محمد الوشيحي

زعماؤنا الأتقياء… بركة

الأوروبيون واليابانيون والأميركان بطبيعتهم لا يعتمدون على الخدم، وليس لعماراتهم التي يقطنونها حراس. قد تجد رجل أمن، أو رجال أمن على مدخل البناية، لكنك لن تجد "عم زينهم" بجلابيته وعمامته يمسح الدرج ويسكن في بئر السلم، وروح يا عم زينهم للسوبر ماركت، وتعال يا عم زينهم شيل وحط.

وقبل نحو أسبوع، اصطحب الرئيس الألماني كريستيان فولف زوجته وراحا يبحثان عن حضانة يضعان طفلهما فيها، ليقضي هناك الفترة الصباحية، أثناء انشغالهما في وظيفتيهما، كحال غالبية الألمان، لكنهما لم يجدا مقعداً للطفل، فسجّلا اسمه في قائمة الانتظار، فراحت الصحف تسخر منه: "كاك كاك كاك تستاهل أنت وحكومتك التي لم توفر حضانات بعدد كاف"… ورغم "بروتوكولية" منصبه فإنّ الصحف سنّت رماحها "وزعْفَرَت" خيلها وشنّت عليه غاراتها الساخرة إلى هذه اللحظة.

وقبل نحو سنة، فقدت المحللة الاقتصادية "سوزان شميت" ابنة مستشار ألمانيا الأسبق (أي رئيس الوزراء) هيلموت شميت وظيفتها الصحافية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فبحثت عن وظيفة أخرى، وبحثت، وبحثت، فأعياها البحث، فألّفت كتاباً أسمته "سوق بلا أخلاق"، فرزقها الله من حيث لم تحتسب.

وفي أميركا، عجز صاحب المنصب الأكبر في العالم، الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن الحصول على فيزا لعمّته كي يدخلها أميركا ويتولى رعايتها وعلاجها.

ولو لعب أحد الرئيسين، الألماني أو الأميركي، بذيله واستخدم نفوذه بصورة غير قانونية لأخذ على قفاه الكريم، ولعلّقته الصحف من كراعينه، ولضحك عليه المارة وعابرو السبيل إلى أن يتساقطوا على ظهورهم وجباههم وجنوبهم… معلش، أنت تتحدث عن شعوب لها كبرياؤها وأنفتها وشموخها المرعب، وتتحدث عن قانون له أشناب وهيبة مخيفة. وإن كنت "ناسي" أفكرك بما فعله الفرنسيون في رئيسهم ساركوزي، الذي تهوّر ومنح ابنه جان، رغم أحقيته وأهليّته، منصب محافظ مدينة "لاديفانس"، وقد كتبتُ عن هذا سابقاً في هذه الجريدة، وكتبتُ عن مانشيتات الصحف الفرنسية وكاريكاتيراتها الساخرة في مقالة بعنوان "البطيخ أحلى من التفاح". ابحث عن المقالة إذا كان الأمر يهمك، وستجدها في أكثر من مئة موقع عربي، لتكتشف شدة عطش العرب.

وفي بلداننا العربية، حيث يتشدق الزعماء بالدين وتعاليم الدين والحلال والحرام، وتلتقط الكاميرات صورهم في صلاة العيد (أخذتُ جولة على الصحافة العربية ثاني أيام العيد فهالني منظر صور الزعماء العرب الأتقياء وهم يتصدرون الصفوف الأمامية في المساجد، فضحكت وضحكت وضحكت حتى جفت دموعي)، أقول، في بلداننا المتديّنة يفعل سكرتير الوزير (لم أقل الوزير ولا الرئيس) ما لا يفعله باراك أوباما وساركوزي وميركل مجتمعين، فتطأطئ الصحف ويركع الصحافيون، فيعارض صحافي "مقرود" فتتهمه "صحافة هياتم" بالخيانة وقلة الأدب والتطاول على سكرتير وزير ولاة الأمر… هاهاها.

وفي اليابان، اخترع العلماء أثاث بيت تكنولوجياً متعدد الاستخدامات، فاخترع زعماؤنا المسلمون ديناً متعدد الاستخدامات، فهو مرّة قناع، ومرة "بشت"، ومرة عصا، ومرة إبرة مخدر، ومرة حبل مشنقة، ومرة مفتاح خزينة… أعز الله دينه عنّا، نحن المسلمين، وعن صحافتنا الراقصة.

