تعتبر فارس أول امبراطورية في الشرق، وربما في التاريخ، ولكنها لم تعرف الاستقرار السياسي إلا على يد قورش الكبير عام 500 ق.م. وكانت لأكثر من الف عام تدين بالزرادشتية قبل ان يطيح المسلمون العرب بنظام حكمها ودينهم في الفترة من 656/633 م ليخضعوا للأمويين، ثم العباسيين، قبل ان يعود الحكم لهم لتصل الى الصفويين في 1501، والذين قلبوا مذهب الدولة السني الى الشيعي، لينتهي حكمهم عام 1722، ويأتي بعدهم الافشار، والزنديون، ثم القاجار الذي حكموا حتى 1925 عندما استولى الضابط رضا خان على الحكم، واطلق على نفسه لقب «بهلوي»، وهو اسم اسرة حاكمة قديمة، وليغير اسم فارس الى ايران، انسجاما مع شوفينيته، لان الاسم مشتق من «آريون» وتعني «الجنس الأكثر نقاء»، والذي اطلقه هتلر بعدها على عرق شعبه وصنف العالم من تحته.
وقد عزل الحلفاء رضا شاه بعد الحرب العالمية الثانية، ونصبوا ابنه محمد رضا على عرش الطاووس، ليطرده الخميني عام 1979، ويؤسس جمهورية اسلامية، ويطبق نظام ولاية الفقيه.
خلال هذه الفترة، وحتى مجيء الخميني، طرأت تغييرات عدة على طريقة عيش الايراني، من لباس وتصرف وطعام، وطال التغيير التقويم الفارسي وطريقة كتابة الارقام، كما استبدلت الأحرف الفارسية القديمة، «بهلوي»، بالأحرف العربية، ولكن كل تلك التغيرات حدثت بلمسة فارسية واضحة، فبالرغم من ان اللغة الفارسية دخلتها كلمات عربية عدة، فانها حافظت على تميزها بالابقاء على حروفها الاربعة الاضافية التي لا تعرفها العربية، كما استمر الشعب الايراني في الاحتفال بأعياده الوثنية والزرادشتية القديمة، والتي اوقف النظام الحالي الاحتفال بها، ولو بصورة مؤقتة، اما التقويم فقد اختاروا ان يكون هجريا وشمسيا في الوقت نفسه، فالأشهر شمسية وفق تقويم وضعه عمر الخيام، اما السنة فهجرية وتعادل 1431 لدينا.
وخلال فترة حكم المغول، كانت اللغة الفارسية لغة القارة الهندية الرسمية، وبقيت متداولة في كشمير حتى عام 1900، كما كانت لغة رسمية في تركيا لبعض الوقت، واليوم يتكلم بها 130 مليون نسمة في افغانستان وطاجيكستان اضافة لإيران، وبسبب كبر مساحة ايران (1648000 كم 2) فهي تجاور باكستان وافغانستان وتركمانستان وارمينيا واذربيجان وتركيا والعراق والخليج العربي (الفارسي) وخليج عمان، وقد تأثرت ايران بها جميعا، ولكن تأثيرها عليها لغة وعادات وتقاليد ودينا ومذهبا وفنا كان اكبر بكثير. ويبلغ عدد سكانها ثمانين مليونا وجميعهم مسلمون، عدا 2 – 3 في المائة مسيحيين ويهود وبهائيين وزرادشتيين.
ويعتقد غالبية مؤرخي الاسلام ان المجتمع الايراني في بداية القرن السابع كان آيلا للسقوط بسبب انتشار الفوضى والفساد فيه قبيل الغزو العربي، وان الفرس رحبوا بالجيوش الاسلامية، ولكن آخرين يعتقدون العكس، ان الايرانيين حاربوا العرب بشراسة، وعندما انهزموا وجهوا جهودهم نحو احتواء الاسلام بطريقتهم الخاصة ومعارضة النفوذ العربي الثقافي، ونجحوا الى حد كبير في فرض اساليبهم وطرق معيشتهم المرفهة على الغزاة، بالرغم من تضارب مشاعر الكثيرين، فقد وجد فيه البعض الرحمة والخلاص من الضياع الديني، والاستدلال على الايمان الصحيح، فيما رآه آخرون امرا مهينا واستسلاما لقوى غازية، وكلتا وجهتي النظر، وفق قول المؤرخ والفيلسوف برنار لويس، صحيحة. ويقول كذلك ان ايران بالرغم من تقبلها الاسلمة، فانها رفضت «التعريب»، فبعد فترة صمت او خمود، خرجت بنسخة مختلفة من الاسلام، ولكن من دون الخروج عن مبادئه، بحيث اضافت كثيرا له ثقافيا وسياسيا وحتى دينيا، وهذا النوع المعدل من الاسلام، الاكثر تسامحا من العادات والتقاليد المحلية، هو الذي انتشر بعدها في تركيا ودول آسيا الوسطى والهند وافغانستان، كما لا يمكن تجاهل دور ايران الحيوي في الثقافة والعلوم الاسلامية وتأثيرها البالغ في كل حقل، بما في ذلك الشعر العربي، والذي نحل فيه الشعراء الايرانيون باللغة العربية الشيء الكثير، وأصبح تأثيرهم كبيرا الى درجة اطلق عليه برنار لويس وصف «الاسلام الاعجمي»، وهو الذي تقبله غير العرب بترحاب اكبر، عوضا عن الاسلام العربي الاكثر تشدداً، والاعجمي هنا تعني غير العربي، وليس الفارسي فقط، كما يشاع خطأ.
أحمد الصراف