الأوروبيون واليابانيون والأميركان بطبيعتهم لا يعتمدون على الخدم، وليس لعماراتهم التي يقطنونها حراس. قد تجد رجل أمن، أو رجال أمن على مدخل البناية، لكنك لن تجد "عم زينهم" بجلابيته وعمامته يمسح الدرج ويسكن في بئر السلم، وروح يا عم زينهم للسوبر ماركت، وتعال يا عم زينهم شيل وحط.
وقبل نحو أسبوع، اصطحب الرئيس الألماني كريستيان فولف زوجته وراحا يبحثان عن حضانة يضعان طفلهما فيها، ليقضي هناك الفترة الصباحية، أثناء انشغالهما في وظيفتيهما، كحال غالبية الألمان، لكنهما لم يجدا مقعداً للطفل، فسجّلا اسمه في قائمة الانتظار، فراحت الصحف تسخر منه: "كاك كاك كاك تستاهل أنت وحكومتك التي لم توفر حضانات بعدد كاف"… ورغم "بروتوكولية" منصبه فإنّ الصحف سنّت رماحها "وزعْفَرَت" خيلها وشنّت عليه غاراتها الساخرة إلى هذه اللحظة.
وقبل نحو سنة، فقدت المحللة الاقتصادية "سوزان شميت" ابنة مستشار ألمانيا الأسبق (أي رئيس الوزراء) هيلموت شميت وظيفتها الصحافية بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فبحثت عن وظيفة أخرى، وبحثت، وبحثت، فأعياها البحث، فألّفت كتاباً أسمته "سوق بلا أخلاق"، فرزقها الله من حيث لم تحتسب.
وفي أميركا، عجز صاحب المنصب الأكبر في العالم، الرئيس الأميركي باراك أوباما، عن الحصول على فيزا لعمّته كي يدخلها أميركا ويتولى رعايتها وعلاجها.
ولو لعب أحد الرئيسين، الألماني أو الأميركي، بذيله واستخدم نفوذه بصورة غير قانونية لأخذ على قفاه الكريم، ولعلّقته الصحف من كراعينه، ولضحك عليه المارة وعابرو السبيل إلى أن يتساقطوا على ظهورهم وجباههم وجنوبهم… معلش، أنت تتحدث عن شعوب لها كبرياؤها وأنفتها وشموخها المرعب، وتتحدث عن قانون له أشناب وهيبة مخيفة. وإن كنت "ناسي" أفكرك بما فعله الفرنسيون في رئيسهم ساركوزي، الذي تهوّر ومنح ابنه جان، رغم أحقيته وأهليّته، منصب محافظ مدينة "لاديفانس"، وقد كتبتُ عن هذا سابقاً في هذه الجريدة، وكتبتُ عن مانشيتات الصحف الفرنسية وكاريكاتيراتها الساخرة في مقالة بعنوان "البطيخ أحلى من التفاح". ابحث عن المقالة إذا كان الأمر يهمك، وستجدها في أكثر من مئة موقع عربي، لتكتشف شدة عطش العرب.
وفي بلداننا العربية، حيث يتشدق الزعماء بالدين وتعاليم الدين والحلال والحرام، وتلتقط الكاميرات صورهم في صلاة العيد (أخذتُ جولة على الصحافة العربية ثاني أيام العيد فهالني منظر صور الزعماء العرب الأتقياء وهم يتصدرون الصفوف الأمامية في المساجد، فضحكت وضحكت وضحكت حتى جفت دموعي)، أقول، في بلداننا المتديّنة يفعل سكرتير الوزير (لم أقل الوزير ولا الرئيس) ما لا يفعله باراك أوباما وساركوزي وميركل مجتمعين، فتطأطئ الصحف ويركع الصحافيون، فيعارض صحافي "مقرود" فتتهمه "صحافة هياتم" بالخيانة وقلة الأدب والتطاول على سكرتير وزير ولاة الأمر… هاهاها.
وفي اليابان، اخترع العلماء أثاث بيت تكنولوجياً متعدد الاستخدامات، فاخترع زعماؤنا المسلمون ديناً متعدد الاستخدامات، فهو مرّة قناع، ومرة "بشت"، ومرة عصا، ومرة إبرة مخدر، ومرة حبل مشنقة، ومرة مفتاح خزينة… أعز الله دينه عنّا، نحن المسلمين، وعن صحافتنا الراقصة.