حسن العيسى

لستم وحدكم الكويت

لا جديد غير شريط أولياء الدين والعادات والتقاليد، يعيدون ترديده مرة ثانية وثالثة… وألف مرة، من دون ملل ولا تعب، ولا يتركون للبشر حتى فسحة صغيرة يتنفّسون منها، يستلذّون تماماً في جَلْدِنا بالملل وتفاهة قضاياهم الكبرى حين يتدخلون في أدقِّ خصوصيات الناس، يحشرون أنوفهم في أبسط حقوق خلق الله، ويصدرون أحكام الإدانة الاجتماعية من غير سماع أقوال المتهمين المبتلين بهم. صاروا قضاةً من دون قانون ولا عدالة، فهم ليسوا مشرّعين فقط، بل قضاة وفقهاء وعلماء دين وأساتذة في علوم الاجتماع، وهم الآباء الأوصياء علينا نحن القُصَّر المشمولين برعايتهم وعصيّهم حين ترتفع إلى الأعلى وتهوي على ظهورنا من دون رحمة، فهم وسطاء الرحمة وهم من لديهم مفاتيح أبواب الحلال والحرام، الجائز وغير الجائز، هم "لويس الرابع عشر" بعباءة التقوى الدينية والتزمّت الاجتماعي، فهم الدولة والدولة هي هم.
خبر بسيط فتح شهية الأولياء من بعض نواب الأمة ليلتهموا منه قضيتهم "وحقوق" الولاية التعيسة المفروضة علينا…!
تم "ضبط" عسكري وعسكرية في وضع "مثير" بسيارة مظلّلة النوافذ بأكثر من ظلال هذه الثقافة التي ننهل منها، وركض النائب محمد هايف معايراً وزارة  الداخلية وشامِتاً بها ومذكِّراً إياها بنصائحه وتحذيراته السابقة بعدم التزام الشرطة النسائية "أصول اللباس الشرعي"! والود وده وود غيره من جماعته أن يقول لهذه الوزارة وبقية مؤسسات الدولة: لماذا تعمل النساء أساساً؟ ولِمَ لا "يقرن في بيوتهم" يجتررن عطالة الفكر وبطالة الفراغ وينتظرن الرجال القوامين عليهن للقيام بالواجب المفروض؟ هل اللباس العسكري "للمتهمَين"، وهما متهمان قبل حكم القانون، يعد سبباً قاطعاً لتحصينهما من الخطأ أو "الخطيئة" كما يريد حضرة النائب؟ فهل سمعتَ دفاعهما؟ وهل عرفتَ ظروفهما، وهل قطعتَ بحكم الإدانة وفضح خلق الله من غير داعٍ…؟
ماذا تركتَ لهما يا حضرة النائب من دفاع وبيان حقيقة ما حدث، وهل ستستقيم أخلاق المجتمع من جريرة "العصاة" حين مسكت أبواق الفضائح تنفخ بها لهيباً حارقاً على الأفراد بعدما حدث…؟ وهل سيصير مجتمعنا هو الكامل وجمهورية أفلاطون الفاضلة حين تقلبه إلى قندهار ثانية…؟
الأبطال الأولياء هنا في "جريمة الفعل الفاضح المخل بالحياء العام"، هم ذواتهم الأبطال في رغاء ياسر حبيب ونبشه تاريخ الفتن! نسي أبطالنا أن الدولة الكويتية لم تعد هي الدولة سابقاً قبل "تحرير" العراق وقبل قيام الثورة الإيرانية، كانت الكويت تعيش "قليلاً" من التسامح الاجتماعي، وقليلاً من التسامح الديني، لكنها لم تعرف في تاريخها -على عكس ما يتصور الحالمون بالماضي "الليبرالي"- متسامحةً في أساسها… لكن اليوم وببركات الأولياء ومفسّري الأحلام ومروّجي حبة البركة ونجوم حلقات الوعظ الديني في تلفزيونات الإعلانات الفجة وأسواق الاستهلاك، أضحت على شفا الهاوية الطائفية، وقرب بداية الحروب الدينية، بعد أن كُرِّست ثقافة عنوانها الكبير "نحن وحدنا أصحاب الحقيقة المطلقة، ونحن وحدنا الناجون من النار والبقية في جهنم وبئس المصير…".
ليتكم قرأتم تاريخ "الحروب الدينية" أو حرب المئة عام في أوروبا العصور الوسطى، وهي حرب القوميات المتشظّية والعصبيات الدينية بعد ظهور مارتن لوثر ونشر البروتستانتية في أوروبا.
ليتكم تتابعون ما جرى ويجري في العراق وقبله في لبنان واليمن وباكستان والصومال… هل سنتحول إلى صومال جديد أم يمن تعيس…؟ ارحمونا يا ناس وارحموا هذا الوطن… وكلمة شكر أقولها لرئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس الأمة، فقد كانا أكثر وعياً وأكثر حصافةً وإدراكاً لحكم القانون من نواب الأمة في تصريحاتهم بدعوات سحب الجنسية عن ياسر حبيب… ركدوا أنفسكم وركدوا ناخبيكم، فلستم وحدكم الدولة ولستم وحدكم الكويت.

