هل أنا في حلم أم في علم؟ هل توقفت الأرض عن دورانها فجأة أثناء مرور الكويت بجانب فرنسا فأصابتنا عدوى الديمقراطية وقبول الرأي الآخر؟
كنت قد اعتدت، بعد كل مقالة أكتبها أنتقد فيها شخصية ما، على عدة ردود أفعال (وأظن أن الزملاء يتعرضون مثلي للحالات التي سأسوقها)… إما أن تبعث هذه الشخصية رداً مكتوباً تبين فيه موقفها فأنشره في عمودي الصحافي، وهذه حالة نادرة، لا أظنها تكررت أكثر من خمس مرات أو ست… أو تهاتف هذه الشخصية ناشر الجريدة أو رئيس تحريرها متذمرة شاكية باكية، دموعها كالساقية، وهذه الحالة تتكرر باستمرار… والحالة الثالثة هي أن تهاتف الشخصية التي انتقدتها أحد معارفي أو زملائي لتصبّ عليه «التشرّه» والعتب: «قل للوشيحي أنني منه وفيه، وصحيح أنني حضري لكن شقيقي مناسب العجمان، فهل يفعل العجمان بأنسبائهم ما فعله الوشيحي بي؟»، على اعتبار أن «مَن ناسبَ العجمان فهو آمن»… أو يهاتفني المسؤول الذي انتقدته مباشرة معاتباً ولائماً ومكذّباً ما جاء في المقالة… أو يأخذها المسؤول من قصيرها ويرفع عليّ دعوى قضائية… أو يتجاهل المسؤول مضمون المقالة ويطنش، وهذه حالة نادرة… أو ينتقم المسؤول فيهاجمني في كل مناسبة (النائب حسين القلاف مثالاً)… بالإضافة إلى تعليقات المعلقين وتدوينات المدونين الذين ينتفضون دفاعاً عن هذا المسؤول أو ذاك…
لكنّ أمراً ما حدث صباح الخميس الماضي كان أقرب إلى المعجزة. أمر جعلني أقف حائراً مشدوهاً، فاغراً فمي «كأنّ على عقلي الطير» كما يقول الأديب العميق يوسف إدريس رحمه الله. إذ بعد أن نشرت «الجريدة» مقالتي الماضية «شوية نفاق بالفستق واللوز» في موقعها الإلكتروني منتصف ليل الأربعاء – الخميس جاءني اتصال من هاتف لا أعرفه، فأهملته، فجاءني اتصال صباح الخميس من المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية العميد محمد هاشم الصبر… «أهلاً أبا هاشم»، قلت ذلك وأنا أتحسس مسدسي وأتفقد طلقاته، فإذا هو يضحك ضحكته العملاقة التي تتناسب وحجمه الماردي العملاق «هاهاها الله يغربل ابليسك يا بو سلمان على مقالة اليوم»، فتذكرت عمنا «نيوتن»، فرددت بضحكة عملاقة مساوية لها بالمقدار مخالفة لها في الاتجاه، والجروح قصاص… فصعقني: «معك حق، أنا أخطأت، ما كان يجب أن يكون تصريحي بهذا الشكل»! فاستفسرت بصوت مذهول مهزول: «عفواً أبا هاشم، كرر ما قلت، لم أسمعك»، فكرر وأعاد، وقبل أن يسترسل قاطعته: «يا حبيبنا العميد، نحن في الكويت فكيف تعتذر وتقرّ بالخطأ؟ ألا تعلم أن مسؤولينا لا يخطئون ولا يفسدون، الكويت هي التي فسدت من تلقاء نفسها، ومن دون فعل فاعل»، فواصلَ حديثه، وهو ما لا يهمني (مع التقدير)، بقدر ما أذهلني قبوله الانتقاد بروح رياضية، واعترافه بالخطأ، وثقته بنفسه…
والحمد لله الذي أحياني إلى هذا اليوم، وأنا الذي كنت أقول «لن يعترف مسؤول كويتي بخطئه إلا إذا ولجَ الجمل في سَمِّ الخياط»، وها هو الجمل يلج.
***
ما فعله الخاسر الخسيس يهزّ الأبدان والأوطان، لا شك، لكن رئيس الوزراء بالنيابة معالي الشيخ جابر المبارك ليس من المسؤولين الذين يتربحون من التفرقة والفتن، وقد أعلن أنه سيتخذ الخطوات اللازمة، فلنثق به ولنعطه الفرصة ولنهدأ قليلاً فنلتفت إلى مصالح الناس. أرجوكم ضعوا نقطة في آخر السطر.