كارثة الدولة اليوم ليست في ياسر حبيب وما كتبه في موقعه الإلكتروني، فبالأمس كان ياسر، وغداً سيخرج علينا ألف واحد من شاكلة ياسر مفصل على مقاس التطرف الجعفري، وسيقابله أكثر من ألفين من جماعات التطرف السني، وعندنا "خير وايد" من الطرفين، كارثتنا الآن في ردود الفعل على ياسر من "الأغلبية" الأصولية المهيمنة على ثقافة المجتمع.صور نشرتها جريدة الوطن بالأمس عن "التجمع الحاشد" (بتعبير الوطن) لندوة "ثوابت الأمة" لا تختلف في رمزيتها عن حشود مماثلة جرت في باكستان وأفغانستان وعدد من الدول الإسلامية. هناك في تلك الدول، التي تقبع في الدرك الأسفل من التخلف الثقافي والاجتماعي، سرعان مما تتطور الأمور فيها إلى عمليات حرق دور عبادة وعمليات تفجير انتحارية وقتل جماعي لقبائل "التوتسي" الجعفرية (رواندا وزائير في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي)، أقصد وأعي تماماً أن قبائل "الهوتو والتوتسي" في زائير (الكونغو سابقاً) لا علاقة لها بالإسلام ولا بطوائفه الدينية، لكنها تتحد وتتماثل في العقلية القبلية العنصرية سواء أفصحت عن نفسها بالنعرة القبلية أو تسترت بالرداء الديني أو الطائفي، فالجوهر واحد اسمه "أنا وأخي على ابن عمي وأنا وابن عمي على الغريب…" و"أنا" وحدي صاحب الدين الحقيقي، وأنا وحدي ذو المذهب الأصيل، وأنا وحدي مالك الحقيقة الكاملة، وتاريخي وتاريخ علمائي (فقهائي) هو التاريخ الصحيح… فنعلن الحرب على "الآخر" الخارج عن الملة… الخارج عن الدين… الخارج عن القبيلة… الخارج عنا وعن الجماعة ونحن الجماعة لا غيرنا…!
ماذا بعد… وماذا ننتظر من "ثوابت الأمة"، والثوابت لا تعني غير أن الزمن لا يتقدم ولا يمضي، والتاريخ تم تحنيطه منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة… لنقف ونسأل السادة النواب الذين تجمعوا في ندوة "الثوابت" الحاشدة ماذا يريدون؟ وماذا تركتم للعقل ولحكم القانون بعد أن زايدتم وأججتم العواطف المذهبية والدينية…؟ نسألكم ما إذا كنتم مجرد انعكاس وصور باهتة تتماهى مع مشاعر الناخبين وعواطفهم أم أنكم قادة عقل وحكمة رأي ترفعون مشاعل التنوير والوحدة الوطنية وقبلها "الوحدة الإنسانية" للأمة…؟ أعتقد أنكم تعرفون الإجابة… فقد أشعلتم النار في حطب التخلف بالدولة… فليزد لهيبها لتنير لكم الطريق لكهوف تورا بورا.