تأملوا السباق الحثيث على أولوية "الشرعية" الدينية بين الخطاب الحاكم والخطاب الشعبي الراسخ في التخلف… ابحثوا في أضابير الفساد السياسي والإداري ومواقف القوى التي تزعم تقدميتها في تلك القضايا… وبعدها يمكنكم الحديث عن الوحدة الوطنية.