احمد الصراف

الشكر للقس الأخرق

عندما التقيت المرحوم أحمد البغدادي لأول مرة، كان ذلك بعد التحرير بسنتين، سألته عما يدفعه إلى الكتابة، فقال باختصار شديد: لإبراء الذمة! ومنه تعلمت ذلك، وهنا أكتب اليوم لأبرئ ذمتي، فنحن أحوج ما نكون، كأفراد ومجتمعات، إلى أن نقوم بذلك، ونصرح بما نعتقده أنه الصواب، حتى ولو لم يعجب ذلك البعض منا، فالشرور في العالم لم تحدث فقط لوجود أشرار، بل وأيضا لأن غيرهم اختار الصمت، وفي هذا السياق تعتبر قصة القس الألماني مارتن نيموللر، الذي توفي قبل ربع قرن عن 92 عاما، الأشهر في هذا المجال. كان نيموللر ناشطا اجتماعيا ألمانياً يميل للمحافظة، وبالرغم من أنه أيّد النازية في بداية حياته، إلا أنه اختلف معها تاليا، وأسس كنيسة «الاعتراف» التي عارضت تحويل ألمانيا للإيمان بالفكر النازي، خاصة ما تعلق بسمو الجنس الآري، وقال انه ادعاء لا يتفق والقيم المسيحية، وقد عانى كثيرا نتيجة مواقفه، ونجا من الموت بأعجوبة، ولكن قضى 8 سنوات صعبة في معسكرات الاعتقال النازية حتى انتهاء الحرب العالمية الثانية، حيث أبدى بعدها أسفه الشديد لعدم قيامه بفعل ما يكفي لمساعدة ضحايا النازية، وقد غير فكره الوطني، وأصبح أمميا أكثر ومناوئا للحروب، وداعيا إلى نزع أسلحة الدمار الشامل. وعلى الرغم من مواقفه من النازية، فإن البعض رأى فيها انتهازية واضحة، فهو لم يتحرك إلا بعد أن هاجم هتلر الكنائس! ما يهمنا من سيرة الرجل ما قاله بعدها، والذي اعتبر ابلغ ما قيل في موضوع إبراء الذمة، وعدم السكوت عن الخطأ: «… لم اشعر بارتياح كبير عندما تعرض الشيوعيون في ألمانيا للهجوم والتصفية من قبل النازيين، ولكني لم أحرك ساكنا، فلم أكن على أي حال شيوعيا. وعندما داروا على الاشتراكيين لم أفعل شيئا أيضا، ثم اتجهوا بهجومهم وتخريبهم وسيطرتهم على المدارس والصحافة واليهود وهكذا، وكنت خلالها أشعر بالضيق، ولكني لم افعل شيئا، ثم بدأوا بمهاجمة الكنائس، وكنت قسا لاحداها، وهنا قررت التحرك والاعتراض، ولكن هنا لم يتبق أحد ليقف معي في محنتي، فقد تحركت متأخرا جدا». اليوم، لو نظرنا لكل ردود الفعل الغاضبة التي صدرت عن العالم الإسلامي والمظاهرات وحرق الأعلام الأميركية والتهديدات بقتل المسيحيين وتخريب مصالحهم، بسبب ما أبداه قس أميركي أخرق من نية في حرق نسخ من القرآن، لتبين لنا كم الحساسية المفرطة التي أبديناها تجاه ذلك الحدث، وكيف أن القرآن عزيز على النفوس وجدير بالتقدير، ولكننا وطوال عقود وقرون لم نكتشف، أو ننتبه، أو حتى نشك بأن للآخرين أيضا كتبهم ومقدساتهم وآلهم وأصحابهم، ولو بمفهومهم الخاص. وإن كانت مبادئ حرية القول والنشر في البلاد الغربية تسمح لوسائل إعلامهم والغير بانتقاد رموزهم الدينية، أو التعامل باستخفاف مع كتبهم المقدسة، فهذا لا يعني أن مشاعرهم جميعا متساوية، فالغالبية ترى عكس ذلك وتؤمن بقداسة شخصياتهم الدينية، ولا يزال الإنجيل هو الذي يؤدى القسم عليه في المحاكم الغربية من دون استثناء، وفي مراسم تنصيب الرؤساء وكبار مسؤولي الدولة. كما نجد نسخاً منه في كل غرفة من فنادق أوروبا وأميركا، وبالتالي إذا أراد المسلمون، والجهلة المتعصبون منهم بالذات، وما أكثرهم، من الآخرين احترام مقدساتهم، فعليهم احترام مقدسات هؤلاء وشجب وإدانة كل تعد عليها، فكم من هؤلاء دان تفجير تمثالي بوذا في أفغانستان، واعترض على حرق كتب المسيحيين واليهود في شوارع باكستان وشجب، فقط شجب، قتل المدنيين الأبرياء في عديد من الدول الإسلامية لمجرد أنهم غير مسلمين، وماذا عن الشتائم المقذعة التي تصدر عن كثير من أئمة المساجد والقنوات التلفزيونية بحق كل من ليس على مذهبهم. فإذا كانت مشاعرنا رقيقة كالزجاج، فيجب ألا نرمي مشاعر الآخرين بالحجر، وهنا ربما علينا شكر القس الأخرق على فعلته التي لم تتم، لأنها بينت كم تطرفنا ومدى حاجتنا لاحترام الغير ومقدساته!

أحمد الصراف